المركز العربي للبحوث والدراسات : «لم الشمل» فى السعى لتوافق وتكامل وطنى جديد (طباعة)
«لم الشمل» فى السعى لتوافق وتكامل وطنى جديد
آخر تحديث: الخميس 01/09/2016 01:56 م
نبيل عبد الفتاح نبيل عبد الفتاح
الحالة المصرية أصبحت مترعة بالألم، والمشكلات الكبرى والأزمات التي تتكالب وتتراكم فوق بعضها بعضاً، في ظل سياقات اجتماعية متوترة، وعودة لبعض مظاهر الغلو والتطرف الديني والمذهبي، مع تزايد بعض وقائع الانتهاكات للحرية الدينية وممارسة الشعائر الدينية كما حدث في محافظة المنيا على نحو يؤدي إلى مزيد من الشروخ في بنية وقواعد التكامل الوطني بين أبناء الأمة حول الدولة الحديثة، وبروز عجز عن التفكير الخلاق والمسئول من قبل بيروقراطية أجهزة الدولة، وضعف في مستويات أداء بعض أعضاء التشكيلة البرلمانية، ومجلس الوزراء، وانتشار معدلات الفساد الهيكلي والإداري، وعدم قدرة بعضهم من الوزراء على مواجهته في مصادر إنتاجه، والفاعلين في شبكاته وتمدده واتساع دوائره! أينما وليت وجهك ستجد الوجوه والأفواه والكلمات المترعة بالغضب والرفض والألم والنقد الجارح لكل ما يجري في حياتنا، تعبيراً عن عدم الرضا والقنوط، لكن الوجه الآخر لتيار المشاعر والخطابات الغاضبة المحمولة على اليأس، هو تقاعس بعضهم عن العمل الجاد والروح الخلاقة ومشاركة بعضهم في تيار الفساد المالي والإداري المتغلغل في حياتنا ويمارسون الرِشا والاختلاس والإهمال وعدم الجدية، وانحسار المسئولية عن سلوكهم وأدائهم الوظيفي في الأجهزة الإدارية والفنية على نحو أسهم في إضعاف بنيوي لأجهزة الدولة وبعض مؤسساتها! هذه الحالة بالغة الخطورة على التماسك البنيوي للدولة المصرية ويؤدي إلى تآكل تقاليدها الحديثة وثقافتها في ظل الترييف المستمر لها، وتمدد الفكر السلفي المتشدد ومعاييره بين بعض الموظفين العموميين. من ناحية أخرى يبدو بوضوح بعض المنافسات والتوترات بين بعض أجهزة الدولة، وهو أمر يحتاج إلى ضبط وحزم على الرغم من أن طبيعة الدولة القومية تفرز هذا النمط من المنافسات والصراعات، إلا أن خطورتها في أوضاعنا أنها تجري في ظل سياقات مضطربة في الإقليم، وانتشار العنف والإرهاب من بعض المنظمات الإسلامية الراديكالية، وانهيار الدولة في اليمن وليبيا، والاضطرابات في سوريا والعراق، واحتمالات التغير في الخرائط السياسية، الأمر الذي يتطلب إيلاء عناية خاصة لمسألة التنسيق والتكامل الهيكلي بين مؤسسات وأجهزة الدولة، ورفع مستويات تأهبها وأداءاتها وتطويرها المتدرج. من هنا يتعين إعادة النظر في أساليب التفكير والعمل السائدة، وضرورة السعي الجاد لبناء توافق وطني بين النخب السياسية والثقافية ـ أياً كانت مستوياتها من حيث التكوين والخبرات والأداء ـ ومحور هذا التوافق هو الحوار حول بعض الملفات الأساسية التي تحتاج إلى معالجات في العمق لتطوير وتجديد خلايا وهياكل الدولة الحديثة التي ضمر بعض خلاياها، وتيبس بعض مفاصلها، وما يدعو إلى هذا الحوار التوافقي لا السجالات المتوترة وغير المنتجة ما يلي:


تفكك تحالف 30 يونيو 2013، وتحول بعض مكوناته إلى المعارضة والخلاف مع النخبة السياسية الحاكمة. الأداء البطىء للتشكيلة الحكومية الحالية، وضعف مستوى إنجاز بعض الوزراء في الوزارات الخدمية في إدارة ملفات أساسية تتطلب جهدا وعملا دءوبا وفاعلا في ظل ظروف أمنية ومجتمعية صعبة. الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجه الدولة وتؤثر على حياة الأغلبية الشعبية من المواطنين، والتي تتطلب معالجة سياسية وليست فقط فنية وتقنية. اضطراب في الأداء البرلماني على المستويين التشريعي والرقابي، وضعف مستوى بعض أعضاء مجلس النواب، وتهافت لغة خطابهم السياسي والبرلماني مما يسهم في ارتفاع معدلات التوتر والغضب من المواطنين.

تضخم ملفات الفساد، وتفجر بعضها على نحو صاخب كما في قضية فساد القمح على نحو اضطر معه وزير التموين إلى تقديم استقالته.

هذه الأسباب وغيرها كثير ويحتاج إلى اللجوء إلى سياسة الملفات في بعض القضايا المهمة، وعلى رأسها ما يلي: السياسة التشريعية، وإصلاح النظام التشريعي المصري ليواكب التغيرات الجديدة في النظم القانونية المقارنة، والمواثيق الجديدة، لتجديد التشريعات المصرية بالمستجدات، وهو ما يؤثر إيجابياً على صورة الدولة وهيبتها على المستوى العولمي. السياسة الثقافية المصرية، وضرورة صياغة جديدة لها، ولبرامجها كي تستعيد مصر مكانتها ودورها الثقافي الإقليمي، والأهم هو التكامل بين السياسة الثقافية والتعليمية والدينية، وضرورة تحول السلع الثقافية إلى القطاعات الاجتماعية الشعبية لاسيما في الأرياف، والسعي إلى تجديد ثقافة المدينة في مصر، والارتقاء بالمستويات الثقافية للنخب وموظفي الدولة، والاهتمام الشديد باللغة العربية وآدابها، وبالأجيال والمواهب والإبداعات الشابة، وتنشيط سياسة الترجمة عن اللغات الأجنبية في الآداب والعلوم الاجتماعية. مكافحة الفساد الإداري، وكبح أسبابه وتجفيف منابعه، وتفكيك شبكاته ومطاردة منتجيه في الوظيفة العامة، وفي القطاع الخاص. إصلاح أوضاع المرأة المصرية على المستويات التشريعية، ومواجهة العنف ضدها، وتمكينها على العديد من الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لأنها تشكل مدخلاً للإصلاح الشامل في الدولة والمجتمع. تجديد السياسة الدينية، والمؤسسات الإسلامية التعليمية والدعوية، من خلال رصد مشكلاتها، وتحليل خطاباتها الدينية، ومعها الخطابات السياسية الإسلامية المتطرفة، ووضع خرائط زمنية للتحرك لمواجهة الاختلالات الفكرية والفقهية والافتائية والدعوية ووضع إستراتيجيات لتجديد الفكر والخطابات الدينية في مصر الإسلامية والمسيحية معاً. الملفات السابقة محضُ أمثلة، ولابد من إسنادها لمجموعة من الخبراء الثقات، وتوفير المعلومات اللازمة لهم وتيسير عملهم، وتقدم للرئاسة أو الحكومة، ويتم الإعداد لمؤتمرات حولها يضم إليها بعض الجادين من النخبة المصرية المعارضة للحوار الهادئ والموضوعي والجاد حولها ثم يتم بلورة رؤية توافقية حول استراتيجيات وطنية للتعامل مع هذه الملفات المهمة. لا شك أن هذه الرؤى التوافقية ستؤدي إلى تجديد التماسك الوطني وتشكل إطاراً للالتزام بالمهام المحددة المطلوبة لمواجهة المشكلات المختلفة في إطار من المسئولية وإرادة العمل الجاد والخلاق، وذلك بديل عن خطابات المزايدة العفوية الجوفاء، واللغة المرسلة والمواقف غير المسئولة .. هيا للعمل.