المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د.مامون فندى
د.مامون فندى

نحو خيال استراتيجى مصرى جديد

الأربعاء 26/مارس/2014 - 10:31 ص
بمناسبة القمة العربية المنعقدة فى الكويت أدعو الى خيال استراتيجى جديد للعالم العربى أو بمعنى آخر أدعو الى قومية عربية ناقصة، أى مشروع قومى عربى دون الخرافات والزخارف التى اسقطتها كمشروع عندما فشلت فى أخذ خصوصية الدولة الوطنية فى الاعتبار وتجاوزت الأعراف الدولية.
أدعو الى قومية عربية فى مواجهة التحديات الوجودية الآنية مبنية على الاقتصاد والأمن الإقليمى العربى آخذين فى الاعتبار الخصوصية الثقافية والسياسية للدول العربية، وهنا أركز مرة أخرى على انها دول، يحب احترام أنظمة حكمها وخياراتها المحلية، نتشابك مع بعضنا البعض فى مواجهة التهديدات الخارجية وحتى الداخلية من أجل مساعدة كل دولة على حدة فى تقليل هواجسنا الأمنية ومساعدة شعبها فى الازدهار والرفاهية، ولمواجهة التحديات الحالية المعقدة التى يفرضها علينا واقع أشبه بحالة حرب السويس عام 1956 والتى كتبت شهادة وفاة الامبراطورية البريطانية فى المنطقة وأوجدت حالة سيولة استراتيجية لم نوظفها ولم نبن عليها أو نطور مكاسبنا فيها. ابحث عن خيال استراتيجى يهدئ مخاوفنا التى بدأت بمكالمة بين الرئيس الأمريكى باراك اوباما وبين الرئيس الإيرانى حسن روحانى وما تلاها من حوار استراتيجى أمريكى ايرانى مما يجعلنا نفكر كثيرا فى طبيعة التحديات الاستراتيجية التى تواجه الفضاء الجيوسياسى العربى من قبل دول الجوار غير العربى المتمثلة فى إسرائيل وإيران وتركيا من ناحية وطموحات الدول العظمى من ناحية أخرى. اكتب هنا وفى ذهنى حالة الوهن الاستراتيجى العربى الجاذبة للتدخل الأجنبى بشتى صوره وفى ذهنى فى ذات الوقت ذلك الحدث الشعبى العفوى الذى حدث فى مصر يوم 30 يونيو الماضى.. فرغم ان من خرجوا فى مصر كان هدفهم إحداث تغيير محلى مرتبط بسحب الثقة من الرئيس المعزول محمد مرسى فإن تبعات ما قاموا به كانت إقليمية وربما عالمية أربكت الخطط الإقليمية والعالمية فى المنطقة. وأوجدت سيولة جديدة تعيد تشكيل المشهد الجيو سياسى فى الإقليم برمته. ولا يخفى على أحد من كلمة اوباما أيضاً ان هؤلاء الضعفاء بدعم من المملكة العربية السعودية والإمارات قد انتصروا واعترف اوباما بشرعية النظام الجديد فى مصر.
ومع ذلك حتى هذه اللحظة لم يدرك المصريون مغزى ما حدث وخصوصا فيما يتعلق بالموقفين السعودى والاماراتى تجاه ثورة 30 يونيو فى مصر ومعهمها أيضاً الموقف الكويتي. فبصراحة لا لبس فيها لقد فرضت اللحظة على هذه الدول الخليجية الثلاث - خيارا ما بين مصر والغرب فاختاروا مصر ولم يكن الخيار عاطفيا كما يتصور البعض فمصر هى عمق استراتيجى لهذه الدول الثلاث فى مواجهة تهديدات عدة آنية ومحتملة من قبل دول الجوار ومن قبل قوى عالمية.
أقول لم يستوعب المصريون ما حدث وانا أعى تماما انه لو كان موقف هذه الدول ضد 30 يونيو لدخلت مصر فيما فيه سوريا الآن. وكان الاخوان حطموا مصر على من فيها وخلفوا فوضى إقليمية لا يحمد عقباها. من هنا علينا كمصريين ان ندرك معنى ما حدث وان نعمق ونوسع الشراكة الاستراتيجية مع المنظومة الخليجية وان يكون لنا دور فى امن الخليج العربى ضد كل التحديات الإقليمية . أدعو الى خيال استراتيجى عربى حول قومية عربية تعضد كيان الدولة وليست بديلا عنها كما حدث فى المشروع العروبى القديم أو مشروع خلافة الاخوان العابر للحدود الذى يهدف الى إسقاط الدول. القومية العربية الناقصة هدفها البناء لا الهدم.
بداية، إن فهم الدور المصرى فى المرحلة المقبلة المليئة بالمخاطر والفرص ودور مصر «كدولة خليجية»، يعتمد على معطيات بعضها جديد والآخر قديم، أول هذه المعطيات هو التوافق المصرى السعودى الاماراتى الذى نراه اليوم، وهو أمر حدث فى جزء كبير منه فى فترة الرئيس السابق مبارك، حتى لا نبخس الناس أشياءهم حتى لو انقلبنا عليهم، وربما كانت تلك من الحسنات المعدودة للنظام السابق وتعاظم هذا التوافق بشكل كبير بعد 30 يونيو ومن بعدها 3 يوليو التى اسقطت حكم الاخوان فى مصر الى الابد، ولدول الخليج مصلحة كبرى فى ان ينتهى نظام الاخوان فى مصر. الثانى هو تمدد النفوذ الإيرانى المستمر الذى لم يعد مقتصراً على دول الخليج وبلاد الشام بل امتد إلى ما يمكن تسميته بالدول ذات الهوى الشيعى الثقافى أو الحضاري، كما فى حالتى المغرب ومصر. إضافة الى التقارب الامريكى الإيرانى الجديد القديم.
أما المعطى الثالث الذى يجعل من مصر دولة خليجية فهو حجم العمالة المصرية فى دول الخليج، والذى يصل اليوم إلى أكثر من مليون مواطن مصرى يعملون فى المملكة العربية السعودية وحدها، وإلى ما يقرب من ربع مليون مصرى يعملون فى دولة الكويت، ونحو مائة ألف مصرى يعملون فى دولة الإمارات العربية المتحدة. وبذا قد يصل عدد المصريين العاملين فى الخليج إلى اكثر من مليونى نسمة، وإذا أضفت إليهم أسرهم التى تلتحق بهم ستجد أنك أمام حالة يكون فيها ثلاثة ملايين نسمة من المصريين يعيشون فى الخليج. هذا الحجم من البشر هو أكبر من عدد سكان بعض الدول الصغيرة فى الخليج،
أما من حيث الجوانب الاستراتيجية البحتة، فيمكننا القول إن لمصر سواحل بحرية، قد تكون هى الأطول، مع المملكة العربية السعودية التى تعد الدولة الأهم والشقيقة الكبرى فى دول مجلس التعاون الخليجي. مصر كانت فى تاريخها الحديث تدرك دائما أهمية مسألة أمن الخليج بالنسبة إليها، وعلى الجمهورية الجديددة التى تتشكل فى مصر اليوم بعد 30 يونيو ان تتعامل بجدية وصرامة مع فكرة أن أمن مصر هو جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، وأن مصر قد أصبحت فعلياً دولة خليجية. التفاعلات القائمة، سواء من حيث حركة المصريين فى بلدان الخليج أو من خلال الدور الخليجى فى انقاذ مصر من الانهيار بعد غروب شمش الاخوان جميعها تصب فى التصور الذى أطرحه اليوم، والذى يحتاج منا إلى نقاش مستفيض كى يتبلور كمفهوم استراتيجى لقومية عربية ناقصة الزخارف ولكنها كاملة متكاملة فى قضايا الأمن والمصالح التى تهم الشعوب والدول معا.
حالة الوهن الاستراتيجى العربى والتحديات القادمة من دول الحوار غير العربية المتمثلة فى إسرائيل وتركيا وإيران ومعها الدول الكبرى الطامعة تفرض علينا خيالا استراتيجيا جديدا أتمنى ان نبدأ حوارا جادا حوله فى مصر وفى دول الخليج ، وأتمنى ان يكون هذا المقال بداية تحفيز للأذهان من اجل قومية عربية ناقصة لا تلغى الدولة العربية الحديثة أو تهددها ككيان وإنما تعضد من وجودها وتساعد كل نموذج للحكم للنجاح على حده فى اطار مفهوم استراتيجى جديد يخدم الجميع اسميه هنا بالقومية العربية الناقصة أو الجديدة .
نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟