المركز العربي للبحوث والدراسات : محفزات الاستقرار....كيف يمكن أن يؤثر الاتفاق السعودى الإيراني على المنطقة؟ (طباعة)
محفزات الاستقرار....كيف يمكن أن يؤثر الاتفاق السعودى الإيراني على المنطقة؟
آخر تحديث: الإثنين 20/03/2023 01:00 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
محفزات الاستقرار....كيف

كشفت وكالة الأنباء السعودية  خلال بيان ثلاثي مشترك مع كل الصين وإيران في 10 مارس 2023 عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وذكر البيان أن الجانبين اتفقا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما في عام 2001.

وكذلك الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، المُوقعة في عام 1998. وبالإضافة إلى ذلك، نص البيان على التزام الدول الثلاث بـ"احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، و"بذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي".

وعليه، من شأن هذه الجهود الهامة أن يكون لها تداعيات بارزة على الأوضاع في المنطقة، الأمر الذى تمثل في:

أولاً- التوصل إلى تسوية في اليمن

كشفت بعض التقديرات عن أن الأزمة اليمنية ستكون على رأس أجندة كل من المملكة العربية السعودية وإيران بعد عودة العلاقات الكاملة فيما بينهما، ولاسيما أن البيان الثلاثي الذى تم الإعلان عن من خلاله عن المصالحة الإيرانية السعودية نص على ضرورة حل الأزمة اليمنية. والجدير بالذكر، أن المملكة العربية السعودية تدخلت في اليمن على رأس  تحالف مدعوم من الغرب عام 2015 ضد جماعة الحوثي بعد أن أطاحت الجماعة المتحالفة مع إيران بالحكومة المعترف بها دولياً في العاصمة صنعاء.

ورغم عقد أكثر من هدنة بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي خلال الفترة القليلة الماضية، إلى إنه لطالما كان يتم نقضها من قبل جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً. وعليه، يمكن لإعادة العلاقات بين الرياض وطهران أن يسهل الاتفاق بين  المملكة العربية السعودية والحوثيين. ولاسيما أن حرب اليمن كانت نقطة خلافية بين الرياض وواشنطن خلال إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جوبايدن، الأمر الذى وصل بهذه الأخيرة لفرض قيود على مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية.

ثانياً- إنهاء الأزمة السورية

مّثل الدعم الإيراني حكومة بشار الأسد في سوريا على الصعيد الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي مأزقاً كبيراً بالنسبة للمملكة العربية السعودية التى كانت تدعم المعارضة السورية التى انقضت على حكم بشار الأسد بعد عام 2011، ولكن مع مرور الوقت وإعادة تثبيت الرئيس السوري بشار الأسد لحكمه في سوريا تضاءل الدعم السعودي لجماعات المعارضة المسلحة هناك. وفي هذا السياق، تأتي المصالحة الإيرانية السعودية في وقت تنحسر فيه العزلة العربية للأسد، بالتوازي مع وعود سعودية  بإمكانية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

ثالثاً- تعزيز النمو الاقتصادي

أكدت بعض التقديرات على أن تحسن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران قد يؤدي تقليل التوترات الإقليمية من خلال تقليل الصراعات بالوكالة ومساعدة المحاولات الدبلوماسية لحل الخلافات إلى تحقيق المزيد من التعاون الاقتصادى بين الرياض وطهران وبين كل منهما ودول المنطقة، الأمر الذى من شأنه أن يؤدى إلى  زيادة مبادرات الاستثمار التعاوني وزيادة التجارة، ويساهم في تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي لدول المنطقة.  

وبالإضافة إلى ذلك، قد تساعد زيادة التعاون النفطي في استقرار أسعار النفط العالمية وإفادة كلا الاقتصادين، فضلاً عن أن تحسين العلاقات من شأنه أن يمنح كلا البلدين نفوذاً أكبر في الشؤون الإقليمية، ويساعدهما على معالجة الاهتمامات المشتركة بشكل أكثر فعالية، مثل مكافحة الإرهاب ودعم النمو الإقليمي، وقد يساعد التعاون بشأن تحديات الطاقة في تعزيز التنمية المستدامة في المنطقة من خلال دعم الانتقال إلى مصادر طاقة أنظف وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

رابعاً- توطيد العلاقات الاقتصادية لدول المنطقة مع الصين

أكدت  عدد من التقارير على أن الوساطة الصينية بين المملكة العربية السعودية وإيران من شأنها أن تؤدى إلى تعزيز الحضور الصيني في المنطقة، وبالتالي توطيد النهج الصيني القائم على افتراضية "ننمو معاً"، الأمر الذى من شأنه أن يحقق المزيد من النمو الاقتصادي لكل من طهران والرياض ودول المنطقة أيضاً.

ومن ناحية أخرى، يمكن لهذا الاتفاق أن يساهم في خلق بيئة تجارية أمنة لمبادرة الحزام والطريق التى طرحها الرئيس الصيني شي جي بينج في عام 2013 في المنطقة؛ حيث يمكن لهذه المبادرة أن تبعد كل من طهران وبكين عن أذرع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية على تحركاتها التجارية والنفطية.

كما يمنح الاتفاق بين إيران والمملكة، الفرصة لطهران للترويج مجدداً لمبادرة "تحالف الأمل" للسلام في منطقة الخليج، والتي تهدف إلى التمهيد لعمل جماعي لتحقيق أمن الطاقة وحرية الملاحة وتدفق النفط من وإلى مضيق هرمز. وهي المبادرة التي دعا لها الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2019.

خامساً- تعزيز التنسيق بين دول المنطقة في ملف الطاقة

من المتوقع أن يؤدى الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران إلى تعزيز الاستقرار في أسواق الطاقة ولاسيما أن البلدين من كبار المنتجين في منظمة أوبك التي تأخذ على عاتقها تنسيق السياسات النفطية للدول الأعضاء وتوحيدها، لضمان استقرار أسواق النفط.

وفي هذا السياق، يمكن أن تمثل عودة العلاقات مع المملكة، فرصة لإيران للتوصل إلى تنسيق أوسع داخل "أوبك"، خاصة إذا نجحت مساعي إعادة التفاوض مع الغرب والولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي، ومن ثم التوصل إلى اتفاق دائم أو مؤقت، يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن النفط الإيراني، مما يتيح لطهران استعادة كامل حصتها داخل المنظمة. الأمر الذى من شأنه أن يمكن إيران من التغلب على التحديات الاقتصادية الكبيرة الموجودة بالداخل لديها ولاسيما فيما يتعلق بمعدل التضخم الذى تجاوز حاجز الـ 50 %، ومعدل البطالة الذى تجاوز 12%، الأمر الذى أدى لارتفاع أسعار السلع الأساسية، وعدم قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الرئيسية.

ختاماً- يمكن القول أن الاستفادة القصوى من هذه الاتفاقية ستتوقف على مدى التزام إيران ببنود الاتفاقية وتنفيذها، ومدى التوافق بين البلدين وقدرتهما على تجاوز الملفات الخلافية العالقة، بما يؤدى إلى تطوير الجانب التعاوني فيما بينهما، الأمر الذى يدعم تحقيق المزيد من الاستقرار للمنطقة.