المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د.مامون فندى
د.مامون فندى

مصارحة شكلية مع الرئيس

الأربعاء 21/يناير/2015 - 11:18 ص

هناك فجوة لا تخطئها عين مراقب بين ما يتفوه به الرئيس وبين ما يتحدث به معاونوه من التنفيذيين والوزراء، فهل يمكن ان نصارح الرئيس ويصارحنا؟ لماذا؟ وكيف يمكن تجسير هذه الهوة السحيقة بين لغتين مختلفتين ربما تلك الهوة هى السبب فى بطء التنفيذ رغم إصرار الرئيس على إنجاح تجربته. ومن المسئول شكليا عن إيجاد حالة ضبابية لا تتضح معها لا الأدوار ولا المسئوليات ليس فى قطاع الدولة فقط بل فى المجتمع بأسره. أتيحت لى فرصة الاستماع المباشر فى ابوظبى للرئيس عبد الفتاح السيسى وهو يقول إن الهدف الاستراتيجى لفترة ولايته هو «حماية الدولة المصرية» واستطرد فى شرحه، وهذا هدف يوحى بأننا امام رجل يعرف أن يفرق بين الهدف الاستراتيجى والمراحل التكتيكية للوصول الى الهدف، وشرح الرئيس السيسى لعدد من الصحافيين الجالسين على جانبيه الأهداف الأربعة من زياراته الخارجية الخمسة لإيطاليا وفرنسا والصين والكويت والامارات بعقل منظم بكلام غير مكتوب لم اسمعه من رئيس مصرى قبله، اذ قال: ان الهدف الاول هو شرح مصر الجديدة للعالم والثانى هو إغراء الدول بالشراكة والمشاركة فى مؤتمر الاستثمار فى مصر الذى سيعقد فى مارس فى شرم الشيخ وثالثا الترويج للسياحة ورابعا الشراكات الاستراتيجية والأمنية.

وقبل ان افتح موضوع مصارحة الرئيس دعنى اعلق على شكل لقاء الرئيس بالصحافيين الذين كانوا فى رفقته والذى حضرته بالصدفة حيث كنت مدعوا لذات المؤتمر فى ابوظبى بدعوة كريمة من صاحب السمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الامارات.

أولا من حيث الشكل جلس الصحافيون ولم يتحدث اليهم احد حول قواعد اللقاء ، هل كله للنشر أم جزء منه، هل هو لقاء off the record أم on the record وكانت هناك كاميرا تصور ولم يعرف احد هل هذه كاميرا توثيق من الرئاسة أم انها تنتمى لتليفزيون الدولة ام تليفزيون خاص الى اخره، ولم يكن فى اللقاء فقط صحافيون بل كان هناك ما لكو القنوات مما يخلط بين الملكية والتحرير وهذه سابقه لم نعرفها من قبل فى اى مكان فى العالم. النقطة هنا هى غياب الاحتراف فى تحديد قواعد اللقاء . تحدثت واحدة من الصحافيات بإسهاب مع الرئيس فى موضوع لايصب فيما طرحه الرئيس كجملة افتتاحية. ومع ذلك لسؤالها وجاهته لو كان مع وزير لا مع رئيس دولة. ثم طلب صحافى اخر ان يقوم صحفى اكبر سنا وخبرة بإدارة الحوار، ولا تحفظ لدى ولكن الفكرة هى ان قواعد اللقاء كانت عفوية وفى اللحظة مما يوحى بسوء تنظيم أدى بلقاء مهم مع الرئيس ان يفشل بامتياز لدرجة انه طال وتحدث احد الوزراء بإسهاب وكأنه فى ديوان وزارته حتى جرأ الوزير المضيف والمرافق للرئيس ليقول ان الرئيس لديه موعد اخر مع سمو الشيخ محمد بن زايد وانه سيسافر بعدها، وخرج الرئيس بعدها مباشرة. ضاع الوقت بين وزراء يتحدثون فى تفريعات يمكن قولها فى اى مكان اخر وبين صحافيين يقدمون توصيات سياسية للرئيس وإجابات لا أسئلة . بصراحة كان تنظيم اللقاء لا يليق لا برئيس مصر ولا بوقته.  وهذه بداية المصارحة لو مرت أو ( عدت كما يقولون بالبلدى ) قد استطيع ان اكون اكثر صراحة فى المضمون. ولكنى وتوخيا للحذر سأستمر فى هذا المقال فى الحديث عن الشكل الذى قد يكشف شيئا عن المضمون  وكما ذكرت لو مر نقد الشكل قد اتحدث فى مقال آخر فى نقد المضمون.

بداية، تواصل الرئيس السيسى مع الاعلاميين بأسمائهم الاولى بتواضع جم وأريحية مما أعطى فى تصورى بعض الصحافيين انطباعا وهميا بأنهم شركاء فى صناعة السياسات ونسوا دورهم فى أنهم ينوبون عن المواطن فى طرح الأسئلة التى يبحث الناس لها عن إجابة. هذا التواصل المهذب هو مثال على ان المقاصد النبيلة تأتى احيانا بعكس المرجو منها فبدلا من وضوح الأدوار وتحديدها بين دور الصحافى ودور السياسى عمت حالة من الضبابية على مسئولية الطرفين، وهذه وصفة  بلبلة لا وصفة نجاح. وظيفة الصحفى هى توصيل المعلومة .تحدث الرئيس إلى الاعلاميين على انهم شركاء فى بناء إجماع وطنى وأنهم الأسمنت الذى يؤدى الى تلاحم الكتلة المصرية من اجل المستقبل لتحقيق أجندة الرئيس السياسية، وهنا علينا ان نصارح الرئيس بأن هذا الطرح يكشف عن خطأ جوهرى فى ادارة المرحلة القادمة ودور الاعلام فيها. أولا بناء كتلة حرجة من المصريين تدعم التوجه الاستراتيجى للرئيس ليس وظيفة الاعلام بل من صميم السياسة وهناك مائة طريقة لبناء هذه الكتله قد يكون للإعلام دور فيها ولكن دوره لا يزيد على الشرح والتفسير ولا نزيد نسبته على 10% من العمل المطلوب سياسيا لا إعلاميا .

واضح أن هناك من أعطى الرئيس فكرة مبالغا فيها عن دور الاعلام وقدرته على التأثير فى المجتمع بعد ثورتى يناير ويونيو، وهنا لا اعنى بمن أعطى فكرة للرئيس بمعنى شخص أو مؤسسة رغم انه وارد ولكن وارد ايضا ان الفكرة المغلوطة هذه تبلورت نتيجة لان الاعلام وفى غياب برلمان أخذ دور البرلمان وفى غياب سياسات واضحة نصب الاعلام نفسه صانع سياسات وناقدا لها فى ذات الوقت وهذا الظرف الاستثنائى ربما خلق فى ذهن الرئيس هذا الدور المبالغ فيه لأهمية الاعلام استمرارا لنقد الشكل كان وجود ملاك القنوات يوحى بأن الاعلام المصاحب للرئيس هو اعلام رجال الاعمال باستثناء الصحف القومية المتمثلة فى الاهرام والأخبار والجمهورية وحتى هذه الصحف لها ارتباطات مع اعلام رجال الاعمال من حيث ان الصحافى اما يعمل معدا للبرامج او مذيعا ليحسن دخله. إذن يمكن تلخيص مبالغة الرئيس فى دور الأعلام على انها ايضا مبالغة فى دور رجال الاعمال.

 

رجال الاعمال لا يفعلون شيئا دون مقابل، فعندما يذهبون بطائراتهم الخاصة مع الرئيس فهذا ليس لمصر بل لجيوبهم، وعندما يركب الصحافى فى طائرة خاصة لابد انه يعرف ما الثمن المطلوب ضمنيا. هذا فى نقد الشكل اما المضمون فله مصارحة فى مقال خاص.

اما زيارات الرئيس الخمس ونشاطه فى الترويج لمصر وحديثه كلها توحى باطمئنان اننا مع حالة رئيس فاهم جداً ولكن الأمور حوله تدار بطريقة هواة ينقصها الكثير لترقى الى مستوى فكر الرجل. اعرف ان هذا سيكسبنى عداوات مع تنفيذيين بهم الكثير من المكر والدسائس ولكن لا مصالح لى عند أحد، فقط اتمنى لتجربة الرئيس السيسى التى وصفها بانها مرحلة انتقالية لإنقاذ مصر كل النجاح، فجميعنا فى ذات المركب. سيدى الرئيس لكى تنجح التجربة مطلوب إرساء قواعد واضحة للعمل بشكل احترافى وليس الترتيب فى التو واللحظة كما رأينا فى اللقاء الصحفى فى ابوظبى. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟