المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
يورغن هابرماز
يورغن هابرماز

السياسة الألمانية - الأوروبية وراء أزمة اليونان

الأربعاء 01/يوليو/2015 - 01:28 م

أظهرت الانتخابات اليونانية ميل غالبية واسعة من اليونانيين إلى المحاماة عن أنفسهم في وجه العسر الاجتماعي المهين والمضني الناجم عن سياسات التقشف التي فرضها الخارج على بلدهم. واستقوت الحكومة اليونانية بالاقتراع الديموقراطي، وسعت إلى تغيير سياسة منطقة اليورو. لكنها اصطدمت بممثلي 18 حكومة أوروبية تسوغ رفضها التغيير بالتفويض الديموقراطي الذي حازته كل منها. وأدرك الرأي العام الأوروبي ما ينقص منطقة اليورو: القدرة على استشراف ما يبلور إرادة سياسية مشتركة بين المواطنين ترسي أسساً سياسية في قلب أوروبا. لكن الغشاء الذي يحجب هذا النقص السياسي في المؤسسات الأوروبية لم يتبدد تبدداً كاملاً بَعد. والانتخابات اليونانية عرقلت الأولية البروكسيلية أو نهج بروكسيل: فالمواطنون (وليس التكنوقراط) رأوا أن الحاجة تمس إلى سياسة أوروبية بديلة، في وقت لا يحتكم ممثلو حكومات أخرى إلى الشعب في القرارات الأوروبية، ويعولون على وسائل تكنوقرطية.

ومردُ تعذر بلوغ المفاوضات في بروكسيل تسوية تقوم على المساومة هو اعتبار الطرفين أن عقم المحادثات بينهما ليس وليد شوائب بنيان الإجراءات الأوروبية والمؤسسات، بل موقف الآخر السيئ. ولا شك في أن لب المشكلة هو التصلب في المواقف والتمسك بسياسة التقشف التي غالباً ما توجه إليها سهام النقد في الأوساط العلمية الدولية. وهذه السياسة عادت على اليونان بنتائج قاسية ومدمرة. والخلاف هو بين من يريد تغيير سياسة التقشف وبين من يرفض التغيير، ولا يرى فائدة من المفاوضات السياسية. وسلط النزاع الضوء على افتراق موقفين غير متكافئين.

ورفض المفاوضات السياسية صادم ومخز. وليس وراء إخفاق التسوية خلاف على منح أثينا قدراً أكبر أو أقل من البلايين (الأموال)، أو الإخلال بمواصفات أو بنود، بل مطالبة اليونانيين بالسماح لهم- وهم تتحكم في مقدراتهم نخب فاسدة- ولاقتصاد بلادهم ببداية جديدة عبر إلغاء شطر من ديونهم أو تأجيل سداد الديون إلى موعد يتيح لهم استئناف النمو. ولكنّ الدائنين لم يكفوا عن المطالبة بسداد جبل من الديون.

ولا يخفى أن لا مفر، في الأمد القريب أو البعيد، من إلغاء شطر من ديون اليونان. ولكنّ الدائنين على موقفهم، ويطالبون بصدوع أثينا بسداد ديون ثقيلة. وإلى اليوم يتعذر صوغ اتفاق- هو العالم الحاسم في مصير الاتحاد الأوروبي - بسبب تمسك الدائنين بوهم عبثي. ولا شك في أن ثمة دواعي سياسية تسوغ تمسك «الدول الدائنة» بهذا الوهم، وإرجاء حل بغيض (الطلاق). فهم يخشون ارتدادات هذا القرار في «الدول المدينة». وقد تخسر المستشارة الألمانية، أنغيلا مركل، الغالبية في البونتدستاغ إذا أقدمت على مثل هذا القرار. ولكن حين تُلتزم سياسات غير مثمرة وفي غير محلها، يضطر أصحابها، عاجلاً أم آجلاً، إلى مراجعتها.

ولا تبرر مثل هذه الظروف العسيرة عرقلة الحكومة اليونانية مساعي المتعاطفين معها. وهي لم تسع إلى إنشاء تحالف يؤيدها، ويتساءل المراقب إذا ما كان شاغل القوميين اليساريين التمسك بلحمة إتنية متقوقعة، أو إذا ما كانت رؤيتهم تتخطى إطار الدولة – الأمة إلى جماعة إتنية أوسع (الأرثوذكسية). والمطالبة بإلغاء جزئي للديون، وهي ركن مفاوضاتهم، لا تطمئن الطرف الآخر، في وقت يخشى أن يولي ثقته حكومة جديدة قد تحتذي على سابقتها الفاسدة، ولا تكافح الزبائنية.

 أخطاء «سيريزا»

وكان في وسع ألكسيس تسيبراس وحزبه «سيريزا» إعداد برنامج إصلاح اقتصادي تلتزمه حكومة يسارية وإحراج مفاوضيه الأوروبيين في بروكسيل وبرلين. ووَصف أمارتيا سن سياسة التقشف التي تفرضها الحكومة الألمانية بدواء هو مزيج مضادات حيوية سامة وسُم جرذان. وكان في إمكان حكومة يسارية المبادرة إلى نقد كينزي لخلطة مركيل واستبعاد كل طلب نيوليبرالي. وفي الوقت نفسه، كان في مقدور تسيبراس تعزيز صدقية مبادرته إلى عملية تحديث الدولة والاقتصاد، وتوزيع عادل للأثقال والأكلاف، ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي. ولكن عوض الإقدام على هذه الخطوات، خاض تسيبراس حرباً أخلاقية تقتصر على إلقاء لائمة الأزمة على الآخرين. فبوسع الحكومة الألمانية الاستخفاف بشكوى اليونان- وهي شكوى في محلها- من السياسة الجائرة لحكومة المستشار الألماني هلموت كول في مطلع التسعينات (التوسل بقوة المارك الألماني وزيادة قيمته لإضعاف قيمة العملات الأوروبية الأخرى وحمل الأوروبيين على تكبد ثمن توحيد ألمانيا). وأداء الحكومة اليونانية الضعيف لا يخفف من الفضيحة: رفضُ السياسيين في بروكسيل وبرلين أداء دور رجال الدولة حين يلتقون بنظرائهم اليونانيين. فلسان حالهم اقتصادي، وحين يتكلمون يرطنون بلغة الدائنين. وهم يسعون إلى نزع الطابع السياسي عن إعلان اليونان دولة عاجزة عن سداد ديونها وكأنهم يريدون ملاحقتها أمام محاكم الحق الخاص، وإنكار المسؤولية السياسية المشتركة عما آلت إليه الأمور. وعودة رجال الدولة إلى دورهم وترك دور رجال المال والأعمال يضطرانهم إلى تحمل مسؤولية الإخفاق الذي دمر حيوات كثيرة وولد بؤساً اجتماعياً وخيبة وإحباطاً.

 تعنت أوروبي- دولي

وفي سبيل إنجاز عمليات الإنقاذ المالي الملتبسة، بادرت أنغيلا مركل إلى إشراك صندوق النقد الدولي فيها، وحملته على ركوب مركبها. وهذه المؤسسة (صندوق النقد...) تساهم في تقويم عثرات النظام المالي الدولي، إذ تضمن الاستقرار وتخدم مصالح هيئات الاستثمار الراسخة. ولكن حين انضمت إلى «الترويكا» الأوروبية، تحالفت مع المؤسسات الأوروبية، ودعمت مصالحها.

ويفسر حل السياسة في آلية السوق وقاحة ممثلي الحكومة الألمانية حين ينكرون مسؤوليتهم السياسية عن النتائج الاجتماعية الكارثية التي ترتبت على فرضهم برنامجاً اقتصادياً نيوليبرالياً. وتدين ألمانيا ببروزها الاقتصادي إلى كرم الأمم الدائنة التي ألغت حوالى نصف ديونها في مؤتمر لندن في 1954. ولا يحق للنخب السياسية الأوروبية التلطي وراء الناخبين والتهرب من حلول بديلة قد تضطرنا إليها شراكة نقدية لم تحصنها ضمانات سياسية كافية. والكلمة الفصل في مصير الأوروبيين تعود إلى المواطنين وليس إلى المصرفيين. والرخاوة الما بعد ديموقراطية في أوساط الرأي العام مردها كذلك إلى تقاعس إعلامي، وإلى انزلاق صحافة إلى التحالف مع الطبقة السياسية من غير أن تشغلها مصلحة زبائنها.

نقلاً عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟