المركز العربي للبحوث والدراسات : الانتخابات البريطانية .. فوز جونسون وعقبات المحافظين (طباعة)
الانتخابات البريطانية .. فوز جونسون وعقبات المحافظين
آخر تحديث: السبت 21/12/2019 01:35 م
ريم عبد المجيد ريم عبد المجيد
الانتخابات البريطانية

بعد فوز حزب المحافظين بأغلبية قوية  في الانتخابات العامة البريطانية التي جرت يوم 12 ديسمبر 2019، عاد بوريس جونسون كرئيس الوزراء للمرة الثانية، كي ينفذ خطته لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في يناير لعام 2020 والانتقال إلى مفاوضات حول علاقة بريطانيا المستقبلية مع الاتحاد. رغم أن هذا الفوز يبدو انتصارًا كبيرًا للمحافظين أمام المعارضة وعلى رأسها حزب العمل إلا أنه بمثابة انتصار لحظي لا يجب أن يحتفي به المحافظون كثيرًا، لأنه انتصار يعقبه عدة تداعيات خطيرة تمس مستقبل المملكة المتحدة كقوى عظمى بجانب تأثيرها على الداخل البريطاني وعلى المحافظين أنفسهم خاصة أن انتصارهم لم يكن بسبب قوتهم ولكن بسبب ضعف المعارضة وهو ما يزيد من احتمالية عدم تمكنهم من تجاوز تلك التداعيات بشكل يقي المملكة من الآثار السلبية المتحملة.

من هذا المنطلق يتم تناول أسباب فوز بوريس جونسون والتي هي ذاتها أسباب خسارة المعارضة وتحديدًا جيرمي كوربين، وعواقب ذلك الفوز –غير الإيجابية- على المحافظين وبريطانيا.

نتيجة انتخابات 2019

حصل المحافظون على 365 مقعدًا في مجلس العموم المؤلف من 650 مقعدًا متقدمًا بفارق كبير على حزب العمل، المعارض الرئيسي، الذي تعرض لهزيمة كبيرة بخسارة أكثر من 40 مقعدًا، حيث حصل على 203 مقعدًا وهذه تمثل أسوأ خسائر حزب العمل منذ عقود وهزيمته الرابعة في الانتخابات العامة على التوالي. واحتل الديمقراطيون الليبراليون 11 مقعدًا، بينما حقق الحزب الوطني الاسكتلندي (SNP) مكاسب كبيرة في اسكتلندا حيث حصل على 48 مقعدًا ليكون ثالث أكبر حزب في البرلمان البريطاني. (1)

خسارة العمال وضعف المعارضة

يمكن إرجاع فوز بوريس جونسون -رغم عدم قوته ورغم وجود أغلبية رافضة للخروج- وبالتبعية خسارة جيرمي كوربين زعيم حزب العمال إلى عدة أسباب، منها أن هذا التصويت كان ضد كوربين بدلًا من جونسون لأن الأول لم يتخذ موقفًا واضحًا من الخروج من الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها كانت القضية رقم واحد في هذه الانتخابات، فلم يخبر الناخبين ما إذا كان مع أو ضد الخروج. يُضاف لذلك وجود سخط شعبي من كوربين الذي حصل على أدنى تصنيف لأي زعيم معارضة في مقابل حصول جونسون على تصنيف أعلى منه في استطلاعات ما قبل الاستفتاء،(2) هذا السخط جعل بعض مؤيدي البقاء يعتقدون أن جونسون والبريكست هما الشر الأقل مقارنة بكوربين اليساري.

السبب الثاني هو عدم حرص حزب العمال على الفوز في الانتخابات فبالنظر إلى الانتخابات التي جرت في بريطانيا خلاص نصف القرن السابق والبالغ عددها 11 انتخابات فاز حزب العمال في ثلاثة فقط. يرجع هذا إلى أنه من وجهة نظرهم الماركسية للعالم كل ما عليهم فعله هو انتظار التدمير الذاتي الذي لا مفر منه للرأسمالية ومن ثم الحصول على السلطة. والسبب الثالث تجاهل الحزب علاج مشكلاته الداخلية بين أعضاءه وبخاصة مشكلة معاداة السامية.

أما المعارضة بشكل عام فجميع أطرافها اتسموا بالضعف، ففيما يتعلق بالمحافظين المعتدلين الذين قاموا بحملة لاستفتاء ثان وعلى صلة وثيقة بالاتحاد الأوروبي فقد غادروا الحزب ولم يتم إعادة تأسيس حزب لهم. أما حزب البريكست فلم يعد له أية أهمية خاصة في ظل وجود حزب أقوى ينادي بالخروج وهو ما انعكس على نصيب حزب البريكست من المقاعد البرلمانية، فلم يصل أي من مرشحيه إلى مجلس العموم. ذات الأمر بالنسبة للديمقراطيين اللبراليين، فرغم أنهم كانو نشطين للغاية في حملاتهم للبقاء في الاتحاد الأوروبي إلا أن موافقتهم على إجراء هذه الانتخابات المبكرة دون التأكد من وحدة موقف المعارضة جمعاء ودون ضمان حصولهم على تأييد كافي من قبل الناخبين يحول دون حصول جونسون على الأغلبية –رغم ضعفه- تسبب في خسارتهم أمام المحافظين.

ضريبة فوز المحافظين

انتصار حزب المحافظين في الانتخابات العامة له عدة تداعيات بمثابة عراقيل أمام الحزب قد تنذر بمصير كارثي له إن لم ينجح في معالجتها. هذه التداعيات تتمثل في:

أولًا مكانة بريطانيا في النظام الدولي: سيتعين على المملكة المتحدة إيجاد مكان جديد على الساحة الدولية خارج الاتحاد الأوروبي ، والذي ستغادره بحلول نهاية الشهر المقبل على أبعد تقدير. ومن المحتمل أن تتعقد مهمة رئيس الوزراء جونسون لتحقيق هذا الهدف في ظل زيادة التوترات في العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة وأوروبا وتنافس القوى العظمى في جميع أنحاء العالم، وتآكل النظام العالمي الذى كانت تحتل فيه برطانيا مكانة كبيرة كقوى عظمى.

ثانيًا انهيار وحدة المملكة المتحدة؛ وذلك من خلال أولًا انفصال اسكتلندا؛ فمن المتوقع أن يقوم القوميون الاسكتلنديون –بفضل انتصارهم الساحق في اسكتنلدا- بمضاعفة جهودهم للحصول على الاستقلال، حيث إن حصد الحزب الوطني الاسكتلندي 48 مقدًا يعزز إجراء استفتاء ثاني للاستقلال مما يطرح مسألة دستورية ضخمة أخرى في المملكة المتحدة. وثانيًا قضية أيرلندا الشمالية، فمن المحتمل أن تتعرض ترتيبات تقاسم السلطة غير المستقرة بالفعل في أيرلندا الشمالية لضغوط أكبر بسبب تقدم القوى السياسية القومية في هذه الانتخابات على حساب الأحزاب النقابية. فلأول مرة منذ الاستقلال الأيرلندي في عام 1921، يصل إلى البرلمان تسعة من ممثلي أيرلندا الشمالية المنتخبين، ينتمون إلى أحزاب قومية (أي، يدعمون الوحدة مع جمهورية أيرلندا÷، في حين أن ثمانية فقط هم من الأحزاب النقابية (أي أنهم يدعمون الاتحاد الحالي مع بريطانيا العظمى). مع وجود مثل هذه الأرقام، ربما يكون التواجد في منطقة الجمارك بالاتحاد الأوروبي أمرًا يمكن أن تشهده إيرلندا الشمالية على حساب بريطانيا. (3)

ثالثًا: بروز الانقسامات الاجتماعية والثقافية والجغرافية في إنجلترا نفسها؛ هذا الأمر يمثل تحديًا كبيرًا أمام المحافظين الواقع على عاتقهم المكافحة من أجل معالجة هذه الانقسامات التي تطورت بسرعة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى حزب تميل عضويته وقاعدة ناخبيه بقوة نحو القومية الإنجليزية. يُضاف لذلك الانقسامات بين المدن الغنية والأخرى الفقيرة، بين كبار السن والشباب، بين التقدميين الليبراليين وذوي القيم الاجتماعية المحافظة.

رابعًا: احتمالية بروز انقسامات بين المحافظين أنفسهم حول الخروج من الاتحاد الأوروبي؛ فقد وعد جونسون بالخروج في يناير دون تمديد فترة التفاوض، وهذا سيكون مستحيلًا دون اللجوء إلى خروج لا يتضمن تواؤمًا مع قواعد ومعايير الاتحاد الأوروبي وبالتالي الوصول إلى الأسواق الأوروبية بسبب أن المفاوضين الأوروبيين مصممون على ضرورة قبول المملكة المتحدة "ساحة لعب متكافئة" في علاقة ما بعد الخروج، وهو ترتيب من شأنه أن يجبر جونسون على تقديم تنازلات لبروكسل بما يثير غضب اليمين المتطرف المناهضين للاتحاد، الذين تمكنوا في وقت سابق من تدمير تيريزا ماي. هذا السيناريو ينذر بحدوث انقسامات داخل المحافظين.

رابعًا: الأزمة الاقتصادية؛ حيث سيواجه المحافظون صعوبة في تنشيط الاقتصاد البريطاني بسبب القيود المالية وتراجع النمو الاقتصادي إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بجانب تراجع مستويات الإنتاج والتبادلات التجارية العالمية مع بريطانيا. وهنا يجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد البريطاني يواجه مصير غامض؛ فلم يتم تحديد شروط اتفاقية التجارة الحرة الجديدة مع الاتحاد الأوربي، وكذلك لم تحسم أية صفقات تجارية مع الولايات المتحدة أو الصين أو اليابان أو الهند أو أي أية قوى اقتصادية أخرى، تم تأجيل المراجعة الشاملة للإنفاق العام والضرائب، مصير الجنية الاسترليني مجهول، لم يتم تحديد كيفية معالجة التضخم، لم يحسم أمر حركة العمالة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والهجرة الاقتصادية بشكل عام، بجانب وجود صدمات اقتصادية مثل الأزمة المصرفية، أو انهيار سوق الأسهم. جل هذه الأمور غير محسومة وغير معروفة حتى الآن بما يجعل الاقتصاد البريطاني على المدى القصير، يعاني من تراجع شديد. (4)

هذه التداعيات تنذر بأن بريطانيا ستواجه تدهورًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا غير مسبوق، سيقع على عاتق المحافظين علاجه للخروج ببريطانيا من هذا المأزق بأقل الخسائر.

الهوامش

(1) Ivana Kottasová and Bianca Britton, “Boris Johnson's Conservative Party wins majority in UK election”, CNN, 13/12/2019, available at: https://edition.cnn.com/2019/12/13/uk/uk-election-boris-johnson-win-ge19-intl-gbr/index.html.

(2) ريم عبدالمجيد، "صعوبة الحسم .. انتخابات 2019 ومستقبل بريطانيا"، المركز العربي للبحوث والدراسات، 15/11/2019، متاح على: http://www.acrseg.org/41412

(3) Garvan Walshe, “Boris Johnson’s Victory Is Exactly What the EU Wants”, Foreign policy, 13/12/2019, available at: https://foreignpolicy.com/2019/12/13/boris-johnsons-victory-is-exactly-what-the-eu-wants/.

(4) Sean O'Grady, “Beware the economic consequences of Boris Johnson’s election win”, Independent, 13/12/2019, available at: https://www.independent.co.uk/voices/general-election-result-boris-johnson-conservatives-uk-economy-brexit-a9244596.html.