المركز العربي للبحوث والدراسات : انفجار بيروت .. هل تستطيع لبنان خلع العمامة السوداء؟ (طباعة)
انفجار بيروت .. هل تستطيع لبنان خلع العمامة السوداء؟
آخر تحديث: الأحد 16/08/2020 10:42 م
ريهام سيد كامل ريهام سيد كامل
انفجار بيروت .. هل

عندما ضرب انفجار العاصمة اللبنانية، تسبب في دمار في جميع أحياء بيروت تقريبًا ولحقت أضرار بمباني على بعد 10 كيلومترات من موقع الإنفجار.

ملأت شظايا الزجاج الطرقات، وتم إطفاء أنوار الشوارع بقوتها. وقالت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إن الانفجار سجل على أنه زلزال بقوة 3.3 درجة. كانت هناك تقارير متضاربة حول سبب الإنفجار، الذي تم إلقاء اللوم فيه في البداية على حريق كبير في مستودع للألعاب النارية بالقرب من الميناء. وقال مدير مديرية الأمن العام في وقت لاحق أن الإنفجار نجم عن مصادرة "مواد شديدة الإنفجار"، لكنه لم يذكر تفاصيل أخرى.(1)

أسفر الإنفجار عن مقتل أكثر من 160 شخصًا على الأقل وإصابة حوالي 5000 آخرين، بينما لا يزال العشرات في عداد المفقودين. بدأت حالة الطوارئ لمدة أسبوعين . وأعلنت الحكومة، الأربعاء، وضع عدد من مسؤولي الميناء قيد الإقامة الجبرية على ذمة التحقيق في الإنفجار، وأصر مجلس الدفاع الأعلى في البلاد على أن من تثبت مسؤوليتهم سيواجهون "أقصى عقوبة . في غضون ذلك، دعت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق مستقل في الإنفجار. وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان لها " إن لديها "مخاوف جدية بشأن قدرة القضاء اللبناني على إجراء تحقيق موثوق وشفاف بنفسه ".(2)

أدى مقتل رفيق الحريري إلى إخراج سوريا من لبنان عام 2005 . هل يمكن خلع حزب الله من لبنان في عام 2020 بعد إنفجار بيروت وإعلان بيروت مدينة منكوبة ؟

بدايةً من المعروف لدى اللبنانين أن جزء من هذا المرفأ يطلق عليه " ميناء الحزب "  حيث أن المنطقة التي تركزت فيها الإنفجارات كانت منطقة المستودعات التي يستخدمها حزب الله . تتعالى الأصوات في الداخل اللبناني بأن ميناء بيروت يقع تحت سيطرة حزب الله حيث يخزن أسلحتة ومتفجراتة، كما كانت معظم التصريحات للمسؤولين في لبنان بأن الحزب يسيطر على ميناء بيروت وله سلطات واسعة في داخله، ويقول وزير العدل السابق " أشرف ريفي " أنه يوجد نقطة تفتيش لحزب الله داخل الميناء بالإضافة إلى الأموال التي يتلقاها الحزب من التجار في هذا الميناء  وأن الحزب يسيطر بشكل مباشر على ميناء بيروت.(3)

دولة داخل الدولة

ورغم دعوة إتفاق الطائف كافة الجماعات المسلحة والمليشيات إلى نزع سلاحها، إلا أن ذلك لم يحدث. منذ نشأة لبنان، لم تنجح الدولة قط في إحتكار الإستخدام المشروع للقوة في الجيش والشرطة التي تسيطر عليها الدولة. حيث  أقام حزب الله دولة داخل دولة: جناح عسكري، وجناح سياسي، وخدمات إجتماعية "لعناصره"، وسيطرة شبه كاملة على الجنوب وبعض الأجزاء الأخرى من البلاد. يتخذ الحزب قرارات السلام والحرب دون إستشارة الحكومة، في صيف عام 2006، خاض حزب الله حربًا مع إسرائيل دون إستشارة الحكومة الوطنية. إستمرت الحرب لأكثر من شهر بقليل ولكنها أدت إلى أضرار جسيمة في جميع أنحاء البلاد (ولكن في الغالب في المقاطعات الجنوبية)، والعديد من الضحايا، وهجرة جماعية داخل البلاد. وفي عام 2008 إستخدمت الجماعة أسلحتها داخليًا ضد مواطنين لبنانيين . تم العثور على خلية إرهابية في مخيم للاجئين الفلسطينيين شمال "نهر البارد". على مدى أربعة أشهر هاجم الجيش اللبناني مجموعة متطرفة تسمى "جند الشام" ونجح في تطهير المخيم من هذه الخلايا. بعد ذلك بعام، في مايو 2008، تحركت الحكومة لحل شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية والمراقبة التابعة لحزب الله وطرد مسؤول مطار له صلات بالحزب. وطالب حزب الله الحكومة بالتراجع عن موقفها الذي اعتبره الحزب إعلان حرب. ونتيجة لذلك، نزل جناحه العسكري إلى الشوارع بالأسلحة الثقيلة عبر بيروت الغربية (منطقة تقطنها أغلبية سنية) وأجزاء من جبل لبنان، وتسبب في سقوط عدد من القتلى المدنيين. وبالتالي، تم توقيع إتفاقية في الدوحة بقطر برعاية أميرها لتخفيف العداء السياسي الذي قاد البلاد إلى هذه النقطة. كما دعت الإتفاقية إلى إنتخاب رئيس جديد وإستعادة العمل البرلماني مؤقتًا. و بين عامي 2011 و 2015، وقعت إشتباكات متكررة في بلدات الشمال الفقيرة والمهمشة باب التبانة (بلدة سنية) وجبل محسن (بلدة علوية). تنبع هذه الصراعات من صراعات الحرب الأهلية، ودعم الحكومة السورية العلوية، والإنقسام الطائفي بين المدينتين. ونتيجة لذلك، سقط مئات الضحايا من الجانبين. بصرف النظر عن العنف المنظم، تصاعدت معدلات الجريمة في لبنان مؤخرًا. حدثت حالات من الفوضى الصارخة في جميع أنحاء البلاد: مشاجرات شخصية عنيفة، جرائم قتل في وضح النهار، غضب على الطريق أدى إلى إطلاق النار، إختطاف وطلب فدية، بالإضافة إلى العديد من النزاعات مع اللاجئين السوريين.

ومنذ فترة  قررت الجماعة المسلحة من جانب واحد القيام بعمل عسكري في سوريا والإنخراط في حربها. هذه الخطوة لا تعرض فقط القوات اللبنانية التابعة لحزب الله للخطر، ولكنها تعرض إستقرار البلد ككل للخطر. وإن كان ذلك لأسباب إستراتيجية وسياسية . ). وعليه، فإن وجود الجماعات المسلحة العابرة للحدود (مثل حزب الله ومنظمة التحرير الفلسطينية والجماعات المتطرفة مثل القاعدة) هو سبب ونتيجة لضعف الدولة وعدم شرعيتها،  مما يجعل السياسات الفورية أقل قابلية للتطبيق ، تواصل الجماعة المسلحة ممارسة القوة داخليًا وخارجيًا دون موافقة الحكومة. وشهدت الفترة بين 2005 و 2013 (25) عملية إغتيال أو محاولة إغتيال، وكان من بين القتلى رئيس الوزراء ووزراء وأعضاء برلمانيون وأعضاء في وحدات الأمن والإستخبارات وصحفيون بارزون ومدنيون غير مستهدفين بالطبع. على الرغم من إنشاء محكمة خاصة بلبنان في لاهاي للتحقيق في إغتيال الحريري، إلا أنه لم يتم التوصل إلى نتائج تذكر من التحقيقات العامة، أشارت تسريبات إعلامية إلى أنهم قد يكونون أعضاء في حزب الله، وقد إستدعت المحكمة بعض المشتبه بهم المزعومين، لكنها لم تقدم بعد أدلة قاطعة على القضية.(4)

ناهيك عن تغول حزب الله في السلطة الشرعية وبناء قوة عسكرية وأمنية تتفوق على قوة الدولة  وقدر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في 2017 أن الميليشيا لديها ما يصل إلى عشرة آلاف مقاتل نشط ونحو عشرين ألف إحتياطي، مع ترسانة من الأسلحة الصغيرة والدبابات والطائرات بدون طيار ومختلف الصواريخ بعيدة المدى(5)، يقول المحلل والعميد (متقاعد) أساف أوريون، من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، إن حزب الله يمتلك "ترسانة مدفعية أكبر مما تتمتع به معظم الدول"، وقد وصفه تقرير عام 2018 من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بأنه " من الجهات الفاعلة غير الحكومية الأكثر تسليحًا في العالم " .

خلق إيران من حزب الله رقم لا تستطيع الحكومة اللبنانية تجاوزه  

بعد إنتصار الثورة الإيرانية 1979 لعبت ايران دوراً أساسياً في ولادة ونشأة حزب الله اللبناني عام 1982 . وقد بايعت قيادات الحزب كافة منذ نشأتة حتى الأمين العام الحالي حسن نصر الله، الوالي الفقية، كوكلاء شرعيين لإيران في لبنان . ولم تكتفِ إيران بمساندة الحزب بل قدمت له الدعم السياسي والإعلامي والمؤسسي والعسكري كي يصبح الرقم الذي لم يمكن تجاوزه من المعادلة اللبنانية.(6)

فمن الناحية السياسية نجد أن الدعم كان واضحاً في تصريحات الوالي الفقية علي خامنئي الذي لا يتوان عن إعلائه الدعم السياسي للحزب بقوله " دعم حزب الله ومساندته سياسياً واجب مذهبي وثوري " . كما دفعت إيران تعويضات للمتضررين اللبنانين من العدوان الإسرائيلي،  وذلك وفقاً لما صرح به نصر الله نهاية عام 2006 .

أما إعلامياً فقد ضغطت إيران على الحكومة اللبنانية لإنشاء قناة إعلامية لحزب الله وذلك من خلال الضغط من الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني على نظريه السوري حافظ الأسد في ذلك الوقت، طالباً منه إستخراج التراخيص لقناه المنار وراديو النور وجريدة الإنتقاد.(7) 

أما مؤسسياً فتم إنشاء مؤسسات لبنانية تحمل نفس إسم المؤسسات في إيران مثل مؤسسه"البناء" و" الشهيد "  و "القرض الحسن " و غيرها من المؤسسات . وكذلك إنشاء مدارس بنفس النهج التربوي في إيران مثل " الإمام الخميني " و مدارس " الإمام المهدي " وغيرها  . وأيضاً إنشاء بنوك خاصة ومستشفيات ودور نشر ومعاهد تمريضية ومهنية كلها بدعم إيراني .

أما عسكريا ً فقد دربت إيران وأعدت عناصر من الحزب عسكرياً داخل ايران وداخل لبنان نفسها، غير إرسال العديد من صفقات التسليح عبر البوابه السورية وقد قدرت هذه الصفقات بملايين الدولارات. وذلك لكي يكون شوكة قوية على الأرض اللبنانية وورقة ضغط على النظام السياسي اللبناني للإستجابة للمطالب الإيرانية.(8)

فإيران وصل بها الحال أن تتحدث بإسم حزب الله في الشؤون الإقليمية والدولية وتدعمهُ  بشكل واضح وصريح، وفي المقابل حزب الله يأخذ جميع أوامره من إيران وبذلك أصبح لبنان " متصارع طائفياً ومخترق إيرانياً "  

ويستخدم حزب الله المدعوم بشكل مباشر من إيران هذه القوة في حروبه سواءً داخل لبنان للتخلص من معارضية أو في خارج لبنان لدعم  إيران ومصالحها وحلفائها .

ويواصل حزب الله تأكيد نفوذه عبر جميع فروع الحكومة. على سبيل المثال، منع أمر صدر في يونيو 2020 من قاضٍ لبناني وسائل الإعلام اللبنانية من إجراء مقابلة مع السفيرة الأمريكية في لبنان بعد أن إنتقدت حزب الله في مقابلة تلفزيونية .

وقد صرح وزير العدل السابق بأن المحققين في لبنان يستطيعون أن يحققوا فيما حدث في مرفأ بيروت ولكن بحماية دولية خوفاً من بطش حزب الله عليهم وعلى أسرهم . 

في كل الأحوال إن بصمة خراب إيران في كل دولة دخلتها عبر ميليشياتها بدءاً من لبنان عن طريق حزب الله _ العراق _ سوريا عن طريق الدعم لبشار الأسد _ اليمن عن طريق الحوثيين، وغيرها.

 السؤال من يتحمل ما حدث في لبنان ؟ يعاني الشعب اللبناني من أزمة مالية حاده بالإضافة إلى الوضع المتردي بسبب كورونا والكارثة التي حدثت ( إنفجار بيروت ).

إن الحكومة الحالية في لبنان متورطه بشكل مباشر في حدوث هذا الإنفجار حيث أنه بناءاً على التصريحات بأن جهاز أمن الدولة اللبناني قد أرسل تقارير لهذه الحكومة بوجود هذه المادة في عنبر 12 في مرفأ بيروت وبالتالي فأنها متورطة مع حزب الله في مأساة بيروت . نترات الأمونيوم - التي تستخدم كسماد ومتفجرات - كانت موجودة في مستودع في الميناء لمدة ست سنوات بعد أن تم تفريغها من سفينة محجوزة في عام 2013.

قال رئيس الميناء ورئيس مصلحة الجمارك إنهم كتبوا عدة مرات إلى القضاء يطالبون بتصدير المادة الكيماوية أو بيعها لضمان سلامة الميناء. وقال حسن قريطم، مدير عام الميناء أنهم كانوا على علم بأن المواد كانت خطيرة عندما أمرت المحكمة بتخزينها في المستودع لأول مرة "ولكن ليس إلى هذه الدرجة.(9)  

ومع ذلك لماذا يطلب رئيس الجمهورية عدم تدخل أطراف دولية في التحقيقات بحجة أنها إنتقاص من سيادة لبنان، على الرغم من أن وجود ميليشيات حزب الله في حد ذاته إنتقاص من سيادة لبنان .  

وفي النهاية تريد الحكومة اللبنانية أن يصدق الشعب اللبناني بأن ما حدث في بيروت هو نتيجة للأهمال وسوء الإدارة من قبل المسئولين في لبنان مع إشارة لإتهام إسرائيل كقوة خارجية فيما حدث، من العبث إقناع الشعب اللبناني أن حزب الله لا دخل له فيما حدث في بيروت وهو يعلم تماماً أن حزب الله دولة داخل دولتهم يستطيع أن يصفي معارضية أو من يعارضه سواءً داخل الحكومة أو من خارجها كما يستطيع قلب الحقائق داخل لبنان . وكانت نتيجة تعامل الحكومة بهذا الشكل مع إنفجار بيروت أدى الى إنفجار الشعب اللبناني في وجه الحكومة .

هل تستطيع لبنان أن تخلع هذه العمامة السوداء؟

للإجابة على هذا التساؤل يجب أن تتوفر عدة نقاط :

أولاً: إنتفاضة الشعب اللبناني وهو ما قد حدث بالفعل، ولا يوجد طريقة أخرى للتغيير.

ثانياً: أن تعترف الحكومة اللبنانية بمسؤوليتها عن ما حدث وتتحمل نتائج ذلك وتقديم إستقالتها ليس فقط من المجلس النيابي، ولكن عليهم أن يرحلوا ويفسحوا المجال. يوجد في لبنان طاقات شبابية تستطيع أن تتحمل المسؤولية.

ثالثاً: التخلص من عقدة حزب الله ونزع سلاحه، لأن هذا الحزب هو السبب في عدم وجود أي إصلاح سياسي، وهو المعادلة الرقمية صعبة التغيير المدعومة من إيران.

رابعاً: فتح حوار بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لكي تضغط الأخيرة على حزب الله لأن السعودية وفرنسا لا يستطيعان التأثير على حزب الله، لذلك نجد أن ماكرون طلب من الولايات المتحدة عدم إستخدام العقوبات الأمريكية.

خامساً: إنهاء عزلة لبنان عن الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية و كذلك الدول الغربية لمساعدتها للخروج من أزمتها.

سادساً: فتح تحقيق دولي بمشاركة عربية لمعرفة تفاصيل ما حدث ،فمن حق الشعب اللبناني معرفة الحقيقة.

 

المراجع

(1). Tamara Qiblawi, 'We have nothing left ‘Beirut’s residents describe apocalyptic scenes after explosion rocks city

ttps://edition.cnn.com/2020/08/04/middleeast/resident-beirut-blast-scenes-intl/index.html

(2) . Beirut explosion: Angry residents rage at leaders after blast.

https://www.bbc.com/news/world-middle-east-53673957

لقاء تلفزيوني في قناة الحدث الاخبارية بتاريخ 6 أغسطس 2020.  . (3)

(4). Bilal Malaeb, State fragility in Lebanon: Proximate causes and sources of resilience,

https://www.theigc.org/wp-content/uploads/2018/04/Lebanon-country-report.pdf

مرفت عوف، ماذا تعرف عن القوة الصاروخية التي أصبح حزب الله يملكها في لبنان ؟ انظر الرابط . (5)

https://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:R26QSmX8ERYJ:https://www.sasapost.com/hezbollahs-rocket-power-in-lebanon/+&cd=2&hl=ar&ct=clnk&gl=sa

(6). الدور الايراني في المعادلة اللبنانية المؤشرات والدلالات، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، بتاريخ 16 نوفمبر 2016، على الرابط :

https://rasanah-iiis.org/الرصد-والترجمة/التقارير-الإخبارية/الدور-الإيراني-في-المعادلة-اللبنانية

(7).  المرجع السابق .

(8).  المرجع السابق .

.(9) Beirut explosion: Angry residents rage at leaders after blast

https://www.bbc.com/news/world-middle-east-53673957