المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ضرورة ملحة: إصلاح وتطوير منظومة النقل في مصر

الأربعاء 06/أغسطس/2014 - 10:41 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم نوار

تعاني منظومة النقل في مصر من تردٍّ خطير في الكفاءة وفي الحجم وفي القدرة على الاستجابة للتطورات الاقتصادية السريعة التي تطمح القيادة السياسية الجديدة في مصر تحقيقها خلال السنوات المقبلة. وتبدو منظومة النقل الداخلي شديدة التخلف في الوقت الحاضر، مما يستلزم اهتماما كبيرا وغير عادي بتطوير هذه المنظومة لكي تصبح قادرة على توفير الشرايين الملائمة لحركة انتقال البضائع والأفراد التي ترافق عمليات التنمية السريعة. ولا يعد الاهتمام بمنظومة النقل نافلة من نوافل التنمية، ولكن هذا الاهتمام يمثل أساسا من أسس انطلاق التنمية وعدم إعاقتها وتوفير السبل أمام القطاعات المختلفة للانطلاق من خلال شبكة مترابطة للنقل بالطرق وبالسكك الحديد إضافة إلى النقل النهري والنقل الجوي وربما أيضا النقل البحري الداخلي بين الموانئ الوطنية.

ويكشف التاريخ الاقتصادي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أن إعادة بناء منظومة النقل في أوربا كان من أهم أولويات برنامج مارشال لإعادة البناء الاقتصادي. كذلك فإن رئيس وزراء اليابان الأسبق تاكوي تاناكا كان واضحا جدا في خطته لإعادة البناء في اليابان، حيث اعتبر أن بناء شبكة طرق حديثة على ما تصل مساحته إلى 20% من إجمالي مساحة اليابان أهم وأول أهداف خطط التنمية بعد الحرب العالمية الثانية. وقد خصص تاناكا مجهودا كبيرا لإنجاز هدفه بخصوص بناء وتطوير شبكة طرق حديثة في اليابان، وهو ما ساعد على تحقيق معدلات نمو سريعة في القطاع الصناعي وفي زيادة علاقات التشابك والتكامل الجغرافي والقطاعي في اليابان خلال العقدين التاليين لانتهاء الحرب العالمية الثانية.

 

أولاً – لماذا ضرورة البدء بالطرق

ويبدو تطوير منظومة النقل في مصر مهما لعدد من الأسباب أهمها:

1-    يلعب تخلف منظومة النقل في الوقت الراهن دورا رئيسيا في إنتاج "الانقسام الجغرافي" بين الشمال والجنوب وبين القلب والأطراف في مصر. وليس صعبا إثبات العلاقة بين تخلف منظومة النقل وبين الانقسام الحاد في خريطة التنمية بين إقليم القاهرة الكبرى وبين المناطق الهامشية القريبة من الحدود أو بين شمال مصر وبين جنوبها. ولذلك فإن القضاء على "الانقسام التنموي" لن يتحقق طالما بقيت حقائق منظومة النقل الحالية على وضعها الراهن بدون تغيير.

2-    أدى تخلف منظومة النقل إلى إهدار عمليات التنمية في عدد من المناطق الواعدة مثل أبوطرطور (الفوسفات) والمثلث الذهبي للمعادن (قنا- القصير- سفاجه)  وإلى إهدار نسبي في موارد ومنتجات مناطق التنمية الزراعية والصناعية الجديدة خارج الوادي القديم. إن الهدر في منتجات مزارع غرب الطريق الصحراوي ومنتجات المناطق الصناعية بسبب النقص الحاد في وسائل النقل المبردة وفي تجهيزات الموانئ الجافة وعدم وجود سكك حديدية كافية للربط بين مناطق التصنيع ومناطق الاستهلاك يمثل عائقا حادا أمام التنمية لن يمكن تجاوزه بدون تطوير منظومة النقل في مصر وتحديثها بالقدر الذي يحقق احتياجات التنمية.

3-    كذلك أدى تخلف منظومة النقل إلى ضياع فرص كثيرة للتنمية الإقتصادية في قطاعات متعددة جغرافية وتنموية (سيناء ومطروح وجنوب مصر) وإلى الضغط على الموارد خصوصا موارد الطاقة المحدودة لزيادة اعتماد منظومة النقل على النقل بالطرق.

4-    أدى تخلف منظومة النقل إلى تعقيد أزمة المرور على الطرق داخل وخارج المدن الرئيسية، كما أدى إلى زيادة عدد الحوادث على الطرق حتى وصلت مصر إلى تصدر قائمة الدول التي تعاني من حوادث الوفاة ونزيف الدم على الطرق.

5-    يؤدي تخلف منظومة النقل الداخلي في مصر إلى تبديد الفرص التي تتمتع بها فيما يتعلق بالموقع الذي تحتله على خريطة المنطقة والعالم واحتمالات ترقيها إلى مرتبة أعلى في تجارة النقل على مستوى العالم. إن وجود واحد من أهم شرايين التجارة البحرية في العالم (قناة السويس) في الأراضي المصرية وموقع مصر المتوسط بين إفريقيا وآسيا وأوروبا يؤهلها لأن تصبح ممرا تجاريا عالميا بكل المقاييس إذا كانت منظومة النقل الداخلي فيها من الاتساع ومن التنوع، بحيث تقدر على استيعاب "تجارة العبور" في المنطقة.

6-    أدى  تخلف منظومة النقل إلى عدم تحقيق الاستثمار الأمثل لفرص تنمية التجارة الحدودية مع الدول المجاورة، وتعزيز منظومة للنقل الإقليمي بين دول شمال إفريقيا وبينها وبين دول شرق البحر المتوسط.

يحتل تطوير السكك الحديد مكانة مهمة في إستراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمصر من الآن وحتى عام 2022 كما تظهره وثائق وزارة التخطيط والتعاون الدولي

ثانيا- أهمية تطوير شبكة السكك الحديد

تعتبر السكك الحديد المصرية، وهي ثاني أقدم  شبكة سكك حديد في العالم وسيلة رئيسية من وسائل نقل الركاب والبضائع في مصر. وقد لعبت السكك الحديد منذ تأسيسها دورا عظيم الشأن في ميادين نقل الركاب والبضائع. لكن دور السكك الحديد تراجع في نهاية الخطة الخمسية الأولى، وواصل تراجعه بعد حرب 1967 على الرغم من الدور الكبير الذي لعبته خلال مرحلة إعداد البلاد للحرب وتحرير سيناء في أوائل السبعينيات. وكانت هناك شبكات من خطوط السكك الحديد الفرعية مثل سكك حديد الدلتا التي كانت تخدم حركة نقل البضائع والركاب في أجزاء مهمة من الوجه البحري، وقد انتهت تماما هذه الشبكة وتلاشت بعد أن كانت خطوطها تخدم مناطق تمتد في كل محافظات وسط الدلتا. كذلك توجد خطوط السكك الحديد التابعة لشركات إنتاج السكر التي كانت تقوم بنقل محصول قصب السكر من المزارع المنتشرة في الصعيد إلى المصانع، ولا تزال هذه الشبكة في معظمها قائمة وتعمل حتى الآن. كما أسهمت خطوط فرعية مملوكة لسكك حديد مصر مثل خط المناشي الموازي لخط القاهرة – الإسكندرية من القاهرة وحتى إيتاي البارود إسهاما كبيرا في خدمة حركة الركاب والبضائع خلال الخمسينيات والستينيات وحتى الآن بين العاصمة وبين مناطق التنمية الجديدة في مديرية التحرير.

وتعاني سكك حديد مصر من تدهور شديد في كافة مكوناتها خصوصا في طاقات الجر والمحركات وفي كفاءة القضبان وفي الأمان الفني للمزلقانات وفي نوعية غرف الإدارة والتحكم التي تتولى تنسيق حركة القطارات، ناهيك عن تدهور كفاءة الإدارة البشرية على كل المستويات تقريبا. ويعتبر تدهور خدمة نقل البضائع من السمات المهمة التي رافقت تراجع مكانة السكك الحديد في الاقتصاد بشكل عام. وكانت قطارات البضائع المستقلة إضافة إلى عربات البضائع الملحقة بقطارات الركاب من علامات كفاءة سكك حديد مصر حتى الستينات تقريبا. ويجب ألا ننسى أن أول خط للسكك الحديد في مصر كان خط السويس- القاهرة الذي كان يعتني في المقام الأول بخدمة نقل البضائع الواردة لمصر عبر البحر الأحمر.  

ويحتل تطوير السكك الحديد مكانة مهمة في إستراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمصر من الآن وحتى عام 2022 كما تظهره وثائق وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وكما يتضمنه مشروع التعاون المشترك بين وزارة النقل وهيئة السكك الحديد المصرية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا). وقد أعدت (جايكا) مخططا متكاملا لتطوير منظومة النقل في مصر يشمل رؤية واستراتيجية ومشروعات مفصلة على نطاق زمني يمتد حتى عام 2027 في قطاعات النقل بالسكك الحديد والطرق والموانئ والنقل النهري والمراكز اللوجيستية وتطوير أنظمة التحكم والمرور وتطوير الكفاءات البشرية.

وسوف نشير هنا باختصار إلى ملامح السيناريو الأفضل لتطوير منظومة النقل في مصر الذي اقترحته (جايكا) كما ورد في الإطار الإستراتيجي لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر الذي اصدرته وزارة التخطيط والتعاون الدولي والذي يتم الاسترشاد به عند وضع خطط التنمية السنوية في الوقت الحالي. وينطلق هذا السيناريو من رؤية تهدف إلى إنشاء نظام نقل متوازن يتفق مع بنية التنمية القومية، وينتشر على كامل التراب الوطني في نظام متراتب يتسلسل من مراكز نقل ذات طابع قومي  إلى أخرى ذات طابع إقليمي داخلي إلى ثالثة ذات طابع فرعي تمتد كلها إلى المنافذ الحدودية. ويغطي هذا النظام عددا من المحاور الرئيسية التي من شأنها أن تخلق ترابطا وتساعد على تحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي بين الأقاليم التنموية في مصر وبين الدول المجاورة، ومنها محور البحر الأبيض المتوسط ومحور البحر الأحمر ومحور نهر النيل ومحور الوادي الجديد. ويتبنى السيناريو المقترح مفهوم تكامل وسائط النقل في بناء هذه المنظومة مع تحقيق توسع سريع ونوعي في شبكات السكك الحديد عن طريق إنشاء خط سكك حديد فائق السرعة بين القاهرة والإسكندرية (250 كم/ساعة) يمتد في المراحل التالية إلى أسوان وإنشاء مركز لوجيستي على مستوى عالمي في مدينة 6 أكتوبر يرتبط بخط سكك حديد متطور يربط هذا المركز بكل من ميناءي العين السخنة والإسكندرية وإنشاء خطوط سكك حديد محورية تخدم مناطق التنمية الجديدة لتعزيز خدمات نقل  الركاب والبضائع. وتغطي المرحلة الأولى من خطة تطوير منظومة النقل كما وضعتها (جايكا) السنوات من الآن وحتى العام 2017 ومن ثم فهي تحتل مكانة مهمة في خطة التنمية للفترة الرئاسية الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي. 

تبلغ التكاليف التقديرية للمشاريع الواردة في إستراتيجية إصلاح وتطوير منظومة النقل التي اقترحتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ما يقرب من 320 مليار جنيه مصري (بأسعار 2012)

ثالثًا- المشروعات ذات الأولوية القصوى

حددت دراسة الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) 10 مشروعات في مجالات تطوير البنية التحتية وتطوير البرمجيات وتطوير المهارات البشرية في قطاع النقل باعتبارها المشروعات ذات الأولوية القصوى في إستراتيجية إصلاح وتطوير منظومة النقل في مصر. وقد بدأ العمل فعلا في عدد من هذه المشروعات، ولا يزال البعض منها في انتظار إشارة البدء. وتتمثل هذه المشروعات فيما يلي:

-         مركز مدينة 6 أكتوبر اللوجيستي، باعتباره نقلة نوعية في منظومة النقل في مصر، بما سيؤدي إليه من توفير التسهيلات اللازمة لدمج ووصل مناطق التنمية وربطها بموانئ التصدير.

-         إنشاء خط سكك حديد بمدينة 6 أكتوبر يربط المدينة بمناطق التنمية الجديدة. وقد اقترحت الجايكا في مخطط تطوير منظومة النقل لإقليم القاهرة  الكبرى ربط المدينة بشبكة مترو الأنفاق بقطار كهربائي خفيف.

-         إنشاء خط سكك حديد من ميناء السخنة إلى حلوان.

-         ازدواج خط السكك الحديد الاحتياطي بين القاهرة والإسكندرية الجديدة.

-         تحسين مرافق محطات خدمات الشحن (وتقترح البدء بمحطتين في المرحلة الأولى).

-         تحديث طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي ليصبح 8 حارات مع تطويره حسب المعايير الدولية. ويجري العمل حاليا بأقصى طاقة ممكنة للانتهاء من عملية التطوير في أكتوبر المقبل (2014).

-         إنشاء مراكز للوجيستيات بما في ذلك تطوير مرافق وتسهيلات محطات شحن البضائع.

-         تطوير مركز النقل المصري ليصبح بمثابة مركز بحث وتطوير ملائم لمنظومة النقل الحديثة في مصر.

-         تمديد خطة التحول والتنوع في هيئة السكك الحديد.

-         تمديد برنامج تطوير النقل النهري.

وتبلغ التكاليف التقديرية للمشاريع الواردة في إستراتيجية إصلاح وتطوير منظومة النقل التي اقترحتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ما يقرب من 320 مليار جنيه مصري (بأسعار 2012) في حين تبلغ التكاليف التقديرية للمرحلة الأولى (قصيرة الأجل) من الآن وحتى عام 2017 ما يقرب من 70 مليار جنيه مصري موزعة بين القطاعين العام (49 مليار جنيه) والخاص (20.8 مليار جنيه). وبمتابعة نتائج اجتماعات مجلس الوزراء في الأسابيع الأخيرة، فإنه يتضح أن هناك  اهتماما بالغا لتوفير اعتمادات لشق طرق جديدة ورصف أو إعادة رصف طرق موجودة بالفعل، في حين لا تبدو مخصصات السكك الحديد على نفس المستوى من الأهمية. وباستثناء الاعتمادات التي تم رصدها لاستكمال مراحل الخط الثالث لمترو الأنفاق في القاهرة الكبرى وتلك التي سيتم تخصيصها لإنشاء خط سكك حديد خفيف بين مدينة العاشر ومدينة السلام في شرق القاهرة، فإن مشاريع تطوير شبكة السكك الحديد وعلى رأسها مشروع المركز اللوجيستي في 6 أكتوبر، وإنشاء خط سكك حديد يربطه بكل من ميناءي السخنة والإسكندرية ومشروع إنشاء خط سكك حديد فائق السرعة بين القاهرة والإسكندرية لا تزال تنتظر مجهودا حقيقيا لكي تتحول من مشاريع على الورق إلى حقائق على الأرض. كذلك يوجد في أدراج وزارة النقل وهيئة السكك الحديد عدد من المشاريع المهمة التي كان من المقرر أن تطرح على القطاع الخاص بنظام المشاركة أو بنظام حق الانتفاع وامتيازات التشغيل مثل خط السكك الحديد بين شبين الكوم ومدينة السادات والذي كان من المقرر مدّه بعد ذلك من السادات شمالا إلى برج العرب وجنوبا إلى 6 أكتوبر، ثم في مرحلة تالية من 6 أكتوبر إلى الفيوم وبني سويف. وربما يكون التأخر في رصد اعتمادات لهذه المشاريع الحيوية راجعا إلى أن الحكومة تعول كثيرا على توفير التمويل اللازم  لها من خلال المشاركة مع القطاع الخاص أو من خلال منح حقوق امتياز التشغيل إلى شركات مشتركة (وطنية- أجنبية) تتولى هي مباشرة إقامة وتشغيل المشاريع، ولا تزال في سبيل تحقيق ذلك في حاجة إلى حزمة من التشريعات أو التعديلات التشريعية التي ربما يتم طرحها على البرلمان المقبل للموافقة عليها. 

إن نقل تجارب النقل النهري من أوروبا حيث تستخدم بعض الأنهار بكثافة في مجال النقل النهري (مثل الدانوب والراين) لن يكون ملائما على الإطلاق في مصر

رابعًا- خطورة الاعتبارات البيئية في تطوير النقل النهري

تتضمن الخطة قصيرة الأجل لتطوير منظومة النقل في مصر، وضع أسس لتطوير منظومة للنقل النهري تتكامل مع بقية وسائط النقل لخدمة أهداف التنمية وتحقيق الاندماج بين الأقاليم التنموية المختلفة على امتداد مجرى نهر النيل في مصر من أسوان جنوبا إلى رشيد ودمياط شمالا. ومن المعروف تاريخيا أن مجرى نهر النيل يتم استخدمه ملاحيا في تسيير مراكب النقل الشراعية والبخارية على السواء. ولم تتوقف أهمية المجرى الملاحي للنيل على الرغم من إنشاء السدود والقناطر والخزانات واختلاف المنسوب الموسمي للمياه، بل لا تزال مراكب النقل الشراعية والبخارية تعمل حتى الآن على طول المجرى الملاحي للنيل في نقل البضائع مثل القصب ومواد البناء والأواني الفخارية وغيرها. لكن تطوير المجرى الملاحي للنيل وتحديث نظام النقل عبر هذا المجرى ينبغي أن يأخذ في اعتباره ضرورات المحافظة على البيئة أولا وقبل كل شيء، وإقامة توازن دقيق بين المكاسب الاقتصادية والخسائر البيئية المحتملة. وليس من المقبول على الإطلاق أن يتحول نهر النيل وهو المصدر الأساسي لمياه الشرب والزراعة إلى مجرى ملاحي ملوث بمخلفات المراكب النهرية التي تستخدم أنواع الوقود التقليدي. إن المحافظة على نهر النيل كمصدر للمياه النظيفة بعيدا عن التلوث، والعمل على تطوير الحياة النهرية السمكية، يجب أن يتقدم على استخدام النهر كمجرى ملاحي لحركة المراكب النهرية.  إن نقل تجارب النقل النهري من أوروبا حيث تستخدم بعض الأنهار بكثافة في مجال النقل النهري (مثل الدانوب والراين) لن يكون ملائما على الإطلاق في مصر، حيث إن أوربا تعتمد أساسا على مياه الأمطار ومياه البحيرات العذبة ومخرات المياه من الجبال الثلجية كمصادر لمياه الشرب والزراعة.  إن هذا لا يعني عدم الاستفادة من مجرى النيل في الملاحة على الإطلاق، ولكنه يعني أن  الاعتبارات البيئية يجب أن تتقدم على الاعتبارات الاقتصادية عند اتخاذ أي قرار بشأن تطوير منظومة للنقل النهري في مصر.

ومن الضرروي هنا الإشارة إلى أن تطوير النقل النهري سيتطلب بالضرورة زيادة الاهتمام بنظافة مجرى النهر من الطحالب والنباتات الطفيلية بما في ذلك "ورد النيل" وتطوير موانئ نظيفة صديقة للبيئة لرسو المراكب النيلية ومناولة وتحميل البضائع وتطهير المجرى دوريا للقضاء على الجزر العشوائية التي تنشأ بسبب ظواهر الإطماء والترسيب. وسوف يتطلب كل هذا وغيره من المسئوليات زيادة درجة التعاون بين وزارات الري والنقل والزراعة والداخلية والتنمية المحلية ووحدات الحكم المحلي على امتداد مجرى نهر النيل.

ولا شك أن تطوير منظومة النقل بصورة شاملة بما يؤدي إلى تطوير كفاءة شبكة الطرق وشبكة السكك الحديد إضافة إلى المراكز اللوجيستية والمنافذ الحدودية يمثل قاعدة أساسية لتطوير منظومة النقل بشكل عام يتكامل معها تطوير أنظمة النقل النهري والنقل الجوي والموانئ البحرية والموانئ الجافة. وسوف يؤدي تطوير منظومة الموانئ الجافة في أقاليم التنمية المختلفة من شمال مصر إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها إلى زيادة درجة التشابك القطاعي والجغرافي على مستوى الاقتصاد ككل، وزيادة عائد التنمية بشكل عام وتقليل نسبة الفاقد في الإنتاج والقضاء على صعوبات التسويق محليا. كما أن تطوير منظومة النقل الداخلي سوف يساعد أيضا على زيادة فرص تحول مصر إلى مركز عالمي للنقل (global transportation hub) بما يؤدي إلى تعظيم الاستفادة من قناة السويس والموانئ البحرية والمطارات على النطاقين المحلي والإقليمي وعلى النطاق العالمي. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟