المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الشراكة الاستراتيجية ... المضمون والمستقبل!

الثلاثاء 22/سبتمبر/2015 - 10:50 ص

 

اكتسب موضوع «الشراكة الاستراتيجية» مدلولاً جديداً في العلاقات بين بعض الدول وهي تعكس درجة عالية من التفاهم السياسي والتوافق العام تجاه القضايا الدولية والإقليمية، إنها مرحلة أقل من «حليف» ولكنها أكبر من «صديق» وهي ليست تعبيراً قانونياً بمقدار ما لها من مدلول سياسي، وكثيراً ما سمعنا عن «حوار استراتيجي» مؤجل بين «القاهرة» و «واشنطن» ولعل الذي دفعني إلى الدخول في هذا الموضوع هو ما تردد عن إعلان «شراكة استراتيجية» بين «الرياض» و «واشنطن» في أعقاب زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان بن عبدالعزيز» لـ «الولايات المتحدة الأميركية» ومحادثاته مع الرئيس الأميركي «باراك أوباما» وقيادات الإدارة الأميركية، سواء في وزارة الخارجية أو في وزارة الدفاع «البنتاغون» أو بعض أعضاء «الكونغرس» الأميركي بمجلسيه، ولا شك في أن الزيارة كانت شديدة الأهمية بسبب التوقيت الذي جرت فيه، حيث الأحداث الساخنة في «الشرق الأوسط»، خصوصاً في جنوب «الجزيرة العربية» وفي «سورية» و «العراق» و «ليبيا» وغيرها من النقاط الملتهبة في المنطقة، وقد عبر العاهل السعودي عن وجهة النظر العربية بصورة تدعو إلى المقارنة بين ذلك اللقاء ولقاء آخر أجري عام 1945 بين الملك «عبدالعزيز الكبير» مؤسس «المملكة» وموحد أطرافها وبين الرئيس الأميركي «روزفلت» فيما نطلق عليه «ديبلوماسية البحيرات المرة»، ولا شك في أن الاتفاق النووي بين «طهران» و «واشنطن» قد كان حاضراً بقوة على مائدة المحادثات وتطوع الأميركيون بتقديم تطمينات قوية للجانب العربي مع وعود بضمانات عسكرية وسياسية تعتبر «الشراكة الاستراتيجية» تتويجاً لها، والذي يهمني هنا في معرض الحديث عن العلاقات العربية الأميركية عموماً أن أطرح النقاط الآتية:

أولاً: تضرب العلاقات العربية - الأميركية بجذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما بدأت أفواج الهجرة من «الشام»، خصوصاً من بين «المسيحيين العرب» ويأخذون المخاطرة ويعبرون المحيط إلى العالم الجديد طلباً للرزق والحرية معاً وهروباً من سطوة «الحكم العثماني» و «القلاقل» المستمرة في المنطقة، وقد استقبلت الأرض الجديدة «العرب» المقبلين إليها مثل غيرهم من مهاجري العالم واحتوتهم في بوتقة «الولايات المتحدة الأميركية»، ثم جاءت الالتفاتة الأميركية الثانية للمنطقة مع ظهور «النفط» بعد نهاية «الحرب العالمية الأولى» وإعلان الرئيس الأميركي «ويلسون» مبادئه الشهيرة حين تصور الجميع أن «الولايات المتحدة الأميركية» هي حامية الحريات وزعيمة العالم الحر، فكان ظهور «النفط» في «الجزيرة العربية» فاتحاً الشهية الأميركية في الاهتمام بالمنطقة ونشأت شركة «آرامكو» رمزاً للوجود الأميركي في حقول النفط السعودية مع عشرينات القرن الماضي، وفي ظل حكم الملك القوي «عبدالعزيز آل سعود»، ثم جاءت المرحلة الثالثة من الاهتمام الأميركي بالمنطقة مع تزايد «المد الصهيوني» في «فلسطين» مُذ باركت «واشنطن» قرار التقسيم إلى أن بدأت المواجهة بين وزير الخارجية الأميركي «جون فوستر دالاس» والرئيس المصري «جمال عبدالناصر»، على رغم أن الثورة المصرية عام 1952 كانت تلقى دعماً سياسياً من «واشنطن» في البداية لأنها كانت تريد أن تتخلص من بعض الأنظمة القديمة الموالية لـ «الغرب الأوروبي» حتى تستعين هي بنظم جديدة موالية لـ «واشنطن» مباشرة لذلك تزايد الاهتمام الأميركي بـ «الدولة العبرية» حتى كانت حرب 1967 هي قمة الدعم الأميركي لـ «إسرائيل»، وظلت «واشنطن» تلعب دور من يحمي «إسرائيل» في كل الأوقات ويمنع عنها أي انتقاد خارجي أو إدانة، على رغم خروجها عن الشرعية الدولية وانتهاكها قرارات «الأمم المتحدة» كافة.

ثانياً: لقد حرصت «الولايات المتحدة الأميركية» على أن تكون حامية منابع «النفط» منذ البداية مع استعداد مستمر لضمان أمن «دول الخليج» في مواجهة أي عدوان داخلي أو خارجي، سواء كان ذلك من «إيران الخميني» أو من نظام «صدام حسين» في «العراق»، وقد اقتنعت «واشنطن» دائماً بأن «المملكة العربية السعودية» بالنسبة لها هي حليف عاقل واتسمت العلاقات بين «الرياض» و «واشنطن» بالتوازن والاحترام المتبادل لعقود عدة، ولكن ظلت ممارسات «إسرائيل» العدوانية التوسعية مصدراً ينغص على تلك العلاقات صفاءها ودفئها وقد اتخذت «المملكة العربية السعودية» تقليداً سياسياً واضحاً منذ أيام الملك «عبدالعزيز» يقوم على إدانة الحركة الصهيونية وممارسات «إسرائيل» العنصرية بداية من لقاء الملك الموحد «عبدالعزيز الكبير»، والرئيس الأميركي «روزفلت» في ختام «الحرب العالمية الثانية» حتى الآن ولم تقم «المملكة العربية السعودية» على الإطلاق بقبول أية تنازلات تجاه «إسرائيل» إلى أن جاءت المبادرة العربية التي قدمها العاهل السعودي الراحل الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» لكي تكون مساهمة فعالة نحو التسوية الشاملة والعادلة في الشرق الأوسط، لكن تعنت «إسرائيل» حال دون تحقيق أهداف تلك المبادرة المتوازنة.

ثالثاً: إن المشكلة الحقيقية في علاقات «العرب» عموماً بـ «الغرب» و «الولايات المتحدة الأميركية» خصوصاً، هي أن «إسرائيل» تبدو دائماً الطرف الثالث في تلك العلاقة، ولعلي أجازف هنا قائلًا أن «واشنطن» ترى المنطقة العربية، بل و «الشرق الأوسط» كله من خلال «منظار إسرائيلي» لا تخرج عنه ولا تحيد، والذين قالوا: أن «إسرائيل» هي الولاية الحادية والخمسون من «الولايات المتحدة الأميركية» لم يكونوا مبالغين، فأنا أظن أن «إسرائيل» هي التي تحدد الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وهي التي رفضت إسقاط نظام «صدام حسين» بعد الغزو العراقي لـ «الكويت» حتى يبقى فزاعة لمنطقة «الخليج» وحتى تتمكن «الولايات المتحدة الأميركية» من ضرب البنية التحتية العسكرية والاقتصادية للدولة العراقية، وهو مطلب إسرائيلي متوقع، كذلك فإن «إسرائيل» لا تبدو بعيدة من التطورات المأسوية في «سورية». وعلى رغم أنني أرفض التفسير التآمري إلا أنني أدرك جيداً أن «إسرائيل» هي العقل المدبر الذي يقف وراء معظم كوارث المنطقة، وكل ذلك يتم تحت سمع العالم وبصره من دون إدانة لها أو عقوبات عليها ويكفي أن نتأمل ما تقوم به «إسرائيل» حالياً في حرم «المسجد الأقصى».

رابعاً: عندما اندلعت «ثورات الربيع العربي» توهم الجميع أنها بداية خير لقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية ورعاية حقوق الإنسان، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد قفزت فوقها قوى سياسية معينة وجماعات بذاتها وتفتحت شهية بعض المؤسسات لحيازة الحكم وإدارة البلاد، فكان تأثير «ثورات الربيع العربي» في الوضع العام في المنطقة سلبياً، وضربت الفوضى أطنابها في معظم دول الربيع العربي حتى دخل بعضها في نفق مظلم يؤدي إلى نتائج كارثية مثلما هو الوضع في «سورية» و «ليبيا» وربما «اليمن» أيضاً، ونحن نظن أن «ثورات الربيع العربي» التي كانت تعبيراً عن مطالب شعبية صادقة قد ساعدت في الوقت ذاته «واشنطن» للوصول إلى مرحلة «الفوضى الخلاقة» التي تحدثت عنها «كوندليزا رايس» وزيرة الخارجية الأميركية من قبل في محاولة لإعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة العربية، والتي ارتبطت بتوقيع الاتفاق النووي مع «إيران» حيث لا تمانع «واشنطن» في تحولها إلى «شرطي الخليج» من جديد ليصبح «الملالي» بديلًا لـ «الشاه» الراحل، إذ تنظر «واشنطن» أحياناً إلى الدول العربية باعتبارها صديقاً طيعاً عند اللزوم وهو أمر قد لا يستمر طويلاً، إذ إن وضع «العرب» بين مطرقة «الإرهاب» وسندان السياسة الغربية الخبيثة سيزيد الأمر اشتعالاً ويؤدي إلى مزيد من القلاقل الداخلية وسيشارك «الغرب» في دفع «الفاتورة» شاء أو أبى لأن «الإرهاب» لا يعرف حدوداً وليس له وطن أو دين، كما تمر المنطقة العربية حالياً بمخاض سياسي وتغييرات جذرية يصعب التنبؤ بنتائجها.

خامساً: إن الحضور الروسي في المنطقة العربية وعودته من البوابة المصرية وتأثيره المتزايد في القضية السورية أمر يحمل دلالات جديدة، حتى إن علاقات «الرياض» و «موسكو» أضحت في تصاعد ملحوظ، خصوصاً بعد زيارة الأمير «محمد بن سلمان» ولي ولي العهد ومحادثاته مع الرئيس الروسي «بوتين» واضعين في الاعتبار أن «المملكة العربية السعودية» و «جمهورية مصر العربية» لا تستبدلان الصداقة الروسية بالعلاقة الاستراتيجية مع «الولايات المتحدة الأميركية» وهو أمر يحرص عليه كل الأطراف، على رغم المشكلات والتحديات، إذ إن التوازن الاستراتيجي في المنطقة يعتبر عملية معقدة في ظل الثلاثي «غير العربي» في المنطقة وهو «إسرائيل» و «تركيا» و «إيران»، ومحاولته خنق الوجود العربي في المنطقة إلى حد قبول التعامل مع بعض الموجات الإرهابية، بل وتمويلها وتقديم تسهيلات «لوجيستية» لها ما دام ذلك يتماشى مع هدفها النهائي في إضعاف العرب واستنزاف مواردهم البشرية والطبيعية وإنهاك قواتهم المسلحة وأمنهم الداخلي، لأن إضعاف الخصم - من وجهة نظرها - هو هدف استراتيجي لتلك الدول.

إن تصورنا لــ «الشراكة الاستراتيحية» من حيث المضمون والمستقبل لا ينفصل عن السياق العام للأحداث الجارية في المنطقة ونحن نرحب بـ «الشراكة الاستراتيجية» ما دامت تقوم على الندية والاحترام المتبادل والفهم العميق من كل طرف لخيارات الطرف الآخر.

نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟