المركز العربي للبحوث والدراسات : تحدي آخر .. معضلة تشكيل الحكومة في تونس (طباعة)
تحدي آخر .. معضلة تشكيل الحكومة في تونس
آخر تحديث: الأربعاء 23/10/2019 06:38 م
محمود جمال عبد العال محمود جمال عبد العال
تحدي آخر .. معضلة

أفضت نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية إلى وصول شخصية غير محسوبة على الكيانات والأحزاب التقليدية في تونس، وهو أستاذ القانون الدستوري "قيس سعيد". انعكست هذه النتائج على أداء الأحزاب في الانتخابات التشريعية التي أبرزت حالة من عدم الثقة واللا يقين بين المواطنين والقوى السياسية التقليدية خاصة من تصدر منها الحكم بعد 2011 مثل حزب حركة النهضة الذي فاز بـ 52 مقعد من أصل 217 مقعدًا لمجلس نواب الشعب، وحزب نداء تونس الذي حصل على 3 مقاعد إضافة إلى صعود حزب "قلب تونس" الذي يتزعمه المرشح الرئاسي الخاسر في جولة الإعادة "نبيل القروي".  

سنحاول في هذا التقرير تناول إشكالية تشكيل الحكومة خاصة في ضوء التفتت الحزبي داخل مجلس نواب الشعب، ومحاولة قراءة المشهد السياسي التونسي فيما يتعلق بالتقارب والتباعد بين الأحزاب التي يُمكن أن تكون أطرافًا فاعلة في مشاورات تشكيل الحكومة.

سلطات رئيس الحكومة

                حاول الدستور التونسي صنع حالة من عدم التوازن في الاختصاصات بين سلطتي رئيس الجمهورية المنتخب، ورئيس الوزراء الذي يُمثل الأغلبية البرلمانية داخل مجلس نواب الشعب. وينص الدستور في تونس على قصر سلطة رئيس الجمهورية في تسيير شؤون الدفاع والسياسة الخارجية والأمن الداخلي، فيما يهيمن رئيس الحكومة على بقية الاختصاصات مثل تسيير شئون الاقتصاد والتعليم والصحة(1).

أدى هذا الخلل بعددٍ من مرشحي الرئاسة مثل الرئيس الحالي "قيس سعيد" بتضمين خطط تعديل الدستور داخل برنامجه الانتخابي، ولكن يُقابل ذلك بمعارضة شديدة من حزب حركة النهضة الذي يميل إلى تمكين النظام البرلماني في تونس. ومن المستبعد أن يُقدم الرئيس الحالي على هذه الخطوة خاصة ان تعديل الدستور يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب، وهو ما لا يقدر عليه الرئيس الحالي المنحدر من خلفية أكاديمية وليست سياسية بعكس حزب حركة النهضة الذي يسعى لتشكيل تحالف حكومي يتكون من 109 نائب لضمان تشكيل حكومة ائتلافية برئاسته.

معضلة التوافقات الحكومية

ينص الدستور التونسي على تكليف المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بتشكيل الحكومة. وفي ضوء نتائج الانتخابات الحالية فإنه من المفترض أن يدعو "قيس سعيد" فور قسمه لليمين القانونية حزب حركة النهضة لتشكيل الحكومة، ولكن سيواجه حزب حركة النهضة تحديات كبيرة تتعلق بحالة التفتت الحزبي التي أفرزتها انتخابات 2019 التشريعية.

ولا يمتلك أيٍ من الأحزاب الأغلبية أو حتى الأكثرية المريحة سواءً كان حزب حركة النهضة الذي يسيطر على حوالي 24% من المقاعد، أو حزب قلب تونس الذي يمتلك 17.5% من المقاعد(2). ووفق سيناريوهات التحالفات الحزبية، من المفترض أن يأتلف حزبي حركة النهضة وقلب تونس للتوافق على تشكيل الحكومة باعتبارهما أكثر الأحزاب حصولًا على المقاعد، ولكن هذا قد لا يكون سهلًا إلى هذه الدرجة؛ حيث رفض حزب قلب تونس الحائز على المركز الثاني التحالف مع حزب حركة النهضة وأن الحزب يفضل خيار المعارضة عن التحالف مع الحركة الإسلامية. من جهته، أعلن حزب حركة النهضة عدم دعمه التحالف مع حزب قلب تونس لارتباط زعيمه بتهم تتعلق بالفساد المالي والتهرب الضريبي.

سيدفع ذلك حزب حركة النهضة للبحث عن تحالفات مع أحزاب أضعف لضمان الوصول إلى عدد الـ 109 نائبًا اللازمين لتمرير التشكيلة الحكومية. ويُدرك حزب حركة النهضة بشكلٍ أو بآخر تراجع شعبيته في تونس؛ حيث حصل على أغلبية المجلس التأسيسي في 2011، وفاز بحوالي 80 مقعدًا في انتخابات 2014 فيما وصل في الانتخابات الأخيرة إلى 52 مقعدًا، وهو ما يمثل تراجعًا كبيرًا في الشعبية بالنظر للفترة البسيطة التي حدث فيها هذا التراجع.

وينص الدستور التونسي على منح الائتلاف/الحزب الحائز على الأكثرية في مجلس نواب الشعب مدة شهر لتقديم تشكيلته للوزارة، وفي حال فشل يُمدد له شهر آخر، وعند تجاوز مدة الشهرين دون تمكنه من تقديم تشكيلة حكومية تنال ثقة مجلس نواب الشعب سيقوم رئيس الجمهورية بالتشاور مع الأحزاب والائتلافات والكتل لاختيار الشخص الأقدر لقيادة الحكومة، وفي حال فشل هذا الشخص بعد تدخل رئيس الجمهورية في الحصول على دعم الأغلبية لتشكيلته الحكومية يُحل مجلس نواب الشعب، ويدعو رئيس الجمهورية الى انتخابات جديدة في مده لا تجاوز تسعين يومًا. ويعتبر البعض أن النهضة ستقدم تنازلات مرغمة حتى لا تصل لمرحلة تدخل رئيس الجمهورية لتعيين الأقدر، فمعنى أن يُكلف شخص تكنوقراط من خارج المنظومة الحزبية فمن المتوقع ان تدعمه الأحزاب الرافضة لحركة النهضة والمستقلين داخل المجلس التشريعي دون الحاجة إلى الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

مواقف الأحزاب من حكومة النهضة          

قد ساعد فوز "قيس سعيد" بالانتخابات الرئاسية التونسية نحو تقارب عدد من الأحزاب كحركة الشعب وتحيا تونس والتيار الديمقراطي لتغيير وجهات نظرهم الرافضة للتحالف مع حزب النهضة الإسلامي، وطرح فكرة منح الثقة لحكومة حزب النهضة دون المشاركة فيها. واختار زعيم التيار الديمقراطي (22 مقعدًا)"محمد عبو" القيام بدور المعارضة المسؤولة داخل مجلس نواب الشعب، وفي حال الاضطرار إلى التحالف مع النهضة اشترط الحصول على حقائب الداخلية والعدل ووزارة للإصلاح الإداري، وهو ما يرفضه النهضة. ولكن تراجعت حدة هذه التصريحات بعد إعلان فوز "سعيد"، وأعلن "عبو"  أن حزبه سيدعم حكومة النهضة القادمة، وسيصوت لها ولكنه لن يشارك فيها. وأعلن "زهير المعزاوي أن حركة الشعب (16 مقعدًا) ستكون في صفوف المعارضة، ورفض الدخول في تحالفات مع حزب حركة النهضة معتبرًا أن الحكومات التي شارك فيها حزب حركة النهضة مسؤولة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. وتراجعت الحركة مؤخرًا معلنة تغليبها للمصلحة العامة والتصويت لحكومة النهضة دون المشاركة فيها، وكذلك الحال بالنسبة لحزب تحيا تونس الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي "يوسف الشاهد". ويمثل هذا الموقف لحركة الشعب والتيار الديمقراطي وتحيا تونس تخوفًا من تهديدات النهضة بالذهاب نحو إعادة الانتخابات التشريعية، وكذلك تغليبًا للمصلحة العامة(3). وأعلن ائتلاف الكرامة (21 مقعدًا) الذي يتكون من عددٍ من المستقلين أنه يمكن أن يتحالف مع حزب حركة النهضة رافضًا في الوقت نفسه التحالف مع حزب قلب تونس الذي رأى أنه تحوم حوله العديد من شبهات الفساد. واعتبر تحالف الكرامة أن أي تحالف بينه وبين حزب حركة النهضة سيكون وفق مطالب الثورة ومكافحة الفقر والفساد(4).

ورغم رفض أغلب الاحزاب المدنية الدخول في تحالفات مع حزب حركة النهضة إلا أنها قد تكون مضطرة للتصويت لها داخل مجلس النواب لتجاوز غضب التونسيين الذين ضاقوا من أداء الحكومات منذ عام 2011 بسبب ضيق أحوالهم المعيشية وتراجع خطط مكافحة الفقر والفساد وتراجع عوائد السياحة في ظل الأحداث الإرهابية التي ضربت البلاد من وقتٍ لآخر.

من ناحيته، اعتبر  راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة أن حزبه سيستمر في نهج الشراكة مع بقية الأحزاب وفق خطط مكافحة الفقر والفساد وحل مشكلات المواطنين اليومية. ورغم تصدر حزب حركة النهضة للنتائج إلا أنه سيواجه العديد من المشاكل المتعلقة بتشكيل الحكومة؛ إذ رفض عدد من الأحزاب المدنية التحالف معهم، وبالتالي قد لا يكون مؤهلًا لتشكيل الحكومة مما قد يؤدي إلى احتمال إعادة الانتخابات في حال عدم التوافق على رئيس للحكومة خلال 4 أشهر من تكليف رئيس الجمهورية للحزب الحائز على الأكثرية في مجلس نواب الشعب. واستبعد الحزب إمكانية التحالف مع حزب قلب تونس، والحزب الدستوري الذي يعتبره امتدادًا لنظام الرئيس التونسي الأسبق "زين العابدين بن علي". وألمح رئيس مجلس شورى "حركة النهضة" في تونس، "عبد الكريم الهاروني" إلى إمكانية ترشيح "الغنوشي" لرئاسة الحكومة في حال وافق هو على ذلك باعتباره زعيمًا للحزب(5). واعتبرت القوى المعارضة للحزب أن تصريحات قادة النهضة باستعدادهم لسيناريو إعادة الانتخابات يمثل تهديدًا لهم لإجبارهم على التحالف مع النهضة.

ختامًا؛ مثلت نتائج الأحزاب في الانتخابات التشريعية صدمة للنخب السياسية، وذلك للتركيبة الحزبية المفتتة التي أفرزتها. ومن المتوقع أن تنعكس هذه النتائج انعكاسًا خطيرًا على التشكيلة الحكومية التي إذا ما كُتب لها الخروج ستكون هشة مما سيؤثر سلبًا على الأداء الحكومي الخاص ببرامج الحكومة وخطط عملها، وهو ما جعل البعض يصفها بأنها ستكون عبارة عن حكومة تسيير أعمال تعمل على إرضاء كافة الأطراف المشكلة لمجلس نواب الشعب. ومن المؤكد أن ذلك سيشكل ضغطًا كبيرًا على الواقع السياسي التونسي لا سيما أن الناس تعيش حالة من ثورة التوقعات بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. 

الهوامش

1.     محمود جمال عبد العال، التصويت العقابي: دلالات النتائج المفاجئة للانتخابات الرئاسية التونسية (19/9/2019)، مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، الرابط: https://bit.ly/2IwVrdu

2.     الانتخابات التشريعية التونسية .. النتائج، والملامح، وعثر تشكيل الحكومة، المركز العربي للبحوث والدراسات، https://bit.ly/33J0e3V

3.     مع "حكومة النهضة" دون المشاركة فیھا/ تحیا تونس.. التيار الديمقراطي  وحركة الشعب.. "نصف الموقف" خوفا من إعادة التشريعية، الصباح،  https://bit.ly/2VVGlDU

4.        "إنقاذ" "وحدة" أم "نهضة".. سيناريوهات حكومة تونس المقبلة (تحليل)، وكالة الأناضول، الرابط: https://bit.ly/2OxJBUp

5.       تونس.. "حركة النهضة" تكشف عن مرشحها لرئاسة الحكومة، روسيا اليوم، https://bit.ly/31uztyv