لم يصدمنى ما حدث فى الجلسات الافتتاحية لمجلس النواب أثناء البث المباشر فى اليومين الأول والثانى لانعقاد المجلس ـ لا أعرف ماذا كنا ننتظر بعد تجريف سياسى وحزبى وثقافى واجتماعى لعشرات السنوات الماضية وما مرت به مصر من أحداث واضطرابات منذ الثورة فى 25 يناير وموجتها الأكبر والأهم فى 30/6 وما عاشه المصريون من نجاحات واخفاقات ومخططات لنشر الفوضى واستباحة للدم المصرى ونشر للفتنة وصناعة الأكاذيب، ومحاولة من كان له سطوة فاسدة أن يستعيدها سواء رأسمالية تبحث عن السلطة وبعض المؤسسات الأمنية تحلم باستعادة ما كان لها من نفوذ ورغم كل ما بدا فى افتتاح المشهد النيابى من سلبيات أثق فى أن الأيام القادمة ستحمل الكثير من ضبط الأداء وعدم تخييب آمال الشعب فى تمثيل نيابى يدرك ويحترم آلام وأوجاع المصريين وما بذلوه وتحملوه وخرجوا ونادوا عليه فى جميع ميادين مصر من عيش وحرية وكرامة وانسانية وعدالة اجتماعية. خاصة أن البرلمان كما يضم من يثيرون علامات التعجب والاستفهام يضم الكثير من النواب المحترمين والمحترمات أثق فى أنهم سيقدمون أداءً برلمانيا وطنيا ينقل مصر النقلة الحقيقية التى ينتظرها المصريون بعد سنوات التجريف والتدمير التى شرعت وشرعنت الفساد والافساد وتحالفات السلطة والثروة.
استدعى مشهد افتتاح مجلسنا النيابى ذكريات زيارة سريعة لبرلمان الهند من سنوات بعيدة، وكيف فى أدب شديد وصوت هامس لفتوا أنظار ضيوف البرلمان لترك جميع أجهزة الاتصال قبل الدخول وضرورة التزام الصمت الكامل ـ جلسنا فى شرفة الزوار فهمت أن الاشارة التى وجهت لزائره كانت ترجو عدم وضع الساق على الساق احتراما لبيت الشعب.. رئاسة البرلمان كانت أستاذة هندية رائعة فى أدائها وهدوئها وزيها الهندى التقليدى طلب الكلمة يتم بأوراق مكتوبة تنقلها للرئيسة سكرتارية الجلسة الذين كانوا يرتدون زيا هنديا تقليديا وغطاء رأس تعلوه ريشة طويلة بيضاء ـ من الشرفة العلوية التى أجلس فيها بين الضيوف ـ ومن فرط الخفة والسرعة التى ميزت حركتهم بدوا لى كطيور بيضاء تحلق فى القاعة ـ استحضر المشهد إلى رأسى مثلنا الشعبى أن السكون والانضباط يجعلك تسمع رنين سقوط إبرة على الأرض. كانت المناقشة تتناول القوانين اللازمة لحماية الشعب من المخاطر الصحية التى يمكن أن تترتب على الصناعات التحويلية ـ لا أقصد الاساءة إلى المشهد النيابى المصرى فما شاهدته فى الهند جلسة واحدة ـ وكما أشرت فى البداية إلى ما نعيشه من حصاد تجريف وتدمير للحياة السياسية والنيابية وللحريات، عشرات السنين مع كثير من المصريين أتمنى أن تحمل الأيام القادمة من البرلمان فى الشكل والمضمون ما يليق بما حدث فى مصر ـ فى 25/1 و30/6 ويدعم ويقنن ويحمى جدية البناء الذى يُرفع الآن والمخاطر والتهديدات الدولية والاقليمية والداخلية والموروث من فساد والمزروع من ارهاب ومخططات غدر وتآمر، مع احترام لكل معارضة واختلاف وطنى يشارك، دعم وتصحيح المسارات والسياسات.
لا كلمة تتردد فى قاموس المصريين وأحاديثهم الآن أكثر من كلمة فساد ولا شيء يغرقون فيه قدر أشكال وألوان الفساد.. ولم ينافس الاهتمام بمشهد افتتاح البرلمان قدر حادثة فساد جديدة من الحوادث التى حول بها فساد المحليات واهمال تهاون القيادات المسئولة المبانى والعمران إلى قبور لسكانها ـ أتحدث عما شهدته مدينة منيا القمح من انهيار عقار ودفن تسعة من سكانه بالاضافة إلى مجموعة من المصابين والمصابات، علاوة على مجموعة أخرى من المصابين فى انهيار بالشرابية.
ملحوظة: التسعيرة المؤسفة والمخجلة التى تدفع للمصابين لماذا تختلف ما بين القاهرة والشرقية ـ فى الأولى حصل المصاب على 5000 جنيه وفى الشرقية 2000 جنيه؟! أما الموتى فحظوظهم أفضل 10،000 جنيه لفقد الحياة!! طوال المحاولات اليائسة والبائسة والعاجزة عن انقاذ السكان المدفونين أحياء تحت الأنقاض توالت عبر الهواتف التى كانت مع أصحابها نداءات الاستغاثة على أمل أن يجدوا من يستطيع أن ينتشلهم ويخرجهم من وسط الظلام ومن تحت ركام الانهيار.. بأدوات بدائية وبألواح خشبية حاول وفشل المواطنون.. ومتأخرة كالمعتاد وصلت أدوات الدفاع المدنى وانتهى كالمعتاد أيضا من موتى وجرحي.. هل أدرك واحد من السادة المسئولين الذين جاءوا يتبخترون فى مواكبهم وسط حراسهم الخائفين عليهم من غضب الناس وصرخاتهم ـ هل أدرك واحد منهم معنى موت الأمل والرجاء والاطمئنان فى الانتماء إلى مجتمع يستطيع أن يقدم لهم الانقاذ فى لحظات الخطر.. هل أدركوا معنى تكرار دفن المواطنين أحياء وأن تظل معدات الأمن متواضعة وعاجزة، وهل نرد لهم أرواحهم بإحالة مسئولى الحى بعد كل كارثة إلى النيابة.. وكم مثلهم من القتلة الطلقاء الذين لم يجدوا عقوبات تردع وتخيف وتجعل من قتل يُقتل إذا أثبتت مسئوليتهم تحقيقات جادة وعاجلة وناجزة، لا أظن أن هناك من يختلف أن انجازا من أهم الانجازات المنتظرة من المجلس النيابى صدور القوانين التى تحرر المصريين من سطوة وقبضة القادرين أن يرتكبوا كل ما فوق وخارج القانون، ويقبضوا الملايين ثمنا لها ويظلوا أحرارا بلا حساب أو عقاب ـ بل فى الأغلب يعاقب من وقعت عليهم مظالم وانتهاكات، وأن يضع المجلس نهاية لترسانة قوانين مترهلة لا أبالغ إذا اعتبرتها من أسباب حماية واستمرار واستقواء وتوحش الفساد وظهور أشكال وأساليب يستعصى ظهورها فى المجتمعات التى تحترم وتطبق القوانين الجادة والحازمة على مواطنيها بلا تمييز.
من يصدق أن قرابة أو معرفة شخصية مهمة تستطيع أن تلغى أو تمنع تنفيذ القانون!! يخطئ من يظن أن الناس لا تعرف ولا تفهم ولا تغضب وهل نستطيع أن نقيم مجتمعا عادلا باستمرار ممارسات تزيد المظلوم وصاحب الحق ظلما وتزيد المدانين بفساد والمعتدين على الحقوق والخارجين على القوانين قدرة واستقواء؟!!!!
ملحوظة: لا أريد أن أشير إلى حادثة بعينها تتحدث عنها مدينة بورسعيد ترتبط بمديرية التربية والتعليم والاستقواء المعلن بقرابة مسئول كبير بمؤسسة أمنية لمنع عودة الأستاذة والمربية الفاضلة هدى صالح لإدارة مدرستها الثانوية للبنات ورغم ما يقال أنه لدى نقيب معلمى بورسعيد من وثائق إدانة..!! وأن يقف المسئولون عاجزين عن إحالة الأمر بكامله ـ وبما انتهت إليه لجان تفتيش وتحقيق أثبتت حق الأستاذة والمربية الفاضلة إلى النيابة العامة!!
أمن المواطن وأمانه بجاهزية مؤسسات بلده ونيل استحقاقه بعدالة من أهم حقوق المواطنة ــ العقوبات المساوية لجلل الحدث ـ التخلص من القوانين ـ التى شرعت ووفرت الحماية للقتلة والمرتشين والمتخاذلين عن أداء واجباتهم والمستقوين بالقرابات والأنساب! محاسبة الكبير قبل الصغير ـ الوزير والمحافظ قبل أكباش الفداء الصغيرة ومهما تكن ضالعة فى الجرم.. اختبار كبير ويجب أن يكون له أولوية أمام نواب الشعب لتصحيح ما استقر لدى الكثير من المصريين من آراء سلبية عن عدد كبير منهم وهو ما يؤكد ويدعم حق المصريين فى البث المباشر لكل ما يحدث فى البرلمان.
آثارنا بكل ما تمثله وتعنيه وتتعرض له من انتهاكات واهمال وأخبار تتراوح بين التأكيد والتكذيب ـ دون أن نعرف ما هى المرجعية العلمية الموثوق بها التى تعطينا بشأن ما يحدث لها كلمة فاصلة تنهى جدلا سقيما تضيع فيها الحقائق المتعلقة بهذا الإرث العظيم الذى لم يجد ما يستحقه من أغلب من قاموا عليه ـ وأحدث ما سمعت وقرأت عن ترميم معبد الكرنك بالأسمنت الأسود والمحارة من الخارج ـ وما نشر من صور لترميم معبد حورس أيضا بالأسمنت الأسود والجير ـ وما سبق نشره عن مشروع سحب المياه الجوفية بالبر الغربى للأقصر إلى ميل مقصورة المعبودات الالهيات بمعبد هابو وما قيل عن الاضطرار لتركيب دعائم خشبية للحائط الخارجى للمعبد وتثبيتها بالأسمنت انتظارا لتوافر ميزانية للترميم واستدعاء خبير ألمانى لانقاذ قناع توت عنخ آمون من أخطاء ترميم الذقن الملكي.
كيف يكون لدينا علماء وخبراء كبار وعلى رأسهم عالم وأستاذ المصريات د. على رضوان ولا تتشكل لجنة دائمة منهم تتابع وتقلل المخاطر التى يتعرض لها تراثنا وكنوزنا الأثرية وتقدم للمصريين الحقائق كاملة عنها وتنهى متاهات الاتهامات والانكار والتكذيب دون أن تعرف حقيقة أوضاع هذا التراث بعد كل ما تتعرض له من اهمال ونهب وسرقات. بالمناسبة ـ ما أخبار سخم كا.. وأين استقر به المقام فى رحلة غربته والمتاجرة به وهل استقر به المقام لدى من يتوهمون أن شراء التراث بملياراتهم يستطيع أن يصنع لهم تاريخا ؟!
مرة ثانية وثالثة وعاشرة من يتوهم القدرة على اشعال ثورة ثالثة ينادى على تفجير قلب مصر ودعم الارهاب واسقاط ما تم من خطوات جادة للاستقرار والبناء وحل مشكلات تجريف وحرمان وفساد عشرات السنين وتحد لإرادة ولحق عشرات الملايين فى تحقيق أحلامهم وآمالهم فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية التى يجب أن تضاعف الجهود والخطط والسياسات لتحقيقها.. الفشل المؤكد لدعوات التظاهر فى 25 يناير أرجو ألا يكون ثمنه آلاما وأوجاعا جديدة تضاف للمصريين، وتضاعف ما فى صدورهم من رفض وغضب لمن يعادون ويعتدون على حقهم فى الأمان والاستقرار والتصحيح والتنمية والعدالة وجنى ثمار لما دفعوا من أجله دماء وحياة أغلى أبنائهم. نقلا عن الأهرام