المركز العربي للبحوث والدراسات : تعقيدات المشهد: كيف تغير الاستفتاءات مسار الأزمة الروسية الأوكرانية؟ (طباعة)
تعقيدات المشهد: كيف تغير الاستفتاءات مسار الأزمة الروسية الأوكرانية؟
آخر تحديث: الجمعة 23/09/2022 09:26 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تعقيدات المشهد: كيف

في تطور كبير لمجريات النزاع يمهد لتغييرات في الخرائط، بدأت الدعوات لإجراء استفتاءات الانضمام لموسكو في 4 مناطق أوكرانية تسيطر عليها القوات الروسية والموالية لها، في منطقتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين المواليتين لروسيا شرق أوكرانيا، وفي منطقتي خيرسون وزابوريجيا الخاضعتين لسيطرة الروس جنوب أوكرانيا ويقول مراقبون إن هذه الخطوة ستفتح فصلًا جديدًا في الحرب المستمرة منذ 7 أشهر، في خطوة اعتبرتها كييف والدول الغربية صورية.

وعلى الرغم من ذلك، لا تسيطر روسيا بشكل كامل على أي من المناطق الأربع، وتسيطر على نحو 60 بالمئة فقط من دونيتسك، وهذه الاستفتاءات التي يجري الإعداد لها منذ شهور ستكون مشابهة للاستفتاء الذي أجري في 2014 بالقرم وأضفى الطابع الرسمي على ضمّ روسيا لشبه الجزيرة الأوكرانية، ويذكر أن بوتين كان وقع في 25 مايو 2022، مرسومًا يسمح بتسهيل إجراءات حصول سكان مقاطعتي زابوريجيا وخيرسون على الجنسية الروسية.

رفض غربي

قوبل القرار الروسي بتنديد غربي وأيضًا من جانب حلف شمال الأطلسي الذي أعلن أن قرار الاستفتاء ليس له شرعية وسيكون انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة. ودعا الحلف جميع الدول إلى رفض ما وصفها "بالمحاولات الروسية الصارخة لغزو الأراضي".

وتأتي حرب الاستفتاءات هذه، بعد أن حققت القوات الأوكرانية تقدمًا ملحوظًا خلال الأيام الماضية بشمال شرق البلاد، في إطار هجوم مضاد شنته قبل أسبوعين لاستعادة بلدات ومدن شاسعة ظلت أشهرًا تحت السيطرة الروسية.

ورغم أن محللين يعتبرون تنظيم هذه الاستفتاءات بالإجراء اللاقانوني، وأنها ستتسبب بتسعير الصراع وتجذيره أكثر، يرى آخرون العكس معتبرين أن ضم هذه المناطق الأربع للسيادة الروسية، سيعني نزع صاعق التفجير والتمهيد للتوصل لتسوية تأخذ في الاعتبار الواقع الجديد، لا سيما أن مسوغ الروس لبدء الحرب كان حماية السكان ذوي الأصول الروسية في هذه المناطق والدفاع عنهم.

على الناحية الأخرى، قلّل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أهمية "الاستفتاءات" التي يعتزم انفصاليون موالون لموسكو تنظيمها في مناطق أوكرانية تحتلها قوات موسكو لضمها إلى روسيا، مثمنا إدانة الغرب لهذا المشروع. وقال زيلينسكي في رسالته اليومية المسائية: "أشكر جميع أصدقاء أوكرانيا وشركائها على إدانتهم الشديدة والحازمة لنوايا روسيا تنظيم استفتاء زائف آخر".

وضمن هذا الإطار، نددت تركيا بمخطط موسكو "غير الشرعي" لإجراء استفتاء يهدف إلى ضم أربع مناطق أوكرانية تسيطر عليها القوات الروسية. حيث قال بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية إن "أمرًا واقعًا كهذا لن يحظى باعتراف المجتمع الدولي".

من جهته رأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن أي استفتاء بشأن الضم لن تكون له أهمية من الناحية القانونية. وقال للصحافيين في نيويورك: "أعتقد أن ما أعلنت عنه روسيا مهزلة" مضيفًا أن "فكرة تنظيم استفتاءات في مناطق تشهد حربا، وتتعرض لقصف، هي قمة السخرية". بدوره ندد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ بالاستفتاءات معتبرًا أنها تصعيد إضافي في الحرب التي يشنها الكرملين.

كما أكد المستشار الألماني، أولاف شولتس، أن الاستفتاءات التي أعلنت عنها المناطق الانفصالية والإدارات الموالية لروسيا في مناطق خيرسون و زابوريجيا ودونيتسك ولوهانسك "لا يمكن قبولها".

مسارات جديدة للأزمة

تبلغ مساحة مقاطعة دونيتسك 26.517 كيلومترًا مربعًا، ولوغانسك 26.684 كيلومترًا مربعًا، وزابوريجيا 27.183 كيلومترًا مربعًا، وخيرسون 28.461 كيلومترًا مربعًا. وبعدما ضمّت روسيا القرم، البالغة مساحتها 27 ألف كيلومتر مربع، بالقوة، تُصبح مساحة المناطق التي اقتطعتها روسيا من أوكرانيا 135.845 كيلومترًا مربعًا، من أصل 603.628 كيلومترًا مربعًا، أي أكثر من 27 في المائة بقليل من المساحة الإجمالية لأوكرانيا. وتأتي هذه التقديرات في ظل أنه من المحتمل أن تكون نتائج الاستفتاء لصالح روسيا. خاصة وأنه كانت النتيجة الرسمية للتصويت في شبه جزيرة القرم في 2014، الذي قوبل بانتقادات دولية بوصفه مزورًا، هي تأييد الضم بنسبة 97 بالمئة. ولن يكون هناك مراقبون مستقلون على التصويت، وفر كثير من السكان الذين كانوا يقطنون تلك المناطق قبل الحرب.

وتحاول روسيا استعادة المناطق التي تستعد للاستفتاء باعتبارها من أكبر المناطق الاقتصادية لما لديها من تربة سوداء غنية ورواسب معدنية وصناعة متطورة وإمكانات اقتصادية وصناعية وبشرية كبيرة، خاصة وأنه من بين جميع الدول التي تشكلت نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي، حصلت أوكرانيا على الميراث الأغنى، من زراعة ومجمع طاقة قوي وصناعة تعدين متطورة، وشبكة نقل وصناعة، وكذلك قاعدة جيدة لتطوير السياحة.

من ناحية ثانية، تستبق روسيا وصول قوات أميركية وأطلسية إلى حدودها، كما أن الاعتراف بالجمهوريات عامل ضروري لضمان أمن الاتحاد الروسي، وبخلاف ذلك قد تظهر قوات أميركية وأطلسية على أراضيها، بالقرب من الحدود الروسية. وأن منطقة زاباروجيا -على عكس خيرسون- "تم تحريرها" بنسبة 70% فقط، وهي عبارة عن تكتل حضري ضخم يعيش فيه أكثر من 700 ألف شخص، وهذا ما يمكن أن يضع نتائج الاستفتاء محل نزاع دائم. وبالتالي يتطلب الأمر وجود آليات لحماية نتائج الاستفتاء من مختلف الجوانب الدبلوماسية، والعسكرية والاقتصادية، على ضوء ما يؤكد أنها محاولات حتمية من جانب كييف لتعطيله، فضلًا عن التشكيك بنتائجه وعدم الاعتراف به، مثل تحقيق تقدم في مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا على غرار مقاطعة خاركيف لإفشال ما يسمى استفتاءات ومنع الضم الجديد والتغيير الراديكالي لقواعد اللعبة التي تغيرها روسيا بانتظام" من خلال سياسة الاستفتاءات.

في الختام: يتم إجراء هذه الاستفتاءات في تلك المناطق في ظل تراجع روسي شهدته الأيام الأخيرة من المعارك على الأراضي الأوكرانية التي تدخل شهرها الثامن؛ حيث يعتقد أن الدعم الأمريكي الجديد لكييف وراء هذا التطور الميداني. ومن ثم يحاول "بوتين استعجال إجراء الاستفتاءات من دون تأخير للحصول على الحق في استخدام السلاح الذري للدفاع عن الأراضي الروسية خاصة وأن ما يسمى جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان، أعلنتا انفصالهما عن أوكرانيا قبيل الهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث سارع بوتين بالاعتراف بانفصالهما، واتخذ ذلك مبررًا للهجوم من أجل "الحاجة إلى حماية السكان الناطقين بالروسية. وتؤشر هذه العمليات على محاولة روسيا استباق الترتيبات الغربية بشأن تعزيز تواجدهم داخل أوكرانيا ومنح روسيا الحق في الدفاع عن هذه المناطق وهو ما يمكن أن يغير في خريطة التفاعلات الميدانية للأزمة الأوكرانية من خلال وضع محددات جديدة للأزمة.