ولد الاتحاد الإفريقي سياسياً وقانونياً في 25 مايو 2001
الذي صادف الإحتفال بيوم إفريقيا بعد التصديق على القانون التأسيسي للإتحاد، إلا
أن ولادته عمليا أجل إعلانها إلى آخر مؤتمر للوحدة الإفريقية، جاء الإتحاد
الإفريقي ليحل محل الوحدة الإفريقية والتي تكتلت بهدف أن لا يبقى أي بلد إفريقي في
أيادي الإستعمار. حيث ركز اجتماع رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية التي
عقدت بمدينة سيرت في 1،2 مارس 2001، قرار تأسيس الاتحاد الإفريقي بإجماع دول
الأعضاء، حيث أكدوا على استكمال المتطلبات القانونية لقيام الاتحاد، وعقدت قمة 37
لمنظمة الوحدة الإفريقية التي عقدت في العاصمة زامبية لوصاكا في 9، 11 جويلية
2001، القرارات الخاصة بتحول منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي وإعداد
مسودات البروتوكولات اللازمة المتعلقة بأعضاء الاتحاد ومؤسساته.
فبدأت الدول الأعضاء في الوحدة توقع على القانون
التأسيسي للإتحاد الإفريقي وانضمام الواحدة تلوى الأخرى، وهناك العديد من الدوافع
جعلت منظمة الوحدة الإفريقية تتحول إلى الاتحاد الإفريقي بطريقة عملية وليس حبر
على ورق. حيث اتفقوا على عدة نقاط عبر ستة مراحل خلال 34 سنة ليكتمل تنفيذها عام
2028.
حيث كان للجزائر دور فعال في رفع كفاءة المنظمة
وفعاليتها وكان موضوع قمة الجزائر المنعقد في 1999 تعزيز قدرة منظمة الوحدة
الإفريقي من مواجهة التحديات في الألفية الجديدة، وعلى هذا الأساس نطرح الإشكال
التالي :
- كيف ساهمت الآليات الجزائرية في
دفع الإتحاد الإفريقي إلى الأمام من خلال منظمة النيباد-اقتصاديا- ومجلس السلم
والأمن الإفريقي-أمنيا-؟
لتوضيح وتفصيل الإشكال أكثر تطرح
الدراسة التساؤلات التالية:
-ما هي
الدوافع التي كانت بمثابة حافز للجزائر أن تكون طرفا فاعلا في التكامل الإقليمي
الإفريقي؟
- كيف ساهمت الجزائر في دفع
الاتحاد الإفريقي من خلال دبلوماسيتها الاقتصادية في إطار مبادرة النيباد؟
- ماهي الإضافات الأمنية الجزائرية
لمنظمة الاتحاد الإفريقي من خلال مجلس السلم والأمن الإفريقي؟
لمعالجة هذا الإشكال اعتمدنا
المنهج التحليلي من خلال تحليل السلوك المنتهج من طرف الجزائر والقيمة المضافة
المقدمة من طرف الدولة الجزائرية في تفعيل الاتحاد الإفريقي من خلال مدخلين مهمين
هما المدخل الاقتصادي (مبادرة النيباد) والمدخل الأمني المتمثل في (مجلس السلم
والأمن الإفريقي)
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها
تلقي الضوء على الانجازات الملموسة التي قامت بها الجزائر في إطار مبادرة النيباد
والتي كانت عبارة عن منشئات قاعدية أما أهميتها في إطار مجلس السلم والأمن
الإفريقي فالجزائر تمثل التجربة الرائدة
والخبيرة في مجال السلم والأمن.
المحور الأول- الدوافع الموضوعية والهيكلية لتفعيل
محور الجزائر- إفريقيا على الصعيد الاقتصادي
تتطرق
الدراسة من خلال هذا المحور إلى دور الجزائر في بلورة ودعم مشروع الشراكة الجديدة
من اجل تنمية إفريقيا NEPAD، وبالتالي
معرفة الآليات التي صنعت حركية الدبلوماسية الجزائرية في منظمة الاتحاد الإفريقي، خاصة مع تراجع دور الدولة في ظل العولمة وأصبحنا نتحدث
عن الحدود العمودية والمائعة.
وكانت
وراء تأسيس الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا NEPAD مجموعة من
الحوافز-الدوافع- التي شجعت الجزائر على أن تكون عنصر فعال في دفع منظمة NEPAD لتطوير
الإتحاد الإفريقي و أفريقيا اقتصاديا.
أولاً- الدوافع الموضوعية
أول دافع موضوعي لتفعيل محور الجزائر إفريقيا
هو سراب مشاريع الشراكة الاقتصادية مع
الاتحاد الأوروبي الذي يوصف بالزواج الأبيض لأنه ارتبط بالوثائق فقط ولم يجسد على
ارض الواقع.
أهم
اتفاق في هذا الإطار هو مسار برشلونة)27-28 نوفمبر 1995م) رغم كون المشروع يستهدف التعاون مع منطقة المغاربية
ومنها الجزائر اكبر دول الإقليم إلا أن الواقع اثبت أن هذا المشروع يعد جزءا من
إستراتيجية أوروبية، يهدف إلى إعادة التموقع السياسي والاقتصادي إفريقيا، لان حملة
المشاريع الاقتصادية التي يتضمنها المشروع الأورو-متوسطي يخضع للجنة الأوروبية
للإدارة الدائمة التي تقوم بإرسال وفود أوروبية إلى بلدان إفريقيا قصد الإشراف على
مبادرات التنمية في بعض القطاعات وبالتالي حسب الباحث والمفكر الجزائري علي الكنز
أن مسار برشلونة يتخذ منطق السياسات الإملائية(1).
الدافع
الموضوعي الثاني هو:
,,تركيز
الاستثمارات الأوروبية على قطاع الطاقات الناضبة كالنفط والغاز، وأهملت مجالات
الطاقة المتجددة على غرار الطاقة الشمسية
ومن بين أبرز الاستثمارات الأوروبية في الجزائر،مشروع ديزارتيك (Desertic)بمبادرة ألمانية، ويهدف هذا المشروع إلى إنتاج
الطاقة الشمسية في الصحراء الجزائرية و تصديرها إلى باقي العالم(2),,
مع نقل التكنولوجيا في هذا المجال وكذا توفير
مناصب شغل هائلة وبالتالي تقليص نسبة البطالة والعوائد المالية الضخمة المترتبة من
بيع هذا المنتوج الطاقوي المتجدد هذا ما كانت الجزائر تأمل في أن يكون، لكن هذا
المشروع تم التخلي عنه ولأسباب غير معلومة.
ثالث دافع من الناحية النظرية، يرى الباحث سمير أمين أن تبعية
دول جنوب المتوسط لأوروبا في التعاون الاقتصادي ،وبالتالي يرى هو مجرد تكريس
لتبعية دول الجنوب للشمال، ومن ناحية جيوسياسية يرى سمير أمين أنه مجرد تكملة لإستراتيجية احتواء أمريكية تستهدف
الدول العربية، مع فرض إدماج إسرائيل اقتصاديا وجيوسياسيا خاصة مع قمة مدريد
واتفاقيات أوسلو(3)، وبالتالي المشروطية السياسة حاضرة وهي قبول
إسرائيل مقابل تعاون اقتصادي غير فعال وهو ما حصل مع دولة جنوب إفريقيا في محاربة
سياسة الأبرتايد (سياسة التمييز العنصري).
ثانياً- الدوافع الهيكلية
من
بين الدوافع الهيكلية التي حفزت الجزائر للدخول في الشراكة الاقتصادية النيباد بعض
الفجوات الهيكلية، فالتجارب التكاملية في إطارها الإقليمي تكون بين نظم الإنتاج الوطنية منها التصنيع ووجود
سوق مشتركة لحماية هذا التكتل من الجهات الخارجية التي تسعى إلى استغلال دول
التكتل وهو الشيء الغير موجود في المشاريع التكاملية الإفريقية، حيث نجد أن منظمة
التجارة العالمية لا تقبل بالأقلمة، وإنما تفرض على هذه الدول مشروطية وفتح
الاقتصاد على العالم(4).
للحديث أكاديميا عن شروط التكامل الاقتصادي الإقليمي حسب
جوزيف نايJ.Nay يجب وجود
روابط وظيفية، أي زيادة الاعتماد المتبادل الوظيفي وهي عملية معقدة يصعب على دول
إفريقيا الوصول إليها لأنه يتطلب عدة شروط من بينها:
-
سياسات اقتصادية مهيكلة بشكل
يضمن تناسق الأدوار الاقتصادية وتكاملها بين الدول.
-
يتطلب جدولا زمنيا طويلا.
كذلك من شروط التكامل
الإقليمي حسب ارنست هاس E.Hass هو:
1- التماثل والتكافؤ الاقتصادي
للوحدات، والتي تتعارض مع فكرة دويتش وايتزويني حول مناطق القلب والهامش، التي
تفترض وجود كيانات سياسية واقتصادية (دول، ودول التكامل) كبيرة ومحورية تدفع عملية
التكامل بجرها إلى الوحدات الأصغر منها في شكل دول الهامش التابعة لها(5).
نلاحظ في إطار الحديث عن منظمة الاتحاد الإفريقي وجود دول محورية في
إفريقيا كدولة جنوب إفريقيا، نيجيريا الجزائر ومصر لكنها عاجزة عن قيادة مشاريع
التكامل لاعتبارات غير اقتصادية كالخلافات السياسية، النزاعات المسلحة والمشاكل
الأمنية مؤخرا، هذا ما جعل إفريقيا تتميز بالتنوع الإثني والديني وبالتالي منطلق التكامل في القارة وجب أن يكون
اقتصاديا بالدرجة الأولى وهو ما قامت به الجزائر في إطار تفعيل منظمة النيبادNIPAD وهو الطريق الأكثر فاعلية وهو المدخل الاقتصادي الذي تبينه هذه
الدراسة.
المحور الثاني- النيباد كمدخل اقتصادي لتفعيل محور
الجزائر- إفريقيا
تشكلت
مبادرة الشراكة الجديدة من اجل تنمية إفريقيا NIPAD التي قادتها الجزائر منذ انطلاقها عام 2001 بلوزاكا (زامبيا) احد أهم الرهانات في
سياستها الخارجية والتي مكنت الجزائر من إثراء سجلها على مستوى القارة السمراء(6).
وجاءت هذه الشراكة التي بادربها كل
من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و تابوامبيكي واولوسغون اوباسانجو لتصنع (خارطة
طريق) لبناء القارة وتكون بديلا لتسوية التعقيدات عبر قرار سياسي مستقل (الدبلوماسية
السياسة) الذي يسقط إلى الأبد الاتكالية المفرطة على الدول الخارجة على نطاق
القارة الإفريقية وهو ما ذكره الأمين التنفيذي لمبادرة النيباد الأستاذ إبراهيم مايكي
في الذكرى الحادية عشر لإنشاء منظمة الاتحاد الإفريقي(7).
وفي هذا السياق عملت الجزائر على
تجسيد المشاريع الاقتصادية الكبرى دون إهمال المشاريع السياسية منها, ومحاولة
تغيير الصورة المرسخة عن إفريقيا كقارة البؤس والانقلابات العسكرية والأنظمة
السياسية الهشة.
ويعد الموقع الجيواستراتيجي
للجزائر عامل محوري في إفريقيا وسعيا منها لخلق فرص للتنمية على مستوى القارة جعلت
الدبلوماسية الجزائرية من مشروع النيباد شغلها الشاغل من أجل بلوغ أهداف الألفية للتنمية على المستوى
الوطني،القاري والدولي.
وفي هذا الصدد
لا يمكن نفي ما تقوم به الجزائر من مجهودات عملية وملموسة لدفع الاتحاد الإفريقي إلى
الأمام من خلا(8):
- مسارها
في انجاز المشاريع الكبرى المراهن عليها في إحداث التكامل الإقليمي، خاصة المنشئات
القاعدية
1-
مشروع الطريق العابر
للصحراء(الجزائر/ لاغوس النيجر) مرفوقا بمشروع أنبوب الغاز من نيجيريا إلى أوروبا
مرورا بالجزائر والنيجر(9).
2-
نفذت الجزائر الجزء الخاص من
مشروع شبكة الألياف البصرية الرابط بين (الجزائر-أبوجا)،ويجري العمل حاليا على
توفير خط ينطلق من العاصمة الجزائر إلى الحدود النيجيرية إلى جانب خط آخر يربط بين
الحدود الجزائرية النيجيرية مرورا ب (زاندار- نيجيريا)
3-
مع الإشارة إلى توسعة أخرى لهذه
الشبكة التي تمت برمجتها من أجل تغطية المنطقة من الحدود الجزائرية المالية إلى
غاية منطقة (غاو) مالي.
4-
سيتدعم الجزء الجزائري من هذه الشبكة عبر خط جديد طوله
750 كلم من الألياف البصرية تمتد على طول خط بين عين صالح و تمنراست الذي تم
تدشينه و المنجز حسب المقاييس الدولية(10).
هذا فيما يخص المشاريع المنجزة
اقتصاديا إلى جانب القمم التي حضرتها الجزائر كعضو مشارك أو بصفتها مترئسة للندوات
والقمم ومن بينها ما يلي:
- ترأس وزير الدولة الشؤون الخارجية
والتعاون الدولي رمطان لعمامرة بكيغالي (رواندا) اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة
بمتابعة تنفيذ أجندة الاتحاد الإفريقي لسنة 2063،وجرى الاجتماع بحضور رئيسة مفوضية
الاتحاد الافريقي والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لإفريقيا
والأمين التنفيذي لوكالة النيباد.
وتكمن مهمة اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة تنفيذ أجندة
الاتحاد الإفريقي لسنة 2063 في السهر على تطبيق القرارات المختلفة للهيئات
السياسية للاتحاد الإفريقي في مجال ترقية السلم والأمن والتنمية ووحدة القارة طبقا
للمحاور الاستراتيجية التي حددتها الأجندة وتتكون لجنة المتابعة من خمس دول عضوة في الاتحاد الافريقيو قد أعيد انتخاب الجزائر للمرة الثانية ضمن
هذه اللجنة إلى جانب بوركينا فاسو ورواندا والكاميرون والتشاد(11).
- تحصلت الجزائر على جوائز في المجالات الثلاثة (السياسية
والاقتصادية والاجتماعية) نظرا لاحتلالها الصدارة فيها جميعا(12).
المحور
الثالث- مجلس السلم والأمن كمدخل أمني لتفعيل محور الجزائر-إفريقيا
تولي الجزائر أهمية بالغة للاستقرار
الإقليمي، فقبول الجزائر إنشاء آلية خاصة لتسوية نزاعها الحدودي مع المغرب سنة
1963 المتمثل في اللجنة المتساوية الأعضاء، هذا ما اكسبها مصداقية إقليمية في
تسوية نزاعات الحدود سلميا، حيث تم إنشاء آلية لإدارة النزاعات وتسويتها كحل منظمة
الوحدة الإفريقية وعملت الجزائر على دعمها وتفعيل هذه الآلية انطلاقا من فكرة الدبلوماسية
الوقائية وبالتالي احتواء النزاعات وحلها سلميا، لكن هذه الآلية لم تؤدي دورها
بشكل فعال كما سطر لها بسبب العبء المالي، وعدم قدرة الدول الإفريقية على تغطية
نفقات التدخل وعمليات حفظ السلام في إفريقيا وبالتالي عملت الجزائر إلى إسناد هذه الآلية بالجهود الدولية(13).
دخل
بروتوكول المجلس حيز التنفيذ في 26 ديسمبر
2003، بعد أن تم المصادقة عليه من طرف27 دولة افريقية ويعد امتدادا لإعلان القاهرة
عام 1993 الخاص بإنشاء وإدارة وتسوية النزاعات(14).
رغم فشل هذه الآلية في أداء مهامها لكنها
شكلت حجر الأساس لإنشاء آلية أخرى أكثر فعالية وهي مجلس السلم والأمن الإفريقي،
وجاء الإعلان عن إنشاء هذا المجلس في قمة الاتحاد الإفريقي الأولى بمدينة ديربان
(جنوب إفريقيا) في جويلية 2002، ودخلت حيز التنفيذ في 26 ديسمبر 2003، وبدأ الممارسة
الفعلية لعمله في 25 ماي2004(15).
أهم
مبادئ مجلس السلم والأمن على التسوية السلمية للنزاعات، واحترام الحدود الموروثة
عن الاستعمار واحترام سيادة ووحدة الدول، الأعضاء مع حق التدخل في الشؤون الداخلية
للدول وذلك في ثلاث حالات هي:
جرائم الحرب، الإبادة الجماعية،
الجرائم ضد الإنسانية(16).
كما للمجلس سلطات ومهام يتمتع بها له
سلطة شبه مطلقة في اتخاذ المبادرات التي يراها مناسبة للحيلولة دون انفجار أي
نزاع، واتخاذ القرارات اللازمة في شأن المسائل التي لها توابع سلبية على السلم
والأمن في القارة وذلك بالتنسيق مع الاتحاد، ويتمثل دور رئيس المفوضية الاتحاد
الإفريقي في منع أو تسوية أي نزاع وذلك بالتشاور مع أطراف النزاع وبالتنسيق مع
العمليات الإقليمية لمنع وإدارة النزاع(17).
آليات
مجلس السلم والأمن الإفريقي:
يتكون
مجلس السلم والأمن الإفريقي من الآليات الموضحة في الشكل التالي: