المركز العربي للبحوث والدراسات : تداخلات متعددة: ماذا بعد الأزمة التونسية؟ (طباعة)
تداخلات متعددة: ماذا بعد الأزمة التونسية؟
آخر تحديث: الثلاثاء 27/07/2021 03:37 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تداخلات متعددة: ماذا

اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد مجموعة من القرارات الاستثنائية في 25 يوليو 2021؛ حيث قام بتجميد جميع سلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان، كما أعفى سعيّد رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه. وكانت تونس قد شهدت في هذا اليوم مظاهرات في مدن واشتباكات مع القوى الأمنية للمطالبة بتنحي الحكومة وحل البرلمان، في تصعيد للغضب ضد المنظومة الحاكمة وسط تفش سريع لفيروس كورونا وتدهور الوضع الاقتصادي. وأعلن الرئيس أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد. فيما ندد حزب النهضة في بيان بما دعاه انقلابًا على الثورة.

كما جاءت هذه القرارات بعد أن استهدف محتجون مقرات حزب النهضة بعدة مدن في أعنف موجة احتجاجات في السنوات الأخيرة تستهدف أكبر حزب في البرلمان وشارك في أغلب الحكومات بعد ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، ولعل هذه القرارات ساهنت في حالة من الترقب باتت تشهدها تونس في أعقاب إعلان الرئيس قيس سعيّد عن هذه القرارات.

وينص الفصل 80 من الدستور على أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية". كما قرر تولي رئاسة النيابة العمومية للوقوف على كل الملفات والجرائم التي ترتكب في حق تونس، وتولي السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة جديد ويعينه رئيس الجمهورية. ولكن البرلمان قال إن قرارات الرئيس غير دستورية لأن الفصل يشترط أيضًا استمرار أعمال المجلس ولا يخول إقالة الحكومة.

وجاءت خطوة الرئيس سعيّد المثيرة للجدل بعد فترة طويلة من الجمود بينه وبين رئيس الوزراء والبرلمان، مما أعاق إدارة أزمة فيروس كورونا، التي أدت إلى ارتفاع معدل الوفيات إلى معدل من بين الأعلى في العالم. وتأتي قرارات سعيّد أيضا على الرغم من اقتصار السلطات الرئاسية إلى حد كبير على الأمن والدبلوماسية بموجب دستور يكرس الديمقراطية البرلمانية.

أولاً- مواقف متباينة

جاءت قرارات قيس استجابة لطلبات شرائح وفئات واسعة من الشعب التونسي بضرورة رحيل منظومة الحكم منذ عام 2011، وقد وجه الاتحاد التونسي للشغل تحية للمؤسسة العسكرية التونسية، مؤكدًا أن الحكومات السابقة انتهجت أسلوبًا قمعيًا مع الجمعيات المدنية والأحزاب، وذلك في بيان له منذ قليل تعقيبًا علي القرارات التي أتخذها الرئيس التونسي.

وأكد المكتب التنفيذي الوطني للاتّحاد العام التونسي للشغل المجتمع بصفة طارئة، حرصه على ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يتخذ في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد لتأمين احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي وإعادة الاستقرار للبلاد واسترجاع طاقتها في البناء والتقدم، وذلك إثر التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية وفق الفصل 80 من الدستور لمواجهة الخطر الداهم وسعيًا إلى إرجاع السير العادي لدواليب الدولة في ظلّ تفشّي فيروس كورونا، وعبر الاتحاد عن رفضه لجوء أيّ طرف مهما كان موقعه أو موقفه أو دواعيه إلى العنف، معبرًا في الوقت ذاته عن رفضه القطعي لسياسة التشفّي أو تصفية الحسابات وضمان خروج سلمي من هذه المرحلة الدقيقة والصعبة. ومن جانب آخر احتفل مؤيدو الرئيس سعيد بالقرارات، واعتبروها تاريخية وضرورية وجاءت في الوقت المناسب، كما أعلن حزب التحالف من أجل تونس تأييده القرارات التي اتخذها الرئيس سعيّد، معتبرة أن من شأنها أن تنقذ البلاد وترسي دعائم الاستقرار فيه، وضمن هذا السياق أعلن حزب حركة الشعب التونسية تأييده للقرارات التي أعلنها سعيد.

ومن المنتظر أن يعلن الرئيس عن تعيين حكومة جديدة، وانتخابات تشريعية مبكرة، بالإضافة إلى مزيد من الإجراءات بعد قرار تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه والتي ستشمل محاسبة الفاسدين ومعاقبة المنتفعين الذين استولوا على مال الشعب وأفسدوا الحياة السياسية.

من الناحية الأخرى، اتهم رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي الرئيس قيس سعيد بالانقلاب على الثورة والدستور، كما أعلن حزب التيار الديمقراطي اختلافه مع الرئيس التونسي في تأويله للمادة رقم 80 من دستور البلاد، ويرفض ما ترتب عنه من قرارات واجراءات، كما أن حركة النهضة الإخوانية وائتلاف الكرامة  سيحاولون النزول إلى الشارع، وهو ما حدث؛ حيث وصل بعض أنصارها لمقر البرلمان بعلة حماية الشرعية.

ثانيًا- دوافع التحرك

يشعر الرأي العام التونسي بالغضب من الخلافات بين الأحزاب في البرلمان، ومن الصراع بين رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة، وبين الرئيس سعيّد، وهو أمر أدى إلى حال من الشلل. وتظاهر آلاف التونسيين الأحد ضد قادتهم، خصوصًا ضد حركة النهضة الإسلامية.

وعقب تظاهرات حاشدة شهدتها البلاد احتجاجًا على تدهور الأوضاع الصحية والاقتصادية والاجتماعية واستمرار ممارسات النهضة في إفساد المؤسسات واختراق القضاء وممارسة العنف ضد المعارضين، سادت حالة من السخط في البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة وانكماشًا وصل إلى نسبة 8% في 2020 لأول مرة منذ منتصف القرن الماضي، بجانب أزمة وبائية خطيرة تسببت في أعداد قياسية من الوفيات والمرضى في مستشفيات مكتظة ومتداعية. وفي حين أعلن الرئيس سعيد عن بداية تطبيق قراراته على الفور بعد اجتماع مع قيادات من الجيش والأمن.

ومن جانب آخر تشهد تونس حالة من الاحتقان السياسي الحاد منذ فترة طويلة في ظل حشد حركة النهضة بشكل مكثف ضد الرئيس التونسي لمحاولة تقييد حركته وتصويره بالعجز عن إدارة البلاد، في حين لا تعتبر الحركة نفسها أحد الأسباب التيساهمت في الاتجاه نحو هذه القرارات بسبب تراجع أدائها طوال السنوات الأخيرة برغم استمرارها في التغلغ داخل مفاصل الدولة، ومهاجمة رئيس الجمهورية والاصرار على التمسك بحكومة فاشلة لأنها موالية لها. ولعل هذه الأحداث ساهمت في إثارة بعض التساؤلات حول مدى إمكانية أن تتخلي حركة النهضة عن المساحة المدنية التي قطعتها وتعود لأصولها الإخوانية وتتجه نحو رد فعل عسكري عنيف خاصة في ظل انقسامها الداخلي وهيمنة تيار متشدد على قيادتها، أم ستقدم تنازلات وتغير قيادتها وتقبل بتعديل الدستور؟

وبناء على ما سبق فإن طبيعة التفاهمات بين طرفي الأزمة التي تتمثل بصورة أساسية في الحكومة التونسية بمكوناتها التنفيذية والتشريعية هي التي ستحدد مستقبل ومآلات الأزمة وما يمكن أن تحدده هذه الإجراءات فيما يتعلق بمستقبل النظام السياسي التونسي.

 

المراجع:

1) أزمة تونس: اشتباكات أمام البرلمان بين مؤيدي ومعارضي قرارات الرئيس قيس سعيّد، على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-57933419

2) بعد قرارات” قيس سعيد”.. إلى أين تتجه الأوضاع في تونس؟، على الرابط: http://rcssegypt.com/4640

3) منها تجميد المجلس النيابي.. رئيس تونس يعلن عن 4 قرارات وسط مظاهرات، على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/07/26/tunis-qais-bin-saeed-demonstrations-decree