المركز العربي للبحوث والدراسات : تهديدات متلاحقة: العراق بين مسار الانتخابات والتصعيد الأمريكي الإيراني (طباعة)
تهديدات متلاحقة: العراق بين مسار الانتخابات والتصعيد الأمريكي الإيراني
آخر تحديث: الأحد 15/08/2021 01:32 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تهديدات متلاحقة:

منذ الثاني من يوليو 2021 وتشهد معظم مناطق العراق انقطاع التيار في الشبكة الوطنية للكهرباء في جميع المحافظات باستثناء إقليم كردستان، وقد أعلن معاون مدير كهرباء النجف علي جنجول إن هناك أسباب عديدة وراء الانقطاع منها قلة تجهيز الغاز والاستهدافات المتكررة لخطوط نقل الكهرباء وآخرها ما شهدته محافظة صلاح الدين وديالى وميسان؛ حيث خرجت تظاهرات أمام محطة الكهرباء في أطراف مدينة العمارة البتيرة احتجاجًا على انقطاع التيار الكهربائي بعد  استهداف محطة صلاح الدين لإنتاج الكهرباء في سامراء بصواريخ كاتيوشا. ويجب الإشارة هنا إلى أنه وصل عدد الأبراج التي تعرضت إلى التخريب في الفترة الممتدة  من 1 يناير حتى 10 يوليو 2021 106 برجًا، كما تم إحباط الكثير من العمليات الإرهابية لاستهداف الأبراج آخرهم إحباط محاولتين لتفجير أبراج نقل الطاقة الكهربائية في محافظة نينوى بشمال البلاد، وتحملت محافظات صلاح الدين، وكركوك، وأجزاء من ديالى، النسبة الأكبر من الاستهدافات، التي تتم غالبًا بالعبوات الناسفة، وتفجيرها عن بعد.

ومن جانب آخر يشهد العراق منذ أشهر مجموعة متلاحقة من الأزمات على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية، ولعل أبرزها تزايد حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما يجعل أرض بلاد الرافدين، ميدانًا مناسبًا لتصفية الحسابات.

استهداف مستمر

تصاعدت خلال الفترة الماضية هجمات متكررة ضد القوات الأجنبية، والمنشآت العراقية، شملت حتى الآن، مطار بغداد الدولي، والسفارة الأميركية، وسط العاصمة، وقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، فضلاً عن هجوم بطائرة مفخخة استهدفت مطار أربيل الدولي بإقليم كردستان. وذلك بعد أن أطلقت الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران حربًا مفتوحة على الأميركيين في العراق، بالطائرات المسيّرة والصواريخ، فيما ترددت أنباء عن زيارة سرية يقوم بها رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني حسين طائب، لبغداد؛ حيث نُفذ هجوم بطائرة مسيّرة على مطار أربيل الدولي شمالًا مستهدفًا القنصلية الأميركية، ثم بعد ساعات أُطلق نحو 14 صاروخًا على قاعدة «عين الأسد» العسكرية في الأنبار غربًا. وتأتي هذه الهجمات بعد نحو يومين من تهديد كتائب حزب الله، أحد الفصائل العراقية المسلحة القريبة من إيران، بـرد مباغت على القواعد والمصالح الأميركية في العراق.

وقد أدت سلسلة الهجمات من قبل الميليشيات المدعومة من إيران ضد الأميركيين في العراق وسوريا إلى زيادة الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن لردع ميليشيات إيران؛ حيث انتقد بعض الجمهوريين وخبراء عسكريون مقاربته في التعامل مع إيران باعتبارها غير كافية وغير فعالة في ظل التهديد المستمر للمصالح الأمريكية. ويعتبر هذا التطور هو الأحدث في تصعيد وتيرة الصراع بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران، والتي صعدت هجماتها على القوات الأميركية في الأشهر الأخيرة على الرغم من هدف بايدن المعلن بالردع من خلال الضربات الانتقامية.

ويختبر الصراع مرة أخرى تصميم بايدن على الابتعاد عن سنوات من الحرب الأميركية في الشرق الأوسط حتى تتمكن إدارته من التركيز على إنهاء أزمة فيروس كورونا ومواجهة روسيا والصين. وقد يزداد الضغط على بايدن بعد تهديد الكونجرس هذا العام بشأن تقليص سلطات الرئيس في شن الضربات العسكرية في المنطقة.

مستقبل الانتخابات

كثفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق استعداداتها لضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية المقررة في 10 أكتوبر 2021، بإجراءات غير مسبوقة، لمنع تكرار سيناريو عام 2018 عندما تعرضت العملية الانتخابية إلى هزة كبيرة نتيجة التزوير الواسع الذي لحقها،  ومن المقرر أن يُجري العراق انتخابات مبكرة استجابة للاحتجاجات التي شهدتها العراق في عام 2019 بسبب تفشي الطائفية وأزمات المعيشة، وعمليات التلاعب الواسعة في المحافظات الجنوبية والتي تنتشر فيها الميليشيات التابعة لإيران فيما يتعلق بالانتخابات.

ومع اندلاع احتجاجات في الجنوب على خلفية أزمة الكهرباء، والتصعيد ضد الوجود الأمريكي في عين الأسد وأربيل، فإن المشهد العراقي يشهد توترات متلاحقة داخليًا خاصة في ظل انتشار السلاح والميليشيات، بينما تتراجع فرص إجراء انتخابات مبكرة في أكتوبر المقبل، وعلى الرغم من هذه التحديات فإن الحكومة العراقية برئاسة مصطفي الكاظمي شرعت في إجراء الانتخابات في موعدها، وبالتالي فهو استحقاق لا ينبغي تأجيله، لكن معظم القوى العراقية مقتنعة بأن العراق في ظل الأوضاع الراهنة غير مهيأ لتلك الانتخابات خاصة بعدما تشهده الساحة الداخلية من أزمات.

حتى الآن لايزال المشهد العراقي غير واضح، فهو مرتبط بالتجاذبات الأمريكية الإيرانية، لكن المعطيات الراهنة ترجح تأجيل الانتخابات المبكرة، واستمرار حكومة الكاظمي، وإن كان هذه الخطوة ضرورية لضمان استقرار العراق في الوقت الراهن.

التوترات الأمريكية الإيرانية

بالتزامن مع جمود المفاوضات الإيرانية الأميركية بشأن رفع العقوبات عن طهران، عادت الهجمات على القواعد العسكرية والمصالح الأميركية في العراق بالطائرات المسيرة والصواريخ، وبتبنٍّ واضح من قبل الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية، التي تضم عددًا من المجموعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران، مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء وكتائب سيد الشهداء.

بالإضافة إلى ذلك فقد كان لصعود الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي التأثير الكبير على عمل هذه الميليشيات خاصة وأن رئيسي يمثل التيار المتشدد في إيران ومن ثم إمكانية تصاعد العمليات من الجماعات التابعة للحرس الثوري في العراق.

وضمن هذا السياق تشير حالة التصعيد التي يشهدها العراق في الفترة الأخيرة إلى استغلال الأراضي العراقية كساحة لتصفية الحسابات بين الجانبين خاصة أنها تأتي بالتزامن مع مفاوضات فينا بشأن الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات المفروضة عليها، وقد أعلنت المجموعات المسلحة عبر وسائل إعلامها، إنها تريد خروج القوات الأجنبية من البلاد، باعتبارها محتلة، على الرغم من أن تلك القواعد أنشئت بطلب من الحكومة العراقية، فيما تُتهم تلك المجموعات بالضغط على القوات الأجنبية، تحقيقًا للمصالح الإيرانية  في إطار الضغط على الولايات المتحدة تجاه تقديم تنازلات فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية، وفي إطار تسوية هذه الملفات فإن العراق بحاجة إلى تصفية هذا الملف مع إيران، الراعي والممول لهذه الفصائل، وليس فتح حوار مع هذ المجموعات، فهي لا تملك قرارات، وجميعها مرتبطة بالحرس الثوري وتقع ضمن إطار التحركات الإقليمية الإيرانية.

والجدير بالذكر أنه خلال في اجتماع مع قادة الفصائل الشهر الماضي في بغداد، وجه قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاني تعليماته للفصائل بالمحافظة على الهدوء إلى ما بعد المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة. ومن ثم فإن حالة التصعيد التي تشهدها العراق حاليًا ستنعكس بصورة كبيرة على مسار المفاوضات بين الجانبين الأمريكي والإيراني من جانب ومن جانب آخر ستنعكس على مجريات الأوضاع الداخلية العراقية فيما يتعلق بإمكانية إجراء الانتخابات في توقيتها المحدد في 10 أكتوبر 2021.

المراجع:

1) أزمة الكهرباء في العراق.. من يقف خلفها؟، على الرابط: https://al-ain.com/article/electricity-crisis-iraq-who-behind

2) العراق يطوق الانتخابات بإجراءات "غير مسبوقة" لردع المزورين، على الرابط: https://cutt.us/YgiYs

3) «حرب مفتوحة» على الأميركيين في العراق، على الرابط: https://cutt.us/Gvnzr