طالب الرئيس أوباما مؤخرا بزيادة كبيرة في الإنفاق، على عكس التخفيضات القاسية التي ميزت التوجه العام خلال السنوات القليلة الماضية.
كثيرا ما يقال إن المشكلة الرئيسية مع صناع القرار السياسي أنهم يركزون وبشدة على الانتخابات المقبلة، مما يجعلهم يبحثون عن الحلول قصيرة الأجل، ويغضون الطرف عن مشكلات المدى البعيد. لكن قصة السياسة الاقتصادية وخطابها المعروف عبر السنوات الخمس كانت على العكس من واقعها تماما.
فكروا معي في ذلك؛ في مواجهة البطالة الجماعية والخسائر الفادحة التي تنجم عنها، كرست النخبة السياسية الأميركية جل طاقتها في غير سبيل تعافي الاقتصاد، لكن على غرار لجنة بولز - سيمبسون - تهيئة «المساومات الكبرى» التي تتعامل فقط من المشكلات الملحة مثالا بكيفية سداد التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية لبضعة عقود من الآن.
وظاهرة الآجال الطويلة العجيبة تلك ليست ظاهرة أميركية صرفة، فعند محاولة مناقشة الأضرار الناجمة عن سياسات التقشف الأوروبية تجد سلاسل من المحاضرات مفادها أن ما نحتاجه بالفعل هو مناقشة الإصلاحات الهيكلية على المدى البعيد وليس القصير. وعند محاولة مناقشة الجهود اليابانية للخروج من شرك الانكماش المحصورة فيه لعقود مضت، سوف تواجه بكل تأكيد أن مطالبات السياستين النقدية والمالية ليست إلا عرضا جانبيا للأمر، وأن التحرر من القيود الحكومية وغيرها من التغييرات الهيكلية هي محل الأهمية.
هل أدعي أن المدى الطويل ليس مهما؟ كلا بطبيعة الحال، على الرغم من أن بعض أنماط الآجال الطويلة لا معنى لها حتى وفقا لشروطها. لنفكر في فرضية أن «إصلاح الاستحقاق» هي من الأولويات الملحة. وصحيح أن الكثير من التوقعات تشير إلى أن برامج التأمين الاجتماعي الرئيسية عندنا سوف تواجه صعوبات مالية في المستقبل (على رغم التباطؤ الملحوظ في زيادات التكاليف الصحية، مما يجعل من نفس الاقتراح أمرا غير مؤكد). ولكن إذا صار الأمر كذلك، فعند نقطة ما سوف نحتاج إلى تخفيض المزايا. ولكن لماذا، تحديدا، صار من الأهمية علينا التعامل مع تهديد تخفيضات المزايا المستقبلية من خلال وقف خطط تخفيض الاستحقاقات المقبلة؟
على أي حال، حتى مع كون مسائل الآجال الطويلة حقيقية، فمن الغريب فعلا أنها تتخذ في كثير من الأحيان مركز الصدارة خلال السنوات الأخيرة. فما زلنا، بعد كل شيء، نعيش في أعقاب الأزمة المالية التي تحدث مرة واحدة كل 3 أجيال. ويبدو أن الأميركيين، في نهاية المطاف، يتجهون إلى التعافي منها - مع أن تأثيرات بولز - سيمبسون العظيمة كان لها نفوذ عميق في الوقت الذي كان الاقتصاد الأميركي لا يزال قابعا في ركوده العميق.
ولم تقترب أوروبا من حالة التعافي التام بأية حال، وهناك أدلة قاطعة على أن السبب وراء تلك الكارثة المستمرة هناك، هي سياسات التقشف المتبعة. فمن أين تأتي تلك الرغبة في تغيير الموضوع إلى الإصلاح الهيكلي؟ والإجابة، كما اقترحها، هي الكسل الفكري ونقص الشجاعة الأدبية.
نبذة حول الكسل: يعرف كثير من الناس ما قاله جون ماينارد كينز حول المدى الطويل، ولكن قلة منهم تدرك سياق كلامه. وإليكم ما قاله بالفعل: «إن ذلك المدى الطويل ما هو إلا دليل مضلل للقضايا الراهنة. فعلى المدى الطويل سوف نكون جميعنا أمواتا، حيث يربط الاقتصاديون أنفسهم بمهمة سهلة للغاية وغير مفيدة بالمرة، إذ إنهم يقولون لك أثناء المواسم العاصفة إنه بعد مرور تلك العواصف فسوف يعود المحيط هادئا مرة أخرى». تماما، وكما يبدو الأمر في كثير من الأحيان، أو كما يبدو الأمر من ناحيتي، فإن الناس الذين يصرون على عدم أهمية قضايا التقشف والتحفيز، هم من يحاولون تجنب التفكير بعمق حول طبيعة الكارثة الاقتصادية التي غلبت على معظم أنحاء العالم.
كما أنهم يحاولون كذلك تجنب اتخاذ موقف معين يعرضهم للهجوم، فإن مناقشة السياسات النقدية والمالية قصيرة الأجل، هي مناقشة محفوفة بالمخاطر السياسية. وإذا عارضت سياسة التقشف وإسناد التوسع النقدي سوف تتعرض لانتقادات لاذعة من قبل تيار اليمين، وإذا اتجهت عكس التيار فسوف تتعرض لانتقادات وربما سخرية اليسار. إنني أتفهم سبب التنحي عن الخوض في المناقشات برمتها وإعلان أن القضايا المهمة بحق تنطوي على الآجال الطويلة من الحل. ولكن في حين أن الناس الذين يقولون مثل تلك الأشياء يفضلون المواجهة بمنتهى الشجاعة والمسؤولية، فإنهم يتملصون فعليا من الأمور العسيرة - مما يعني، التهيب والتنصل من المسؤولية. وهذا يعود بي مجددا إلى ميزانية الرئيس الجديدة.
غني عن القول إن مقترحات الرئيس أوباما المالية، مثل كل شيء آخر، سوف تواجه الهجمات من قبل الجمهوريين. والرئيس نفسه، مع ذلك، على يقين من مواجهة انتقادات تيار الوسط ذاتي الإعلان ليتهموه بالتنصل غير المسؤول من مكافحة العجز طويل المدى في الميزانية.
في البيئة الاقتصادية والسياسية الراهنة، فإن مسألة الآجال الطويلة هي من قبيل التجنب والمراوغة، أي وسيلة للهروب من المواجهة الفعلية للمشكلات. ومن المثير للذاكرة حقا أن نرى إشارات على استعداد السيد أوباما لكسر حلقة الآجال الطويلة المفرغة والتركيز على الوضع الراهن والوقت الحالي. نقلا عن الشرق الأوسط
* خدمة {نيويورك تايمز}