المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. سلوى العنترى
د. سلوى العنترى

قانون التأمين الصحى يبيع لنا الوهم!

الأحد 17/يناير/2016 - 11:10 ص

الحكومة تحاول أن تبيع لنا الترماى! تحاول أن تبيع لنا وهما كبيرا اسمه التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، والإيحاء بأننا بصدد توفير خدمة صحية تتسم بالجودة لكل المواطنين، سواء كانوا يعملون أو متعطلين، وسواء كانوا فى القطاع الرسمى أو غير الرسمى، وسواء تعلق الأمر بالمواطن أو بزوجته غير العاملة وأبنائه. الوهم الكبير الذى تسعى الحكومة لتسويقه يتبدد فور قراءة بنود أحدث نسخة لمشروع القانون التى تحمل تاريخ 20 ديسمبر 2015 ، التى تكشف على العكس أن الحق فى الصحة سيتحول إلى سلعة تباع وتشترى، ولا يتمكن من الحصول عليها إلا القادرون.

القانون الجديد يرفع تكلفة العلاج، فهو لا يكتفى بأن يدفع المواطن اشتراكات شهرية تمثل نسبة محددة من أجره أو صافى دخله، بل يحمله أيضا مساهمات فى تكلفة كل خدمة صحية يتلقاها خارج الإقامة فى المستشفيات (مادة 28)، سواء تعلق الأمر بزيارة الطبيب أو ثمن الدواء أو الأشعات والتحاليل، كما ينص على زيادة النسبة المفروضة على اشتراك الأرامل والمستحقين للمعاش من 1% إلى 2%، و تحميل أصحاب المعاشات باشتراك إضافى 2% عن الزوجة و0.5% عن كل ابن من الأبناء. الانتظام فى دفع تلك الاشتراكات يعتبر شرطا لسريان التأمين الصحى (المادة 45 ) وفى حالة التأخر عن السداد فإن العودة للانتفاع بالخدمة يتطلب سداد كل المبالغ المتأخرة مضافا إليها غرامة تحتسب بسعر فائدة تساوى سعر الخصم المعلن من البنك المركزى مضافا إليه 2% (مادة 31) أى ما يقرب من 12% فى الوقت الحالى.

طبعا من يعمل فى الحكومة والقطاع العام يتم الخصم منه شهريا من المنبع، وغير وارد تخلفه هو شخصيا عن السداد، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للعاملين لدى أنفسهم وغير ذوى الرواتب المنتظمة، أى ملايين المواطنين من الحرفيين والبائعين وسائقى التاكسى والميكروباص وغيرهم من العاملين فى القطاع غير الرسمى، هذه الفئات جميعها يمكن أن تضطرها أى صعوبات مادية طارئة أو ظروف قهرية إلى التخلف عن سداد الاشتراكات المقررة لها ولأعضاء أسرها، فإذا شاء الحظ العاثر أن يتعرض أى منهم للمرض فى خضم تلك الظروف، فإنه لن ينتفع بخدمات التأمين الصحى ولن يحصل على العلاج.. إلا لو تمكن من سداد الاشتراكات المتأخرة و الغرامة والمساهمات فى تكلفة كل خدمة يحتاج إليها.

الأنكى من ذلك أن التخلف عن سداد الاشتراكات لا يؤدى فقط إلى حرمان المواطن من العلاج، بل يعرضه أيضا إلى حرمان أبنائه من الانتظام فى الدراسة ويهدده شخصيا بوقف عمله ومصدر رزقه! حيث تنص المادة 30 من مشروع القانون على أن إثبات ما يفيد سداد اشتراك التأمين الصحى الاجتماعى الشامل يعتبر أحد المسوغات الرئيسية بكل مراحل القيد الدراسى الحكومى والأهلى والخاص وتجديد تصاريح العمل والتراخيص المهنية ورخص القيادة وما فى حكمها... يعنى باختصار مرض وخراب ديار!

أما فيما يتعلق بوهم مد مظلة التأمين الاجتماعى الشامل إلى كل العاملين فى القطاع الخاص، فصحيح أن القانون يؤكد معاقبة صاحب العمل والمسئول لديه الذى لم يقم بالاشتراك فى التأمين الصحى عن أى من العاملين التابعين له (المادة 42)، وأن العقوبات يمكن أن تصل إلى الحبس لمدة سنة وغرامة خمسين ألف جنيه، فضلا عن تعدد الغرامة بتعدد عدد العمال الذين وقعت فى شأنهم المخالفة.. إلا أن هذا كله لا يضمن مد مظلة التأمين الصحى لكل العاملين فى القطاع الخاص.. ببساطة لأن الإحصائيات الرسمية توضح أن نصف هؤلاء العاملين لا يتمتعون أصلا بعقود عمل قانونية تثبت تبعيتهم لصاحب العمل وبالتالى مسئوليته عن اشتراكهم فى التأمين الصحى! ومن ناحية أخرى يلاحظ أن القانون يستبعد عمال الزراعة من الفلاحين المعدمين وينص فقط على المزارعين أعضاء الجمعيات الزراعية (المادة 29 الفقرة الثانية من البند ثانيا) أى من يملكون أو يقومون باستئجار أراض زراعية وأصحاب مشروعات الإنتاج الحيوانى والتصنيع الزراعى.

طبعا مشروع القانون ينص على تحمل الخزانة العامة لاشتراكات المؤمن عليهم من غير القادرين كما ينص على إعفاء غير القادرين وأصحاب المعاشات وذوى الأمراض المزمنة من دفع المساهمات، (مادة 28 البند خامسا) بما يوحى بأن الخزانة العامة ستتحمل تكاليف التأمين الصحى للفلاحين المعدمين ولكل الفقراء، إلا أن هذا كله أوهام.. فمشروع قانون التأمين الصحى يعتبر أن غير القادرين هم فقط الأسر التى يتم تحديدها بمعرفة وزارة التضامن الاجتماعى، ولا عزاء لكل الفقراء الذين يشكلون وفقا للأرقام الرسمية نحو 27% من السكان، ناهيك عن نسبة من يقتربون من خط الفقر، والذين يصلون بالمجموع إلى أكثر من 40% من المواطنين.

الشيء الوحيد المؤكد الذى نخرج به من القانون هو أن نسبة معتبرة من المنشآت الصحية الحكومية لن تمكنها أوضاعها الحالية، فى ظل نقص الأجهزة والمستلزمات والصيانة، من الوفاء بمعايير الجودة المطلوبة، وهو ما يؤدى إلى استبعادها من منظومة التأمين الصحى والتوسع فى التعاقد مع المستشفيات الاستثمارية والخاصة. ما تؤكده بنود القانون هو خصخصة نظام التأمين الصحى فى مصر، وتحويله من نظام خدمى يستهدف الوفاء بحق المواطنين فى الصحة إلى نظام ربحى يحول هذا الحق إلى سلعة تباع وتشترى، ولا يتمكن من الحصول عليها إلا القادرون. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟