المركز العربي للبحوث والدراسات : لماذا تجددت هجمات الحرس الثوري الإيراني على المصالح الأمريكية في المنطقة؟ (طباعة)
لماذا تجددت هجمات الحرس الثوري الإيراني على المصالح الأمريكية في المنطقة؟
آخر تحديث: الجمعة 01/05/2020 02:13 ص
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
لماذا تجددت هجمات

استمراراً لسياسة التصعيد المتبادلة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، قامت مجموعة مكونة من 11 ذورقًا تابعًا للحرس الثوري الإيرانى في 17 إبريل 2020 بمناورات خطيرة قرب 6 بوارج حربية  أمريكية  كانت تقوم بالمشاركة في مهام المراقبة البحرية للمياه الدولية في الخليج العربي قرب السواحل الكويتية. ومن ناحية أخرى، هدد قادة الحرس الثوري استهداف حاملات طائرات وسفن عسكرية أميركية تعمل بالوقود النووي في الخليج العربي إذا استمر ت واشنطن في تهديدها وانتقاداتها المستمرة لسياسات نظام ولاية الفقيه في إيران فيما يتعلق بالوضع المتدهور داخليًا، فضلاً عن سعى إيران لترسيخ نفوذها في دول المنطقة، وهو الأمر الذي يعمل على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة بشكل أساسي.

وعليه، يمكن القول أن حالة التوتر الموجودة بسبب الهجمات العسكرية المتبادلة بين قوات حزب الله في العراق المدعومة من إيران والولايات المتحدة الأمريكية والتي وصلت إلى ذروتها في اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيرانى قاسم سليماني في 3 يناير 2020 وهو الأمر الذي تستمر تداعياته السلبية حتى الآن. بالتوازي مع  استغلال الجمهورية الإسلامية لهكذا توقيت تمر فيه الولايات المتحدة الأمريكية بأكبر نقاط ضعفها على خلفية أزمتها الداخلية المتمثلة في تفشي وباء كورونا والتصاعد الخطير في عدد الضحايا والاصابات لتوجيه ضربات موازية لها ولاسيما فيما يتعلق بتهديد مصالحها في المنطقة.

وسنحاول خلال هذا التحليل إلقاء الضوء على أبرز دلالات عودة هجمات الحرس الثوري الإيرانى على المصالح الأمريكية في المنطقة من خلال عدة نقاط يمكن توضيحها فيما يلي:-

أولا- تصاعد التوتر

تمر العلاقات الإيرانية – الأمريكية بحالة من التوتر  غير المسبوقة  في المنطقة ولاسيما في كل من العراق وسوريا؛ حيث يتنافس كلا الطرفين للاستفراد بالسيطرة على حدود كل من بغداد ودمشق في ظل الصراع المحتدم الذي تمر به الدولتان في الداخل. فعلى الرغم من التوافق الواضح بين كل من واشنطن وطهران على تكليف رئيس جهاز الاستخبارات العراقي مصطفي الكاظمى لتشكيل الحكومة الجديدة في بغداد، إلا أنه لا يمكن اعتبار ذلك نهاية المطاف؛ حيث تحرص طهران دائمًا على اتباع سياسة النفس الطويل والشد والجذب في علاقتها مع منافسيها في المنطقة، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية (1).  

 من ناحية أخري، يستمد نظام ولاية الفقيه داخل إيران جزء أساسي من شرعيته من النفوذ الإيراني في المنطقة وهو الأمر الذي ارتبط بالصراع التاريخي مع الولايات المتحدة الأمريكية ووصفها بالشيطان الأكبر الذي يعتبر بمثابة التهديد الأكثر خطورة لمصالح طهران في المنطقة. يتوازى ذلك، مع إصرار طهران على المناورة مع واشنطن على خلفية بعض الملفات العالقة فيما بينهما ولاسيما فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني الذي خرجت منه الولايات المتحدة الأمريكية في مايو لعام 2018 ، وهو الأمر الذي تبعه فرض ثلاث موجات من العقوبات الاقتصادية على أبرز قطاعات الاقتصاد الإيراني.

كما يأتى ذلك كله في ظل جملة من التهديدات الخطيرة التى بات يمثلها النفوذ الإيرانى على المصالح الأمريكية وهو الأمر الذي تمثل في الهجمات العسكرية المتبادلة بين واشنطن وكتائب حزب الله في العراق المدعومة من قبل طهران منذ الربع الأخير من عام 2019؛ فعلى الرغم من التوافق الواضح بين كل من واشنطن وطهران فيما يتعلق بتكليف مصطفي الكاظمى في العراق ولكن مازالت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مصرة على إخراج القوات الأجنبية ولاسيما الأميريكية من بغداد. وبالتالى أدى ذلك، لاتجاه الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر مارس 2020 نحو تقليص عدد قواتها الموجودة في بغداد إلى أن تم حصرها في  3 قواعد عسكرية فقط(2).

ثانيًا- تفاقم الأزمات

يأتى التصعيد الإيرانى مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة في خضم حالة خطيرة  من التردى والركود الاقتصادى الذي تعانيه طهران على خلفية العقوبات الاقتصادية التى تم فرضها من قبل واشنطن بعد الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى مع دول (4+1) في مايو لعام 2018، وخاصًة مع فرض هذه العقوبات على أبرز القطاعات الحيوية داخل الاقتصاد الإيرانى مثل الصرافة والتضييق على الطرق التى تستطيع الجمهورية الإسلامية من خلالها تصريف شؤونها بالاعتماد على سبل غير شرعية مثل التهريب وغسيل الأموال، وهو الأمر الذي امتد حتى طالت العقوبات الأمريكية قادة الحرس الثورى وبعض رجال الأعمال الكبار.

وعليه، تعانى طهران كثير من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية في ظل تفشي وباء (كوفيد19) المعروف بكورونا ولاسيما فيما يتعلق بأثاره السلبية المتمثلة في الركود الاقتصادى وزيادة نسبة البطالة، مما أدى لشيوع حالة شديدة من التوتر ليس فقط الداخلى ولكن مع دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية التى رفضت المطالب الإيرانية فيما يتعلق بتخفيف العقوبات الاقتصادية الشاملة المفروضة عليها منذ مايو 2018، فضلاً عن عدم السماح لصندوق النقد الدولى بمنح قرض طلبته إيران لمساعدتها في التغلب على أزمة تفشي فيروس كورونا.

وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إلى أن المشكلة الرئيسية التى تعانى منها طهران في هكذا ظروف ليست مالية بالأساس؛ حيث يمكن لها الحصول على هذه الأموال من الصندوق المملوك للمرشد الأعلى علي خامنئي المعفى من الضرائب، فضلاً عن أن تخفيف العقوبات من شأنه حصول طهران على أموال كثيرة يمكن توجيهها لدعم المليشيات الإيرانية التى تعمل بشكل أساسي على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة(3).

ثالثًا- تنفيذ التهديدات     

على الرغم من نفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتورطها في حادث التحرش بالبوارج الأمريكية فى الخليج وهو الأمر الذي جاء على لسان وزير الدفاع الإيرانى أمير حاتمى في تصريح له على وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) في 18 إبريل الجارى في قوله:" أن ما يؤدى لانعدام الأمن في منطقة الخليج هو الوجود غير المشروع والعدواني للأميركيين الذين جاءوا من الطرف الآخر للعالم إلى حدودنا ووجّهوا مثل هذه المزاعم التي لا أساس لها"، إلا أنه من الواضح أن طهران ترغب في  تنفيذ تهديداتها المتصلة بحادث اغتيال إدارة دونالد ترامب لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليمانى برفقة قائد الحشد الشعبي في العراق أبومهدى المهندس قرب مطار بغداد الدولى في 3 يناير 2020.

                وياتى ذلك في خضم تأكيد طهران من خلال تصريحات المسؤولين الإيرانيين في وقت سابق استمرار الانتقام لمقتل سليمانى لسنوات عدة قادمة، فضلاً عن امتداد هذا الانتقام ليس فقط داخل الأراضي الأمريكية، بل سيطال ليس فقط مصالح واشنطن بل ومصالح حلفاءها أيضًا في المنطقة وخارجها، وها هى تعمل جاهدة لتنفذ ما وعدت به.

في السياق ذاته، تأتى هذه الاستفزازات الإيرانية عشية الذكرى الأولى لتصنيف الحرس الثورى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة إرهابية، ويبدو الأمر وكأن الدولة الإيرانية عازمة على الانتقام من واشنطن، وبخاصًة في ظل انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بأزمتها المتمثلة في تفشي فيروس كورونا وتخطى عدد الإصابات الداخلية في 22 إبريل 2020 لحاجز الـ 800 الفًا من الأمريكيين، وهو الأمر الذي يعد بمثابة كارثة إنسانية خطيرة يمكن أن تقضى على حياة عدد لا بأس به من المواطنين الأمريكيين.

كما أن ذلك من شأنه أن يضع الولايات المتحدة الأمريكية التى لطالما أكدت على أنها القوة العظمى والدولة الأولى في العالم فيما يتعلق بالقدرات الشاملة محل مساءلة داخلية، وهو الأمر الذي بدت بوادره في بعض الاحتجاجات الأمريكية التى اندلعت إثر الاعتراض على قيود الحظر التى يفرضها حكام الولايات، مخالفين بذلك كل التعليمات المتبعة فيما يتعلق بالوقاية من الفيروس مثل إرتداء الكمامات والحفاظ على مسافات التباعد الاجتماعى(4).

الهوامش

1-      الحدود السورية ـ العراقية في قبضة واشنطن وطهران، الشرق الأوسط، 18/4/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/VyyIsGX .

2-      حرب مفتوحة في العراق بين أمريكا ووكلاء إيران، البيان، 15/3/2020، متاح على الرابط التالى https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2020-03-15-1.3803946.

3-      واشنطن ترد على طهران: كافحوا كورونا بأموال خامنئي، جريدة اليوم، 1/4/2020، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/FyyITDI .

4-      "رويترز": وفيات كورونا فى أمريكا تقفز إلى 46 ألف وفاة، اليوم السابع، 22 /4/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/ByyIKEH .