المركز العربي للبحوث والدراسات : "عملية إيريني".. ومستقبل تدفق الأسلحة التركية لميليشيات طرابلس (طباعة)
"عملية إيريني".. ومستقبل تدفق الأسلحة التركية لميليشيات طرابلس
آخر تحديث: الجمعة 17/04/2020 03:37 ص
نهال أحمد نهال أحمد
عملية إيريني..  ومستقبل

أطلق الاتحاد الأوروبي في الأول من إبريل 2020 عملية "إيريني" بهدف وقف تدفق الأسلحة داخل ليبيا، لتشكل بذلك هذه العملية خطوة رئيسية في إطار الجهود الأوروبية المبذولة لوقف تدفقات الأسلحة والمقاتلين من الخارج إلى ميليشيات طرابلس الساعية لتخريب البلاد، ومن ثم تنفيذ ما اتفق عليه في مؤتمر برلين بشأن ليبيا. في المقابل أثارت العملية غضب تركي وقلق روسي نظرًا لان تفعيل العملية يضر بشكل مباشر بمصالح الدولتين داخل الأراضي الليبية، من هنا تثار تساؤلات حول أبعاد العملية ودلالات المواقف الإقليمية والدولية المتعارضة إزاءها.

ماهية العملية

                أعلن الاتحاد الأوروبي في 1إبريل 2020 إطلاق عملية "إيريني"، والعملية عبارة عن مهمة في عرض البحر المتوسط تستهدف التأكد من تنفيذ قرارات حظر الأسلحة  لليبيا، الصادرة عن مجلس الأمن في مارس 2020، وتشمل الأسلحة التي تضمنتها القرارات الذخيرة الحية والمركبات والمعدات العسكرية وقطع الغيار.

جدير بالذكر أن العملية تعتبر من أهم صور المساهمة الأوروبية في حلحلة الأوضاع داخل ليبيا ضمن جهود السلام الدولية، ويمتلك القائمون على تنفيذ العملية إمكانيات تكنولوجية ضخمة تشمل أقمار صناعية وقدرات جوية تمكنهم من الرصد الدقيق لأي تحرك ينتهك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا من قبل الأمم المتحدة(1).

من المفترض أن يتمركز القائمون على التنفيذ في شرق البحر المتوسط بعيدًا تمامًا عن طريق عبور المهاجرين، ووفقًا لبنود العملية ففي حالة إنقاذ أي شخص من قبل القائمين على التنفيذ فسيتم إنزاله في إحدى الموانئ اليونانية ومن هناك سيتم إرساله إلى أحدى دول الإتحاد الأوروبي.

ردود فعل تركية غاضبة

أثار إطلاق العملية الأوروبية ردود فعل تركية غاضبة حيث تتعارض"إيريني" بشكل لافت مع الاتفاقيات الموقعة بين الحكومة التركية وحكومة "فائز السراج" بشأن الدفاع الأمني في نوفمبر 2019، من حيث الدعم التركي لميليشيات الوفاق بالأسلحة والعتاد والطائرات والردارات والمقاتلين منذ بدء العملية العسكرية التي يقودها المشير خليفة "حفتر" لتحرير العاصمة من الميليشيات والجماعات المتطرفة التي تسيطر عليها، وبناءا على ذلك لن تتمكن الميليشيا التركية داخل طرابلس من الاستمرار في انتهاكاتها في ظل الأضواء الأممية الموجهة في ليبيا بفضل العملية الأخيرة(2).

ولم تتوقف أنقرة عن إبداء رفضها للعملية فحسب إلا أنها وجهت اتهامات للاتحاد الأوروبي بعدم امتلاكه أية صلاحيات لإطلاق أي عملية، بل تمادت التجاوزات التركية حيث زعمت أنقرة أن عملية "إيريني" لها أهداف وخلفيات مشبوهة لاسيما من الجانب الفرنسي المساهم الأكبر بها مستشهدة بتصريحات المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية "أغنيس فون دير مول" التي أكدت أن العملية تظهر التزام الأوروبيين الحازم بالعمل معا للدفاع عن مصالحهم السياسية والأمنية، التي هي في خطر في سياق الأزمة الليبية".

ووفقا لأنقرة فالعملية جاءت بالأساس نظرًا لاستشعار الأوروبيين بخطر الحضور القوي لروسيا وتركيا في ليبيا، مما قد يسحب البساط من تحت أرجلهم في البلد الذي يعتبرونه حديقتهم الخلفية، من جهة أخرى عبرت حكومة الوفاق في طرابلس عن استياءها إزاء العملية الأوروبية، وأرسلت رسالة للأمم المتحدة، أعربت خلالها عن تحفظها على العملية الأوروبية لأنها لا تشمل المراقبة الجوية والبرية ضمن قرار الاتحاد، معتبرة أنها جاءت لاستهداف حكومة الوفاق بالأساس.

وفي السياق ذاته عبرت روسيا عن مخاوفها إزاء العملية لذلك تقدمت بطلب لعقد اجتماع مجلس أمن طارئ لمناقشة العملية وإطارها، والحديث حول ما إذا كانت هذه العملية تأتي في نطاق تفويض مجلس الأمن الدولي لحظر تصدير الأسلحة لليبيا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2292 أم لا، وأضافت موسكو أنه سيتم دراسة حجم وأبعاد نشاط العملية وهذه الدراسة هي التي ستحدد الموقف الروسي إزاء العملية(3).

انتهاكات تركيا داخل ليبيا

بدخول الأزمة الليبية عامها التاسع، وفي خضم التصعيد على المستويين الداخلي والخارجي، وقعت كل من أنقرة وحكومة "فائز السراج"، في الـ27 من نوفمبر الماضي، مذكرتي تفاهم تتيح الأولى لتركيا حق السيطرة على شريط مهم من مياه المتوسط، والادعاء بأنه تحت السيادة التركية، ولا يجوز لأحد أن يتحرك فيه إلا بإذن من أنقرة، وهو ما يناقض القانون الدولي ويتجاهل بشكل واضح حقوق اليونان وقبرص المثبتة.

بينما تنصب المذكرة الثانية حول إمكانية التدخل العسكري التركي داخل الأراضي الليبية، في حال طلبت الحكومة الليبية هذا الأمر

ومنذ ذلك الوقت تعددت أساليب أنقرة في التغلغل لداخل ليبيا عبر تهريب الأسلحة المتنوعة والمرتزقة المدفوعين من سوريا فيما كشف فيديو تداولته شبكة "بي بي سي" يكشف عملية إرسال تركيا شحنات من الأسلحة الخفيفة والثقيلة بغية دعم الميليشيات في طرابلس، وكشف هذا الفيديو النقاب عن أسباب رفض أنقرة مساعي توسيع مهام صوفيا بشأن مراقبة حظر التسليح على ليبيا وذلك قبل أن يقر الاتحاد إطلاق عملية "إيريني"(4).

وفي إطار الانتهاكات التركية للقوانين الدولية نجد أنه في فبراير 2020 تم ضبط شحنة من الأسلحة والمعدات الحربية إلى جانب 9 مركبات مدرعة، في حين كشفت فيديوهات منذ شهرين عن عملية إنزال فرقاطات تركية لجنود مرتزقة وأسلحة ثقيلة بالقرب من ميناء طرابلس إلى جانب رصد طائرات محملة أيضا بأسلحة وتقوم بعمليات نوعية في سماء طرابلس.

جدير بالذكر أنه في مايو 2019 تم اعتراض السفينة التركية أمازون والتي كانت تقل قرابة 40 مركبة قتال مدرعة، إلى جانب رصد عدة طائرات مسيرة تستهدف تنفيذ عمليات استكشافية نوعية.

ومن جهة أخرى كشفت مصادر عسكرية عن هبوط طائرة من طراز بوينغ 747 بمطار معيتيقة الدولي، الذي يبعد عن العاصمة طرابلس قرابة 23 كيلو متر وتم إفراغ شحنات من الأسلحة والذخائر وقطع الغيار الحربية في إطار الدعم العسكري المتواصل لميليشيات طرابلس.

وفي يناير من العام الجاري كشفت السلطات التونسية عن احتجاز شحنة من الأسلحة الهجومية التابعة لتركيا في جنوب البلاد، كان من المقرر إرسالها لحكومة الوفاق وهو ما دفع الحكومة التونسية لإعلان قلقها إزاء تطورات التصعيد العسكري داخل الأراضي الليبية ورفض التدخل التركي الذي سيدفع الأمور نحو الهاوية.

تحولات الموقف الأوروبي

أصبحت طرابلس مطمعًا للقوى الدولية منذ اندلاع احتجاجات فبراير 2011، والإطاحة بنظام العقيد "معمر القذافي"، بعدما قامت قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" بمهاجمة معقله، إثر صدور قرار مجلس الأمن رقم (1973) تحت زعم حماية المدنيين الليبيين، ليمثل ذلك أولى ملامح التدخل الأجنبي داخل الأراضي الليبية

وبعد استهداف الرئيس السابق "معمر القذافي"، عُقدت أول انتخابات لاختيار مجلس وطني، خلال يوليو 2012، إلا أن الانقسامات القبلية والاقتتال الداخلي حال دون استكمال الاستحقاقات المطلوبة، وأدى إلى تعثر العملية السياسية وعرقلة التحول الديمقراطي؛ بل وصل الأمر لدرجة النخر في مؤسسات الدولة، وانتشار حالة من الفوضى(5).

كل ما سبق دفع أطرافًا خارجية لتعزيز تلك الانقسامات عبر تقديم الدعم المالي والسياسي لأبرز الفاعلين الليبيين داخل المعادلة، بل أدى ذلك إلى تدخل عسكري مباشر من بعض الدول ذات المصالح الاستراتيجية داخل ليبيا.

وكان تبرير هذا التدخل؛ تصاعد التهديدات الأمنية لتلك الدول، لاسيما مع تفاقم أزمة اللاجئين وتصاعد معدلات الهجرة غير الشرعية القادمة من دول أفريقيا جنوب الصحراء، مرورًا بالأراضي الليبية، فضلًا عن انتشار صنوف من الاقتصاديات غير المشروعة، كتجارة الأسلحة والمخدرات، وهو ما كان له انعكاساته السلبية على الداخل الأوروبي.

وعزَّز من ذلك أكثر من بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي، أفاد بأن التحكم في الحدود الشمالية والجنوبية الليبية يعتبر أولوية للأمن القومي الخاص بدول الاتحاد الأوروبي. ولذلك، سعت الأخيرة إلى وضع خطط عمل بهدف ضبط السواحل الليبية؛ كونها نقطة الانطلاق لقوارب المهاجرين غير الشرعيين

ومن ناحية أخرى، قامت دول الاتحاد بالتنسيق مع أجهزة وهيئات أوروبيةــ مثل قوات الأوروفورس للحد من الهجرة غير الشرعية وتتبع مافيا الاتجار بالبشر والأسلحة. ولا يمكن إغفال عملية صوفيا التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في يونيو 2015، للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة عبر الحدود.

ورغم التنسيقات التي أشرنا إليها، إلا أن انقسام أوروبا كان سمة مواقفها إزاء الأزمة الليبية، فقد انقسمت الدول الأوروبية لقسمين؛ الأول: ارتكزت اهتماماته على المشكلات الناتجة عن الأزمة الليبية، دون الاهتمام بالأزمة ذاتها، في حين انكب القسم الثاني على رعاية مصالحه الخاصة بشكل فردي بعيدًا عن التنسيق مع محيطه الأوروبي، كما هو الحال مع فرنسا وإيطاليا.

إلا أن التحركات التركية في نوفمبر 2019 نحو توقيع اتفاقيتين مع حكومة فائز سراج الأولى أمنية والأخرى حول استغلال حقول الغاز شرق المتوسط إلى دفع القوى الأوروبية للتحالف من أجل مواجهة هذا التطور، وبناء على ذلك، مثلت الخطوة التركية دافعًا قويًّا لتوحيد الموقف الأوروبي تجاه ليبيا، بعدما انتهجت كل دولة من الدول نهج التعامل الفردي مع الأزمة وفقًا لما تمليه مصالحها الخاصة.

انعكس هذا التعاون في إعلان حكومتي فرنسا وإيطاليا ـــ باعتبارهما الفاعلين الرئيسيين داخل الأراضي الليبية وأكثر الدول الأوروبية صدامًا داخل ليبياـــ رفضهما الشديد للاتفاقيتين واعترضتا بشدة على الخطوات التركية التصعيدية.

ويرجع هذا الرفض لحرص كل منهما في الحفاظ على تشابك مصالحهما مع القاهرة، والإبقاء على التحالفات مع دول شرق المتوسط (اليونان وقبرص) في مجال الطاقة.

فأنقرة سعت من وراء هذا الاتفاق للضغط على الاتحاد الأوروبي من جهة، والتحالف المصري القبرصي اليوناني من جهة أخرى، فيما يتعلق بقضية التنقيب ووضع كل هؤلاء الأطراف أمام سياسة الأمر الواقع، خاصةً بعد قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا، يوليو 2019، عقب تمركز معدات للحفر والتنقيب بالقرب من السواحل القبرصية(6).

مع العلم بأن أنقرة تسعى لإفشال مهمة خط الغاز "إيست ميد"، المعني بنقل 11 مليار مكعب من غاز شرق المتوسط إلى قبرص وإسرائيل إلى اليونان وإيطاليا.

ولذلك أعلن الاتحاد الأوروبي صراحةً رفض اتفاقيتي أنقرة وحكومة "السراج" واعتبرها بمثابة خطوة استفزازية تسعى لتعقيد المشهد السياسي، لتظهر بذلك أولى ملامح تقارب التوجه الإيطالي الأوروبي، فرغم إعلان روما دعمها لحكومة "السراج" نظرًا لتوظيفها في ملف الهجرة وخفض معدل اللاجئين، إلا أنها رفضت تلك الاتفاقيات؛ لتعارضها مع مصالحها النفطية داخل ليبيا.

لذلك، كان لابد من إحداث تقارب حتى لو كان جزئيًّا بين الدول الأوروبية، فهي تدرك جيدًا أن موسكو وأنقرة تستشعران الفجوة التي تسببت بها الانقسامات الأوروبية داخل ليبيا، وتعي أوروبا أن الدولتين ستحسنان استغلال تلك الميزة، وستمارسان ضغوطًا أمنية على الأوروبيين عبر البحر المتوسط من المنصة الليبية عبر ملفي اللاجئين والطاقة(7).

وبناءًا على ذلك انطلق مؤتمر برلين بمشاركات قوية، حيث حضرت 12 دولة هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات والجزائر والكونغو، إلا أن مخرجات المؤتمر كانت ضعيفة نسبيًّا ومكررة لم تحرك الماء الراكد, فكان لابد من اتخاذ إجراء فعلي، وكان ذلك نواة إطلاق العملية "إيريني".

لذلك من المتوقع أن تغير العملية "إيريني" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، المعادلة السياسية والعسكرية الجارية حاليًا في ليبيا في حالة تمكنها من تحقيق مهامها، فالعملية من شأنها القضاء على مصدر إمدادات السلاح الرئيسي لميليشيات طرابلس، لاسيما بعدما تأكد أن تركيا هي من تقود العمليات في ليبيا، وهي من تستهدف بالأسلحة الثقيلة اللبيبين، مبررة ذلك بمذكرة التعاون الأمني مع الوفاق، وهو ما ثبت بعدما قامت عناصر عسكرية تابعة لتركيا من استهداف منطقة العجيلات غرب طرابلس، بعد يوم واحد من الإعلان عن عملية "إيريني"(8).

وأخيرًا فالأوروبيون يدركون جيدًا أطماع "إردوغان" ومخططاته الساعية للسيطرة على ليبيا وثرواتها النفطية وكان لهذا الإدراك دورًا رئيسيًا في عدم إرجاء الإتحاد الأوروبي موعد إطلاق العملية رغم صعوبة التوقيت في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد في دولهم، وهو ما يؤكد ويبرهن على خطورة الوضع الأمني الذي وصلت له ليبيا في ظل سيطر الميليشيا التركية على العاصمة طرابلس وتحكمها في مجريات الأمور.

المراجع

1ـ هل تهدد عملية «إيريني» العسكرية اتفاقية إردوغان والسراج الدفاعية؟، موقع جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 7/4/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/38iNc

قلق روسي من عملية "إيريني" الأوروبية في ليبيا، موقع العربي الجديد،بتاريخ9/4/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/JQ79S

3ـ غالب دالاي و طارق يوسف، هل ترقى أوروبا إلى مستوى المهمّة في ليبيا؟،مركز بروكينجز،18/1/2020، متاح على : https://cutt.us/69CA1

4ـ كريستوفر س. شيفيس وجيفري مارتيني، ليبيا بعد القذافي.. عِبر وتداعيات للمستقبل، مؤسسة راند، يناير 2014، متاح على: https://cutt.us/xTxYq

5_ Fehim Tastekin , Turkey’s Libya strategy: cure has become worse than disease,al-monitor,20/1/2020,available at:

https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/01/turkey-russia-libya-berlin-summit-ankara-caused-side-effects.html

6ـ أحمد عليبة، تحوّلات ظاهرة فوضى التسلح في ليبيا: من التسلح “العشوائي” إلى “شبه المنظّم”، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية،28/11/2019، متاح على الرابط: https://cutt.us/VomSB

7_ Mattia Giampaolo,How Italy was marginalised in Libya ,European council on foreign relations,17/1/2020,available at:

https://www.ecfr.eu/article/commentary_how_italy_was_marginalised_in_libya

8_ Editorial Board, France and Italy Should Lead on Libya,Bloomberg,11/4/2019,available at: https://cutt.us/T2Gsr