المركز العربي للبحوث والدراسات : بعد فشل اليمين في الحصول على المقاعد المطلوبة .. هل تلجأ إسرائيل لانتخابات رابعة؟ (طباعة)
بعد فشل اليمين في الحصول على المقاعد المطلوبة .. هل تلجأ إسرائيل لانتخابات رابعة؟
آخر تحديث: الأربعاء 11/03/2020 02:03 م
نهال أحمد نهال أحمد
بعد فشل اليمين في

أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية في 10 مارس2020  نتائج انتخابات الكنيست، لتسفر عمليات الفرز عن فوز كتلة اليمين وحصولها على 58 مقعد (36 الليكود، 9 شاس، 7 يهدوت هاتوراه، 6 يمينا) ما يعني أنها كانت على بعد ثلاثة مقاعد من الظفر بتشكيل الحكومة، أما كتلة اليسار فتمكنت من الحصول على 55 مقعد (33 كاحول لافان، 15 القائمة العربية المشتركة، 7 العمل- جيشر- ميرتس)، في حين حصل حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة "افيغدرو ليبرمان" على 7 مقعد، ليصبح "ليبرمان" بذلك صاحب القرار النهائي بتشكيل الحكومة في حالة تزكيته لكتلة اليمين لتنال بذلك أغلبية تصل إلى 65 مقعد تسمح له بتشكيل الحكومة،في المقابل يمكن أن يزكي حزب ليبرمان كتلة اليسار لتنال 62 مقعدًا اللازم لتشكيل الحكومة دون الحاجة للاتحاد مع الليكود.

فوز يميني بطعم الخسارة

تمكنت كتلة اليمين بزعامة "بنيامين نتنياهو" من الفوز في الانتخابات الثالثة والعشرون للكنيست، ورغم انتصار "نتنياهو" على منافسه "بيني غانتس" زعيم حزب "أزرق أبيض"، إلا انه لم يتمكن من الحسم فالمؤشرات الأولية تنذر باحتمالية العودة للمربع الأول مرة أخرى لاسيما وأن النسبة التي حصل عليها الليكود لن تؤهله لتشكيل الحكومة في حالة عدم الوصول لاتفاق مع كتلة اليسار أو حزب ليبرمان العلماني، ومن جهة أخرى نجد أن محاكمات "نتنياهو" بالفساد، والمقرر انعقادها منتصف مارس الجاري تنذر بأزمة تلوح في الأفق.

فبقراءة نتائج الانتخابات، نجد أن كتلة اليمين حصلت على 58 مقعد من إجمالي 120 من مقاعد الكنيست مقابل 55 لكتلتي اليسار والوسط، وبناءًا على ذلك يبدو أنه لم يتم حسم الأمور، حيث أن النسبة التي حصل عليها "نتنياهو" لن تؤهله لتشكيل الحكومة، بل هي أقل من النسب التي حصل عليها في الانتخابات الأولى والثانية التي أجريت خلال العام الماضي، وهو ما يثير علامات استفهام بشأن أسباب تراجع شعبية اليمين.

ومن ناحية أخرى يبدو أن وضع المعارضة الإسرائيلية بلغ  حالة من السوء لاسيما بعد الخلافات التي نشبت بين أحزاب الوسط "أزرق أبيض" و"العمل جيشر ميرتس" و"حزب إسرائيل بيتنا" اليميني برئاسة "أفيغدور ليبرمان" والقائمة المشتركة وهي تحالف أربعة أحزاب عربية، وهو ما يلوح بانتخابات رابعة (1).

جدير بالذكر أن الانتخابات التي تم إجراؤها في الثالث من مارس هي الثالثة، بعدما أجريت جولتين سابقتين الأولى في ابريل 2019 والثانية في سبتمبر 2019،  في حين فشلت الأحزاب في تشكيل الحكومة لذلك كان لابد من عقد انتخابات ثالثة، كان الهدف منها تمكن أي من المرشحين من الحصول على تأييد 61 عضو على الأقل، إلا أن نتائج  الانتخابات الثالثة لم تغير الأمر لكنها عقدته أكثر، مقارنة بالأمور بعد الانتخابات التي جرت في ابريل 2019، حيث تمكن "نتنياهو" خلالها من الحصول على 60 مقعد، في حين تراجع عدد تلك المقاعد بمعدل مقعدين.

معرقلات تكليف "نتنياهو" بتشكيل الحكومة

يطرح وضع "نتنياهو" عدة تساؤلات لعل أبرزها، موقف الرئيس الإسرائيلي "رؤوبين ريفلين"، فهل سيكلفه بتشكيل حكومة مع علمه وإدراكه بعدم قدرة "نتنياهو" القيام بتلك المهمة وأن الوضع أصبح يمضي في دائرة مغلقة لا يبدو لها أي ملامح تذكر، وهذا ما ستبرزه المشاورات التي يقوم بها "ريفلين" مع الأحزاب الفائزة بالانتخابات لتحديد هوية المكلف بتشكيل الحكومة.

جدير بالذكر أنه بتحديد هوية المكلف بتشكيل الحكومة يصبح أمامه فترة 28 يوم لانجاز تلك المهمة، ويمكن بموافقة الرئيس تمديدها 14 يوم إضافي، ولعل الوضع الراهن يجعل من الصعب تشكيل حكومة، لاسيما في ظل التناحر المتصاعد بين الكتل السياسية وهو ما ينذر بإمكانية فتح الطريق مجددا لانتخابات جديدة .

فرغم تمكن "نتنياهو" من إنقاذ مكانة اليمين الإسرائيلي ووقف تدهورها على مدار السنوات الماضية، إلا أن ذلك لم يكن شفيع له في الانتخابات السابقة فلازال "نتنياهو" في مأزق كبير، لاسيما وأن كتلة اليمين ليست ذات حجم كبير بالشكل الذي يؤهلها لتشكيل حكومة، ولعل تهم الفساد وتلقي الرشاوي والاحتيال بحق نتنياهو والتي قدمها المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية "أفيخاي ماندلبليت" في فبراير 2019 عززت من صعوبة موقفه، في حين من المقرر أن تبدأ محاكمته في 17 مارس الجاري(2).

ورغم أن المحكمة العليا يمكن أن تستغرق فترة طويلة في المحاكمة قد تصل لعامين، إلا أن تداعيات المحاكمة ستكون ذات تأثير سلبي على المستقبل السياسي "لنتنياهو"، فالمحاكمة ستضمن شهادات لشهود عيان ووثائق ومستندات وأدلة إدانة، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على نظرة المواطنين الإسرائيليين "لنتنياهو".

وفي سياق الحديث عن مأزق نتنياهو، فإننا نكون بصدد الحديث عن مساعي أحزاب المعارضة الإسرائيلية واتفاقها على وجوب تمرير مشروع قانون بالكنيست يتمحور حول ضرورة منع أي شخص توجه ضده تهم بالفساد من تشكيل أو ترؤس الحكومة، ومن أبرز الأحزاب المؤيدة لهذا المشروع  "حزب أزرق أبيض" وحليفه "العمل جيشر ميرتش"، كذلك الكتلة العربية، وحزب "إسرائيل بيتنا".

ورغم أن تفاصيل المشروع لا تزال غير واضحة الملامح، إلا أنه يتوقع البدء بتشريع هذا القانون خلال مارس الجاري، وفيما يتعلق بمعرقلات مشروع القانون فإننا نكون بصدد الحديث عن صيغة مشروع القانون وفترة تطبيقه، أي ما إذا كان تطبيقه سيكون بشكل فوري بعد إقراره مباشرة أي سيطبق على "نتنياهو" ويمتنع عن تشكيل الحكومة أم سيؤجل تطبيقه لما بعد الانتخابات القادمة.

وبعيدًا عما إذا كان تطبيقه في حالة إقراره سيكون قريب المدى أم بعيد، إلا أن بلورة مواقف شبه مجمعة من قبل أحزاب المعارضة على مشروع القانون سيكون بمثابة ضربة "لنتنياهو"، وأيضا مؤشر على فشل مرتقب له في حالة تكليفه بتشكيل حكومة.

جدير بالذكر أن هناك بعض المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية "كحركة من أجل نزاهة"، قامت برفع التماس للمحكمة الإسرائيلية العليا تطالبها بحظر إسناد الرئيس "رؤوفين رفلين"، مهمة تشكيل الحكومة إلى "نتنياهو"، واستنكرت الحركة في التماسها، كيفية إسناد مهمة تشكيل الحكومة لشخص _في إشارة إلى نتانياهو_ قدمت بحقه ثلاث لوائح اتهام، فمن المستحيل أن يجلس رئيس وزراء في ساعات الصباح على مقعد المتهمين، ثم يقوم في ساعات المساء بإدارة جلسة للمجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية(3).

ومما سبق نصل لنتيجة مفادها أن السيناريو الأقرب هو اللجوء لانتخابات برلمانية رابعة، حينذاك يصبح أمام نتنياهو عدة تحديات لضمان وصول معسكره إلى المنطقة الآمنة وهو حصوله على عدد 61 من المقاعد البرلمانية في الكنيست من أصل 120 مقعد، ولعل هذا الرقم هو الهدف الرئيسي الذي يسعى نتنياهو منذ انقلاب زعيم حزب "يسرائيل بيتينا" "أفيغدور ليبرمان في ابريل 2019، ورفض الدخول في ائتلاف يقوده "نتنياهو" بشراكة مع أحزاب "الحريديم"، مما جرّ إسرائيل في نهاية المطاف إلى انتخابات ثالثة .

أبرز التحديات أمام كتلة اليمين

تتعدد التحديات أمام كتلة اليمين لاسيما الليكود بزعامة "نتنياهو"، تبرز أولى التحديات في التصعيد الأمني بعد قتل الجيش الإسرائيلي للشهيد "محمد الناعم" بالقرب من السياج الحدودي مع غزة، وتتبع ذلك قصف متوالي من حركة "الجهاد الإسلامي" على مواقع ومستوطنات جنوب إسرائيل، حيث تزامن هذا التصعيد مع انتهاج "نتنياهو" إستراتيجية انتخابية تعتمد على تشجيع وحث جمهور اليمين التقليدي للخروج من أجل التصويت والتركيز الشديد على قرابة 250 ألف ناخب، حيث أظهرت لوائح الليكود أنهم من ناخبيه التقليديين إلا أنهم امتنعوا عن التصويت في الانتخابات الأخيرة وهو ما تسبب في وضع حرج لليكود ربما يدفعه لانتخابات رابعة في حالة الفشل بتشكيل الحكومة إذا كلف "نتنياهو" بذلك.

فالتصعيد الأمني مع كل من "حماس" و"حركة الجهاد" تسبب في تراجع نسبة التصويت، لاسيما وأن الناخبين التقليديين الذين كان يراهن عليهم "نتنياهو" من سكان البلدات الإسرائيلية في الجنوب، في المقابل خدم التصعيد بشكل كبير الدعاية الرسمية لحزب "كاحول لفان" بقيادة غانتس، حيث اثبت فشل "نتنياهو" في تأمين القطاع الجنوبي الإسرائيلي من جهة ، واستمرار رضوخه لشروط المقاومة الفلسطينية، ووفق وصفهم قيامه بدفع _إتاوة_ لهم من جهة أخرى.

وأخيرًا انضمت لجملة تحديات "نتنياهو" تحد آخر وهو انتشار فيروس كورونا، واستشراء حالة من الهلع في البلاد عقب انتشار حالات مصابة بالمرض في إسرائيل، في حين لم يتم التوصل بعد إلى علاج، ولعل إعلان وزارة الصحة الإسرائيلية رسميًا استقبال مجموعة من السياح الكوريين لزيارة إسرائيل والضفة الغربية ممن كانوا يحملون المرض، هو الأمر الذي زاد الطين بلة، لاسيما بعد أن زار أفرادها مناطق عدة والتقوا مجموعات من الطلبة الإسرائيليين كانوا في رحلة إلى متنزهات وحدائق عامة في الجنوب(4).

لذلك تم وضع نحو 200 إسرائيلي في الحجر الصحي، لتتعالى الانتقادات بشأن ضعف الإجراءات الصحية وتجاهل الحكومة لحالة الطوارئ الطبية العالمية، ومن جهة أخرى فإن ترويج الأخبار والمعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسبب في حالة من الهلع أثرت بشكل كبير على سير العملية الانتخابية ونسب المشاركة السياسية.

سيناريوهات مستقبلية

بناءًا على القراءة السابقة، نصبح أمام عدة سيناريوهات يمكن أن يسلكها نتنياهو في حال تكليفه بتشكيل الحكومة، وهي إما أن  يشكل حكومة وطنية مع "أزرق أبيض" برئاسة "بيني غانتس"، أو ربما يلجأ إلى ضم حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة "أفيغدور ليبرمان" في حالة الوصول لمساومة معينة، وهنا توجه آخر يمكن أن يسلكه "نتنياهو" وهو ضم نواب من المعارضة إلى ائتلافه، ولعل تلك الاحتمالات هي نفسها التي سبق وحاول نتنياهو سلكها لكنه لم يفلح في تحقيق أي منها، وهو ما ينذر بخيبة أمل قريبة ربما تفضي إلى انتخابات رابعة(5).

المراجع

1ـ ماذا وراء "الزلزال" العربي في انتخابات الكنيست الإسرائيلي؟، دويتشه فيله،متاح على الرابط:

 https://cutt.us/kCzZ1

كيف فاز نتنياهو قبل أسبوع من الانتخابات؟، موقع جريد الشرق الأوسط اللندنية’5/3/2020، متاح على الرابط:

https://cutt.us/d4Tny

3ـ محمد محسن،تحالفات الانتخابات الإسرائيلية الثالثة تعمّق الصراعات، موقع الجزيرة،1/3/2020، متاح على الرابط:                                                                                                                             https://cutt.us/Zl65F     

لبيد: ائتلاف أقلية مدعوم من القائمة المشتركة هو البديل الوحيد لإنتخابات رابعة، تايم أو اسرائيل،10/3/2020، متاح على الرابط:                                                                     https://cutt.us/5jTM4

5ـ د. حنان أبوسكين،5 سيناريوهات لتشكيل الحكومة الإسرائيلية.. هل الكنيست إلى جولة رابعة؟،الجواربرس،9/3/2020، متاح على الرابط:

http://algiwarpress.com/news/news.aspx?id=13009