في ملحق الدور الأول للانتخابات عاد المصريون بنسب حضورهم يؤكدون أنهم لم يقوموا بثورتهم في 25 يناير، ويعاودوا استردادها في 30/6، ويقدموا الدماء والشهداء، ويعيشوا تحت مخططات إرهاب أسود، وتآمر، واتجار بدمائهم وأمنهم، ليتقافز أصحاب مصالح ووجوه شاركت في إفساد الماضي، وفي حلب ونهب ثروات هذا الوطن، ويعودوا ويتحولوا إلي ثوار أو نواب، أو أولياء أمور نواب.. انخفاض أعداد المشاركين في الدور الثاني لانتخابات المرحلة الأولي كان احتجاجا علي مجمل المشهد الانتخابي، وكل من لا يستحق أن ينال شرف عضوية أول مجلس نيابي بعد الثورة، كان الأمل أن يكون خير تمثيل لها، وقوة دافعة وداعمة لبناء مصر الجديدة، وهذا الغضب والاحتجاج انضم إلي ميراث ومخلفات عشرات السنين من الألم والظلم الاجتماعي، وافتقاد العدالة والحقوق الأصيلة، وازداد الطين بلة بأخطاء النظام الانتخابي، وبالقوانين التي أصدرتها اللجنة العليا، وبإنفاق جنوني وغير مسبوق علي الدعاية الانتخابية، ليس من أجل عيون مصر، ولكن من أجل أهداف ومصالح سيكشف عنها الكثير مما سيدور داخل المجلس!! الحس التاريخي والوطني للمصريين جعلهم يستشعرون أنهم لن يحصلوا علي المجلس النيابي الذي يليق بثورتهم وببلدهم، فأعلنوا رأيهم بهذه النسب المتواضعة التي لا أظن أنها ستتغير كثيرا في المرحلة الثانية، فالنتائج لا يمكن أن تتغير مادامت المقدمات ظلت واحدة.
> أتمني علي صحيفة من صحفنا الكبري أن تقدم للمصريين معلومات موثقة عن النواب الذين تم انتخابهم، ما قدموا.. وما أنجزوا.. وما استحقوا به أن يتقدموا لنيل هذا الشرف، وما يؤهلهم لحمل المهمات الجسام التي تنتظر برلمان الثورة، لعل السير الذاتية الموثقة تسترد بعض الاطمئنان، وتخفف الكثير من دواعي الألم والرفض والاحتجاج التي أثارها المشهد الانتخابي!
> في النصف الثاني من القرن الماضي عندما أحسوا في الولايات المتحدة بتراجع مستوي التعليم سارعوا إلي إصلاحات شاملة بنيت علي دراسات شارك فيها أكبر المتخصصين وخبراء التعليم الذين وضعوا الرؤي والسياسات والخطط الإصلاحية في إطار تقرير بعنوان «أمة في خطر» فقط اهتزاز مستوي التعليم دفعهم إلي دق أجراس الإنذار، والبحث الجاد والعلمي والمتخصص عن سبل الإنقاذ، لا أظن أن الانهيار وصل إلي تحرشات جنسية داخل المدارس من معلمين وطلبة، وضرب بالأحذية من أولياء أمور لمعلمين، وضرب وسحل للمعلمات أمام التلاميذ داخل المدرسة، ومعلمون جهارا نهارا يبيعون الدروس في متاجر خاصة، ولم يكن قد تم إطلاق رصاص الرحمة علي نقطة ارتكاز العملية التعليمية وهي المدرسة!!
إن جودة التعليم في مصر تضعها في المركز قبل الأخير بين 140 دولة! وسط كل هذه المؤشرات المرعبة لأخطر ما يرتكز عليه بناء دولة حديثة، وهو قوة وجودة التعليم، هل تعرفون حضراتكم أنه توجد في جميع مدارس الجمهورية لجان اسمها «لجان الحماية المدرسية»، وأن مهمة هذه اللجان تنظيم العلاقة بين المدرس والطالب وولي الأمر، وأنه وسط كل هذا البلاء والانهيار طالب وزير التربية والتعليم جميع المديريات التابعة للوزارة بتفعيل لائحة الانضباط المدرسي من خلال لجان الحماية المدرسية!! هل يوجد دليل أكبر علي انفصال كامل عن الواقع والحقيقة، وهل توجد لجان حماية مدرسية في مدارس انفلت فيها عيار جميع أطرافها (المعلم والتلميذ وأولياء الأمور)، وانتقل فيها التعليم إلي ما يطلقون عليه بوتيكات أو سناتر خارجية، ووصلت المساخر التعليمية إلي التفرقة بين مراكز تعليمية خارجية مشروعة إذا كانت مرخصة، أما المراكز الممنوعة فهي فقط غير المرخصة!! حتي التعليم الخاص الذي كان يلجأ إليه القادرون هروبا من انهيار التعليم الرسمي انتقلت إليه جرثومة وعدوي الدروس والمراكز التعليمية الخاصة وإن ظل التعليم في المدرسة مستمرا للأرقام الخيالية التي تدفع لهذا التعليم!! والمعلم الذي في زمان آخر كاد يكون رسولا أصبح للأسف يتاجر بعلمه بدلا من أن يكتفي بتكسب معقول ومحترم.
هل توجد عملية تعليمية محترمة وجادة في بلد يحدث فيه ما جاء في التحقيق الذي نشره الأهرام 25/10، وأنقل نص ما كتب (تعرض معلم بمدرسة السيدة عائشة الثانوية بنات بالمرج لتعدي ولي أمر طالبة عليه بالحذاء في أثناء طابور الصباح، لتعنيفه طالبة لشغبها في أثناء شرح المعلم داخل الفصل، كما اعتدي مجموعة من أولياء الأمور علي مدرسة بمدرسة الخيامية الابتدائية بالسويس داخل المدرسة قبل لحظات من بداية الطابور، وانهالوا عليها ضربا في الوجه والبطن ومناطق متفرقة من الجسد، وخلعوا حجابها.
بينما تتحدث صحيفة «البوابة» علي رأس صفحتها الأولي 29/10 عن تقرير علي مكتب وزير التعليم عن 6 حالات اغتصاب، و132 بلاغ تحرش منذ بداية العام الدراسي، وتزداد المأساة بما يضيفه تحقيق الأهرام 25/10 أنه في حالة المدرس الذي ضربه ولي أمر بالحذاء لم يملك إلا أن يتنازل عن حقه؟!! الحقيقة لم أستطع أن أفهم كيف؟ ولماذا؟! والله لا أصدق وقلمي يكتبها وهو يختنق من الغضب، معلم يضرب بالحذاء ولا يستطيع أن يدافع عن حقه، ولا تستطيع الدولة أن تحمي هذا الحق، وأي أجيال تخرجها قرارات ومواقف عاجزة ومضطربة مثل القرار الذي أراد من خلال فرض 10 درجات إعادة بعض الانضباط والوجود لمدارس اعتبر الطلبة الذهاب إليها تعويقا وضياعا للوقت!! وما نشر عن خروج الطلبة في مظاهرات بالدفوف لإلغاء القرار والتناقضات المخجلة ما بين إعلان وزير التعليم أن الاعتراضات مرفوضة، ثم اتخاذ رئيس الوزراء القرار بتجميده، ألا يجب أن تتخذ القرارات علي أسس تربوية وتعليمية صحيحة يمنع المشهد المؤسف لتحول الأمر لصراع وانتصار للسلطة، واستسلام لمسئولين لا يمتلكون كفاءات وقدرات وخبرات إدارة، ووضع حلول جادة وعلمية مدروسة لا تحتمل تراجعا أو خطأ أو تؤدي إلي مواقف مرتكبة ومرتعشة في مواجهة هذا الانهيار التعليمي، ويمنع استصدار قرارات وتوقيع عقوبات تحفظ حقوق جميع الأطراف، في المقدمة منها حقوق مجتمع في عملية تعليمية وتربوية، وبناء أجيال محترمة .لجان العلماء وخبراء التعليم في الرئاسة من هذه الانهيارات التي تهدد الحاضر والمستقبل، بل وكل ما يرفع من بناء ونمو وتنمية لدولة قوية وحديثة؟ هل يصمد بناء عظيم بلا أسس قوية وتأسيس صحيح؟! أحدث الأخبار تتحدث عن اجتماع عاجل بين 3 وزارات خلال أيام لتطوير العملية التعليمية، الوزارات هي: الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتربية والتعليم، والتعليم العالي!!! لن نصل إلي حلول علمية وفاعلة ومؤثرة إذا ظل الإصرار علي وضع مشكلاتنا وأزماتنا بعيدا عن أيدي وفكر ودراسات وخطط خبراء وعلماء من أعلي وأفضل المتخصصين في التعليم يضعون رؤاهم ومقترحاتهم في تقرير بعنوان »إنقاذ أمة عظيمة من الانهيار«.
> لقد ركزت علي الجانب الأخلاقي والتربوي، بينما مستوي التعليم وجودته لا يقلان انهيارا وتراجعا، لا نحتاج إلي مؤشرات المركز التاسع والثلاثين بين أربعين دولة.. مؤشات الواقع أقسي وأخطر وتجعل الصمت جريمة في حق الحاضر والمستقبل. نقلا عن الأهرام