المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. آيات عبد الرحيم سيد عبد الرحمن
د. آيات عبد الرحيم سيد عبد الرحمن

مركزية القضية الفلسطينية والبعد الديني

الخميس 03/يوليو/2025 - 11:54 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

بدايةً، وقبل التطرق إلى البعد الديني للقضية الفلسطينية، لابد أن نعرف أولًا ما هي دولة فلسطين وموقعها الجغرافي؟

يُطلق اسم فلسطين على القسم الجنوبي لبلاد الشام، وهي الأرض الواقعة غربي آسيا، على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، ولفلسطين موقع استراتيجي مهم. إذ تعد صلة الوصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، فكانت نقطة عبور وتقاطع للثقافات والتجارة والسياسة بالإضافة إلى مركزيتها في تاريخ الأديان. وقد سكن الإنسان أرض فلسطين منذ القدم، كما تدل الحفريات والآثار، وشهدت أرضها مراحل التطور الإنساني الأولى في التحول من الرعي إلى الزراعة، كما أن أول مدينة جرى تشييدها في التاريخ هي مدينة "أريحا" الواقعة شمال شرقي فلسطين، وذلك نحو سنة 8000 ق.م حسبما يذكر علماء الآثار، وأقدم أسم معروف لهذه الأرض هو أرض كنعان، لأن أول شعب سكن هذه الأرض هم "الكنعانيون" الذين قدموا من جزيرة العرب نحو2500 ق. م.

القضية الفلسطينية والإسلام

مما لا شك فيه أنه لا انفصال بين القضية الفلسطينية والإسلام. إذا كانت أرض فلسطين إسلامية، وشعبها مسلم، وانتماؤها الحضاري والثقافي إسلامي، وبيئتها الاستراتيجية إسلامية، فمن الطبيعي أن تكون هوية مشروع التحرير إسلامية، ومن يريد إبعاد الإسلام عن مشروع التحرر يقع في ضلال كبير، لأنه سيكون مثل من يسعى إلى فصل الروح عن الجسد أو تجريد الطاقة من القوى الفاعلة، وقد يقول قائل أن كل هذا ينطبق على الجانب العربي، نقوله له أن هذا هو قولنا، فإن هذا الجانب يرتبط بالإسلام من حيث الفتح والانتشار واللغة والتعريب والحضارة، وكان الفاتحون "العرب" مسلمين، وحملوا رسالة الإسلام، وبقيت تحت مظلتها شعوب وقبائل أخرى، تعيش في انفتاح وتفاعل حضاري، تستوعب الجميع في أمة واحدة تحت راية الإسلام، إن هوية فلسطين العربية كانت ولا تزال جزءًا طبيعيًا تتناغم مع هويتها الإسلامية الأوسع.

ومن حيث طبيعة الأرض، نجد أن أرض فلسطين ليست كأي أرض أخرى، إنها أرض مقدسة ومباركة، فهي أرض الأنبياء والمسجد الأقصى، وهي في قلب العالمين الإسلامي والغربي، وهي معروفة على مر التاريخ بأنها أرض الصراع بين الحق والباطل، وفي النهاية تُحسم المعركة لصالح أهل الحق، وأرض فلسطين فتحها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) واكتسبت هويتها الإسلامية منذ أكثر من 1400 سنة، ودخل أهلها في الإسلام، حيث تم تعريب لغتهم، ولذلك كانت في الماضي وقف إسلامي ولا تزال، ولا يجوز لأي أحد التنازل عن أي جزء منها، فهي ملك لجميع المسلمين، وعليهم أن يقدموا أموالهم ودمائهم من أجل تحرير فلسطين، ولا مجال للتلاعب بالحق الكامل في فلسطين، ولا مجال للاعتراف بأي شرعية أو حق للاحتلال على أي جزء منها. كما أن مزاعم الحق التاريخي لليهود تتهافت أمام حق العرب والمسلمين في أرضهم، فأبناء فلسطين عمروا هذه الأرض قبل نحو 1500 عام من إنشاء بني إسرائيل دولتهم (مملكة داود)، لقد حكم بنو إسرائيل أجزاء من فلسطين نحو أربعة قرون، وزال حكمهم كما زال حكم غيرهم من الآشوريين والفرس والفراعنة والإغريق واليونان، بينما ظل شعب فلسطين راسخًا في أرضه، وكان الحكم الإسلامي هو الأطول حيث استمر نحو 1200 عام.

كما أن أرض فلسطين لها مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، فهي أرض مباركة بنص القرآن الكريم، ففيها المسجد الأقصى المبارك، أول قبلة للمسلمين، وثالث المساجد مكانة في الإسلام ويشد إليه الرحال، وفلسطين هي أرض الأنبياء ومبعثهم "عليهم السلام"، وقد اختار الله سبحانه المسجد الأقصى ليكون مسرى رسول الله صل الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومنه كان معراجه إلى السماء، فشرف الله سبحانه هذا المسجد وأرض فلسطين تشريفًا عظيمًا، وعلى ذلك فلا غرو أن تتعلق قلوب المسلمين وأفئدتهم بهذه الأرض المباركة المقدسة ويفدونها بدمائهم وأرواحهم.

كما أثبتت التجربة التاريخية أن تحرير فلسطين مرتبط بالإسلام، منذ عصر الفتوحات الإسلامية إلى الحروب الصليبية ومواجهة التتار حتى عصرنا المعاصر، لقد فشلت الأيديولوجيات المختلفة التي سيطرت على الخطاب العام والسياسة العربية والفلسطينية في تاريخنا الحديث، سواء كانت يسارية أو قومية أو ذات توجهات إقليمية، في قيادة مشروع تحرري حقيقي، وما زلنا ندفع ثمنًا مريرًا للهيمنة الرسمية لهذه الأيديولوجيات. ولا يوجد تعارض بين الجانب العربي والإسلامي، فالعرب الآن بأغلبية ساحقة من المسلمين (حوالي 95%) وما يجمع العرب في الغالب هو دينهم ولغتهم المحفوظة في القرآن وفي التراث الإسلامي، ويمكن النظر إلى مشاريع الوحدة الإسلامية مادامت معبرة عن إرادة الشعوب، ومنفتحة، وغير مبنية على التعصب والعقليات الإقصائية، ولا على ديكتاتورية الأقليات أو الانقلابات العسكرية، ولذلك فإن دوائر العمل من أجل فلسطين، سواء كانت وطنية أو عربية أو إنسانية، هي دوائر متكاملة، ويجب تفعيل عناصرها الإيجابية في مشاريع النهضة والتحرير.

أولًا، الحل الإسلامي ليس طائفيًا أو عنصريًا، ولا يعني ظلم الأقليات أو تهميشها، ولا يعني الإكراه في الدين، بل هو مشروع نهضوي حضاري يتسم بالانفتاح والمرونة، ويستوعب كافة الشرائح والقوى. ثانيًا، مادام الإسلام هو القاسم المشترك الديني والثقافي الأساسي بين الشعب الفلسطيني والعرب والأمة التي يتجاوز عددهم 1.8 مليار نسمة، ومادام هو القاسم المشترك الأكبر بين الجميع، فلماذا يتم استبعاده لصالح أيديولوجيات لا تجمع نصف أو أرباع أو أعشار ما يفعله الإسلام؟  ثالثًا، لماذا يتم الاستغناء عن أعظم قوة دافعة وموحدة للتحرر لصالح أيديولوجيات فشلت في استخراج طاقة الأمة وحيويتها الهائلة على مدى السبعين عامًا الماضية، وحتى من الناحية العملية والبراغماتية، فمن المفترض أن يفسح أصحاب الأيديولوجيات المختلفة المجال للإسلام والمسلمين، طالما كان هذا الخيار أفضل لمشروع التحرير، كما يجب على أبناء التيار الإسلامي، ألا يترددوا أو يخجلوا من تقديم رؤيتهم الإسلامية بقوة، وعليهم أن يطبقوا هذه الرؤية على المشروع الوطني الفلسطيني مع إدراكهم أن الحديث عن الشراكة الوطنية لا يعطيهم العذر لعدم تقديمه. كما تحاول إسرائيل أيضًا توظيف أيديولوجيات ورموز لخدمة أهدافها.

توظيف الرموز لخدمة أهداف إسرائيل السياسية

المتأمل في مسألة توظيف أنظمة الرموز والعلامات يجد أن أخطر أشكال هذا التوظيف عندما يتأسس على بنية أيديولوجية استبدادية، حيث يمكن إعادة تدوير أو تكييف الرموز القديمة لتخدم بعض الأهداف السياسية، وتبرير أيديولوجيات ذات طابع قهري، كما تستخدم هذه الرموز كأسلحة في النزاعات السياسية والاقتصادية، والتحريض على الفعل، وما إلى ذلك. وبالمثل فإن استغلال الصور والرموز وتوظيفها على نحو ما يخدم أهدافًا سياسية استعمارية، مثل استخدام مصطلح "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" وليس "الاحتلال" كعلامة أو تصوير لما يحدث من احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية- وهو الاحتلال المدعوم من الغرب الرأسمالي، وفي الوقت نفسه يتم تبرير دولة الأبارتهايد (التي تقوم على نظام الفصل العنصري)، وتجاهل حقوق الفلسطينيين في سياق الحديث عن قضيتهم الدولية العادلة. من خلال ذلك نجد أن إسرائيل تستخدم الرموز والعلامات لترسيخ أفكار معينة وتزييف أخرى، وتوظيفها لأغراض استعمارية سياسية، فالقضية الفلسطينية قضية سياسية في المقام الأول، مهما حاولت إسرائيل اظهارها بأنها قضية صراع ونزاع على الأرض تنطلق من البعد الديني فحسب.

مركزية القضية الفلسطينية: عندما يتعلق الأمر بقضايا التحرر والصراع مع أعداء الأمة، فإن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة الإسلامية، ليس فقط لمكانتها الدينية والاستراتيجية، وإنما لكون المشروع الصهيوني مشروعًا عالميًا عدوانيًا يتخذ من فلسطين قاعدة لإضعاف الأمة وتمزيقها ومنع نهضتها، ومن ناحية أخرى، فإن قضية فلسطين هي القضية الجامعة التي يتوحد عليها العرب والمسلمون ويجتمعون على نصرتها مهما كانت خلافاتهم. كما أن قضية فلسطين هي البوصلة، لأنها تعيد توجيه بوصلة الأمة ضد عدوها المركزي المشترك، بعيدا عن الخلافات العرقية والطائفية والقومية، وقضية فلسطين هي الرافعة لأن تحريرها مرتبط بالأمة ونهضتها، وتحقيق تقدمها الحضاري، ولأن نموذج الصمود والمقاومة في فلسطين يُمثل حالة إلهام وقوة دفع كبرى للأمة، ولأنها رافعة، في عيون الأمة لمن يدعمها ويؤازرها ويجاهد لتحريرها، وهي في المقابل قضية كاشفة خافضة لمن يخذلها، ففي الصراع على الأراضي الفلسطينية يُعرف الصادق وينكشف المتخاذل ويسقط في عين الأمة المنافق والعميل والعدو.

كما أن القضية الفلسطينية ذات أبعاد إنسانية كبرى، إذ تمثل صرخة المظلوم في وجه أدعياء حقوق الإنسان، وتكشف المعايير المزدوجة للنظام الدولي، ووجود الكيان الصهيوني في فلسطين، قلب العالم الإسلامي، وحشده لأسلحة الدمار الشامل، والدعم الأمريكي الغربي غير المحدود له، سوف يظل الفتيل المشتعل الذي يهدد السلام العالمي بالانفجار، إن الحركة الصهيونية واحتلالها لفلسطين هي النموذج المتبقي للاستعمار التقليدي الغربي الذي زال عن معظم أرجاء العالم، ولابد أن يزول عاجلًا أم آجلًا عن فلسطين، فمهمة تحرير فلسطين هي مهمة إنسانية وحضارية يجب أن تشارك فيها شعوب الأرض.

المصادر والمراجع:

1.         Mohsen Saleh: Illusions In The Palestinian Politics, Al- Zaytouna Centre For Studies & Consultations, Beirut, 2022.

2.      محسن صالح: حقائق وثوابت في القضية الفلسطينية (الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية)، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2020.

3.      محسن صالح: القضية الفلسطينية "خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة" مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2012.

4.      حمدي الشريف: الرمزية السياسية "مفهوم الرمز ووظيفته في الفكر السياسي"، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2023.


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟