المركز العربي للبحوث والدراسات : تحديات الأمن القومى أمام الرئيس (طباعة)
تحديات الأمن القومى أمام الرئيس
آخر تحديث: الخميس 03/07/2014 10:49 ص د. نـورهان الشيــخ
تحديات الأمن القومى
تعتبر الانتخابات الرئاسية أحد أهم التطورات في فترة ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وتكتسب خصوصية عن سابقتها حيث تأتي في إطار ظروف داخلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة، وعليها تتعلق الآمال لتجاوز العديد من الأزمات التي أنهكت المواطن المصري، ولوضع مصر على بداية تغيير حقيقي يأمله كل المصريين خاصة فيما يتعلق بأوضاعهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، واستعادة هيبة مصر ومكانتها الإقليمية من خلال سياسة خارجية تحقق لمصر مصالحها وتحفظ لها أمنها القومي. 
وتهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على أبرز التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري من واقع تحليل رؤية مرشحي الرئاسة لقضايا السياسة الخارجية والأمن القومي، وتم في هذا الإطار الاعتماد على البرنامج المكتوب للمرشح حمدين صباحي، واللقاءات التي أجراها المشير عبد الفتاح السيسي، نظرًا لعدم وجود برنامج مكتوب، وذلك مع الصحافة وأجهزة الاعلام المختلفة خلال الفترة منذ بدء الدعاية الانتخابية رسميًا في الثالث من مايو وحتى انتهائها في الرابع والعشرين من  الشهر ذاته. ويتضمن ذلك لقاءته مع: رويترز، وسكاي نيوز عربية، وقناة سي بي سي وأون تي في، وقنوات النهار ودريم والحياة.
ورغم أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية فرضت نفسها بقوة على خطاب المرشحين باعتبارها تأتي على قمة أولويات المواطن المصري، ظلت لقضايا السياسة الخارجية والأمن القومي أهميتها نظرًا للارتباط العضوي ما بين السياستين الداخلية والخارجية، وما بين الأمن الشخصي للمواطن والأمن القومي المصري بمفهومه الشامل.
وتتمثل أبرز تحديات الأمن القومي التي يتعين على الرئيس الجديد مواجهتها والتعامل معها، من واقع رؤية المرشحين لها، فيما يلي:

المشير السيسي .. "إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي ضد أي أخطار تتعلق بأمنها القومي وبأمن أي دولة عربية تتعرض لتهديد خطير مهما كان نوعه".

أولًا: التهديدات المباشـــرة ذات الأولوية

ركز المشير السيسي على ثلاث قضايا أساسية تمثل تحديات رئيسية ومباشرة للأمن القومي المصري وهي:

1-الإرهـــــــــاب: أشار المشير السيسي إلى أن مصر تخوض "حربًا ضد الإرهاب"، وقدم رؤية متكاملة من ثلاثة أبعاد لمواجهة الإرهاب، أولها ويمثل الركيزة الأساسية ويتضمن التعامل الأمنى وسيادة القانون، حيث أكد "أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي ضد أي أخطار تتعلق بأمنها القومي، وبأمن أي دولة عربية تتعرض لتهديد خطير مهما كان نوعه"، مشددًا على أن الجيش المصري سيكون تحت رئاسته لمصر قويًا وجاهزًا لمثل هذه المهمة، وفي أي وقت يستدعي منه مثل هذا التدخل. وإنه يجب تطبيق القانون واحترامه وإننا "نؤسس لدولة قانون ونحترم القضاء واستقلاليته ولا نتدخل فيه".

وثانيها البعد التنموى وأهميته لاستئصال الإرهاب، حيث أكد القدرة على "تصفية الوضع في سيناء بمنتهى البساطة، وأن الإشكالية في سيناء ليست أمنية فقط، وأن المنطقة تحتاج إلى تنمية حقيقية". وأن "التعليم ومحاربة الجهل والفقر وإيجاد فرص عمل للناس والثقافة بكل ما تعنيه كلمة ثقافة من فنون وآداب حتى تصحيح الخطاب الديني ده جزء من المعالجة". وثالثها، التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب، حيث أشار إلى أن مصر "تحتاج إلى الدعم الأمريكي للقضاء عليه"، وأضاف أنه "على الغرب أن يتفهم أن الإرهاب سيصل إليه ما لم يساعد في القضاء عليه".

2- الأمن المائي: اتخذ المشير السيسي توجهًا أميل للتفاهم واستنفاد الطرق والوسائل الدبلوماسية في التعامل مع أزمة "سد النهضة" مع إثيوبيا، وقال السيسي إنه من المهم أن يتم "تناول تلك المسألة في سياق علاقات طيبة وتعزيز الثقة بين مصر وأشقائها الأفارقة". وأنه " يجب أن يفهموا (يقصد إثيوبيا) أننا لا نبحث عن مصالحنا فقط ونتناسى مصالحهم.. نحن نتفهم رغبة الإثيوبيين في تنمية بلادهم، لكن أيضا لا بد أن يتفهموا أن مصر ليس لديها رفاهية أن يقترب أحد من المياه". و"من المهم جدًا أن يتفهم الأشقاء في إثيوبيا أن المياه في مصر مسألة حياة أو موت"، وأن "سد النهضة يحتاج إلى المزيد من الدراسة الفنية، لضمان نجاح المشروع، دون المساس بأمن مصر القومي والمائي."

 ودعا إثيوبيا إلى الحرص على "حياة الشعب المصري"، وشدد على ضرورة وجود حل لهذه الأزمة. وأكد أن "العلاقات المصرية مع إثيوبيا وسائر البلدان الإفريقية يجب أن تكون طيبة وقائمة على المصلحة والتصالح".

3- التهديـــــدات على الحــــدود: رأى المشير السيسي أن الإرهاب على حدود مصر الشرقية والغربية يشكلان تهديدًا على مصر ويجب العمل على عودة الأمور لطبيعتها في ليبيا. فهناك تهديدًا لمصر من حدودها الغربية مع ليبيا، وكذلك من الإرهاب في سيناء لافتا النظر إلى أن ليبيا كدولة غير قادرة على تأمين أكثر من 1200 كيلومتر حدود مصر، وهو ما يعد تهديدا كما أن ليبيا ليس لديها سيطرة كاملة على الحدود البحرية أيضا. يضاف إلى ذلك تهريب السلاح، وما تحدثت عنه تقارير غربية حول سعيِ الإخوان لتشكيل "الجيش المصري الحرّ" من طلاب مصريين هربوا إلى ليبيا يتم تجهيزه ليخوض مواجهة الإخوان الأخيرة في مصر.

ونفى السيسي وجود أزمة بين مصر مع ليبيا، غير أنه لمّح إلى أن بلاده وبالاشتراك مع أشقائه العرب لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تحول هذا البلد الجار، والمفتوحة حدوده على مصر على آلاف الأميال، إلى بؤرة خطيرة للإرهاب الدولي. وقال إن "مصر تتفهم مشكلة لبيبا وبذلنا جهدا كبيرًا لحماية حدودنا، ولكن لا بد من دور عربي مشترك لمواجهة الإرهاب وعودة الاستقرار"، داعيا إلى أهمية تقوية الجامعة العربية وتدعيمها.

ورأى أن الغرب لم يستكمل مهمته في ليبيا. "كان المفروض أن يتم تجميع السلاح اللي منتشر في كل مكان حتى تستقر الدولة ويبقى فيه حكومة لأن ماكانش في قوات مناسبة وكفاية من الجيش أو الشرطة علشان الدولة دي تستقر وتدخل في عملية الديمقراطية الحقيقية. دلوقت في أمر ثاني هياخد وقت كبير قوي لو سبناها بالطريقة ديه، والمجتمع الدولي وعلى رأسه الغرب اللي هو شارك في هذه العملية، وأنا شايف إنه كان لا بد أن يستكمل مهمته بأن هو يحقق الاستقرار داخل ليبيا بتجميع السلاح وبتطوير وتحسين القدرات الأمنية في ليبيا قبل ما يتخلى عنها".

وأشار إلى أن هناك تهديدًا على  الحدود الجنوبية مع السودان وما زال، وأنه تم اتخاذ إجراءات تجاه ذلك. وأكد المشير السيسي على مصرية مثلث حلايب وشلاتين، قائلا: "حلايب مصرية ولا نرى خطرًا يتهددها في الوقت الراهن، لكن لو تجرأ أحدهم وصنع مشكلة من نوع ما هناك، فسيكون للحديث شأن آخر. مؤكدًا أن "الحوار والتواصل يشكلان أرضية للتفاهم والعمل الإيجابي."

واعتبر المشير السيسي أن "السودان ولبييا هما العمق الإستيراتجي لمصر، وحريصون على علاقات معهما ولا يوجد سبب يدعونا لغير التفاهم والعمل الإيجابي".

ولم تختلف رؤية صباحي عن ذلك كثيرًا، حيث رأى أن أولويات الأمن القومي المصرى  تشمل أمن سيناء والحدود الشرقية، وأن حوض النيل والقرن الإفريقى والبحر الأحمر، فضلًا عن أمن الخليج العربي، وأمن حزام الصحراء الإفريقية، كلها مناطق تتداخل مع أمن مصر.

وأفرد بندًا في إطار الجزء الخاص بالسياسة الخارجية للأمن المائي المصري تحت عنوان: "مواجهة المخاطر المائية، وإدارة أزمة سد النهضة". وقد اعتبر سد النهضة تهديدًا كبيرًا لأمن مصر المائي. وطرح رؤية لمواجهة هذا الخطر تتضمن نقاطًا عدة على مدى سنوات رئاسته أبرزها إبرام اتفاقية مع إثيوبيا تنص على الاعتراف بالحصة المائية المصرية في مقابل السماح بحجم تخزين للمياه لا يتجاوز١٤  مليار متر مكعب، لسد النهضة ومشاركة مصر في تمويل السد وإدارته. إلى جانب تطوير التعاون مع دول حوض النيل وإفريقيا في مختلف المجالات.


اعتبر المشير السيسي أن "السودان ولبييا هما العمق الإستراتيجي لمصر، وحريصون على علاقات معهما ولا يوجد سبب يدعونا لغير التفاهم والعمل الإيجابي".

ثانيًا: التحديات النابعة من التغير في البيئة الإقليمية

عكست تصريحات المشير السيسي رؤية تفصيلية برجماتية لعلاقات مصر الثنائية في محيطها الإقليمي، وبعدت عن الشعارات وعن الحديث عن "دور إقليمي" وما شابه. وتتمثل أهم أبعاد هذه الرؤية فيما يلي:

1-    أولوية العلاقة مع دول الخليج

من الواضح أولوية الدائرة العربية لدى المشير السيسي والنظر إلى دول الخليج، باستثناء قطر، باعتبارها حليفًا أساسيًّا لمصر. فقد وجه التحية لدول الخليج التي دعمت مصر في أصعب الفترات من تاريخها خاصة الفترة التي أعقبت ثورة 30 يونيو، ووصفها بأنها من أهم "أصدقاء مصر". وقال إن "مصر حريصة على علاقاتها العربية إجمالا، لأننا جزء من هذا الكيان، ولأن الأمن القومي العربي يهمنا مثل الأمن المصري". وحذر من أي تهديد يوجه إلى دول عربية قائلا: "جيش مصر قوي جدا لكنه قوة عاقلة راشدة تحمي ولا تهدد.. لكن إذا وقع تهديد ضد دولة عربية، بالضبط مسافة السكة"، في إشارة إلى تحريك الجيش المصري فورا لمواجهة هذا التهديد. وأضاف بقوله: "هتلاقونا موجودين.. ما حدش يتهدد وإحنا موجودين أبدًا"، كما اعتبر أن "وقوف الدول العربية مع بعضها جنبًا إلى جنب، يمثل الضمان الحقيقي لحماية الأمن العربي"، مشيرًا إلى أن "الأمن القومي العربي حاليًا في حالة انكشاف، بسبب ضعفنا، وليس بسبب قوة الآخرين".

وأشاد السيسي بالدعم العربي الذي تم تقديمه لمصر بعد ثورة 30 يونيو، والذي تجاوز 20 مليار دولار. وقال: "ما قدمه الأشقاء العرب لمصر كثير وما سيتم تقديمه مهم وكثير". واستطرد "أثق في الأشقاء العرب وأثق في عروبتهم ووطنيتهم وإخلاصهم وحكمتهم وفهمهم للواقع الجديد في المنطقة". وصف السيسي موقف دول السعودية والكويت والإمارات من مصر بـ "العظيم" و"الرجولي"، مؤكدا أن المصريين لن ينسوا وقفتهم بجانبهم.

وتقدم بالشكر للملك عبد اللـه؛ ملك السعودية "كبير العرب" (على حد وصفه)، وذلك "لمساندته لمصر خلال الفترة الماضية"، وأشار إلى أن "بيان الملك عبد اللـه بن عبد العزيز (في الثالث من يوليو) كان حاسمًا وسيقف عنده التاريخ كثيرا ولن ينسى له. مطالبًا السعوديين بـ"الحفاظ على بلدهم من أهل الشر". وأشار إلى أن السعودية ستكون أول دولة يزورها حال فوزه بالرئاسة. كما قدم الشكر للإمارات، وقال إن "أولاد الشيخ زايد وقفوا بجانب مصر موقفًا رجوليًّا وعروبيًّا عظيمًا". ووجه رسالة للإماراتيين قائلا لهم: "خلي بالكم من بلدكم". وأشار إلى أن الكويت والبحرين وعمان اتخذت مواقف مشابهة. وأضاف "أقول للكويت نحن أشقاء وأنتم كنتم في محنة (في إشارة للغزو العراقي للكويت) ونحن في محنة حقيقية".

كما عبر عن عزمه تحويل العلاقة مع دول الخليج من المساعدات إلى المشاركة من خلال الاستثمارات، وقال إن "الموضوع ليس مساعدات بقدر إيجاد مناخ استثمار حقيقي للعرب والأجانب".

2- تأييد الحل السلمي في سوريا

حذر المشير السيسي من "تقسيم سوريا"، وقال في هذا الصدد: "لابد من إيجاد مخرج سلمي للوضع في سوريا"، التي وصفها بأنها "أصبحت بؤرة جاذبة للعناصر الإرهابية المتطرفة"، إلا أنه شدد على أن "الحل لا يجب أن يكون على حساب وحدة الأراضي السورية." وشدد على أنه لا بد من تصفية مخاطر التطرف والإرهاب في سوريا، مؤكدًا أن استدعاء متطرفين إلى سوريا عقد موقف المعارضة. ورأى أن "حل الأزمة السورية من شأنه أن يهدئ الإقليم".

3-أمن مصر واستقرارها خط أحمر في التعامل مع قطر وتركيا

أكد المشير السيسي أن البلدين هما من بدأ الخلاف مع مصر بتدخلهما في الشأن المصري، ومن ثم فإن تحسن العلاقات معهما رهنًا بتغيير سياستيهما تجاه مصر. وأشار إنه لن يبدأ عهدته الرئاسية (إذا انتخبه الشعب المصري) بخلاف مع أي كان حتى ولو كانت قطر، بشرط ألا تتدخل الدوحة في شئون مصر. وأضاف "نحن لم نبدأ خلافًا مع أحد.. لكن مهم أن يحترمنا الآخرون ولا يتدخلوا (في شئوننا)". وأردف قائلا:" لن يستطيع أحد التدخل في مصر مرة أخرى.. كل واحد يخليه في حاله أحسن".

واعتبر المشير السيسي أنه لا مشكلة في التعامل مع الشعب التركي، غير أنه دعا أردوجان وحكومته الإسلامية هناك إلى أن يحترما إرادة الشعب المصري. وحول وجود صراع بين مصر وتركيا على قيادة العالم الإسلامي، قال متسائلا بأسلوب تهكمي: أي عالم إسلامي؟ إن مشكلاتنا (مع أنقرة) أكبر". وأشار إلى أن على أنقرة أن تسعى لإصلاح العلاقة مع القاهرة وليس العكس، قائلا باستنكار:" هل أسعى أنا لإصلاحها أم هم؟ لن يستطيع أحد العبث بالأمن المصري"، في إشارة إلى دعم تركيا للإخوان المسلمين. ولفت النظر إلى أن "تركيا هي التي بدأت الخلاف مع مصر ولم نبادر بخصومة مع أحد ولا نقبل تدخل الآخرين في شئون مصر"، مؤكدا أنه "لن يستطيع أحد أن يتدخل في شئون مصر مرة أخرى".

4- العلاقة مع إيـــــــــــران تمر عبر الخليج العربي

دعا المشير السيسي إيران إلى مراعاة أهمية العلاقات مع الشعوب وخاصة الشعوب الجارة لها، مؤكدا لقادتها أن "أمن الخليج من أمن مصر". وربط العلاقة مع إيران بعدم مساس الأخيرة بأمن واستقرار الخليج، قائلا "طالما لا يوجد مساس أو تهديد لهذا الأمن .. لن تكون هناك مشكلة.. طالما لن تحدث تسوية على حساب الأمن القومي العربي.. فلن توجد مشكلة".

وقال "لدينا القدرة على حماية أمننا القومي العربي. إيران تدرك أن العلاقة مع مصر تمر عبر الخليج العربي. الخليج أهلنا ويهمنا أن يعيش بسلام. كل ما نسعى إليه مع إيران هو علاقة عادلة". وشدد على أن مصر لا يمكن أن تقبل أن يمس أحد بالأمن الإقليمي الخليجي، مؤكدًا "من حقنا تأمين مصالحنا، كما يحق لإيران القلق على مصالحها."

5- احترام معاهدة السلام مع اسرائيل .. واستمرار الدعم للقضية الفلسطينية

أشار المشير السيسي إلى استقرار العلاقة مع إسرائيل بقوله: "إحنا علاقتنا مع إسرائيل ومعاهدة السلام معاهدة مستقرة بقالها أكثر من 30 سنه وقابلت كثير من التحديات وهي مستقرة وثابتة، وإحنا بنحترمها وسنحترمها، وبالمناسبة الإسرائيليين عارفين كده كويس، لكن الجديد اللي إحنا بنتكلم فيه إن إحنا شايفين إن فيه فرصة حقيقية لسلام يفتح ويجهز المنطقة، ويدخل المنطقة في عهد جديد في سلام وتعاون بين الدول. وأن السؤال عن التزامنا بمعاهدة السلام تجاوزته الأحداث. ده موضوع مستقر لدى كل القيادات ولدى الرأي العام في مصر. محتاجين نبني عليه ومحتاجين نشوف دولة فلطسينية ... محتاجين نتحرك في السلام اللي اتجمد بقاله سنين طويلة. هيبقى في فرصة حقيقية للسلام في المنطقة وإحنا مستعدين للعب أي دور يحقق السلام والاستقرار والتقدم في منطقة الشرق الأوسط".

وأشار أنه لن يستقبل رئيس وزراء إسرائيليًا إذا لم تقدم "إسرائيل" تنازلات للفلسطينيين في محادثات السلام. وقال "خليهم يساعدونا الأول بأي حاجة للفلسطينيين". و"نشوف دولة فلسطينية وعاصمتها القدس".

ورفض ربط العلاقة المتوترة مع حماس بالقضية الفلسطينية في المجمل قائلا: "أنا عايز أقول للمصريين ما تخلوش الحال والوجدان اللي بيتشكل تجاه حماس يأثر على موقفكم التاريخي تجاه القضية الفلسطينية". وأشار إلى أن الرئيس (محمود عباس) أبو مازن هو رأس السلطة الفلسطينية، وسنعمل معه على حل القضية الفلسطينية"، لافتًا النظر إلى أن "مصر تدعم أي فرصة لأي عملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهناك المبادرة العربية التي قدمتها السعودية، ووافقت عليها كل الدول العربية، وعلى إسرائيل الترحيب بها".

ركز صباحي على التوجهات العامة وفكرة إحياء الدور المصري في العالم العربي وإفريقيا، وأعطى الأولوية للدائرة العربية، فالإفريقية، ثم الآسيوية، ثم العالم الإسلامي، وأخيرًا أمريكا اللاتينية. واكتفى في كل حالة بطرح أفكار عامة تحكم السياسة المصرية تجاه كل دائرة، على النحو التالي:

- دور مصر في بناء "مشروع نهضوي عربي"

يقوم على التكامل والاندماج العربي على غرار تجربة الاتحاد الأوربي. وتطوير إستراتيجية عربية جديدة تهدف إلى التكامل الاقتصادي، وسهولة تنقل الأفراد، وحركة البضائع، والسفر بين الدول العربية، والحصول على التأشيرات. وتطوير الصندوق العربي للإنماء إلى بنك تنمية عربي يستطيع تحقيق أهدافه للتنمية الشاملة في الوطن العربي. وتنفيذ مشروعات عربية مشتركة مثل إقامة شبكة للطرق البرية والسكك الحديدية. وتدريب العمالة المصرية التي تتجه إلى الدول العربية وفق خطة مدروسة وشاملة.

وأكد على التعامل مع الدول العربية وفق مبدأ المساواة، فلا فضل لدولة عربية على أخرى، ولا شقيق أكبر ولا أصغر من أخيه، وأن هذا يخلق سياقًا صحيا لتحقيق عمل عربي متكامل، يحترم اختيارات كلّ دولة في شئونها، وبما لا يؤثر سلبًا على مصلحة المجموع.

-دعم القضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع إسرائيل دون إشارة إلى معاهدة السلام

أكد البرنامج على أن شعبنا يقف مع الشعب الفلسطيني في معركة تحريره من إرهاب الكيان الصهيوني، وحرمانه من حقه في إقامة دولته المستقلة على كامل أرضه، وضمان وحدته الوطنية، ويقف إلى جانب حق عودة أبنائه اللاجئين إلى وطنهم وعاصمتهم القدس.

مؤكدًا رفض أي دعم لوجود الكيان الصهيوني، أو إقامة العلاقات معه  فيما يعرف بالتطبيع، حتى إرجاع كامل حقوق الشعب الفلسطيني. وأن البرنامج يستجيب لرفض الشعب المصري الاتجار مع الكيان الصهيوني في مواد إستراتيجية مثل البترول والغاز.

عكست تصريحات المشير السيسي توجهًا نحو التوازن في سياسة مصر الخارجية من خلال الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع واشنطن مع تأسيس شراكات جادة مع قوى أخرى.

-دعم الشعب السوري وضمان وحدة أراضيه

أكد البرنامج على ضرورة أن يعمل الشعب المصري على الالتزام بدفع الموقف العربي والدولي باتجاه تحرير الشعب السوري من الاستبداد والإرهاب معًا، وضمان وحدته الوطنية، ووحدة أراضيه، وحقه في ممارسة حياته الديمقراطية.

- استعادة دور مصر التاريخي في إفريقيا وتجديده

وذلك من خلال العمل في إطار ثلاثة محاور أساسية هي: الإسهام  في تحقيق الاستقرار في دولتي السودان، وتنمية علاقاتنا الدولية بهما، وتشجيع الدبلوماسية الشعبية لبناء علاقات مجتمعية تسهم في هذه المهمة، بخاصة على الجوانب الاقتصادية والثقافية. واستعادة دورنا في إفريقيا بالعمل على مواجهة التهديدات الأمنية في البحر الأحمر وخاصة مع بروز ظواهر الإرهاب والقرصنة والهجرة غير القانونية. وإقامة تعاون اقتصادي بين مصر ودول القارة بوصفها قضية من القضايا الملحة التي تتطلب اهتمامًا خاصًا من الجانب المصري.

-       تحرك جديد نحو الشرق لمواكبة عصر الصعود الآسيوي

أكد البرنامج على أهمية التوجه شرقًا نتيجة تنامي دور القوى الآسيوية الصاعدة، وإعادة البناء على حضورنا التاريخي في آسيا، خلال المرحلة التي ازدهر فيها مفهوم الحياد الإيجابي، وتدعيم التعاون مع الدول الآسيوية.

-آفاق جديدة للعلاقات مع دول العالم الإسلامي

 وذلك من خلال إيجاد علاقة مؤسسية بين الأزهر الشريف ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وإقامة شبكة داعمة لمواقف مصر السياسية من خريجي الأزهر في مختلف المجالات في الدول الإسلامية والدول الأخرى ذات الأقليات الإسلامية. وتطوير دور مبعوثي الأزهر الشريف إلى دول العالم الإسلامي.

-       بناء قاعدة جديدة للعلاقات مع دول أمريكا اللاتينية

من خلال زيادة التبادل التجاري والاستثمار المتبادل، وإحياء الحوار الإفريقي- اللاتيني الذي كان يعقد سنويا في مصر والمكسيك علي التوالي، وتفعيل مؤتمرات القمة العربية اللاتينية، والعمل على تحقيق الاستفادة القصوى من الجاليات العربية الكبيرة في دول أمريكا اللاتينية، خصوصًا في مجالي السياحة والاستثمار.

 

ثالثًا: تحدي التغير في النظام الدولي وإعادة ترتيب العلاقة مع القوى الكبرى

على مدى السنوات القليلة الماضية تضافرت العديد من العوامل التي تشير بوضوح إلى بداية الانكسار الأمريكي وانتهاء الهيمنة الأمريكية على الشئون الدولية والإقليمية، لأسباب عدة منها مشكلاتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية في ضوء الأزمة المالية العالمية، وفشلها في إدارة حملاتها العسكرية في أفغانستان والعراق، وتراجع الثقة والمصداقية في الرئيس أوباما بعد عجزه عن إدخال كثير من وعوده حيز التنفيذ. وهو أمر يبدو طبيعيًا، فتتبع تاريخ العلاقات الدولية وتطورها يؤكدان سيطرة أي قوة على قمة النظام الدولي مهما طالت مدتها إلى زوال.

فالعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهد بدء حقبة جديدة في العلاقات الدولية تتضمن التحول إلى نظام دولي متعدد القوى، حيث تتراجع الهيمنة الأمريكية، وتلعب روسيا والصين وعدد من الدول الأوربية والآسيوية دورًا مهمًا وفاعلًا في الشئون الدولية والإقليمية، واستطاعت تحجيم الولايات المتحدة وإعاقة حركتها في مواقف عدة منها أزمة أوسيتيا الجنوبية عام 2008 والأزمة السورية التي بدأت في مارس 2011، والأزمة الأوكرانية.

ورغم أنه من الضرورى العمل على استمرار التعاون في مختلف المجالات مع الولايات المتحدة، فإنه أصبح من الملح إعادة النظر فيها وفي مقوماتها، خاصة مع التغير في السياسة الأمريكية التي تقوم حاليًا على التدخل الأمريكي المباشر لإعادة رسم خريطة القوى في المنطقة بهدف تأمين المصالح الأمريكية والسيطرة المباشرة على النفط فيها إلى جانب ضمان أمن اسرائيل، والتخلص من عدد من النظم في المنطقة بدعوى الإصلاح وفرض نموذج الديمقراطية الأمريكية، والتي كان احتلال العراق والاطاحة بصدام حسين وإقامة نظام جديد موالٍ لها "أولى" الخطوات الأمريكية في هذا الاطار. فقد آن الآوان لإعادة النظر في محددات العلاقة مع الولايات المتحدة وإيجاد صيغة جديدة تعظم الاستفادة المصرية وتضمن لها الاحترام اللائق دوليًا وإقليميًا.

كما تبرز أيضًا أهمية التركيز على مناطق التأثير المستقبلية والمتمثلة في عدد من القوى الكبرى في إطار النظام الدولي، وأهمها روسيا الاتحادية والصين وغيرها من القوى الآسيوية. ولمصر علاقات جيدة مع هذه القوى وهناك أطر قائمة تتيح فرصًا كبيرة لدفع وتعزيز التعاون معها.

وقد كان هناك تقارب واضح في رؤية المرشحين للعلاقة بالقوى الكبرى، حيث انطلقا من أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة، ولكن مع الاتجاه إلى تطوير العلاقات مع قوى دولية أخرى، وفي حين أشار المشير السيسي إلى روسيا تحديدًا، أشار صباحي إلى التوجه شرقًا بصفة عامة وإلى آسيا الصاعدة ومنها روسيا.

فقد عكست تصريحات المشير السيسي توجهًا نحو التوازن في سياسة مصر الخارجية من خلال الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع واشنطن مع تأسيس شراكات جادة مع قوى أخرى، حيث أشار إلى أن "علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية علاقة إستراتيجية مستقرة وثابتة، وليس معنى إنه في وقت من الأوقات حصل حالة من الارتباك ده معناه إن إحنا ما نقدرش نكمل ده لا طبعا دي علاقات مستقرة، العالم دلوقتي علاقاته كلها علاقات متداخلة ومتشابكة وما فيش مجال أن يبقى في علاقات لدولة على حساب دولة أخرى، إحنا محتاجين في مصر أن نتعاون مع كل الدول، لأن حجم التحديات في مصر ضخمة جدا ومحتاجة دعم ومشاركة الجميع فيها".

وأوضح المشير السيسي أن الخلاف مع واشنطن نابع من سرعة تقديرهم للموقف في مصر عقب ثورة 30 يونيو. وقال إننا "متفهمين الموقف الأمريكي وبنتمنى أن يتفهم الأمريكان موقفنا" .... "نحن ننظر إليكم بعيون أمريكية، فانظروا إلينا بعيون مصرية".

ورأى أن واشنطن شريك أساسي في مكافحة الإرهاب، حيث قال: "نحن نخوض حربًا ضد الإرهاب والجيش المصري يقوم بعمليات كبيرة في سيناء حتى لا تتحول سيناء إلى قاعدة للإرهاب تهدد جيرانها وتتحول مصر إلى منطقة غير مستقرة، ولو مصر مش مستقرة يبقى المنطقة مش هتبقى مستقرة، وأفتكر إن ده مش في صالح الأمن والسلام في العالم كله، إحنا محتاجين الدعم الأمريكي في مكافحة الإرهاب محتاجين المعدات الأمريكية لاستخدامها في مكافحة الإرهاب. مش بس سيناء إحنا النهارده بنشتغل بنؤمّن حدودنا، حدود ممتدة جدا من البحر المتوسط حتى العمق، اكتر من 1200 كيلو علي الحدود الليبية وزيهم مع السودان. غير الحدود البحرية اللي بتمتد إلى أكثر من 3000 كيلومتر، كل هذا يحتاج تأمينًا حقيقيًّا في وضع إنتوا شايفين المنطقة مرتبكة إزاي".

وأشار إلى أنه "ليس بالضرورة أن تكون علاقتنا مع روسيا على حساب أمريكا أو العكس.. وأن العلاقة مع موسكو قديمة وليست بالجديدة". وكشف السيسي ما دار في لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، موضحا أن الزيارة كانت لتنويع العلاقات المصرية، ولا يجوز اعتبار علاقة مصر بروسيا بديلا عن علاقة أخرى، ومن غير المقبول وصفها بذلك.

وأوضح أن العلاقات الدولية حاليًا تختلف عن العلاقات منذ خمسين عامًا، ومصر تحتاج إلى تنويع علاقاتها، وتحتاج إلى الدعم، ولا يمكن إغلاق الباب أمام كل من يريد دعم مصر وتقديم منح تعينها في أزمتها الراهنة. ولفت النظر إلى أن البعض يتصور خطأ أن العلاقات العسكرية مع روسيا انطلقت بزيارته لموسكو، وهو الشيء الخاطئ تمامًا، فالتواصل العسكري مع روسيا لم يتوقف منذ السبعينيات من القرن الماضي.

وأكد أنه سيتعاون مع كافة دول العالم من أجل مصلحة الوطن، موضحا أن الجميع يعلم مدى وطنيته.

أما في برنامج صباحي فقد جاء الجزء الخاص بالسياسة الخارجية تحت عنوان "كرامة يحميها الاستقلال الوطني". وأكد أن "الولايات المتحدة شريك مهم في عدد كبير من القضايا، ويجب العمل معه دون حساسيات زائفة لتحقيق مصالحنا"، ولكنه أشار إلى أن العلاقة مع الولايات المتحدة تحتاج إلى" إصلاحات عديدة، تشمل نبذ التبعية، وموازنتها بعلاقاتنا بقوى العالم في أوربا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وقبول مبدأ الاتفاق والتعارض في المصالح، وتبادل الرؤى في الموضوعات المختلفة، والسعي إلى تدعيم الصوت المصري في داخل المؤسسات الأمريكية الرسمية والشعبية.

وأشار في هذا الإطار إلى تدعيم التعاون مع الدول الآسيوية التي حققت معدلات نجاح عالية في مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية، خصوصًا من لديها تجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها، كالهند وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وتايلاند والصين واليابان وكوريا الجنوبية. كما أشار إلى أهمية العمل على الانضمام لمجموعة "بريكس  خاصة بعد انضمام جنوب إفريقيا إلى هذه المجموعة التي تضم البرازيل والهند والصين وروسيا لفتح آفاق جديدة لمصر في آسيا وأيضا في أمريكا اللاتينية.

هذا المقال جزء من دراسة أوسع نشرت فى مجلة آفاق سياسية

*أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة