المركز العربي للبحوث والدراسات : أسئلة بلا إجابات .. حلم الخليفة والإمبراطورية الضائعة (3-3) (طباعة)
أسئلة بلا إجابات .. حلم الخليفة والإمبراطورية الضائعة (3-3)
آخر تحديث: الجمعة 17/04/2020 01:27 ص
د. شريف درويش اللبان د. شريف درويش اللبان
أسئلة بلا إجابات

وصل أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" لسُدة الحكم في تركيا من بوابتيْن أساسيتيْن .. البوابة الأولى هى بوابة "اسطنبول" العاصمة الثانية للبلاد التي وصل إليها أردوغان ضمن انتخابات البلديات والتي اكتسحها أعضاء حزب "العدالة والتنمية" وقدموا من خلالها الخدمات للمواطن التركي الذي آمن بمقدرة هذا الحزب على التغيير والإصلاح، وكان فوز أردوغان ببلدية "اسطنبول" مؤشرًا على أن هذا الرجل هو الحاكم القادم لتركيا، وأن حزبه سيكون الحزب الحاكم لها في غضون سنوات قليلة.

والبوابة الثانية التي دخل منها أردوغان وحزبه لحكم تركيا هى بوابة الاقتصاد من خلال جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في تركيا، وزيادة نسبة التصنيع، وارتفاع قيمة الليرة التركية بشكلٍ غير مسبوق، بما وضع تركيا ضمن أكبر عشر اقتصادات في العالم.

وعلاوة على هاتيْن البوابتيْن، حرص أردوغان أن يفتح البوابتيْن الأمريكية والأوروبية على مصراعيْهما من خلال علاقاتٍ متميزة مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسي وتقديم نفسه للولايات المتحدة على أنه الوحيد القادر على ممارسة دور إسرائيل في السيطرة على العالم العربي وإخضاعه عبر استنهاض قوى الإسلام السياسي فيه، وتسويق وهم الخلافة المزعومة لهم، ومن خلال مغازلة الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى عضويته.

وفي ظل نشوة الانتصار في تأسيس هذه البوابات الأربع التي نفذ من خلالها أردوغان وحزبه إلى حكم تركيا، نسى أو تناسى أردوغان عَلْمَانية الدولة التركية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، فقد حاول أردوغان وحزبه رويدًا رويدًا نزع الهُوية العَلْمَانية للدولة من خلال التأسيس لدولة ذات صبغة إخوانية تكون مقرًا للتنظيم الدولي للإخوان، ويسيطر فيها حزبه الإخواني على مفاصل الدولة من خلال مواجهة فصيل ديني آخر (جولن وأتباعه) في انقلاب عسكري بائس أذل فيه الجيش التركي ليخرجه من معادلة السياسة، وقام بتعديل الدستور الذي جاء بمقتضاه ليصبح رئيسًا لوزراء تركيا، ليحول بموجب هذه التعديلات تركيا من دولة برلمانية إلى دولة رئاسية ليصبح ديكتاتورًا يحكم تركيا للأبد، كما أنه أخرج الجيش التركي عن دوره المنوط به بحماية عَلْمَانية الدولة.

والأدهى من ذلك كله أنه استضاف آلافًا من أعضاء جماعة "الإخوان" الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو 2013، واستضاف قنوات إعلام "الإخوان" مثل قناتيْ "الشرق" و"مكملين"، وقامت تركيا بتوفير الوظائف والإعانات لأعضاء جماعة "الإخوان"، كما أغدقت المخابرات التركية مئات الملايين من الليرات التركية على الإعلام الإخواني الذي يستهدف مصر ليلَ نهار، وهذا كله من أموال دافع الضرائب التركي، كما كانت تركيا هى المقصد لكل مَن كان ينوي الانضمام لتنظيم "داعش" الإرهابي، كما كانت "أنطاكيا" التركية هى معسكر تدريب العناصر المنضمة حديثًا للتنظيم تمهيدًا لشحنها إلى مناطق القتال في سوريا والعراق، وفي المقابل كانت تركيا تحصل على البترول من "داعش" بأبخس الأثمان.

واليومَ تُنبئ الأحداث جميعها أن سقوط أردوغان قادمٌ لا محالة في ظل أن كل أعمدة حكمه والبوابات التي نفذ منها للوصول إليه آخذةً في التداعي والسقوط .. فمدينة "اسطنبول" التي حكمها أردوغان ووصل من خلالها إلى حكم تركيا فقدها مرشح حزبه لصالح مرشح المعارضة، ورغم إعادة الانتخابات مرةً أخرى بدعوى حزب "العدالة والتنمية" ببطلانها، إلا أن النتيجة جاءت مدوية للمرة الثانية حيث فاز بها مرشح المعارضة وبفارق أكبر من المرة الأولى، ليلقن الشعب التركي درسًا قاسيًا لأردوغان وحزبه اللذيْن لم يصبحا صالحيْن لحكم البلاد، وفي أي استحقاقات انتخابية قادمة ستكون فضيحة أردوغان مدوية لا محالة.

ولا شك أيضًا أن الأداء الاقتصادي في ظل تخبط السياسة الخارجية التركية وخلق العداوات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر ودول شرق المتوسط وهروب الاستثمارات والأموال الساخنة من تركيا جعل الليرة التركية تهبط خلال العامين الماضييْن بنسبة 30%، كما هبطت الليرة مرةً أخرى فيما مضى من عام 2019 بنسبة 15% أخرى، ولا زال أردوغان يتخبط بإقالة رئيس البنك المركزي التركي، ويعبث بالسياسة المالية دون فائدة، وهو ما حول حياة المواطن التركي إلى جحيم، يتجاهل أردوغان وحزبه الحديث عنه.

إن الشارع التركي يغلي تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية المتردية ومن مزاحمة "الإخوان" لهم في بلادهم، ومن استهداف أردوغان لضباط الجيش التركي واعتقال بعضهم بين الحين والحين، رغم ما للجيش التركي من دور بارز في تأسيس الإمبراطورية التركية على مر الزمان، ورغم ما لهذا الجيش من مكانة في نفوس الأتراك، علاوة على معارضة الجيش والشعب في آنٍ واحد من تفريغ تركيا من روحها العَلمانية التي ارتضاها لها الزعيم التركي كمال أتاتورك، وبدلاً من ذلك يحرص أردوغان على أن يرفع الآذان ويتلو القرآن في استعراضٍ غير مسبوق لمخاطبة عواطف الناس بدلاً من أن يقدم لهم الوظائف والحياة الكريمة، ويجعل علاقته بربه مسألة خاصة به لا علاقة للناس أو أمور الحكم بها، كما حرصت زوجته على ارتداء حجاب رغم أن ثمة تقارير تذكر أرقامًا مفزعة للأزياء والاكسسوارات التي ترتديها زوجة الخليفة "المزعوم" الذي كان من واجبه هو وزوجته وأسرته التي تحكم تركيا التقشف في ظل ما يعاني منه المواطن التركي.

إن آخر التقارير الواردة من تركيا، تقول إن النظام الحاكم وصل إلى نهاية الطريق المسدود؛ حيث بدأ في بيع بعض القصور التاريخية لتوفير سيولة من العملات الأجنبية في الخزانة التركية، كما أنه بيعت في الأونة الأخيرة 100 من إجمالي 500 فيلا فاخرة للأجانب تطل على مضيق البسفور، في الوقت الذي أصبحت تركيا مطالبة فيه في خلال العام الحالي بسداد 120 مليار دولار ديونًا خارجية، هو ما يهدد البلاد بإعلان إفلاسها، وهو ما ألجأ أردوغان إلى صديقه تميم بن حمد أمير قطر لإقالته من عثرته، ولكن ليس المسئول أفضل حالاً من السائل.

إن سقوط أردغان وضياع حُلم "العثمانيين" الجدد أصبح على مرمى حجر بعد أن تداعى حكمه، وانهار اقتصاده، وتدنت قيمة عملته، وتفاقمت ديونه، وانفض عنه حلفاؤه، وإن غدًا لناظره قريب، وليعلمَ الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون.

اعتقد رجب طيب أردوغان أن جماعة الإخوان قادرة على العودة إلى سُدة الحكم في مصر ودولٍ عربية أخرى بعد زلزال الثلاثين من يونيو 2013 الذي أنهى حقبة الإسلام السياسي في مصر والمنطقة العربية، ففتح لهم أبواب تركيا وحدودها ووفر لهم الملاذ الآمن هم وكل الجماعات الإرهابية التي تساعده في تنفيذ مشروعه الواهم في إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية البائسة، ولم يكتفِ أردوغان بذلك بل أنه قام بالتحريض المباشر على الدولة المصرية في الداخل التركي وفي المحافل الدولية محاولًا النيْل منها، ولكن كانت جهوده كلها تذهب أدراج الرياح.

ومن الخطوات اللافتة التي اتخذها أردوغان في معاداة الدولة المصرية والتحريض عليها، استضافته لمنصات إعلامية إخوانية كل همها انتقاد الدولة المصرية ورموزها السياسية والاقتصادية والفنية، ومحاولة تقويض أركان الدولة المصرية التنفيذية والتشريعية والقضائية، ليحيلوا مصر إلى مكانٍ كبير للفوضى التي يعرفون جيدًا كيفية استغلالها للقفز فوق سِنَام السلطة مرةً أخرى.

وتنفيذًا لهذه الخطة الشيطانية، أصدر هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركي في شهر مايو الماضي قرارًا بزيادة رواتب الإخوان الهاربين إلى تركيا من العاملين في قناتي "الشرق" و"مكملين"، وذلك بعد اجتماعه معهم حيث طالبهم بزيادة حدة الهجوم على الدولة المصرية.

ويعتبر معتز مطر أعلى المذيعين أجرًا حيث كان يتقاضى 28 ألف دولار وتم رفعه إلى 35 ألف دولار شهريًا، يليه محمد ناصر الذي كان يتقاضى 26 ألف دولار شهريًا وتم رفعه إلى 30 ألف دولار، ثم حمزة زوبع الذي يحصل على 14 ألف دولار شهريًا بزيادة 3 آلاف دولار، وجمال الجمل من 6 آلاف دولار إلى 8 آلاف دولار شهريًا، بينما تم زيادة راتب سكرتيرة أيمن نور وكاتمة أسراره وزوجته الجديدة دعاء حسن مقدمة برنامج "صباح الشرق" من 9 آلاف دولار إلى 15 ألف دولار شهريًا. 

كما أن سلامة عبد القوي أحد شيوخ الفتنة الموالي للإخوان يتقاضى راتبًا شهريًا يصل إلى 7 آلاف دولار بزيادة ألفيْ دولار، في حين يتقاضى وعصام تليمة 5 آلاف دولار بزيادة ألف دولار شهريًا، ويتقاضى أحمد العربي مقدم برنامج "كلام دوت كوم" وبرنامج "يستفتونك" على 6 آلاف و500 دولار شهريًا بزيادة 2500 دولار، كما شمل قرار رئيس جهاز الاستخبارات التركي زيادة رواتب إعلاميين آخرين من الذين دأبوا على تلقي تمويلٍ مشبوه لمناصبة الدولة المصرية العداء، وهو ما يمثل خيانة صريحة للوطن مقابل حفنة دولارات.

ومنذ العام 2013، ظهرت عديدٌ من القنوات الفضائية الموجهة الى مصر من الخارج (إسطنبول بالأساس بالاضافة الى لندن والدوحة) تتبنى العداء للدولة المصرية بشكلٍ ممنهج، وتناصر المواقف السياسية لجماعة الاخوان الإرهابية، وسعت هذه القنوات الى تقديم خطاب مغاير يعتمد على عدد من البرامج الحوارية التى يتم بثها يوميًا، وفى كل حدث سياسي تتبنى هذه البرامج محاججة واستراتيجيات إقناعية تستهدف بها تقديم خطابها المغاير على نحو يكسب عقول الجماهير.

 وتعد هذه القنوات "قنواتٍ مُعادية" لأنها قنوات فضائية ممولة من دول أجنبية وموجهة من الخارج باللغة العربية تتبنى خطابًا عدائيًا ضد الدولة المصرية،  ويمثل الخطاب السياسي الذى تقدمه هذه الفضائيات نموذجًا لفهم الاستراتيجيات التداولية التى تنتهجها هذه القنوات بشكلٍ متعمد. من هنا، فإن منح الخطاب السياسي"المُعادى" حقّه من الدراسة والتحليل لأنه يستحق منّا الاهتمام والمجهودات الكافية بدون الاكتفاء بالوصف الظاهر لمحتوى الاتصال أو الخطاب. فمن الأهمية بمكان دراسة لغة الخطاب السياسي الذى تقدمه هذه الجماعات عبر وسائل الاعلام من فضائيات وشبكات تواصل اجتماعى.

وقد تطورت  التداولية la pragmatiqu  في إطار تطور الفروع المعرفية لعلوم اللسانيات فأصبحت موضوعًا مألوفًا في تحليل الظاهرة الكلامية، حيث تهتم بدراسة الغايات من التواصل وليس مجرد التراكيب والصياغات اللغوية. كما تعدُ دراسة أسلوب الحِجَاج "المُحَاجَجة" بالإضافة إلى أساليب "المغالطة" من  المحاور الكبرى في دراسات التداولية، وهى آليات مهمة في تحليل الخطاب السياسي؛ فغالبًا ما يلجأ الإعلامى ذو الأيديولوجية السياسية إلى أساليب المغالطة لتمرير محاولات الإقناع للجماهير، لأنها الأكثر قدرة على تحليل ودراسة الخطاب السياسى الذى تقدمه الفضائيات الموجهة. والخطاب السياسي يمكنه تحقيق غاياته من خلال اللغة، ومن آليات ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر استخدام مقدمى البرامج التليفزيونية الاستعارة والتشبيه والأكاذيب والتلفيق والافتراضات المسبقة وأساليب التجميل والتقبيح.

 وثمة دراسة مهمة أعدها د. إيهاب حمدي جمعة المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعنوانها: "الاستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب السّياسي للقنوات التليفزيونية الفضائية المُعادية". استهدفت الدراسة توظيف أحدث ما جاء في الدراسات التداولية وهو كشف أسلوب المغالطات في الخطاب السياسي باعتباره أقوى الخطابات وأكثرها وقعًا على المتلقي.

وتوصلت الدراسة الى استخدام عديدٍ من أساليب المغالطات فى الفضائيات المعادية مثل التناقض القولي والتناقض الأخلاقي والسفسطائية والمصادرة على المطلوب وغياب المصدر وإثارة المشاعر والشخصنة والكذب

ولمواجهة الخطاب التحريضى والتشكيكي في الفضائيات المُعادية، تُوصى الدراسة بما يأتي:

-       ضرورة وضع استراتيجية إعلامية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب، ويتم استخدام نتائج الدراسات المتنوعة فى هذا المجال، وما آلت اليه من توصيات فى صياغة هذه الاستراتيجية.

-       ينبغى التوسع فى انشاء المراكز البحثية المتخصصة فى مجابهة الارهاب، فلا يمكن أن تظل مجرد مبادرات متنوعة أو اهتمامات بحثية فردية ومستقلة فى كل تخصص فى السياسة والجغرافيا والإعلام وعلم النفس والاقتصاد والحاسبات، بل ينبغى أن تشتمل كل جامعة مصرية عامة أو حكومية على مركز بحثي متخصص فى دراسة الإرهاب بمختلف جوانبه.

-       إنشاء مرصد إعلامى متخصص لمواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة يُصدر تقارير تفضح للرأى العام أساليب المغالطات المستخدمة فى الخطاب الاعلامى الموجه من الخارج أياً كان مصدره أو الجهة التى تتبناه.

-       التوسع فى تدريس مقررات التربية الاعلامية media literacy التى تمكن الطلاب فى مراحل عمرهم المبكرة من التعرف على كيفية انتقاء مصادر الأخبار، والتحقق من صِدْقِيَة الخبر وكيفية اكتشاف المحتوى الكاذب والمزيف بأساليب فنية بسيطة.

-       ضرورة مقاضاة الجهات التى تمول هذه القنوات بتهمة استعمال أساليب القرصنة فى بث القنوات على ترددات النايل سات وانتهاج الأساليب التكنولوجية لحجب هذه القنوات.

-       ضرورة التزام الخطاب الإعلامى الداخلي بالمصداقية والحيادية والدقة والموضوعية وتفعيل مواثيق الشرف المهنية ضد كل تجاوزات إعلامية حتى يكون الإعلام الوطنى إعلامًا يُحتذي به فى الرقى الأخلاقى والمهنية الاعلامية ليسحب البساط من تحت اقدام القنوات الموجهة ولا يقدم المادة الخام لمحتواها الاعلامى.

-       عدم التردد أو التأخر أكثر من ذلك فى المسارعة بإنشاء محطات تلفزيونية فضائية موجهة باللغات التركية والعبرية والفارسية والعربية تقدم المحتوى الترفيهى والإخباري، وتخصص برامج تليفزيونية متنوعة تُعنى بالشأن الداخلى فى قطر وتركيا وغيرها من البلدان المُعادية لكشف مؤامراتها على الدولة المصرية، وتعرض وجهة النظر المصرية فى مختلف القضايا.