المركز العربي للبحوث والدراسات : قراءة جديدة في شخصية إسماعيل المفتش (دراسة تاريخية) (طباعة)
قراءة جديدة في شخصية إسماعيل المفتش (دراسة تاريخية)
آخر تحديث: الجمعة 15/05/2020 11:39 م
محمود الرامي محمود الرامي
قراءة جديدة في شخصية

ليس سهلاً أن تغوص حتى عمق مائتي سنة، في تاريخ مصر، وتتأمل واقع رجل، اكتنف الغموض سيرته، منذ ولادته، حتى اختفائه في نوفمبر 1876، وهو إسماعيل صديق باشا، الذي تولى نظارة المالية في عصر الخديوي إسماعيل؛ فالمؤرخون الأجانب والمصريون، الذين عاصروه، وكبار الكتاب الذين أتوا بعده، وتعقبوا أثره، احتاروا واختلفوا عليه؛ فتجد من يلصق به التهم، منذ ولادته حتى اختفائه، وليس في أثناء نظارته للمالية فقط، ويورطه في الديون التي كبلت أقدام البلد، وأطلقت أقدامه هو، والخديوي إلى شهواتهما، وعلى الجانب الآخر، تجد كتابات قليلة، تبرئه، مما نُسِب إليه.

ومهمتنا، في هذه الدراسة إعادة النظر في أوراق القضايا، التي نُسِبَت إلى إسماعيل المفتش (كما اشتهر)، من خلال تحليل سيرته، ومحاولة حل لغز اختفائه، من خلال تحري دقة المعلومات المتعلقة به، التي وجدناها في كتب عربية وأجنبية، ومن ثم الوصول إلى استنتاجات ترسم في النهاية، الصورة الأقرب إلى الحقيقة، لإسماعيل المفتش.

ونحلل من خلال هذه الدراسة: نشأة إسماعيل المفتش وعلاقتها بالخديوي إسماعيل، تعليمه، ثقافته العامة، نشاطه في الوظائف التي تقلدها قبل نظارة المالية، نظارته للمالية وجهوده لتخليص مصر من الديون، التهم التي وجهت إليه، موقفه من التدخل الأجنبي في شؤون البلد، توتر علاقته مع الخديوي إسماعيل، اختفاؤه.

أولًا- نشأته:

لم نحصل على وثيقة تثبت تاريخ ومكان ولادة إسماعيل المفتش، ولكن المرجح أنه ولد في أسيوط(1)، في عام 1830، لسبب بسيط، وهو أن الخديوي إسماعيل ولد في نفس العام(2)، ومن المؤرخين من يجعل مولد الخديوي في 1827(3).

§       ارتباط مولد المفتش بالخديوي إسماعيل

وسر ارتباط تاريخ مولد الخديوي، بمولد المفتش، هو نفسه سر ارتباطهما على المستوى الإنساني طيلة حياتهما؛ فهما أخوات في الرضاعة؛ فبعد ولادة الخديوي إسماعيل، عانت والدته خوشيار هانم، زوجة إبراهيم باشا بن محمد علي، من نقص جريان اللبن في ثدييها، فحال الجفاف دون التقام الخديوي إحدى حلمتيها، فكلفت كبيرة وصيفات القصر، بإرضاعه، وكانت هذه الوصيفة قد أنجبت هي الأخرى ولدًا لتوها، وهو إسماعيل المفتش، فأرضعتهما معًا(4)، والوصيفة هي امرأة من الطبقة الراقية، تقوم بمصاحبة الملكة، وإدارة بعض شؤون القصر.

§       روايات مختلفة عن والدة المفتش وأبيه

وفي رواية لجمال حمدان، يقول إن إسماعيل صديق من أبناء الفلاحين الذين فقدوا أرضهم، وأصبحوا أجُراء يعملون بالسخرة في الزراعة، وحفر الترع، وشق المصارف(5)، ويؤكد كلامه، إلياس الأيوبي: "ابن فلاح صعلوك الأصل طالما مُد أجداده، بل أبوه ذاته، تحت الكرباج، وازرقت أرجلهم حتى رفقت دمًا من تعاقب السياط عليها(6)".

حتى أن الكاتب محمد صفاء عامر، في روايته غريق في بئر الذهب، الذي يقدم فيها إسماعيل المفتش بطلًا لروايته، يشير إلى أن حراس خوشيار هانم، عثروا على هذه الأم المرضعة في جوار مسجد الرفاعي، الذي كانت تبنيه خوشيار، ودفنت فيه حين تجاوزت السبعين، ورقد في جوارها ابنها الخديوي إسماعيل وزوجاته وأولاده فيما بعد، ولما رأتها الوالدة باشا (خوشيار هانم) استبشرت بها وأخذتها إلى القصر لإرضاع ابنها(7).

وقدم الكاتب محفوظ عبد الرحمن، في مسلسل بوابة الحلواني، إسماعيل المفتش، أنه من أصل قروي، وينتمي إلى عائلة فقيرة بائسة(8)، وذكر علي مبارك أنه تربي في العشش(9)، وهو ما أكده الكاتب عبد الرحمن الرافعي في كتابه عصر إسماعيل بقوله: "إسماعيل صديق نشأ نشأة بؤس وعوز(10)".

والمؤمن بصحة هذه الروايات، التي تجمع على حقيقة واحدة، وهي أن أسرة المفتش كانت بائسة الحال، يصطدم بحقيقة متأصلة في قاع التاريخ، اكتشفها الباحث جمال عبد الرحيم، وهي أن والد إسماعيل المفتش، هو دونه لي مصطفى أغا، وهو من قادة الجيش المصري(11)، الذي أسسه محمد علي باشا، وكان من المقربين لإبراهيم باشا، وليس من المنطقي أن ينشأ إسماعيل، نشأة فقر وعوز ووالده في هذه المكانة الرفيعة.

كما أن العادة جرت قديمًا على منح الضباط وكبار الموظفين، الأراضي الزراعية على شكل إقطاعات زراعية يقومون بزراعتها، وقد كان لوالد المفتش نصيبًا من الأطيان والأملاك، وكان يسمى بالإنعام، ومنها العزبة التي ولد فيها المفتش في أسيوط(12)، والسبب في منح الأراضي لعلية الموظفين والضباط، دون غيرهم، حصولهم على دخل مادي يمكنهم من زراعة الأرض وإعمارها، وهذا يشير إلى أن أسرة المفتش لم تكن فقيرة.

ومن المنطقي، أن خوشيار هانم، لا يمكن أن تقبل بإرضاع ابنها من ثدي فقير لامرأة فقيرة لاجئة، وجدتها على باب جامع الرفاعي، وهنا نستدعي إحدى مشاهد الكاتب خالد سرحان، في فيلم الديكتاتور، الذي عرض في دور السينما، في شتاء 2009: تلد زوجة حاكم بامبوزيا، ولدين وتموت بعدها، فيطلب الحاكم من حنفي، رئيس الديوان، أن يأتي إليه بمرضعه، واشترط أن يكون حجم الثدي الواحد فيها، في حجم الخوذة العسكرية.

وفي اليوم التالي، نجد حنفي يقف أمام طابور من المرضعات، ويمسك الخوذة، ويعاير بها أثداء المرضعات، حتى يختار ذات الثدي الأكبر، وهذان ابنا حاكم دولة وهمية افترضها خالد سرحان في خياله، وعلى ذلك، فإن المنطق يذهب إلى أن إسماعيل بن إبراهيم باشا، حفيد محمد علي باشا والد مصر الحديثة، لا يفترض أن ترعاه أسرته، رعاية أقل من التي رعاها حاكم الدولة الوهمية لابنيه، فإسماعيل من أسرة حاكمة لدولة فعلية.

وإن إرضاع امرأة لرضيعين في آن واحد، دليل على صحة ثدييها، التي تعكس قوتها بشكل عام، فلو كانت أسرة المفتش فقيرة محتاجة، تقتات بالكاد، لكان ثدييها هزيلين منكمشين، لا يمكناها من إرضاع ابنها في آن واحد مع الخديوي؛ ولذلك يمكن القول، أن والدة المفتش، لم تجئ إلى القصر فقيرة لاجئة، بل جاءت محملة بالخير وفم الخديوي يشهد.

كما أن الدكتورة مروة عباس ابنة حفيدة المفتش، تؤكد أن والدة المفتش، كانت امرأة راقية، تتحدث سبع لغات، وتشغل منصبًا مرموقًا بالقصر، وهو كبيرة وصيفات القصر(13) كما ذكرنا، ولم تكن جارية واعتقت مثل خوشيار هانم، أو زوجات الخديوي، اللاتي لم يكن يتحدثن، غير التركية لكونهن جاريات سابقات(14).

§       أصل أسرة المفتش

واحتار المؤرخون والكتاب حول أصل أسرة إسماعيل صديق، فهناك قول بأنه ولد في الجزائر، وقول ثاني بأنه ولد في مراكش، وقول ثالث استبعده جمال عبد الرحيم في كتابه إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات وضحية الوشاية، بأنه مصري من أبوين مصريين من فلاحي الوجه القبلي، وقد بنى جمال، موقفه تجاه هذه الرواية، على أساس أنه جمع وثائق تثبت أن والد المفتش كان ضابطًا في الجيش، وليس فلاحًا، وسبب الالتباس هو امتلاك والد المفتش لأراضي زراعية في صعيد مصر، وكانت إنعامًا من الخديوي(15)، كما ذكرنا آنفًا.

وهناك قول رابع لمروة عباس، وهو أن جدها من أصل تركي – ألباني وفقًا لشجرة العائلة(16).

ثانيًا- تعليمه:

توازت الروايات وتعارضت، حول تعليم المفتش، فالبعض يقول إن المفتش لازم الخديوي، في مراحل التعليم المختلفة، حتى سافر الخديوي إلى فرنسا لاستكمال تعليمه، بينما استكمل المفتش تعليمه في مصر، وهناك رأي آخر، وهو أن المفتش رافق الخديوي في بعثة الأنجال بالخارج، وأتم دراسته في معاهد أوروبا العلمية(17).

من أبرز الروايات التي يعرفها الناس، رواية السير ريفرس ويلسون (وزير المالية في أواخر 1878 في أول وزارة أوروبية في مصر)(18)، التي كتبها في مذكراته عام 1916: "صديق كان نبيهًا ولو أنه لم يكن على درجة عالية من التعليم، فلم يكن يتكلم إلا العربية، ولا يجيد كتابتها، والمرجح أن والديه تمكنا من أن يعطيانه التعليم الكافي ليجعله مناسبًا للخدمة العامة"(19).

§       خلاف علي مبارك مع المفتش

وقبل أن نذهب إلى مقارنة بين هذه الرواية الموجودة في دفتر ملاحظات ويلسون، ووثيقة موجودة في دار الكتب والوثائق المصرية، نستعرض وقائع تاريخية مهمة، يشترك فيها إسماعيل المفتش، مع الذي أنشأ هذه الدار في العام 1870، وهو علي باشا مبارك، الذي كان ناظرًا للمعارف آنذاك، وهو واحد من الذين رسموا على صدر التاريخ صورة سيئة لإسماعيل المفتش.

يذكر مبارك أن له مظلمة عند إسماعيل صديق؛ فيقول إن المفتش تسبب في قطع عيشه، فحين كانت مصلحة السكة الحديد في إدارة مبارك، وزادت إيراداتها، طمع فيها المفتش، وأراد ضم إيراداتها إلى ديوانه (ديوان المالية)، فرفض علي مبارك، فوشى المفتش بنفوذه الطاغي ضده لدى الخديوي، حتى جرد علي مبارك من مناصبه تدريجيًا، بسبب وشاية المفتش(20).

ووفقًا للوثائق الرسمية، المنشورة في كتاب تقويم النيل، بدأت سلسة التغيرات، في مناصب علي مبارك، في 20 سبتمبر 1870، بصدور أمر من الخديوي، إلى مبارك، بفصل إدارة السكة الحديد، من مسؤولياته وإسنادها، إلى عمر لطفي، وذلك لكثرة مسؤوليات على مبارك، الذي كان مسؤولًا عن نظارة عموم الأوقاف، ونظارة ديوان عموم الأشغال، وديون المدارس، بينما تحتاج إدارة السكة الحديد إلى التفرغ لإدارتها(21).

ثم صدر قرار في اليوم التالي، أي في 21 سبتمبر، بإسناد عهدة نظارة الأشغال العمومية، ونظارة ديوان عام المدارس إلى مصطفى بهجت باشا، لينفرد علي مبارك، بديوان الأوقاف فقط(22)، وبعدها بأسبوعين (4 يناير 1871) صدر قرار بتجريد علي مبارك من منصب ناظر الأوقاف(23)، وبقي له منصب واحد فقط، وهو عضوية المجلس الخصوصي، الذي كان مجلسًا استشاريًا للخديوي، لكن مبارك لم يمارس فيه أي نشاط، لاعتكافه في منزله بعيدًا عن السياسة، مدة شهرين(24).

ثم بدأت مناصب علي مبارك تعود إليه، مرة أخرى، ثم جرت تعديلات في جهاز الدولة، كضم ديوان إلى آخر، أو فصل ديوان عن آخر، مع تولية حسين كامل باشا، ومحمد توفيق، ابني الخديوي إسماعيل، معظم دواوين الدولة، فصار مبارك مستشارًا لها فقط، بعد أن كان وزيرًا لها(25)، ثم عزل من مناصبه الاستشارية، وبقى إلى جواره المنصب، الذي لم يفارقه، وهو عضوية المجلس الخصوصي(26).

وظلت حركة فصل علي مبارك من مناصبه وإعادته إليها، مستمرة؛ فمن فصل إلى رجوع، إلى جعله مستشارًا أو وكيلًا، إلى فصله ثانيةً، إلى رجوعه وزيرًا، إلى فصل مرة أخرى، وهكذا دواليك.

ويمكن القول، إن أحد أسباب تأرجح علي مبارك في المناصب، هو رغبة الخديوي إسماعيل، في أن يتولى نجلاه، مقاليد الأمور في معظم الدواوين، وإن كان الأمر مطروحًا لاستنتاجات أخرى، وإن كان السبب يبدو أكبر من وشاية المفتش، التي يراها علي مبارك؛ فإسماعيل صديق، لم يستفد شيئًا من هذه التغيرات؛ لم يحصل على منصب إضافي، ولم يعين أحد من أخواته: إبراهيم صائب بك، أو نشأت بك، ولم يتقلد أحد من أولاده إحدى هذه المناصب التي عفى منها علي مبارك، والأهم أنه لم يحصل على إيرادات السكة الحديد التي قال مبارك أنها سبب وشاية المفتش به.

ومرة أخرى يعتقد علي مبارك، أن المفتش ورجاله وشوا به عند الخديوي، بسبب كتابه: نخبة الفكر في تدبير نيل مصر، وهو كتاب يهتم بفلسفة تاريخ مصر في ضوء علاقة وجودها بالنيل، ويحكي أن خصومه: المفتش ورجاله، ذهبوا إلى الخديوي واقنعوه أن كتاب نخبة الفكر يشتمل على ذم الحكومة الخديوية وتقبيح سياستها، وأن ذلك أغضب الخديوي، فعزل مبارك من مناصبه مستغلًا الجراءة والنقد الذي تضمنه كتابه، للولاة والحكام الذين تعاقبوا على مصر بعد محمد علي. (27)

وبغض النظر عن صحة اعتقاد علي مبارك، في أن المفتش كان رجلًا شريرًا واشيًا، فإننا أردنا أن نوضح اعتقادًا راسخًا، في أعماق أحد أكبر مؤرخي عصر إسماعيل، حتى يتضح لنا طبيعة ما يمكن أن يكتبه عن رجل تسبب في قطع عيشه، وفرط عقد مناصبه الرفيعة، فلا عجب من الصورة السيئة التي يرى بها مبارك المفتش، والتي انعكست جلية في كتبه، حتى أنه كان يرى المفتش ومن حوله من الرجال الذين يساعدوه، أنهم حزب الجهلاء(28)، فيقول إنه مصري مثلهم، بل وأشد سمرة منهم، ولكنه يمتاز عنهم بأنه يعرف القراءة والكتابة(29)، أي أنه مثقف وهم جهلاء.

ثالثًا- ثقافته العامة:

بالعودة إلى قول السير ويلسون، بأن المفتش كان تعليمه متواضعًا، يؤهله بالكاد للخدمة العامة، وأنه لم يكن يتحدث غير العربية، ولا يجيد كتابتها، ونضيف إليه اتهام علي مبارك للمفتش، بالجهل، هو ومن معه؛ نستعرض بعضًا من محتويات تركة إسماعيل المفتش، المحفوظة في دار الوثائق، لنكتشف الحقيقة.

على مستوى الثقافة الدينية، توجد الكتب التالية: حاشية الشيخ الطحطاوي على الدار المختار، وموسوعة ابن عابدين المكونة من خمسة أجزاء، وشمس الدين للشيخ عرفه الدسوقي، وأقرب المسالك، والسراج الوهاج، وتنزيل الآيات، وكتاب ابن سيرين، وكتاب لمحيي الدين بن عربي في التصوف.

وعلى مستوى الأدب والشعر: ألف ليلة وليلة، وحديقة الأفراح، وروح البيان في فقير الفرات، وكتاب الأغاني، والمصباح المنير -قاموس لشرح كلمات اللغة العربية-، والروض الغائب وسفينة الراغب، ومقامات الحريري، وديوان شهاب الدين، وكتاب نفح الطيب، والجزء الثاني من العقد الفريد، ورسالة ابن زيدون، والجزء الثاني من المستطرف، وديوان حافظ فارس.

وفي التاريخ: كتاب أنوار توفيق الجليل، وفاكهة الخلفاء، وتاريخ السلطان سليم مع السلطان الغوري، والجزء الأول والثاني من مروج الذهب، وأمر العجب في تاريخ أهلي الصليبية، وكتاب تاريخ الأندلس، وفي مجال الاقتصاد والاجتماع: كتاب تعريف التجارة، وكتاب الموازنة، وكتاب ابن خلدون، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب باللغة الفرنسية. (30)

وبهذه التركة، تتضح لنا، جودة التعليم وعمق الثقافة، التي كان يتمتع بها المفتش، كما أن الدكتورة مروة عباس، سألت سؤالًا استنكاريًا: كيف يكون المفتش متقلدًا لأرفع المناصب والنياشين، وكان دائم السفر إلى الأستانة وأوروبا، وصديقًا شخصيًا لملوك أوروبا، وهو جاهل لا يتكلم غير العربية؟!(31)

رابعًا- إسماعيل المفتش قبل عام 1868 (المناصب التي تولاها قبل نظارة المالية):

في كتاب عصر إسماعيل ، الجزء الثاني، يذكر مؤلفه، عبد الرحمن الرافعي، أن المفتش من الكوارث التي حلت بمصر، وأنه نزل بوضعها المادي إلى الهاوية(32).

والمتأمل في كتابات الرافعي، لا يمكن أن يعثر على إنجاز واحد للمفتش، وعلى ما يبدو أنه بتر من تاريخ المفتش، صفحات كان من العدل والرحمة، أن يمنحها حقها في البقاء، فهو اكتفى بذكر أن المفتش كان موظفًا في الدائرة السنية، ولأنه أخ للخديوي في الرضاعة، أنعم عليه برتبة الباشوية، حتى بلغ منصب مفتش عموم الأقاليم، ومنه إلى نظارة المالية، بعد عزل إسماعيل راغب باشا عنها، بحجة ضعف خبرته(33)، أي أن الرافعي يود أن يقول أن الخديوي يجامل أخاه بهذا المنصب، كما كان يجامله بمناصبه السابقة، وفيما يلي استعراض للصفحات المبتورة من تاريخ المفتش الوظيفي.

§       التدرج الوظيفي في حياة المفتش

وفقًا للكشف الرسمي، المنشور في كتاب تقويم النيل، عن الوظائف التي تولاها المفتش، منذ 9 سبتمبر 1853، نكتشف أن المفتش بدأ حياته الوظيفية، مفتشًا لبردين في مديرية الشرقية، بـ"الدائرة السنية"، وكان هذا المصطلح يستخدم للإشارة إلى أملاك الخديوي، وهناك قول أجنبي، يفيد بأن المفتش بدأ مسيرته الوظيفية مسيرًا للركائب، أي رئيس اسطبلات، في عهد عباس الأول، وهذا القول جاء في كتاب التاريخ السري لاحتلال إنجلترا، لمستر ويلفرد سكاون بلنت، وقد لاحظت أن جمال عبد الرحيم، يقر هذا القول في كتابه، مثبتًا بالمرجع في الحاشية، رغم أنه ليس موجودًا في الكشف الرسمي الموجود في تقويم النيل، لذا فقد عرضنا القولين.

وفي سبتمبر 1858 انتقل إلى السنطة بمحافظة الغربية، ولم يمر شهران، حتى حاز على رتبة بك، وارتقى مفتشًا لعموم الدائرة السنية في ديسمبر.

وبعد خمس سنوات من حصوله على البكويه، أنعم عليه بالباشوية في مارس 1863، وعين مدير عموم الجفالك (أراضي الخديوي وكبار الحاشية) والعهد السنية، وحصل في هذه الفترة على النيشان العثماني من الدرجة الثالثة، وهذا مثبت بوثيقة في دار الوثائق القومية(34).

وفي مايو 1865، نقل إلى وظيفة مفتش الأقاليم البحرية، ففي عدد 8 فبراير 1866، من جريدة الوقائع المصرية، نكتشف أن المفتش، قد حصل خلال هذه رتبة روم إيلي يكلريكي الرفيعة، وحصل أيضًا وفقًا لدفتر قيد الرتب والنياشين، في سجلات عابدين، على النيشان العثماني من الدرجة الثانية، لما تمتع به من حسن الإدارة والكفاءة(35).

وفي يونيو 1866، أصدر الخديوي قرارًا، بتشكيل ديوان جديد، وهو ديوان عموم الأقاليم، حيث ضم تفتيش الوجه البحري والقبلي معًا، وعهد برئاستها إلى المفتش، فكان أول من تولى رئاسة هذا الديوان، ووضع الترتيب والتنظيم اللازم له(36).

وفي هذه الفترة حصل المفتش، على نيشان من ولي عهد بروسيا، من الدرجة الأولى، جران كوردون، من طريق النسر الأحمر، وأخرى من الدرجة نفسها من طريق فرانسو روزف(37).

وظل المفتش، مفتشًا لعموم الأقاليم، حتى أسندت إليه نظارة المالية، في أول أبريل 1868(38).

§       خطاب من الخديوي إلى المفتش

كل هذه الترقيات، لم تأت إليه من فراغ، بل من جهد وعرق، وقدرة متجددة على العمل والعطاء، وهذا خطاب من الخديوي، إلى إسماعيل المفتش في 16 أكتوبر من عام 1864، لسعيه إلى زراعة مليون شجرة:

أمر كريم إلى إسماعيل باشا مدير الجفالك والعهد السنية

لقد عرضت علينا شفويًا في الآونة الأخيرة، أنك ستزرع مليونًا كاملًا من الأشجار، من أتل وسنط ولبخ، خلال هذا العام في قرى العهد والجفالك التابعة لدائرتنا في الوجه البحري، على أن تحصى بمشيئة الله تعالى في العام القادم؛ فنأمرك بأن تبذل همتك وتبادر إلى غرس هذا العدد بتمامه، هذا العام في القرى المذكورة، طبقًا لما عرضت علينا، وسنوفد في العام الآتي مندوبين من لدنا بإذن الله تعالى، لإحصاء الأشجار المذكورة، وحيث إننا سنكافئ مفتش الجهة ومأموريها ونظارها بنسبة الأشجار التي ستمتد جذورها في الأرض وتنمو بها، فاعلم هذا وأذع عليهم أمرنا هذا من الآن وسارع إلى إحصاء الأشجار المزروعة في الوقت الحاضر وأرسل الكشف إلينا عاجلًا(39).

ومن خلال السابق ذكره، يتضح كم المناصب التي تدرج فيها إسماعيل صديق، والنياشين التي حصل عليها، قبل أن يرتقي إلى نظارة المالية، إذ إن نظارته للمالية ليس لأنه أخ للخديوي في الرضاعة كما ذهب الرافعي، كما أن أمين سامي لم يذكر في كتابه، شيئًا عن هذه النياشين، التي عرفناها من خلال الوثائق الرسمية.

§       الإنجازات المبتورة من سجلات المفتش

وبتحليل قول الرافعي: إن المفتش من الكوارث التي حلت بمصر في عهد الخديوي إسماعيل، نكتشف أن لإسماعيل المفتش إنجازات عديدة، نستعرضها فيما يلي:

    هو من أنشأ جسر السكة الحديد، الممتد من إمبابة إلى القناطر الخيرية، وضبط إدارة الأقاليم البحرية، حتى صارت أعماله وتنظيماته الإدارية، نموذجًا يحتذى به، في أنحاء القطر المصري(40)، ورقى الزراعة في الأقاليم البحرية، بتوسيع الرقعة الزراعية، وإشرافه على معظم مشروعات الري؛ من شق الترع والجسور، وتطهير المصارف، وإقامة القناطر، والكباري والسدود، فهو الذي حفر الترعة الحلوة، واستكمل ترعة الإسماعيلية، وأنشأ فمًا على ترعة الباش، ورتب المستخدمين في أهوسة ترعة الإسماعيلية(41).

كما أشرف على استكمال الترعة الإبراهيمية، وأقام القناطر اللازمة لها، واهتم بتطهير ترعة المحمودية، والإبراهيمية، والإسماعيلية، والشرقاوية، والبسوسية، والخطاطبة، وبحر مويس، وأنشأ قنطرة بحر شبين، وقنطرة الباجورية، وقنطرة السرساوية، وقنطرة المنصورية، وقنطرة ميت العامل، وأنشأ قناطر نشاوات والعطين بمديرية الغربية، وأنشأ قنطرة فم السوهاجية، وقناطر الزقازيق، وقنطرة فم العطف، كما أنشأ بالأقاليم القبلية قنطرة بفم كل ترعة، وأشرف على فم رياح شبرا، كما وسع نطاق بعض المحاصيل كالذرة والزيتون وغير ذلك(42).

للمفتش جهود كبيرة في توطين العربان، أي أهل البادية، والقضاء على شرورهم ومفاسدهم، من نهب وسرقة وقتل وخطف، فكان يصادر أسلحتهم تارة، ويمنحهم الأراضي تارة، في خطوة نحو توطينهم، واستطاع تغيير عاداتهم الاجتماعية، ونقلهم من حياة التنقل والترحال، إلى الاستقرار، بإقامة مساكن لهم مع الأهالي، وبدأ العربان يستغلون الأرض الممنوحة لهم وزرعوها، فزادت الثروة الزراعية والإنتاج، فنجحت جهوده في  القضاء على شرور العربان، بينما فشلت جهود من سبقه(43).

وحين رأى الخديوي إسماعيل، نجاح خطة المفتش، بارك خطاه ، ومنح العربان من مجموع ما منح، 25 ألف فدان من أطيان الميري المتروك والمستبعدات من أراضي مديرية الشرقية، وحوالى خمسة آلاف فدان من أطيان البراري في نواحي الدقهلية(44).

وارتقى ببعض الصناعات المحلية، وصعد بها نحو الاكتفاء الذاتي، وأنشأ مصنعًا للورق لسد حاجات الحكومة منه، واستغنى عن الورق المستورد بالورق المحلي، وأشرف على إنتاج المصنع وحسن جودته، حتى استطاع أن يصدر الورق إلى الخارج(45).

مد رواق التعليم في كافة أنحاء القطر المصري، بإقامة البنية الأساسية للتعليم، بجمع التبرعات الأهلية، فقد استنهض همم أهل البلاد جميعًا، من أجل الارتقاء بالتعليم، ونشر الوعي الثقافي بين أبناء مصر، بطباعة الكتب وتوزيعها بالمجان، على أبناء البلاد، وقد تحمل كثير من التكلفة، على نفقته الخاصة(46).

وقاوم اعتداءات الأجانب على الأراضي الزراعية، وقاوم إنشاء الوابورات الأجنبية المختلفة، سواء لحلج الأقطان أو لرفع المياه، بدون ترخيص الحكومة المصرية، فكانت تصدر الروائح الكريهة، وينتج عنها الحرائق، لقربها من الحيز السكني، كما أن وابورات المياه المقامة على الترع، كانت تحرم الأهالي من ري أراضيهم في الصيف، لأنها تؤدي إلى حجز المياه عن الأراضي التي دون أراضي الأجانب، وحرمان الأهالي منها(47).

§       امتياز خاص منحه الخديوي للمفتش

منح الخديوي، المفتش، امتيازًا خاصًا، لم يمنح لغيره، وهو صلاحية فصل وتعيين المديرين ومأموري المديريات ووكلائها، والعمد والمشايخ وغيرهم(48)، فيا ترى ماذا فعل بهذا الامتياز؟!

قام بتعيين أبناء البلاد، من المصريين، في الوظائف الحكومية، وعزل منها الأتراك والشراكسة، ثم عمل على تمصير لغة الإدارة المحلية للبلاد؛ فصارت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمكاتبات الرسمية بكافة دواوين ومصالح ومديريات الحكومة، وذلك بداية من 9 يناير1870، بعد أكثر من أربعة قرون، فقدت فيها مصر لغتها وهويتها، في ظل استعمال اللغة التركية(49).

وفي نهاية 1870 كانت الوظائف الدنيا في الإدارة قد مصرت كلها(50)، وزاد عدد الموظفين المصريين، إلى حوالي عشرة أضعاف، وذلك على حساب الموظفين الأتراك الذين تم إقصائهم(51).

واستمرت الدولة في تعيين أعيان ووجهاء المصريين في مناصب الإدارة، تماشيًا مع سياسة الخديوي إسماعيل، ضد الباب العالي، وطموحه في الاستقلال.

وقد كتبت جريدة البروجريه المصرية في 29 يناير 1878: "لقد أتت الحكومة عملاً ذا شأن، فقد ولت عددًا كبيرًا من الفلاحين المصالح العمومية، وأقصت عنها الأتراك، وقد يكون هذا الإجراء، قد اتخذ في كثير من التسرع، وبتأثير الاستفزاز المترتب على تهديدات إسطنبول، ولكن الإجراء قد اتخذ وهو جيد في ذاته، ويعلم الفلاحون أنهم مدعوون من اليوم لتأدية الوظائف المدنية في المديريات والمصالح العامة، وسيشعرون بأنهم في حاجة إلى التعليم للقيام بوظائفهم وستجد الحكومة نفسها مضطرة إلى أن تهيئ لهم ما ينقصهم من وسائل التعليم"(52).

ويقول الكومندان نابيير، في مناسبة، تسليم وسام نجم الهند، من ملكة بريطانيا، إلى الخديوي إسماعيل، في 7 ديسمبر عام 1868، أي بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة، وكان المفتش، واحدًا من أبطالها، ما يلي:

إن كل عالم، مطلع على التاريخ القديم يميل كل الميل، إلى تقدم بلاد مصر، التي منها اقتبست سائر الممالك، أنوار التمدن وينشرح صدره، من درجة العمارية والرفاهية، التي بلغتها الآن بما استجد فيها، من سكك الحديد، وسائر أنواع التحسين والتقدم.

ولا يخفى، أن جل مرغوب سعادة خديوي مصر، بما توجهت إليه أفكاره الخيرية السامية من إيجاد التحسينات الجليلة، بالمحروسة مصر، وما أنشأه بها من العمارات الجديدة، وفتح الشوارع المتسعة الحسنة العديدة.

هو جعل هذه المدينة، باريس بلاد المشرق، وحيث تصديت هنا لذكر التحسينات التي أوجدت وأنشئت في عهد خديوها المتحلي بأكمل حلية التدبير، في مدة وكلاء دولته الفخيمة، فأرجوكم أيها الحاضرون، الإذن بأن أشرب هذا القدح، محبة مني، في سعادة شريف باشا، صاحب الهمم والمعارف الكلية، الحائز لرتبة صدر صدور الدولة المصرية، ومحبة في كل من سائر صدور ووكلاء الحكومة الخديوية(53).

§       المفتش وبيع الوظائف الحكومية

من القول المتواتر، عن إسماعيل المفتش، إنه كان يبيع الوظائف التي يمصرها، لأبناء بلده، ومصدر هذا القول هو أمين سامي، ففي كتابه تقويم النيل، ذكر أن المفتش، كان يعين الأهالي والأعيان، رغم أن كثير منهم يجهل القراءة والكتابة، ولكنه سلك هذا المسلك كي يغرف حفنة من المال هو ومن معه، ويذكر أمين سامي التسعيرة التي وضعها المفتش للوظائف وهي كالتالي: من يريد أن يشغل وظيفة مدير يدفع من 2000 إلى 3000 جنيه، ومن يريد أن يكون وكيلًا لمديرية من المديريات يدفع من 1000 إلى 1500 جنيه، ومن يريد أن يكون ناظرًا لقسم يدفع من 500 إلى 750 جنيه(54).

وما أدى إلى انتشار هذه الرواية، أن الكتاب يتخذون هذا الكتاب مرجعًا رئيسيًا، فالكاتب صلاح عبد الصبور يذكر هذه الإشاعة في كتابه: قصة الضمير المصري الحديث، بتفاصيلها نقلًا عن أمين سامي باشا، وصبغها بأسلوبه الأدبي، الذي يجعلها في متناول التصديق(55).

ومن وراء عبد الصبور، نقل محمد البرغوثي، ونشر في المصري اليوم هذه الرواية(56)، في بحث منه عن الوساطة أو الرشوة، فوجد أن إسماعيل المفتش هو أول من ابتدع هذه الحيلة، ويقول إن عبد الصبور يثبت في كتابه ذلك، والمتتبع لحواشي هذه الكتب، يعرف أن من قال ذلك، شخص واحد، اسمه أمين سامي، في العام 1936، والبقية تناقلتها من وراءه، دون دقيق أو شك في كونه الآدمي، الذي يبيح له السهو أو الخطأ، واللافت للنظر أن سامي، لم يرفق ولا مرجع لهذه الرواية، فلا يؤكدها بوثيقة، ولا كتاب، ولا مصدر، ولا أي شيء، فلو كان هذا الأمر حدث بالفعل، لكان له ألف مرجع(57).

ونذكر أن صحف تلك الفترة، التي شاع فيها، أن المفتش يجمع الرشاوي من الأهالي ويضعها في جيبه، كذبت الخبر وبينت أسبابه الحقيقية: "بلغنا أن الحكومة الخديوية خلعت المديرين والمأمورين، الذين هم من غير أهل البلاد المصرية، وقلدت الوظائف والإدارة للأهلين، وقد بلغنا أنه قد شاع على لسان المديرين والمأمورين المخلوعين، أنه لا يتقلد المديرية التي ينتدب إليها إلا بعد أن يدفع من 500 إلى 2000 ليرة إنجليزية وهذا المبلغ يدفع إلى خزينة الحكومة"(58).

ويتضح أن مصدر تهمة الرشاوي، هم الأتراك المخلوعون، وقد سلكوا هذا المسلك للتشهير بصديق باشا، على وجه الخصوص، لأنه الذي خلعهم من مناصبهم، وقد ذكرت الصحيفة نفسها على لسان الأتراك المخلوعين من وظائفهم، أن هناك رسومًا تدفع إلى خزينة الحكومة لا إلى المفتش؛ ما ينفي التهمة عنه، وهذه الرسوم التي غالى الجميع فيها، وحرفت من رسوم حكومية إلى رشاوي، كانت مقررة أصلًا في الحكومة من ذي قبل، بقرار من المجلس الخصوصي في، 9 فبراير، 1874، وليس أمرًا مستجدًا من إسماعيل صديق(59).

وللعلم فإن تعيين مشايخ البلاد، والعمد، وغيرهم، من أعضاء الجهاز الإداري، وإن كان عن طريق الحكومة، إلا أن تعيينهم، لا يتم إلا بعد انتخابهم، من أهالي القرى، أو الأقسام، أو المديريات، فلمن يدفع هؤلاء الرشاوي، للحكومة أم للأهالي.

خامسًا- إسماعيل المفتش في نظارة المالية:

§       القطن والحرب الأهلية الأمريكية

أظهر رجب عز الدين، في دراسة نشرها مركز الحضارة للدراسات والبحوث، أن حالة البلاد المالية، كانت مزدهرة في أوائل حكم الخديوي إسماعيل؛ إذ صادفتها الحرب الأهلية الأمريكية، التي أدت إلى نقص محصول القطن الأمريكي وصادراته، وزيادة إقبال المصانع الأوروبية، على القطن المصري، فارتفع سعره؛ فكانت سنوات الحرب الخمس، من 1860 إلى 1865، سنوات يسر ورخاء على الفلاحين في مصر، وكان إنتاج مصر من القطن، سنة 1861 يزيد عن نصف مليون قنطار.

وباعت مصر، قطنًا، في تلك السنة، بمبلغ 1.4 مليون جنيه، بمتوسط سعر 280 جنيهًا للقنطار، ثم صعد في السنوات التالية، إلى حوالي 2 مليون قنطار تقريبًا، وتضاعف سعره إلى أن وصل 900 جنيهًا، في عام 1864، ويتبين لنا من خلال هذا الرصد، الزيادة الكبيرة في سعر القطن المصري، ومقدار ما دخل البلاد من النقد مقابل بيعه، كما يتبين مقدار تتابع الزيادة في المحصول ذاته، فإن ارتفاع أسعار القطن، زاد من إقبال الناس على زراعته، فصار محصوله سنة 1865، أربعة أمثال ما كان عليه سنة 1860(60).

لم تكد الحرب الأمريكية، تنتهي سنة 1865، حتى هبطت أسعار القطن، وبدأت الأزمة المالية في مصر تلك السنة، إذ تراجعت الأسعار تدريجيًا من 1866 إلى 1871، من 705 من الجنيهات، للقنطار إلى 315 للقنطار، الأمر الذي أدى إلى تناقص الإنتاج المصري إلى حوالي 1.2 مليون قنطار.

§       استدانة الفلاحين المصريين

وكان من نتائج صعود أسعار محصول القطن في سنوات الحرب، أن انغمس الأهالي في الترف والإسراف، وتوسعوا في النفقات، واستدانوا من المرابين الأجانب، بفاحش الفوائد على أمل استمرار الصعود في أسعار القطن، وسداد الديون وفوائدها، ولم يتبصروا العواقب، فأثقلتهم الديون، وأخذت الحالة تسوء في نهاية سنة 1865؛ وأخذ الدائنون يطالبون بديونهم(61).

تدخلت الحكومة بين المدينين والمرابين، صونًا للثروة العامة، ومنعًا لانتقالها إلى الماليين الأجانب؛ إذ كانت الأهالي تستدين بضمان أراضيها؛ فتعهد الخديوي بسداد ديون الأهالي على أن يسددوها مقسطة، على سبع سنوات بفائدة 7 بالمئة، وخصص لهذه العملية 1.4 مليون جنيه وهو مبلغ ضخم جدًا مقارنة بحسابات هذه الأوقات.

§       استدانة الخديوي إسماعيل وفرض ضرائب جديدة

ونشير إلى أن ظاهرة الاستدانة بضمان الأرض، لم تكن مقتصرة على الفلاحين فحسب، بل شملت الخديوي نفسه الذي اقترض -ضمن ما اقترض- قرضًا بقيمة 5.7 مليون جنيه سنة 1864، ورهن مقابله ضرائب مديريات الدقهلية والشرقية والبحيرة لسداد أقساطه، ثم اقترض ثانية 3.3 مليون جنيه من بنك الأنجلو سنة 1865، ورهن مقابله 365 ألف فدان من أملاكه، وهو ما عرف بقرض الدائرة السنية الأول، تمييزًا له عن القرض الثاني الذي حصل عليه من البنك الفرنساوي المصري سنة 1870 بقيمة 7.1 مليون جنيه، بضمان بقية أملاكه الخاصة، كما حصل الخديوي على ثلاثة قروض متشابهة من بنك أوبنهايم الإنجليزي، الأول سنة 1866 وقيمته 3 مليون جنيه تقريبًا، ورهن مقابله إيرادات السكك الحديدية، والثاني عام 1868 وقيمته 11.8 مليون ورهن مقابله إيرادات الجمارك وعوائد الكباري وإيرادات الملح ومصايد الأسماك.

أما الأخير فحصل عليه سنة 1873 بقيمة 32 مليون جنيه، وهو أكبر قرض في تاريخه، ورهن مقابله إيرادات السكك الحديدية، والضرائب الشخصية، والضرائب غير المقررة، وعوائد الملح، وجزءًا من ضريبة المقابلة، إضافة الى كل الموارد التي خصصت للقروض السابقة متى أصبحت حرة خالية، وقد وصف بعض المؤرخين هذا الدين الضخم، بالقرض المشؤوم. (62)

وحين تورط إسماعيل في كل هذه القروض، وعجز عن السداد، لجأ إلى زيادة الضرائب، فكان يزيدها كلما احتاج إلى المال لينفقه على مطالبه الكثيرة، وسداد فوائد ديونه، ومن أجل ذلك ابتدعت الحكومة أنواعًا جديدة من الضرائب مثل: السدس، والري، والإعانة، والمقابلة، وضريبة ترعة الإبراهيمية وهي ضريبة فرضت على الأطيان المنتفعة من هذه الترعة، وضرائب على عوائد المباني، ومعاصر الزيوت، ومعامل الدجاج، وضريبة المواشي والأغنام، وعوائد دواب الركوب، والعربات بمصر والإسكندرية.

كما فرض الضريبة على أرباب الحرف والصناعات، والضريبة الشخصية، وعوائد الرخص والقبانية، والدلالة على ما يباع من المصنوعات، وعوائد الصوف، والدخولية، وضريبة الملح، وغير ذلك من ألوان وأصناف الجبايات التي أدت إلى وقوع الأهالي في الضنك والبؤس، وكانوا يضطرون إلى بيع حاصلاتهم بأبخس الأثمان، لسداد الضرائب المبتدعة.

كما كان من نتائج زيادة الضرائب والإرهاق، في جبايتها أن اضطر الفلاحون من أجل أدائها إلى الاستدانة، لأن عمال الجباية، كانوا يجبون الضرائب بالكرباج، لإكراه الأهالي على أداء ما يطلب منهم، فاستدانوا من المرابين، وعجزوا عن الدفع، فنزع المرابين أملاك كثيرين منهم، وتعرضت ملكية مصر العقارية للخطر، وهو الأمر الذي كان يخشاه الخديوي بعد ركود أسعار القطن، حين تعهد بسداد ديون الأهالي، حتى لا ينتزع الأجانب أطيانهم(63).

§       جهود المفتش لسداد الديون

قلنا إن سعر القطن المصري، تدهور في العام 1865، وتدهورت معه الملكية العقارية، وراح الخديوي يستدين من الأجانب، ويكبل نفسه وبلاده بالقروض، وفي وسط هذا المناخ المشؤوم، جاء إسماعيل صديق باشا، ناظرًا للمالية، في 1868، ووضع الخديوي على أكتافه، مسؤولية حل كوارثه، التي ليس لأخيه، فيها ناقة ولا جمل.

§       القرض الداخلي والأهلي

أول ما فعل إسماعيل صديق، حين تولى النظارة، لإنقاذ أخيه وبلاده، أنه طالب بالتوقف عن سياسة الاقتراض الخارجي، لما تسببه من خسائر موجعة، واقترح أن يتم الاقتراض من الأهالي؛ فطالب بعقد قرض أهلي (خاص بأفراد الشعب)، قيمته ثلاثة ملايين من الجنيهات، ولكنه لم يوفق في مسعاه، فرأى أن يجعل القرض داخليًا، أي يشترك فيه الأهالي مع غير الأهالي من سكان القطر المصري، ولكنه لم يوفق فيه أيضًا.

حاول المفتش، من جديد، مقاومة الاقتراض الخارجي والعدول عنه، فاتفق مع مجلس النواب، على ربط ضريبة السدس، وإضافتها من باب الاستثناء إلى مجموع الأموال المربوطة على الأطيان الزراعية، وتحصل مدة أربع سنوات متواليات، وذلك لسداد الدين السائر، فلما كانت القيمة لا تفي السداد، كان قرض 1868 الخارجي(64).

§       قرض 1868

ومن هنا التصق قرض 1868، باسم إسماعيل المفتش، وصار اسمه: قرض المفتش، رغم أنه لم يكن سببًا فيه، فالقروض السابقة، هي التي كانت تستنزف الخزانة المصرية، ولم يفعل المفتش شيئًا، يتطلب من الدولة قرضًا جديدًا؛ فهو تولى النظارة في أبريل، وكانت مباحثات هذا القرض تجرى في يونيو، فهو لم يكن سببًا ولا طرفًا فيه، وما كاد يجلس على كرسيه، حتى كان هذا القرض لسداد الديون القديمة، التي بدأت منذ عهد سعيد باشا، الذي ترك لنا دينًا قدره 18 مليون جنيه(65).

وفي العام التالي (1869)، ابتلع القدر ما في الخزانة المصرية؛ فقد ارتفع منسوب مياه النيل، ما ترتب عليه غرق كثير من الأراضي الزراعية ومحصولها، فقرر إسماعيل صديق، في إنسانية، إعفاء الأهالي من الضرائب المقررة عليهم، حتى تنحصر المياه، وبنى لهم مساكنهم، التي تهدمت أو غرقت في النيل، فأدى الفيضان، إلى توقف الحال، ونقص الإيرادات، كما شهد هذا العام سفر الخديوي، إلى أوروبا لدعوة ملوكها لحضور حفل افتتاح قناة السويس، وكان معروفًا أن الخديوي يبعزق المال على الهدايا التي يمنحها لملوك أوروبا؛ فتراكمت الديون حتى بلغت 12 مليون جنيه(66).

§       حيلة الخديوي لعقد قرض جديد

وفي 1870، وكعادة الخديوي إسماعيل، في سد الديون القديمة، بديون جديدة، سعى إلى الاقتراض من الأجانب، ولكن أمر السلطان العثماني، قد نفذ في فرمان 1869، بأن حرم على مصر، عقد قروض أخرى، ولكن المرابون الأجنبيون، لا يخفى عن بالهم، الحيل السحرية، التي تجعلهم يتربحون من القروض، التي يقرضونها إلى زبونهم المميز: إسماعيل بن إبراهيم باشا؛ فاقترحوا عليه، أن يرهن إيرادات أملاكه الخاصة، دون إذن السلطان، وأن يعقد قرضًا بضمانها، وقد كان، وسمي بقرض الدائرة السنية الثاني(67).

§       قانون المقابلة

وفي عام 1971، عاد المفتش باقتراح جديد، وهو مشروع قانون المقابلة؛ لسداد ديون مصر السائرة، التي بلغت نحو 27 مليون جنيه، وهدفه كان تخليص مصر من الديون وفوائدها العالية، وقانون المقابلة، جاء على أساس أن الدين السائر، يوازي ستة أضعاف مجموع الضرائب العقارية، التي تتقاضها الحكومة سنويا من الأراضي الزراعية، فلو دفع الأهالي هذه الضرائب مضاعفة لمدة ست سنوات، يمكن للحكومة أن تسدد الدين السائر كله، وفي مقابل ذلك، يعفى الأهالي من نصف الضرائب المربوطة على أطيانهم للأبد، وحين اكتمل المشروع في ذهن المفتش عرضه على المجلس الخصوصي فاستحسنه، ورفعه إلى الخديوي فوافق عليه(68).

وفي فبراير 1972، تم تسديد مبلغ أربعة ملايين ونصف تقريبًا، من الدين السائر، بفضل قانون المقابلة، وفي 1973، قد جمعت الحكومة حوالي ثمانية ملايين جنيه، من إجمالي مجموع المال المنتظر، وهو 27 مليون جنيه، واستمر المشروع إلى أن فشل بعد ذلك، بسبب إدخال بعض التعديلات غير المدروسة عليه(69).

عادت الحكومة، من جديد لمقاومة الدين السائر، بعد فشل مشروع قانون المقابلة، بعد نجاحه المؤقت، فعقدت قرضًا جديدًا، في العام 1873، وشاع أن المفتش، هو الذي أقنع الخديوي به، وحصل من وراءه على منفعة شخصية، والحقيقة التي تثبتها إحدى الوثائق، أن الذي سعى إلى هذا القرض وتفاوض فيه، هما ممثلا الخديوي: الخواجة لاركن، وعبد الله بك، وليس لإسماعيل صديق يدًا ولا أصبعًا في هذا القرض(70).

§       قرض الروزنامة

ولأسباب عديدة، أدى هذا القرض إلى ازدياد عقدة الديون تعقيدًا وتشابكًا، فاقترح إسماعيل المفتش، في العام 1974، عقد قرض داخلي وطني، عرف باسم قرض الروزنامة، وهو صندوق أمانات، له حق التصرف في رؤوس الأموال المودعة فيه تصرفًا أبديًا، مع شرط قيامه بدفع معاشات متفق عليها للمستحقين، فدعا المفتش الأهالي، إلى استثمار أموالهم في مصلحة الروزنامة، مقابل فائدة تعطى لهم(71).

ويقول لويس عوض، إن فوائد الروزنامة، كانت 9 بالمائة، ويقول إن هذا المشروع، عرف طريقه إلى الفشل، بسبب فساد ذمم الوزراء ورجال البلاط، الذين كانوا يضعون في الصندوق، استثمارات وهمية لأصدقائهم وأقربائهم، ليحصلوا على الفائدة، دون أن يدفعوا شيئًا(72).

§       حول جهود المفتش

ونستخلص مما سبق، أن إسماعيل صديق باشا، كان يهدف من وراء مشروع: الدين الأهلي، والدين الداخلي، وضريبة السدس، والمقابلة، والروزنامة، إلى تعويض الخسائر التي تكبدتها المالية، من جراء الديون وفوائدها، التي انهمرت عليه، كالسيل الجارف من عهد سعيد، وما مضى من حكم إسماعيل، وليس له فيها ذنب، كما وضحنا في بساطة، كما أنه كان يحارب الشركات والبنوك الأجنبية، ويوجه جهود الحكومة المصرية نحو استثمار أموال الأهالي.

ويقول ميخائيل شاروبيم، إن الخديوي سار يسرف على ما يهوى، حتى تمكن أصحاب الأموال، من أعناق أهل البلاد وأثقلوهم بالديون، ومع ذلك فهو لا يكف عن إنشاء المباني الواسعة، والقصور المشيدة، والحدائق الناضرة، والمغالاة في أسباب الزينة والترف، والإتيان بعجائب المقتنيات من بلاد الهند والصين، غير مبال بالديون التي يجرها في ذيله، كما يرى أن إسماعيل صديق، لم يكن بوسعه إصلاح ما كان فالضيق استحكم على الخزينة، وأصحاب الديون تزاحموا على أبواب الخزينة(73).

ويقول محمد حسنين هيكل، إن المفتش حين رأى هول الديون، بدأ يشعر بأن من الواجب التفكير في التخلص منها، ولعله كان مخلصًا في سعيه، وإن كانت الوسائل التي ابتدعت لجلب المال لم تنجح في أكثر من أن زادت الخديوي مطامع وسرفًا، وأول ما أبدع من الوسائل قانون المقابلة(74).

§       بيع أسهم قناة السويس

وفي عام 1875، وكعادة الخديوي، مع كل عام جديد، فكر في طريقة يسدد بها ديونه، لا سيما أن قروضه وحيل المفتش السابقة، لم تحل الأزمة؛ فلجأ إلى بيع أسهم قناة السويس، ولاحقت الاتهامات إسماعيل المفتش، بأنه هو صاحب هذه الفكرة، وبناءً على ما استنتجناه في الفقرة السابقة؛ لا يعقل أن يكون هذا الرجل هو صاحب فكرة وضع الأسهم المصرية في يد الأجانب، لأنه كان يعمل جاهدًا على تصفية البنوك والشركات الأجنبية نهائيًا من مصر.

ويروي جمال عبد الرحيم، أن الذي طرح الفكرة، شخص اسمه: إدوارد ديرفيو وهو أحد رجال المال الفرنسيين، الذي كانت تربطه علاقة بديليسبس والخديوي ورجال قصره، وهو الذي أقنع الخديوي ببيع الأسهم، هو وأخوه أندريه، ويثبت عبد الرحيم، أن نوبار باشا هو الذي أجرى مفاوضات البيع، وجلب للخديوي سعر 4 مليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ زهيد للغاية، وقد حصل نوبار على عمولة مهولة، نظير جلبه هذا السعر للأجانب، وبعد أن انتهت المفاوضات أمر الخديوي إسماعيل، ناظر ماليته إسماعيل صديق، بالتوقيع على العقد باسم الحكومة المصرية(75).

§       عمولات القروض

يرجع جلال أمين، تبديد الموارد الذاتية والخارجية في عصر إسماعيل، إلى صفات الخديوي إسماعيل الشخصية، من شهوة مشتعلة طوال الوقت، للانفاق ببذخ، سواء على نفسه، أو حاشيته، وكذلك في ضيافته للأجانب، ومن رغبة يسعى إليها بكل الطرق، لكسب مودة الأوروبيين.

ويوضح أمين أن الجزء الأكبر من الفارق، بين ما أنفقه إسماعيل على مشروعات التنمية (51 مليون جنيه) وبين قيمة الزيادة في ديون مصر الخارجية في عهده (73 مليون جنيه)، لم يتسلمه إسماعيل أصلًا، ويتضح أن الفارق خيالي، بين ما أنفقه الخديوي على التنمية وما استلمه بالفعل من المقرضين، بعد خصم مختلف أنواع السمسرة والعمولات والمصاريف، التي كان المقرضون الأجانب يقتطعونها؛ فنجد أن الديون التي عقدت في الفترة الممتدة بين 1862 (وهي آخر سنة من حكم سعيد)، و 1873 هي 68.5 مليون جنيه، لم يتسلم منها سعيد وإسماعيل إلا 46.6 مليونًا، أي ما يقل بنحو 22 مليونًا، عن قيمة القروض الحقيقية(76).

§       صندوق الدين

في عام 1876، مع عجز الخديوي، وقروضه المشؤومة، عن فك عقدة الديون، اضطر إلى قبول إنشاء صندوق الدين، الذي يتكون من مراقبين أوروبيين، يمثلون أهم الدول الدائنة، وتكون مهمتهم، تسلم وتوزيع، ما تضعه الحكومة، تحت تصرفهم من إيرادات بغرض تسديد الديون(77)، ويرى إلياس الأيوبي أنها محاولة للتدخل في سلطة الحكومة المصرية، والتحكم في شؤونها المالية والإدارية، تمهيدا لفرض التدخل الأجنبي(78).

وكان إلياس الأيوبي، نافذ البصيرة، ففي وقت لاحق من نفس العام (1876)، اتفقت بريطانيا مع فرنسا، على إرسال لجنة جديدة إلى مصر، مكونة من: مستر جوشن ممثلًا للإنجليز، ومسيو جوبير نائبًا عن الفرنسيين، للوصول إلى تسوية جديدة.

§       اللجنة الثنائية وإسماعيل المفتش

وحين وصلت اللجنة، مصر، تجاهل جوشن، إسماعيل المفتش، تجاهلًا تامًا، فهو يعلم من هو إسماعيل المفتش، وكيف يفكر تجاه الأجانب، فصمم جوشن أن يعاديه، ويقاطعه مقاطعة تستلزم إبعاده من منصبه، وأعلن أكثر من مرة أن إقالة المفتش لازمة لنجاح عمل اللجنة، ولإنقاذ الخديوي من ورطته، فقاد ضد المفتش حملة شديدة، اتهمه فيها بالخراب، وبتزوير أوراق المالية، وبتلاعبه في أوراق قناة السويس، كما أشاع عنه، أنه يمتلك 6 مليون جنيه في بنوك إنجلترا، إلى غير ذلك(79).  

§       الخلاف بين الخديوي والمفتش

ووضع جوشن، إقصاء إسماعيل صديق، شرطًا جوهريًا للإصلاح، وقد اخترعت اللجنة حيلًا، أدت إلى الوقيعة بين الأخ وأخيه، وقد أمر الخديوي، المفتش بالسماح والموافقة على اقتراحات جوشن ورفيقه، فرفض المفتش، وقدم استقالته، لأنه يرى أن اقتراحات جوشن وجوبير ليست في مصلحة البلاد(80).

ويبدو أن هذه الاستقالة، كانت استقالته من الدنيا، لا من نظارة المالية فقط، فقد هاج وماج الخديوي، حين قرأ ما كتبه المفتش، عما أصاب خزينة البلاد من الإفلاس، وما حل بالأهالي من الضنك وسوء الحال، بسبب ديون الخديوي، الذي كان يستدين بغير حساب، وسجلت الاستقالة عدة أمور منها: أن المشروع المقدم من جوشن وجوبير ليس في مصلحة الحكومة المصرية، وأن الديون وتراكم فوائدها كانت بناءً على أوامر عليا من الخديوي.

§       عقاب الخديوي للمفتش

استدعى الخديوي في الحال أعضاء مجلسه الخصوصي، لتحويل إسماعيل المفتش إلى المحاكمة متهمًا إياه بالخيانة، فارتجف أعضاء المجلس، لأن المفتش حاصل على النيشان العثماني، الذي يكفل له حصانة خاصة، ولا يجوز محاكمة إلا أمام العثمانيين، فأشار الخديوي أن يصدروا أمرًا بنفيه، دون أن يحكموا عليه، فقرروا نفيه إلى دنقلة، كما صدر قرار بالحجز على كل أملاكه وعقاراته وإيراداته بأنواعها، وصدق الخديوي على ذلك، دون أن يعلم المفتش شيئًا(81).

سادسًا- اختفاؤه:

هناك عشرات الروايات المختلفة، عن مصير إسماعيل المفتش، ومكان جثته وطريقة التخلص منه، بعد اجتماع المجلس الخصوصي مع الخديوي إسماعيل، وتدبير حيلة التخلص من أخيه.

§       رواية كومانوس

في الرواية الأولى نجد أن الخديوي ذهب، إلى أخيه، إسماعيل صديق، في داره، في زيارة مفاجئة، وما إن استقبله المفتش، حتى دعاه الخديوي، إلى الركوب معه، في العربة الخديوية المكشوفة، للذهاب إلى قصر الجزيرة (فندق الماريوت الآن) لتناول الشاي معه.

وفور دخولهم القصر، اعتذر الخديوي للضيف، لأنه سيغيب عنه للحظات، وما إن جلس المفتش في صالون الاستقبال حتي جاءه أحد أبناء الخديوي، ليصحبه إلى مائدة العشاء، في اليخت الراسي فوق مياه النيل، وما إن نزل إسماعيل صديق إلي اليخت، جاءه ياور، أي رئيس الحرس، وأخبره أنه مبعوث من الخديوي، ومكلف بالسفر معه إلى أعالي النيل؛ فأدرك المفتش أنه وقع في الأسر، فاستسلم للأمر في ضعف وقلة حيلة، حتى مات من الوحدة والهم وسوء الجو(82).

ويروي هذه الحكاية، الطبيب اليوناني الشهير، كومانوس، الذي عالج بنت شريف باشا، من الحمى التيفودية، وكان معروفًا في وسط الطبقة الارستقراطية، ودخل قصر الخديوي، وانخرط بين البكوات والباشاوت في ذاك العصر، وعرف عنهم ما لم يعرفه أحد(83)، ودون هذه الرواية، في مذكراته، التي ترجمها ونقل إلينا، منها هذه الشهادة، في كتابه، صفحات من تاريخ مصر(84).

ويؤكد كومانوس، أنه سمع بأذنيه تفاصيل هذه الحادثة، من الياور الذي أشرف على تنفيذ أمر الخديوي، ما جعل كاتبنا يحيى حقي، يتحرق إلى معرفة من الذي شارك من أبناء إسماعيل في هذه المؤامرة، حتى توصل إلى أنه الأمير حسين كامل، الذي تولى العرش فيما بعد(85).

والمتأمل في الجزء الأخير، من رواية كومانوس، حين يذكر أن المفتش قد استسلم، ومات بسبب الوحدة والهم وسوء الجو، يجد أن القصة، تفتقد إلى الحرارة والإثارة المتوقعة؛ ألم يحاول إسماعيل صديق، القفز من اليخت والهرب؟! ألم يأتي في باله إغراء الياور بحفنة من المال؟! ألم يحاول انتزاع السلاح من أحد الحرس وقتل الياور؟! رغم أن حينها كان المفتش في السادسة والأربعين من عمره، أي في ريعان شبابه وقوته.

§       رواية إسحق بك

ويقول أحد المتهمين، الذي اعترف، دون إكراه، بتنفيذه الجريمة مع آخرين، وهو إسحق بك، أحد موظفي الدائرة السنية بالمنيا في سنة ١٨٨٩:

وبعد إلقاء القبض على المفتش بساعة، استدعيت إلى الحجرة التي كان ذلك الوزير محبوسًا فيها، فوجدت هناك الأمير حسن باشا واقفًا عند الباب، والمفتش مجردًا من ملابسه في أحد أركانها، فأومأ الأمير إليَّ بيده، فدنوت منه، وسلمت السلام العسكري، فهمس في أذني أمرًا قاضيًا باستعدادي لنقل المفتش، في الليل، إلى الباخرة التي أعدت للسفر به إلى دنقلة، إلا إذا مات قبل ذلك، فأدركت من قوله «إلا إذا مات» أن موته مرغوب فيه، لا سيما أنه بعد أن قال ذلك سلم المفتش إلي عهدتي، وتوجه إلى مكان آخر، فسرت حينئذ إلى المفتش، وألقيته على ظهره، وكممت فمه بيدي اليسرى لكي لا يسمع له صراخ، وأقبلت أسحق خصيتيه بيدي اليمنى، فقاومني مقاومة عنيفة، بالرغم من أنه كان نحيف البنية.

     ولما اشتد عليه الألم، وأخذت روحه تتقعقع في صدره، بلغت مقاومته أشدها، وخيل إلي أنه أوتي قوة تضارع قوتي، فتمكن من القبض على إبهام يدي اليسرى بين أسنانه، والعض عليه عضة قطعته لوقته، ولكن تلك كانت حركته الأخيرة، فإنى بالرغم من شدة الوجع الذي شعرت به في يدي، شددت عليه شدة أخمدت معها أنفاسه، فسقط تحتي جامدًا، ودقت رأسه بالأرض، ولما جن الليل لفت جثته في قماش، وضمت إليها مثقلات جمة، ونقلت إلى ظهر الباخرة الراسية عند قدمي السراي، فسارت بها نحو الجنوب، حتى إذا جاوزت جزيرة الروضة طرحت تلك الجثة في النيل، فوارتها الأثقال في أعماقه(86).

     ويروي إلياس الأيوبي أن إسحق بك، كان يراه الناس مقطوع الإبهام(87)، وهذا يؤكد صحة روايته، وينحاز أيَضا حلمي النمنم، إلى أن المفتش مات مفعوص الخصيتين(88).

     ويقال إن مصطفى فهمي باشا (والد صفية زغلول)، ومحافظ القاهرة آنذاك، كان على اليخت، يشهد تنفيذ خطة التخلص من المفتش، ويقول الرافعي عنه: "وكل ما عرف عنه أنه من يوم أن اشترك في مقتل إسماعيل باشا صديق على عهد الخديوي إسماعيل ملئ قلبه رعبًا من هول هذا الحادث، ونفرت نفسه من استبداد الخديوين"(89).

§       رأي أحمد شفيق باشا

ورغم اعتراف إسحق بك بما فعله، فإن أحمد شفيق باشا، يرجح أن المفتش وصل إلى دنقلة، وقتل خنقًا بيد إسحق(90)، وتؤكد الجريدة الرسمية، في ذاك الوقت، وصول المفتش إلى الجنوب، ولكنه مات في من إفراطه في معاقرة الشامبانيا: »إن الحقيقة هي أن المفتش وصل إلى دنقلة حيًّا، ولكنه مات هناك من شدة إفراطه في السكر»(91).

§       ما نشر في الصحف عن اختفاء المفتش

وهناك طبيب إيطالي تطوع بكتابة تقرير يزعم فيه أن إسماعيل صديق، مات متأثرًا من انفجار الزائدة الدودية، وأنه سمح بدفنه بعد أن وقع الكشف الطبي عليه، في دنقلة، ونشرت الصحف ذاك الخبر المكذوب(92).

اندهش المصريون مما نشر في الصحف آنذاك، بأن إسماعيل صديق، كان يتآمر ضد الخديوي، وحكم عليه بالسجن في دنقلة، ولم يصدقوا ما قرأوه، لأنهم يعرفون المفتش عن قرب، ولما نشر خبر وفاته، تحول إسماعيل المفتش فى نظر الأهالي إلى أسطورة، فهو رمز المقاومة الوطنية ضد التدخل الأجنبى، والطبقات التركية الحاكمة(93)، قبل أن يشوه المؤرخون الأجانب سيرته.

ويروي جمال حمدان: أن السفينة أخذت طريقها إلى السودان، وهي ترسل إلى القاهرة كل حين برقيات مكذوبة تنشرها الصحف عن حالة المفتش، الذي لا يكف عن البكاء وشرب الخمر، رغم أنه راح قتيلًا في أعماق النيل بعد ربط جثته بأحجار ثقيلة(94).

§       دفاع روذستين عن المفتش

جاء الكاتب الروسي، يودور روذستين، محاميًا مع أنصار إسماعيل صديق، وقال إنه رجل وطني، رفض التدخل الأوروبي في شؤون مصر الداخلية، وقاوم هذا التدخل، حتى آخر نفس في حياته، التي دفعها نظيرًا لمواقفه الجريئة، ويقول إن الدائنين الأوروبيين هم المسؤولون الأساسيون، إن لم يكونوا الوحيدين، عن قتل إسماعيل(95).

وما يؤكد رأي يودور، ما كانت تنشره جريدة التايمز البريطانية من اعتبار المفتش »العدو الأول للإصلاح«، وابتهاجها الكبير بمقتله، وخطاب القنصل الإنجليزي لحكومته بعد مقتله: »لقد قوي الأمل كثيرًا في نجاح بعثة جوشين وجوبير، عقب سقوط ناظر المالية السابق«، بالإضافة إلى أنه لم يمر أسبوع واحد على مقتل إسماعيل المفتش، حتى أعلن إسماعيل الخديوي، قبول مشروع جوشين وجوبير للتسوية(96).

ويعترض روزستين على الصورة السيئة، التي رسمها، بعض الكتاب الأجانب، عن إسماعيل المفتش، على أساس أن هؤلاء الكتاب من أصدقاء مستر جوشين وحملة السندات، الذين كان يقف المفتش بينهم، وبين تحقيق أغراضهم الحقيرة، إذ قالوا عنه إنه كان رجلًا فاقد الضمير، غليظ القلب، خائنًا ومتعصبًا(97).

§       ماك كون.. مؤرخ الإنجليز

ومن ضمن هؤلاء الكتاب، هو ماك كون، الذي لا يمكن أن تخلو صفحة من صفحات كتب مؤرخينا المصريين، من أحداث عاصرها وحكاها بنفسه، إذ إنه يعد مصدرًا هامًا، ومن ضمن الأحداث التي عاصرها ورواها، قصة إسماعيل المفتش، وقد كان من أبرز المنتقدين له، وليس هذا غريبًا، فماك رجل إنجليزي، يجب أن ينحاز إلى بلده، التي كانت تسعى لحشر أنفها في شؤون مصر، وكان يقاومها المفتش.

ويذكر عباس العقاد، في كتابه ضرب الإسكندرية في 11 يوليو، أن من فرط الأحداث التي كان ينقلها المستر ماك، كان الطلبة يدرسونها في مدارس الحكومة المصرية، ومن سوء حظ ماك، أن العقاد ليس تلميذًا، بل أستاذًا، لذلك اكتشف كذبه وتدليسه، في إحدى رواياته المنشورة في كتاب، مصر كما هي، التي يقول فيها، إن شريف باشا، طلب من أعضاء مجلس شورى النواب، تقسيم أنفسهم إلى فريقين: فريق يناصر الحكومة ويجلس إلى اليمين، وفريق يعارضها ويجلس إلى اليسار، فهرعوا جميعًا إلى مقاعد اليمين، ويقول العقاد: »إنها قصة لم تحدث قط بل حدث نقيضها«(98).

نعود مرة أخرى إلى روذستين، فهو يرى أن موقف المفتش كان صائبًا من جميع الوجوه، فمن السفاهة التي رفضها المفتش، أن تتحمل مصر سعر فائدة قدره 7 بالمائة، في حين أن أقصى سعر تستطيع مصر دفعه هو 5 بالمائة، ولم يرض بالرقابة المالية على مصر، التي كانت بمثابة تسليم البلد للأجانب، وهو: »أمر لا يختلف عن الخيانة العظمى في شيء«(99).

§       وجهة نظر جون مارلو

ويخبرنا جلال أمين، أنه اطلع على ما كتبه الكاتب البريطاني جون مارلو، عن إسماعيل صديق، ويراه مارلو على قدر عالٍ من الكفاءة والإخلاص التام، للخديوي إسماعيل، ويذكر أن المفتش هو الذي كان يشجع الخديوي على رفض اقتراحات جوشين وجوبير، الخاصة بتخصيص إيرادات السكك الحديدية لخدمة الديون، ويرجح مارلو أن جوشين وجوبير، دبرا مع الخديوي خطة التخلص من المفتش، كي يصلوا إلى تسوية مع الدائنين الأوروبيين، ويكسبوا رضا بريطانيا وفرنسا(100).

هزت الجريمة، أركان الكاتب يحيى حقي، الذي سأل مستنكرًا: ماذا كان الحديث بين الخديوي والمفتش وهما بالعربة في طريقهما إلي القصر الذي قرر الخديوي التخلص فيه من أخيه وصديقه الحميم؟! هل أعطاه الخديوي وجهًا ينطق بالبشر والود كالعهد به؟!

هل لمست يده يد فريسته أو كتفه بحنان وود؟! هل تثبتت نظرته علي عين رفيقه ولو برهة خاطفة؟! أم تراه كان يشيح وجهه عنه ويداري الحديث، فإذا سئل أجاب في غير ما سئل عنه؟! هل أحس الخديوي بحقارة مسلكه وهو يصطاد صديقه أو ضحيته بالغدر والخيانة؟! هل رضى الخديوي عن نفسه وأعجب بها لأنه أتقن تمثيل دوره؟! وهل نام ليلته ملء جفونه غير مؤرق، أم طارده شبح صديقه الحميم الذي غدر به؟!(101)

ويقول كومانوس: قبل وصول اللجنة الفرنسية - الإنجليزية، المكلفة بالتحقيق في الوضع المالي، إلى مصر، أحس الخديوي إسماعيل، بأنها ستمسك بتلابيبه، لأنه المسؤول الأول، عن الإسراف الذي أدى إلى تبديد أموال الخزانة العامة، وخشي أن يدلي وزير ماليته، إسماعيل المفتش، باعترافات تفضحه، لذلك اعتزم التخلص منه(102).

وفي النهاية.. يمكن القول إن الخديوي إسماعيل، ساعد الأجانب على التخلص من إسماعيل المفتش، بعد أن قرر انعقاد المجلس الخصوصي لإدانة أخيه، بعد تقديم استقالته مجبرًا عليها، فحكم المجلس بخيانة المفتش، وقال أعضائه إنه كان يدبر إنقلابًا على الخديوي، وهذا لم يكن حقيقيًا بالمرة، بل كانت هذه التهمة هي السبيل لتحويل المفتش إلى المحاكمة، وحين علمت الأستانة، أرسلت برقية تطالب بنقل المفتش ليحاكم عندهم، لأنه يحمل النيشان من السلطان العثماني، ولا يحق للخديوي محاكمته في مصر.

     وهنا ارتعش الخديوي خوفًا، فلو حدثت محاكمة حقيقية، فإن المفتش، سوف يكشف فضائح الخديوي وأسراره المالية، ولو عرف السلطان العثماني، شيئًا عن إسرافه الذي أودى بالبلد، سيقطع رأسه، وعلى ذلك قرر الخديوي، التخلص من المفتش الذي يحمل مفاتيح خزائن أسراره، وقد كان(103).

     ويدين أحمد عرابي ما حل "بالمرحوم إسماعيل صديق باشا" رغم حصوله على رتبة المشير التي من لوازمها حفظ حائزها ولو باستعمال السلاح، وما حصل لغيره من القتل والخنق من غير حق ولا بمحاكمة بل بمجرد الظلم والاستبداد(104).

 

الهوامش

1.       جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، دار الفضيلة، القاهرة، 2004، ص59.

2.       جمال عبد الرحيم: المرجع السابق، ص59.

3.       إلياس الأيوبي: تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2013، ص45

4.       جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص59، 60.

5.       جمال حمدان: كان وأخواتها مشاهد حية من تاريخ مصر الحديث، مؤسسة إنترناشيونال برس، القاهرة، الطبعة الأولى، 1986، ص46.

6.       إلياس الأيوبي: تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، المرجع السابق ذكره، ص706.

7.       صلاح فضل، (21 ديسمبر 2005)، محمد صفاء عامر.. غريق في بئر الذهب، وتم استرجاعه في 28/10/2019، على الرابط (موقع صحيفة الاتحاد الإماراتية):

www.alittihad.ae/article/42474/2005/ محمد-صفاء-عامر•••-غريق-في-بئر-الذهب

8.       ماهر حسن، (2 يناير 2010)، حفيدته الدكتورة «مروة» ترد الاعتبار: جدى دفع ضريبة سياسة أخيه.. و«اسماعيل» تسبب في كارثة مصر المالية، وتم استرجاعه في 1/11/2019، على الرابط (موقع المصري اليوم):

www.almasryalyoum.com/news/details/17871

9.       مروة عباس، (بدون تاريخ نشر) إسماعيل المفتش شخصية تاريخية جنى عليها التاريخ، وتم استرجاعه في 1/11/2019، على الرابط (موقع فاروق مصر):

www.faroukmisr.net/report57.htm

10.   عبد الرحمن الرافعي: عصر إسماعيل، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1992م، ج2، ص40.

11.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق، ص60.

12.   حلمي النمنم، (19 يناير 2006)، إسماعيل المفتش من قمة السلطة إلى قاع النيل، وتم استرجاعه في 2/11/2019، على الرابط (موقع صحيفة الاتحاد):

https://www.alittihad.ae/article/46070/2006/ إسماعيل-المفتش-من-قمة-السلطة-إلى-قاع-النيل

13.   مروة عباس، إسماعيل المفتش شخصية تاريخية جنى عليها التاريخ، المرجع السابق ذكره.

14.   حلمي النمنم، إسماعيل المفتش من قمة السلطة إلى قاع النيل، المرجع السابق ذكره.

15.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص60.

16.   ماهر حسن، حوار حفيدته الدكتورة «مروة» ترد الاعتبار: جدى دفع ضريبة سياسة أخيه.. و«اسماعيل» تسبب في كارثة مصر المالية، المرجع السابق ذكره.

17.   بدون اسم الكاتب، (5 فبراير 2019)، إسماعيل باشا المفتش.. فرعون وهامان وقارون وجعفر البرومكي معاً، وتم استطلاعه في 5/11/2019، على الرابط (مدونة وقال الراوي):

Egyhistory.com/افراح-الأنجال-مظاهر-الترف-والأبهة-في-و

18.   ساويرس ابن المقفع: تاريخ مصر من بدايات القرن الأول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين (تحقيق عبد العزيز جمال الدين)، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2006، الجزء الرابع، المجلد الثاني، ص1422.

19.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص61.

20.   محمد عمارة: علي مبارك مؤرخ ومهندس العمران، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967، ص62.

21.   أمين سامي باشا: تقويم النيل، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1936، المجلد الثاني من الجزء الثالث، ص871.

22.   المرجع السابق، ص873.

23.   المرجع السابق، ص884، 885.

24.   محمد عمارة: علي مبارك مؤرخ ومهندس العمران، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 1988م، ص100.

25.   أمين سامي باشا: تقويم النيل، المرجع السابق، ص1015، وانظر المجلد الثالث من الجزءنفسه، ص1085، 1096.

26.   أمين سامي باشا: تقويم النيل، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1937، المجلد الثالث من الجزء الثالث، ص1097.

27.   حسين فوزي النجار: علي مبارك أبو التعليم، المرجع السابق ذكره، ص333، 334.

28.   المرجع السابق، ص334.

29.   أمين سامي باشا: تقويم النيل، المرجع السابق ذكره، ص1452.

30.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص61، 62.

31.   مروة عباس: مقال إسماعيل المفتش شخصية تاريخية جنى عليها التاريخ، المرجع السابق ذكره.

32.   عبد الرحمن الرافعي: عصر إسماعيل، المرجع السابق ذكره، ص40.

33.   المرجع السابق، ص40، 41.

34.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص74، 75.

35.   المرجع السابق، ص66.

36.   أمين سامي باشا: تقويم النيل، المرجع السابق ذكره، ص1450.

37.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص72.

38.   أمين سامي باشا: تقويم النيل، المرجع السابق ذكره، ص1450.

39.   جورج جندي بك وجاك تاجر: إسماعيل كما تصوره الوثائق الرسمية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1947، ص169.

40.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق، ص67.

41.   المرجع السابق ذكره، ص76.

42.   المرجع السابق، ص74، 75، 76.

43.   المرجع السابق، ص77.

44.   المرجع السابق، ص77.

45.   المرجع السابق، ص77.

46.   المرجع السابق، ص78.

47.   المرجع السابق، ص68.

48.   المرجع السابق، ص67.

49.   المرجع السابق، ص81.

50.   المرجع السابق، ص85.

51.   حسين كفاكي: الخديوي إسماعيل ومعشوقته مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997، ص121.

52.   المرجع السابق، ص121، 122.

53.   حسين كفاكي: الخديوي إسماعيل ومعشوقته مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997، ص155.

54.   أمين سامي باشا: تقويم النيل، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1936، المجلد الثالث من الجزء الثالث، ص1452.

55.   صلاح عبد الصبور: قصة الضمير المصري الحديث، القاهرة، 1972، ص100.

56.   محمد البرغوثي، (17 يونيو 2009)، أحفاد إسماعيل المفتش، وتم استرجاعه في 2/11/2019، على الرابط (المصري اليوم):

https://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=215337&IssueID=1439

57.   انظر حواشي، أمين سامي باشا: تقويم النيل، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1937، المجلد الثالث من الجزء الثالث، ص1452.

58.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص86.

59.   المرجع السابق، ص86.

60.   قضايا ونظرات.. تجديد الوعي بالعالم الإسلامي والتغيير الحضاري (مصر، مركز الحضارة للدراسات والبحوث)، العدد الثالث عشر، أبريل 2019)، ص58.

61.   إيناس محمد البهيجي: مصر في عهد إسماعيل، مركز الكتاب الأكاديمي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2017، ص81.

62.   قضايا ونظرات.. تجديد الوعي بالعالم الإسلامي والتغيير الحضاري، المرجع السابق ذكره، ص58، 59.

63.   المرجع السابق، ص59.

64.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص118.

65.   جلال أمين: قصة الاقتصاد المصري من عهد محمد علي إلى عهد مبارك، المرجع السابق، ص27.

66.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص124، 125.

67.   المرجع السابق، ص126.

68.   المرجع السابق، ص136، 137، 138.

69.   المرجع السابق، ص139-145.

70.   المرجع السابق، ص152، 153.

71.   المرجع السابق، ص 156، 157.

72.   لويس عوض: تاريخ الفكر المصري الحديث من عصر إسماعيل إلى ثورة 1919، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983، الجزء الثاني، ص56.

73.   ميخائيل شاروبيم بك: الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية، 2004، ص 207، 208.

74.   محمد حسنين هيكل: تراجم مصرية وغربية، مؤسسة هنداوي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2014، ص45، 46.

75.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص163-169.

76.   جلال أمين: قصة الاقتصاد المصري من عهد محمد علي إلى عهد مبارك، المرجع السابق ذكره، ص30.

77.   المرجع السابق، ص33.

78.   إلياس الأيوبي: تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، ص70.

79.   جمال عبد الرحيم: إسماعيل صديق المفتش رجل الأزمات.. ضحية الوشاية، المرجع السابق ذكره، ص274، 275.

80.   المرجع السابق، ص283، 285، 286.

81.   المرجع السابق، ص285، 288.

82.   يحيى حقي: صفحات من تاريخ مصر (إعداد ومراجعة فؤاد دوارة)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1989، ص142.

83.   المرجع السابق، ص138.

84.   المرجع السابق، ص135.

85.   المرجع السابق، 142.

86.   إلياس الأيوبي: تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، المرجع السابق ذكره، ص722.

87.   المرجع السابق، ص723.

88.   حلمي النمنم، إسماعيل المفتش من قمة السلطة إلى قاع النيل، المرجع السابق ذكره.

89.   عبد الرحمن الرافعي: الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1983، ص 130.

90.   أحمد شفيق باشا: مذكراتي في نصف قرن، مطبعة مصر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1934، جزء1، ص31.

91.   إلياس الأيوبي: تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، المرجع السابق ذكره، ص730.

92.   المرجع السابق، ص730.

93.   بدون اسم الكاتب، (2 يناير 2010)، موت غامض وجثمان مفقود ومقبرة مجهولة، وتم استرجاعه في 26/10/2019، على الرابط (المصري اليوم):

https://to.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=238749&IssueID=1638

94.   جمال حمدان: كان وأخواتها، المرجع السابق ذكره، ص55.

95.   المسيو تيودور روذستين: تاريخ مصر قبل الاحتلال البريطاني وبعده (تعريب علي أحمد شكري)، القاهرة، 1927، ص80، 81.

96.   جلال أمين: قصة الاقتصاد المصري من عهد محمد علي إلى عهد مبارك، المرجع السابق ذكره، ص37.

97.   المرجع السابق، ص36.

98.   عباس محمود العقاد: ضرب الإسكندرية في 11 يوليو، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1983، ص148، 149.

99.   جلال أمين: قصة الاقتصاد المصري من عهد محمد علي إلى عهد مبارك، المرجع السابق ذكره، ص36.

100.                       المرجع السابق، ص35، 36.

101.                       يحيى حقي: صفحات من تاريخ مصر، المرجع السابق ذكره، ص133، 134.

102.                       المرجع السابق، ص141، 142.

103.                       حلمي النمنم، إسماعيل المفتش من قمة السلطة إلى قاع النيل، المرجع السابق ذكره.

104.                       أحمد عرابي: مذكرات الزعيم أحمد عرابي (دراسة وتحقيق عبد المنعم إبراهيم الجميعي)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2005، المجلد الأول، ص228.