المركز العربي للبحوث والدراسات : قوة خاصة .. الحرس الثوري والانتخابات الرئاسية في إيران (1980-2021) (طباعة)
قوة خاصة .. الحرس الثوري والانتخابات الرئاسية في إيران (1980-2021)
آخر تحديث: الأربعاء 11/08/2021 05:05 م هاني سليمان - عرض: وحدة البحوث الاقليمية
قوة خاصة .. الحرس

صدر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام كراسة عن موضوع (قوة خاصة .. الحرس الثوري والانتخابات الرئاسية في إيران (1980-2021))، للباحث هاني سليمان، وهي ضمن إصدارات كراسات استراتيجية (العدد 323).

                وجاء إصدار الكراسة متزامن مع نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية 2021 وتنصيب إبراهيم رئيسي، لتوضح العلاقة وطبيعة التفاعلات بين الحرس الثوري وموقعه في بنية النظام السياسي وعلاقته منصب الرئاسة، وتأثيراته وتشابكه مع العملية الانتخابية نفسها.

                ويأتي اهتمام الباحث بالموضوع كونه يعمل على التغير في أدوار الحرس الثوري الإيراني في رسالة الدكتوراه، وسبق له أن أصدر كراسة عن الدور التنموي للمؤسسة العسكرية في الخبرات الدولية، وله كتاب عن العلاقات المدنية العسكرية، وشارك في أربعة كتب محررة، علاوة على عدد من الموسوعات، وله كتابات بحثية متنوعة دولياً وعربياً ومحلياً في عدد من المجلات العلمية والمنصات المختلفة، علاوة على مشاركاته التحليلية في العديد من الفضائيات الدولية والعربية كمحلل سياسي في العلاقات الدولية، النظم السياسية، والشأن الإيراني.

قوة خاصة .. الحرس

الحرس الثوري والدور .. التطور والتغير

                إن مسألة مشاركة الحرس الثوري وتأثيره في العملية الانتخابية وتفاعلاتها داخل إيران لا يمكن فهمها بمعزل عن تطور أدواره وتغيرها وبخاصة الدور السياسي للحرس؛ فيظل مفهوم الدور وتغيره من المفاهيم الأساسية لفهم قرارات وسلوكيات الدول والمؤسسات، وغيرها من الفاعلين الدوليين، واحتمالات الاستمرار والتبدل في هذه السياسة. وهذا المعنى لمفهوم الدور وتغيره، ينطبق بشكل أساسي على الحرس الثوري الإيراني الذي نشأ في ظرف تاريخي معين، ووجد للقيام بأدوار محددة، لكنه سرعان ما خرج عن تلك الأدوار وبسط وعمق نفوذه داخل تلك الأدوار، ثم هو أنشأ لنفسه أدوار أخرى جديدة لم تكن موجودة أصلاً. وأحد أهم تلك الأدوار هو الدور السياسي للحرس الثوري الإيراني.

                وقد اختلفت طبيعة ذلك الدور السياسي للحرس بتنوع الممارسات وشكل الضغط وعلاقاته في بنية النظام السياسي الإيراني المعقدة ومؤسساته، واستطاع أن يرسم بشكل دقيق مسارات التفاعل السياسي ويشتبك بها بما يحقق مصالحه ويخدم أهدافه، وقد كانت الانتخابات الرئاسية أحد أهم تلك المسارات التي استطاع بها الحرس "هندسة" شبكة التفاعلات السياسية.

                وأكدت المشاركة المتزايدة للحرس الثوري الإيراني في السياسة –وتحديداً التأثير على الانتخابات الرئاسية تأكيداً على محورية العلاقة بين المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني؛ بحيث تحوَّل الحرس الثوري من جيش ثوري إلى قوة خاصة يقودها القائد آية الله خامنئي. وبمعنى آخر: "إذا كانت إرادة خامنئي هي العليا، فإن الحرس الثوري الإيراني هو الحرس الإمبراطوري له".

                غير أن البعض يرى أن دور الحرس ربما يتفوق أحياناً على نفوذ المرشد الأمر الذي جعل الحرس هو المتحكم الفعلي في جملة المشهد، وفق مساحة وهامش لتحركات قوى ومؤسسات أخرى. والحرس الثوري بهذا الشكل يراه البعض أنه تحول إلى جيش بريتوري يتدخل كثيرًا في السياسة، وهو لم يعد خاضعًا لخامنئي؛ حيث أن اعتماده الحرس للحفاظ على سلطته جعله "أسيرًا في حرسه الإمبراطوري". وهكذا، فإن الحرس الثوري قادر على الضغط عليه لدعم أجندته ومصالح الفئوية والمادية.

محاور الكراسة

                تتناول الكراسة ثلاث محاور أساسية؛ المحور الأول يتعلق بموقع الحرس الثوري في بنية النظام السياسي الإيراني؛ وبخاصة عملية الظروف المصاحبة لنشأته كونه أحد الجيوش الثورية، وخصائصه وتحديد مهامه واختصاصاته، ومحورية مفهوم الدور والتغير في الدور كأحد محددات فهم سلوك الحرس الثوري، وأيضاً علاقة الحرس الثوري بمنصب رئاسة الجمهورية، وطبيعة العلاقة بينه وبين منصب المرشد الأعلى.

                ويهتم المحور الثاني بالإطار التشريعي والتفاعلات السياسية؛ علاوة على علاقة الحرس الثوري بالعملية الانتخابية نفسها وأيضاً بتفاعلاته قبل وبعد الانتخابات مع منصب الرئيس وذلك منذ 1980 وحتى 2017.

                ويتناول المحور الثالث الحرس الثوري والانتخابات الرئاسية 2021؛ وما يتعلق بأهمية الانتخابات الرئاسية 2021 بالنسبة للحرس الثوري، وما واكب الانتخابات من النظام للمسرح الرئيسي من خلال تعديلات "إصلاح قانون الانتخابات الرئاسية"، وما صاحب الانتخابات من تحولات وتداعيات التفاعلات الداخلية وهيمنة الحرس الثوري، في ضوء قراءة وتحليل ملامح ونتائج الانتخابات الرئاسية 2021، وتداعيات ذلك على مرحلة ما بعد وصول إبراهيم رئيسي للمنصب.

الحرس الثوري والانتخابات الرئاسية .. ملاحظات أساسية

                مسيرة المشاركة السياسية في انتخابات الرئاسة الإيرانية تؤكد التوأمة الموجودة بين الحرس والتحالف مع الفصيل المحافظ؛ بما يعني أن نهج المحافظين تجاه الحكومة يحدد علاقة الحرس الثوري الإيراني بالقيادة السياسية، وكانت تلك العلاقة الترابطية هي الأساس الذي اتسمت به علاقة الحرس بالسياسة، في ظل ثنائية بين الحرس والمحافظين المتشددين.

                وهناك حالة ترابط أيضاً مستمرة طوال الخبرات الانتخابية الإيرانية؛ وتتعلق بوقوف التطور السياسي في إيران عند الأجيال الأولى، جيل الثورة الإسلامية في 1979؛ بحيث أصبح الباب مغلقا أمام وجود نخبة جديدة شابة متطورة الفكر ومتقدمة، وبات المجال العام مغلق على تلك النخبة السياسية، وأيضاً أضحى النظام السياسي عاجزاً عن ولادة نخبة سياسية مختلفة. وكأن الحرس الثوري والمرشد الأعلى يريدون إيقاف عجلة التاريخ والتطور عند لحظة الثورة وأدبياتها.

                وبشكل عام، يمكن القول أيضاً، أن مشاركة الحرس في الانتخابات الرئاسية هو أمر محفوف بالمخاطر؛ وقد أثر بشكل كبير على دفاع الحرس عن مصالحه وتوازنات سياسية معينة نالت من فرص المجتمع والشعب الإيراني سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في ظل هيمنة أيديولوجية واقتصادية موجهة. وهو ما يؤكد حديث الخميني لمبدأ خطورة دخول العسكريين للمعترك السياسيالذي وصفه على أنه يشبه "سرطنة المجتمع والحكومة".

                ويمكن القول أن إجمالي الخبرات المتعلقة بمشاركة الحرس الثوري في الانتخابات الرئاسية تؤكد على تنوع المحددات التي حكمت تدخله، وأن تلك المحددات تغيرت وتجددت وفقاً لحسايات التاريخ والظروف، كما أن أنماط تدخل الحرس في الانتخابات الرئاسية شهدت تنوعاً كبيراً وخيارات متعددة استطاعت بها تحقيق فعالية ذلك التدخل، وأخيراً، فإن مستويات تدخل الحرس في الانتخابات الرئاسية قد تطور مع الوقت وبلغ حدود كبيرة تتسق وتتماهى مع اتساع أدواره وقدراته ونفوذه. وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية 2021 التي تؤكد على حجم السطوة والتأثير الكبير للحرس في رسم المشهد السياسي وقيادته في مرحلة انتقالية ومهمة وحاسمة في تاريخ النظام الإيراني والثورة الإسلامية.

                وتحظى الانتخابات الرئاسية في إيران، منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بخصوصية واهتمام شديد ليس فقط في الداخل الإيراني، وإنما أيضاً في المحيط الإقليمي، نظراً لما تمثله إيران من قوة إقليمية لها دور في تفاعلات وتشابكات الشرق الأوسط وما يمثله المشروع الإيراني من اهتمام. وعلى الرغم من أن النظام السياسي في إيران يعطي مساحات نفوذ كبيرة لولاية الفقيه والمرشد الأعلى في رسم السياسات وهندسة المصالح الإيرانية، إلا أنه يظل منصب الرئيس ذو طبيعة خاصة، وانعكاس لمخرجات التفاعلات الداخلية في النظام الإيراني بين الإصلاحيين والمحافظين المتشددين، كما أنه يساهم بقدر كبير في رسم السياسات وحسم التفاعلات في المشهد الداخلي والإقليمي.

                وشهد تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية العديد من الانتخابات الرئاسية -اثني عشر دورة انتخابية- والتي واكبها العديد من الصراعات والتفاهمات والموازنات المختلفة، والتي كان حاضراً فيها وبقوة شبكة تأثير ونفوذ الحرس الثوري الإيراني. وقد تطورت علاقة الحرس بالانتخابات الرئاسية وبمنصب الرئيس عبر محطات مختلفة تزامنت مع تطور وضعيته في بنية النظام السياسي، ومع درجة وقوة التأثير والنفوذ واتجاهاته، الأمر الذي يجعله أحد أهم المؤسسات الإيرانية تأثيراً في الانتخابات الإيرانية عامة، وبشكل خاص الانتخابات الرئاسية.

                وتأتي الانتخابات الرئاسية الإيرانية 2021 كأحد أهم المواعيد الكبرى في التفاعلات السياسية الإيرانية وفي مستقبل النظام الإيراني؛ كونها تطل في فترة شديدة الحساسية وفي سياق معقد ومضطرب داخلياً وإقليميا؛ حيث هناك تحديات أساسية لمنصب الرئيس تتعلق بترتيبات المشهد المتوقعة لمسألة ما بعد المرشد الأعلى الحالي، ويريد الحرس الإمساك بتلك العملية، وأيضاً ملف الاحتجاجات الداخلية والعقوبات الاقتصادية، وأيضاً مساعي المتشددين للسيطرة على السلطات التنفيذية الثلاث باكتمال حسم منصب الرئيس. وأيضاً في سياق تحديات خارجية متعلقة بالمفاوضات المرتبكة حول الملف النووي الإيراني، وتحدي الإبقاء على النفوذ الإيراني في الإقليم في ظل ضغوط قوية وعاصفة، ومسألة تصدير الثورة والعلاقات الإيرانية الإقليمية وبخاصة مع دول الخليج والسعودية تحديداً.