المركز العربي للبحوث والدراسات : مخرجات مؤتمر برلين .. فرص النجاح والتحديات المستقبلية (طباعة)
مخرجات مؤتمر برلين .. فرص النجاح والتحديات المستقبلية
آخر تحديث: الأحد 26/01/2020 02:04 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
مخرجات مؤتمر برلين

استضافت العاصمة الألمانية برلين في 19 يناير 2020، مؤتمرًا للتباحث حول مستقبل العملية السياسية الليبية، التي تهدف في مجملها إلى محاولة تقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة تمهيدًا للتسوية الشاملة لها من خلال تعضيد الجهود الإقليمية والدولية لتجاوز الانعكاسات السلبية للأزمة، وجاء المؤتمر أعقاب دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حكومة الوفاق، والجيش الوطني الليبي حيز التنفيذ، اعتبارًا من يوم 12 يناير بعد مرور أكثر من 9 أشهر على بدء عملية تحرير طرابلس.

                ويمكن إرجاع أهمية هذا اللقاء كونه جاء بعد الدعوة الروسية للأطراف الداخلية الليبية ممثلة في فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي للتشاور حول مسودة اتفاق مبدئي بشأن ترسيخ وقف إطلاق النار تمهيدًا للتسوية السياسية، وعلى عكس المبادرة الروسية فإن المؤتمر شهد حضور لكثير من الفاعلين الإقليميين والدوليين المرتبطين بصورة مباشرة بمستقبل العملية السياسية الليبية لإنهاء القتال بين طرفي الصراع؛ حيث شاركت عدد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي، بجانب مشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة، إضافة إلى إيطاليا، مصر، الجزائر، الإمارات، الكونغو، تركيا، وألمانيا كدولة منظمة، وتعكس قائمة الحاضرين لقمة برلين، ومستوى الحضور، مدى الأهمية التي توليها أوروبا والعالم للموضوع الليبي.

                من جانب آخر؛ فإن المؤتمر يعد بمثابة تحرك أوروبي مهم في تفسير السياسة الأوروبية وذلك كون مؤتمر برلين امتدادًا للسياسات الأوروبية المتعلقة بتسوية الأزمة الليبية كونه يمثل محفل جديد يضاف إلى الجهود الأوروبية في مواجهة الأدوار الأخرى خاصة من جانب روسيا التي تنخرط بصورة مباشرة في الأزمة الليبية؛ فمن قبل قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دبلوماسية المؤتمرات من خلال الدعوة إلى حل الأزمة في الليبية في عام 2017 و 2018 من خلال قمتي باريس، إضافة إلى مؤتمر باليرمو الذي عُقد في نوفمبر 2018 لمناقشة سبل تسوية الأزمة الليبية.

مخرجات المؤتمر

                في نهاية المؤتمر أعلن المشاركون فيه الوصول إلى مسودة تتضمن العديد من البنود التي تستهدف وفق إعلانهم تعزيز الجهود الهادفة لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، وتضمن البيان العديد من النقاط أهمها:

1) تعزيز الهدنة المتعلقة بوقف الأعمال القتالية، ووقف الهجمات على منشآت النفط وتشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى ليبيا.

2) وقف كل التحركات العسكرية من قبل طرفي النزاع أو في إطار تقديم الدعم المباشر لأي من الطرفين على كل أراضي ليبيا منذ بداية عمل وقف إطلاق النار، إضافة إلى اتخاذ إجراءات تسهم في تعزيز الثقة بينهما مثل عمليات لتبادل الأسرى.

3) الامتناع عن التدخل في النزاع المسلح أو الشؤون الداخلية لليبيا.

4) الدور المركزي للأمم المتحدة في دعم العملية السياسية الشاملة بين الأطراف الليبية ومصالحتها.

5) الالتزام الصارم والكامل باحترام وتطبيق الحظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا والذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 1970 الصادر عام 2011، والقرارات اللاحقة بشأن منع انتشار السلاح في ليبيا، ودعوا كل الأطراف الدولية إلى اتخاذ نفس الإجراءات.

6) تشديد إجراءات مراقبة تطبيق حظر السلاح وتعزيز آلية الأمم المتحدة الخاصة بضمان تنفيذ هذا القرار، مشددين على ضرورة تجنب أي خطوات من شأنها تعميق النزاع.

7) إنشاء جيش وطني ليبي موحد وشرطة وقوات أمن موحدة تحت إدارة السلطات المدنية المركزية على أساس عملية القاهرة التفاوضية والوثائق المنبثقة عنها.

8) تمثل المؤسسة الوطنية للنفط شركة النفط الشرعية المستقلة الوحيدة بموجب القرارين 2259 و2441 الصادرين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ودعوة كل الأطراف إلى مواصلة ضمان أمن المنشآت والامتناع عن أي عمليات عدائية بحق المواقع والبنية التحتية النفطية.

9) رفض كل المحاولات لتدمير البنية التحتية النفطية الليبية وجميع أنواع العمل غير الشرعي للتنقيب عن موارد الطاقة التي تتبع للشعب الليبي عن طريق بيع أو شراء النفط الخام أو المنتجات النفطية خارج سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط.

10) إنشاء آلية لإعادة الأعمار الاقتصادي لليبيا تحت سيطرة الحكومة الموحدة في المستقبل بالتركيز على معالجة الأوضاع في مدن بنغازي ودرنة ومرزق وسبها وسرت والعاصمة طرابلس.

ومن المقرر أن تؤدي مخرجات المؤتمر إلى تشكيل لجنة من 14 عضوًا في مجلس النواب و14 عضوًا في المجلس الأعلى للدولة، و14 عضوًا من بقية القوى الأخرى، كما تشدد المسودة على ضرورة استئناف العملية السياسية من خلال إنهاء المرحلة الانتقالية عبر تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية. ودعا مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة إلى وقف كل أشكال التدخلات الخارجية، وقال إن المؤتمر سيخرج بمجموعة قرارات منها دعم مؤتمر ليبي داخلي يتوقع أن يعقد في جنيف نهاية هذا الشهر.

الفرص والتحديات

                على الرغم من الإعلان حول النقاط المشتركة التي تم التوصل إليها إلا أنها تواجه العديد من الفرص والتحديات فيما يتعلق بتنفيذها، وذلك على النحو التالي:

أولًا- فرص التنفيذ

                يمثل المؤتمر امتدادًا لاجتماعات كثيرة سابقة وسيكون نواة لاجتماعات قادمة خاصة وأن الفرقاء الليبيبن لم يتوصلوا حتى الآن إلى تسوية داخلية برغم التفاؤل الذي جمع المتباحثين في برلين، وشهد المؤتمر حالة من التوافقات التي ستصب حتمًا في مصلحة الانتقال السياسي السلمي، ووضع  خطة عمل شاملة يكون محاورها التنسيق الداخلي والإقليمي والدولي،  للحيلولة دون تفاقم الأزمة.

وعلى عكس المبادرة الروسية الخاصة بليبيا والتي لم تشهد تواجد لأطراف عربية معنية بالشأن الليبي، فإن مسار برلين يتضمن التمثيل المناسب للدول العربية وكذلك المنظمات الإقليمية العربية المعنية بالشأن الليبي، كما أن هناك العديد من الاعتبارات الحاكمة لبيئة المفاوضات والتي ترتكز على عدة محاور أهمها وحدة الأراضي الليبية ومواجهة الخطر المتنامي للجماعات المسلحة ، وهذا الأمر سيكون له العديد من الانعكاسات على مجريات العملية التفاوضية،  وفي هذا الصدد فإن الجيش الوطني الليبي كما توضح خريطة الأوضاع الداخلية والخارجية يحظى بالكثير من القبول للحصول على العديد من المكتسبات السياسية والعسكرية وفق النجاحات التي حققها في الفترة الأخيرة.

                إن الخلاف الذي يعيق التقدم هو التنازع ما بين طرف حكومة الوفاق بزعامة فايز السراج التي تريد تثبيت وقف إطلاق النار قبل كل شيء وطرف المشير خليفة حفتر الذي يؤكد ضرورة حل الميليشيات التي تسيطر على طرابلس قبل البدء بالعملية السياسية ووقف المعارك، وفي هذا الإطار يمكن القول بأن القمة لن تأتي بالحل الكامل للأزمة الليبية، لكنها تمثل مجرد بداية لحل الأزمة، ويعول الأوربيين والألمان بقوة على نجاح هذه القمة، كـخطوة أولى من أجل السلام في ليبيا، وفي المجمل تمثل القمة بمثابة حركة دفع لإعادة طرح الملف الليبي للواجهة للوصول إلى حل سياسي الذي افتقدته ليبيا منذ عدة أشهر، وإن كان ذلك سيسهم بصورة كبيرة في طرح الكثير من المبادرات خلال الفترة القادمة.

ثانيًا- تحديات التنفيذ

                ذكر رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، فولفجانج إشينجر، أن بيان مؤتمر برلين بشأن ليبيا لن يكون ملزمًا إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إضافة لذلك فإن غياب آلية المراقبة أو بمعنى آخر غياب الأدوات التي يمكن من خلالها مراقبة تنفيذ هذه الآليات، سيتسبب في استمرار الوضع الراهن.

                وفي نفس الإطار؛ يبدو أن الهدف الأساسي من قمة برلين، هو التعامل مع مواقف الدول الإقليمية الداعمة لطرفي النزاع في ليبيا، وليس التعامل مع مواقف طرفي النزاع نفسيهما؛ حيث بدا ذلك واضحًا من خلال السعي الألماني، للخروج بضمانات لتفعيل اتفاقية حظر بيع السلاح، للأطراف المتنازعة في ليبيا، والتي لم يلتزم بها أحد حتى الآن، وهو موقف يتناغم مع موقف الأمم المتحدة الداعي مرارًا، لوقف كافة التدخلات الخارجية في الساحة الليبية.

                من جانب آخر  فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيستمر في انتهاج نفس السياسات القديمة وإن كانت بصورة غير مباشرة خاصة في ظل وقف إطلاق النار بين الجانبين، ما سيمنح حكومة الوفاق الليبية لزيادة الاعتماد على تركيا في مجال التسلح والتدريب والتخطيط، حتى في ظل القرار الأممي بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، كما أنه برغم الإعلان عن مسودة التوافق؛ حيث أن المؤتمر لم يتطرق إلى الاتفاقية الأمنية بين أنقرة وحكومة الوفاق بصورة مباشرة، على الرغم من التحذيرات التي أعلنها  الاتحاد الأوروبي من تنفيذ السياسة الخارجية التركية غير المشروعة في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط.

                يضاف إلى ذلك المعضلة القائمة على فرضية وقف التدخلات الخارجية، في الصراع الليبي، خاصة بعدما صار الملف الليبي محلًا للنزاع بين قوى دولية على رأسها روسيا وأوروبا، ولكن حتى في حالة إقرار  تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين والتي تتضمن إرساء السلام في ليبيا، عبر إرسال قوات أوربية إلى هناك، فلا يمكن توقع ما إذا كانت أطراف مثل روسيا وتركيا، ستقبل بذلك دون شراكة منها، في وقت تتخوف فيه أطراف ليبية من أن يؤدي اعتماد إرسال قوات من هذا القبيل إلى تقسيم ليبيا.

                إجمالًا: خرجت مسودة الاتفاق المتعلق بتسوية الأزمة الليبية من خلال مؤتمر برلين ولكن برغم ذلك فما يزال هناك الكثير من الغموض والتعقيد حول إجراءات تنفيذ الكثير من الآليات المتفق عليها، ولكن في المجمل فإن أهمية المؤتمر تتشكل وفق اعتبارات عدة أهمها أنها سلطت الضوء على الصراع الليبي وتأثيره على الأمن الإقليمي في الشمال الأفريقي وشرق المتوسط، وما يمكن أن تنعكس هذه الأزمة في تداعياتها السلبية على الكثير من الأحواض الجغرافية.

المراجع

1) التنازع حول أولوية وقف النار أو نزع سلاح الميليشيات يعيق التقدم، على الرابط:

 https://bit.ly/2RdvuVo

2) بيان مؤتمر برلين الختامي حول ليبيا: جيش موحد ووقف لإطلاق النار ودعم حظر السلاح، على الرابط:

https://bit.ly/2sM5lDG

3) هل يكون مؤتمر برلين بداية لتسوية النزاع الليبي؟، على الرابط:

 https://www.bbc.com/arabic/interactivity-51169032

4) 3 مسارات و6 بنود و12 دولة مشاركة.. ماذا نعرف عن مؤتمر برلين؟، على الرابط:

 https://bit.ly/38uEvzb