المركز العربي للبحوث والدراسات : الانسان أولاً .. الاستراتيجية الإماراتية في مواجهة فيروس كورونا (طباعة)
الانسان أولاً .. الاستراتيجية الإماراتية في مواجهة فيروس كورونا
آخر تحديث: الإثنين 30/03/2020 10:41 م
نهال أحمد نهال أحمد
الانسان أولاً ..

منذ ظهور فيروس كورونا المستجد وانتشاره في دول العالم، بدأت الإمارات العربية المتحدة في التعامل مع الأزمة بحكمة بالغة عبر تفعيل إستراتيجية واعية متعددة المستويات علميًا وثقافيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، وهو ما كان له عظيم الأثر في الحد من انتشار الفيروس وتقليص انعكاساته السلبية على قطاعات الدولة المختلفة.

حرصت الإمارات منذ بداية الأزمة على تعزيز وتنسيق الجهود مع منظمة الصحة العالمية لاحتواء الفيروس، وهو ما ساهم في وضع إجراءات حاسمة وجهت المواطنين للتعامل الأمثل تجنبًا للإصابة بالفيروس، كما حرصت الدولة على تبني مبدأ الشفافية المطلقة في بياناتها المعلنة بهذا الشأن عبر توثيقها بالأرقام والإحصائيات، في المقابل لا يمكن تجاهل دور المواطنين، حيث أسهم وعيهم المجتمعي بطبيعة الأزمة في مواجهة خطر الفيروس حتى الآن.

الإجراءات الاحترازية

منذ بداية ظهور الفيروس وانتشاره بضراوة في مدينة ووهان الصينية أواخر ديسمبر2019، بدأت الإمارات الاستعداد المبكر، عبر اتخاذ إجراءات طبية ووقائية شديدة الحزم، وذلك من خلال توفير مستلزمات طبية وقائية إلى جانب نشر الكوادر الطبية المدربة في كافة المستشفيات سواء الحكومية أو الاستثمارية.

في المقابل حرصت وزارة الصحة منذ بداية الأزمة على توزيع الدليل الطبي على معظم مؤسسات الدولة وتم توفير غرف عزل في جميع المستشفيات كما وفرت أجهزة طبية للكشف على العاملين كأجهزة الكشف الحراري(1).

الإجراءات الاحترازية داخل المطارات

اتخذت الإمارات عدة إجراءات داخل المطارات باعتبارها البوابة الأولى لعبور الفيروس داخل حدود الدولة حيث تم توفير أجهزة خاصة بالمستشعرات الحرارية لقياس درجة حرارة الركاب كما تم نشر أطقم طبية متخصصة لإجراء الفحص السريع للحالات المشتبه في إصابتها وعزلها تماما، في حين أكد الطيران الإماراتي تعامله بكفاءة مطلقة مع المسافرين القادمين إلى مطاري دبي وأبوظبي فيما يتعلق بمواجهة الحالات المحتملة والمشتبه بإصاباتها، كما اشترطت هيئة الطيران المدني ضرورة إخضاع كافة القادمين من مطار بكين لفحوصات طبية دقيقة ومتطورة للتأكد من سلامتهم قبل مغادرتهم المطار.

ومع تفاقم الأزمة واستشراء الفيروس أوروبيًا عززت الإمارات من إجراءاتها الاحترازية والوقائية حيث قامت بتعليق الرحلات الجوية لبعض الدول التي شهدت ارتفاع متزايد في حالات الإصابة، وفي السابع عشر من مارس قررت وقف جميع التأشيرات باستثناء حملة الجوازات الدبلوماسية " وقف مؤقت".

تفعيل آلية العمل عن بعد : حفاظًا على سلامة المواطنين قررت الإمارات تفعيل آلية العمل عن بعد في بعض القطاعات، وفي قطاعات أخرى تم تقليل عدد أيام العمل وتخفيض أعداد الموظفين المتواجدين داخل المؤسسات المختلفة.

تعليق الدراسة وإلغاء الفعاليات: صدرت قرارات عليا بضرورة تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، كما تم تأجيل الفعاليات المختلفة وصدر قرار بإغلاق كافة أماكن الترفيه وحظرت الشيشة في المقاهي والمطاعم. ويعزز من الإجراءات الوقائية فرض خطة شاملة لتعقيم المؤسسات ووسائل النقل والمساجد، كما قرر الاتحاد الإماراتي لكرة القدم تعليق كافة الأنشطة الرياضية داخل الدولة لمدة أربعة أسابيع(2).

الدور التوعوي: أما على صعيد الدور التوعوي قامت الدولة بتنظيم ورش تدريب بالتعاون مع وزارة الصحة لنشر ثقافة التعامل مع هذا الطارئ وتوضيح كيفية التعامل مع الحالات المشتبه بها أو التعامل مع أي من عوارض المرض.

إجراءات اقتصادية

لم تقتصر الإجراءات الإماراتية على شقها الطبي فحسب لكن شملت بعد اقتصادي، فبالتوازي مع الإجراءات الوقائية أعلنت الإمارات رزمة إجراءات وتسهيلات مالية لمختلف القطاعات، وكان لذلك عظيم الأثر على الاقتصاد الإماراتي فيما يتعلق بتقليل التأثيرات السلبية التي شهدتها اقتصاديات العديد من الدول منذ انتشار الفيروس.

وبناءًا على ذلك خصصت الإمارات مبالغ مالية تجاوزت الـ 100 مليار درهم لحماية الشركات الصغيرة والقطاعات السياحية والعقارية وأسواق التجزئة، بعدما أعلن المصرف المركزي خطة لدعم الاقتصاد بقيمة 27 مليار دولار _ 100 مليار درهم _ لاحتواء تداعيات فيروس كورونا، وأكد المصرف في بيان إصداره إلى جانب الحوافز لوائح وتعليمات جديدة لدعم الشركات والزبائن المتعاملين بالتجزئة، والذين تضرروا بسبب انتشار "كورونا". وعزز من ذلك تصريحات الشيخ محمد بن زايد التي أكد خلالها على أن السلطات الإماراتية ستدعم الاقتصاد عبر تسهيل القوانين والتشريعات الاستثمارية مع انتشار الفيروس(3).

من ناحية أخرى أعلنت الحكومة تخصيص مليار درهم لتأسيس صندوق صانع السوق، وذلك من أجل توفير السيولة وتحقيق التوازن اللازم بين العرض والطلب على الأسهم، وأعلنت الحكومة أيضا إيقاف العمل بكفالات العطاء لتخفيف الأعباء المالية على الشركات وإعفاء الشركات الناشئة من كفالة حسن التنفيذ للمشاريع التي تصل قيمتها إلى 50 مليون درهم.

الدور المجتمعي

في إطار استشعار المواطنين بأهمية مساهماتهم في مواجهة هذا الفيروس، وتعبيرًا عن التماسهم المسؤولية الكاملة في هذا الشأن، أطلق المواطنون حملة توعوية على تويتر عبر وسم "ملتزمون يا وطن" وذلك تعبيرًا عن التزامهم بكافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمحاربة الفيروس، حيث بدأ المتفاعلون على تويتر في تنبيه الأسر والأبناء بأهمية العمل وفقًا لخطة الجهات الحكومية وعدم الحيد عن أي منها لحين التخلص من هذا الوباء.

ولعل القيادة الإماراتية الحكيمة وثقة المواطنين واطمئنانهم لها إلى جانب شفافية الجهات الحكومية وحرصها على مؤازرة المواطنين وطمأنتهم بنفسها أولا بأول  كان الدافع الرئيسي وراء هذا الالتزام ونجاح الخطة الحكومية الإماراتية في استمرار محاصرة الفيروس حتى الوقت الحالي.

جدير بالذكر أن القيادة العليا كانت على إطلاع دائم بمستجدات الأوضاع، حيث أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عبر اتصال مرئي إطلاعه طيلة الوقت على منظومة العمل الوطنية في التعامل مع فيروس كورونا المستجد، مؤكدًا أهمية التحلي بقيم التعاون والالتزام والعمل بروح الفريق لتجاوز تلك الأوقات العصيبة.

ويمكن لمس نتائج تلك الإجراءات من خلال البيانات الصادرة عن وزارة الصحة الإماراتية التي تعلن بين الحين والآخر عن حالات شفاء جديدة، وفي الرابع والعشرين من مارس الجاري أعلنت وزارة الصحة الإماراتية، تسجيل 50 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، فيما تماثل أربعة مصابين للشفاء بعد تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة(4).

وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية فإن الحالات الجديدة تم رصدها من خلال التقصي وفحص المخالطين لإصابات أعلن عنها مسبقا، وحالات مرتبطة بالسفر إلى الخارج. وعقب الإعلان عن الحالات الخمسين الجديدة، وصل العدد الإجمالي لحالات فيروس كورونا المؤكدة في دولة الإمارات إلى 248، فيما بلغ عدد حالات الشفاء 45.

وبناءًا على ما سبق، فإن تعامل دولة الإمارات مع هذه الحالات حتى تمام شفائها يعكس في جوهره قوة النظام الصحي ورشادة القيادة السياسية لهذا القطاع وحرصها التام على توفير أرقى سبل الرعاية الصحية سواء للمواطنين أو المقيمين فيها، حيث يتم التعامل مع كل الحالات على حد سواء ووفقًا لأعلى المعايير بعد أن يتم وضعهم رهن الملاحظة والرعاية الطبية ومتابعة حالاتهم عن كثب شديد لحين التعافي التام من المرض.

الدور الإماراتي في مواجهة الفيروس خارجيًا

أكد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة " محمد بن زايد" في يناير 2020 ببداية الأزمة أنه تأكيدًا للنهج الإنساني الذي تتبناه الإمارات العربية المتحدة، فإن  بلاده على أتم الاستعداد لتقديم كافة أشكال الدعم والتعاون مع الصين والمجتمع الدولي بأثره لمواجهة هذا الفيروس.

مساعدات طبية خارجية

رغم الاهتمام الشديد الذي توليه الإمارات العربية المتحدة لمواجهة الفيروس داخليًا إلا أن ذلك لم يسنيها عن رسالتها الإنسانية، فلم تقتصر الجهود الإماراتية على مكافحة الفيروس على الداخل لكن مبادراتها امتدت للخارج لتشمل توجيه مساعدات طبية والمساعدة في إجلاء رعايا دول شقيقة من ووهان، كما أبدت الإمارات استعدادها التام لتقديم كل سبل الدعم لمواجهة انتشار الفيروس وهو ما ظهر جليا من خلال إرسال طائرة إماراتية لإمدادات ومعدات طبية مقدمة من منظمة الصحة العالمية لإيران في إطار جهودها الرامية لاحتواء الفيروس، وهو ما يؤكد حرص الإمارات وتمسكها برسالتها الإنسانية مهما كان الخلاف السياسي(5).

مبادرات لنقل الرعايا من بؤر الوباء

تقدمت الإمارات بمبادرة تستهدف نقل عدد من رعايا دول شقيقة متواجدين في مقاطعة هوبي الصينية التي تشكل بؤرة تفشي الفيروس ونقلهم إلى أبو ظبي لتلقي العلاج، وبتوجيهات من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، قامت طائرة مجهزة ومعدة طبيًا بنقل 215 شخص من رعايا دول عربية إلى أبو ظبي للقي العلاج، فيما أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان متابعته الحثيثة وباهتمام لعملية إجلاء العالقين من رعايا الدول الشقيقة من مقاطعة هوبي وشدد على أنهم سيتلقون الرعاية الطبية الشاملة لحين امتثالهم للشفاء وعودتهم سالمين لأوطانهم.

وبذلك تسجل رسالة الشيخ محمد بن زايد معاني النبل والإنسانية والسلام التي تسعى الإمارات العربية لنشرها إلى بقاع العالم أجمع، كما مثلت في الوقت ذاته دعمًا معنويًا للدول التي تواجه أزمة حقيقية جراء انتشار الفيروس.

التواصل مع منظمات دولية ورجال أعمال

شملت الجهود الإماراتية التواصل مع المنظمات الدولية وكبار رجال الأعمال، يستدل على ذلك من الاتصال الهاتفي بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورجل الأعمال الأمريكي بيل جيتس حيث تناول الاتصال سبل دعم جهود تطوير علاج لفيروس كورونا والوقاية منه، وبحث بن زايد في اتصال هاتفي مع مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم سبل وآليات تكثيف التعاون المشترك بين الجانبان لمواجهة خطر فيروس كورونا والحد من تأثيره وتداعياته، في المقابل أعلن بن زايد استعداد بلاده للتعاون مع الأنظمة ودعم جهودها في هذا الصدد.

ختامًا، فإن دول الإمارات العربية المتحدة تثبت في كل أزمة حرصها الشديد على نشر رسالتها الإنسانية وتفعيل قيم التعاون والإخاء بغية تحقيق السلام في أرجاء العالم كله.

المراجع

1ـ الإمارات.. 50 إصابة جديدة بكورونا وشفاء 4 حالات، موقع سكاي نيوز، بتاريخ 24/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/mMiZf

2ـ محمد الريس، الإمارات وكورونا.. استراتيجية شاملة ووعي مجتمعي يقود للنجاح، موقع العين الإماراتية، بتاريخ17/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/p2Bbp

3_ Lottie Tiplady-BishopKara Godfrey,TRAVEL ADVICE Is it safe to travel to Dubai? Latest advice as UAE suspends visas and bars and clubs are shut,the sun,17/3/2020,available at: https://www.thesun.co.uk/travel/11094135/dubai-coronavirus-travel-advice/

4_ Coronavirus: Emirates updates policy to allow fee-free changes on all flight bookings,the national interest,28/3/2020,available at: https://www.thenational.ae/lifestyle/travel/coronavirus-emirates-updates-policy-to-allow-fee-free-changes-on-all-flight-bookings-1.990564

5_ Emirates may cancel more flights as coronavirus spreads,elarabya.net,18/3/2020,available at: https://english.alarabiya.net/en/News/middle-east/2020/03/13/Emirates-may-cancel-more-flights-as-coronavirus-spreads-