المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الإحراق والذبح: يفضح أوهام الحرب الفاشلة ضد الإرهاب

الثلاثاء 17/فبراير/2015 - 10:58 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد السعيد إدريس

بقدر ما فجّرت جريمة إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على أيدي مجرمي "داعش" من غضب واستياء، بقدر ما أثارت من تساؤلات مهمة بعضها يتعلق بعملية إسقاط طائرة الكساسبة.. كيف حدث ومن أسقطها؟ وبعضها الآخر يتعلق بحيثيات التفاوض الذي جرى مع "داعش" وأطرافه ولماذا فشل؟ والبعض الأهم يتعلق بمستقبل هذه الحرب التي يقودها الأمريكيون وأطراف أخرى دولية وإقليمية وعربية.

وجاءت جريمة إعدام العمال المصريين الأقباط الـ 21 في ليبيا بقطع رؤوسهم، وهي الجريمة التي أعلن عنها مساء الأحد 15 فبراير الجاري، لتفرض المزيد من الأسئلة حول مستقبل الحرب على هؤلاء الإرهابيين.

إن ملابسات إسقاط طائرة الكساسبة تبدو معقدة ومريبة في آن

أولا- الحرق.. اعتمادًا على الفقه المزيف

تعتبر جريمة حرق الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة حيًا هي المرة الأولى من جانب تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن، وعلى الرغم من فظاعة وبشاعة الجريمة فإن ملابسات إسقاط طائرة الكساسبة تبدو معقدة ومريبة في آن. الرواية التي تتردد والتي نشرت تفاصيلها عقب حادث سقوط "طارة إف- 16" الأردنية التي كان يقودها الملازم أول طيار معاذ صافي يوسف الكساسبة صباح 24 ديسمبر/ كانون أول الماضي، تقول إن الطائرة اشتعلت وسقطت بعد أن أصابها صاروخ من طراز "إيجلا" أطلق من موقع فوق جبل العكيرشي جنوب شرق مدينة الرقة حيث كانت تشارك في عملية ضد مواقع "داعش" ضمن أسراب التحالف الأمريكي، وأن الرادارات السورية سجلت تحليق الطيار الأردني الشاب (26 عامًا ومولود في العام 1988) على ارتفاع منخفض لحظة إصابة الصاروخ الروسي طائرته.

أما رواية معاذ الكساسبة في استجوابه أمام "داعش" فتقول: "تم إعلامنا بالمهمة في الساعة الرابعة عصرًا من يوم الثلاثاء 23/12/2014، ودورنا في هذه المهمة هو مسح المناطق وتوفير تغطية للمقاتلات الأخرى المهاجمة، مسحًا للمنطقة كان يهدف لتدمير أي أسلحة مضادة للطائرات وتوفير تغطية في حال ظهرت طائرات العدو، وبعدها تأتي المقاتلات الأخرى المزودة بأسلحة موجهة بالليزر للقيام بدورها في هذه المهمة. حلقنا من القاعدة الموجودة في منطقة الأزرق التابعة لمحافظة الزرقاء في الساعة 6:15 ما صباحاً متوجهين إلى العراق، وتم تزويدنا بالوقود جواً في الساعة 7:55 صباحًا، ثم وصلنا إلى منطقة انتظار حيث قابلتنا مجموعة طائرات سعودية وإماراتية ومغربية، ودخلنا المنطقة من الرقة لتنفيذ مهمة المسح".

ويضيف معاذ الكساسبة: "طائرتي أصيبت بصاروخ حراري. سمعت وأحسست بالصاروخ. الطيار الأردني الآخر في المهمة صدام مارديني، تواصل معي من طائرته وقال لي أنه يرى الدخان يتصاعد من المحرك، وتحققت من الأنظمة التي قالت لي بأن المحرك يحترق وقد تضرر، وبدأت الطائرة بالانحراف عن مسارها، عندها قفزت خارج الطائرة وهبطت في نهر الفرات بمظلتي، لكن مقعدي علق، وظللت مقيدًا إلى أن قبض علي مقاتلي (الدولة الإسلامية) "داعش".

لكن هناك رواية أخرى تثير الشكوك والريبة تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي نقلاً عن ما تسميه "مصدر استخباري عربي" تقول هذه الرواية أن "الطيار معاذ الكساسبة لاحظ أثناء تحليقه وتنفيذه هجماته الجوية المعتادة ضد "داعش" أن الطائرات الأمريكية تقوم بإلقاء السلاح لمقاتلي "داعش" وبأسلوب منظم فقام بإبلاغ قيادة الاستخبارات الجوية الأردنية من طائرته بحقيقة الأمر، وما هي إلا دقائق معدودة بعد كشف الحقيقة حتى أسقطت طائرته من قبل سلاح الجو الأمريكي فوق منطقة يسيطر عليها تنظيم "داعش" مما جعله يقفز بمظلته لينحو بحياته". ويضيف هذا المصدر أن "الاستخبارات الأمريكية ذكرت حينها: أن "غموضاً يكتنف عملية سقوط الطائرة الأردنية، حيث إن رصد الأقمار التجسسية لم يلحظ إطلاق صاروخ على الطائرة ولا كيفية سقوطها في محاولة لإثارة الشكوك حول الطيار وانتماءاته".

تضارب الروايات يتفاقم مع أسباب فشل محاولات مبادلة الطيار معاذ الأردني بالإرهابية العراقية ساجدة الريشاوي وزميلها زياد الكربولي المحكوم عليهما بالإعدام من جانب القضاء الأردني لاتهامهما بجرائم إرهابية ضد الأردن.

ففي بداية الاتصالات كان هناك اطمئنان أردني بتأمين حياة الطيار معاذ الكساسبة ومبادلته دون مشاكل أو عوائق. هذا الاطمئنان كان له مصدران موثوق بهما. أولهما اليد الطويلة للاستخبارات الأردنية على مقربة من تنظيم "داعش" وداخله وبالذات عبر الضباط العراقيين البعثيين السابقين الذين يقاتلون الآن في صفوف "داعش"، الذين ارتبطوا بالمخابرات الأردنية خلال حقبة المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، وثانيهما مشايخ عشائر محافظة الأنبار العراقية ومنهم مسئول الأنبار في تنظيم "داعش" الذي يرتبط بعلاقة قرابة مع زياد الكربولي المحكوم بالإعدام في الأردن منذ سبع سنوات، يؤكد هذا الرهان شريط الفيديو الذي سجلته عائلة الطيار معاذ الكساسبة ووصل إلى "داعش" واعتبرت فيه أن "ابنها الطيار ليس أسيرًا، لكنه ضيف عند أشقاء مسلمين سيتعاملون معه باحترام" كما قال والد معاذ الكساسبة في ذلك الشريط الذي تضمن مناشدات من والدته بمعاملة ولدها بطريقة حسنة.

ما الذي حدث كي تسقط هذه الرهانات، ولماذا أصرت "داعش" على تعمد إهانته أكثر من مرة قبل حادثة الإعدام البشعة عندما جعلته يسير شبه عار مع ملثمين من التنظيم. هل هي فقط ثقافة "الإرهاب الوحشي" التي يقول البعض أن التنظيم استوحاها من كتاب "إدارة التوحش" لصاحبه الإرهابي أبو بكر ناجي أم أن أطرافًا بعينها هي التي فرضت إفشال الوساطات لوأد كل ما كان لدى معاذ الكساسبة من معلومات خطيرة عن أسباب إسقاط طائرته ومن الذين أسقطوها.

برر أبو خطاب اليماني جريمة حرق الطيار الأردني حيًا، بقوله: "كان يحرق أطفال المسلمين ونساءهم ورجالهم بنيران قاذفات طائراته

ثانيا- قطع روؤس الأقباط المصريين

يبدو أن كل هذه الأسئلة ستظل دون إجابات واضحة لأسباب كثيرة أبرزها غياب إستراتيجية محددة المعالم والأطراف للحرب على التنظيمات الإرهابية سواء كانت "داعش" أم "القاعدة" وفروعهما التي بدأت تنتشر خارج العراق وسوريا حيث وصلت بجرائمها إلى ليبيا على نحو ما حدث للعمال المصريين الأقباط الواحد والعشرين.

هذه التنظيمات عندها دائمًا المبررات لهذه الجرائم وهي مبررات تكشف وتحدد بوضوح ماهية هذه التنظيمات وتفضح مشروعها الإرهابي المتخفي وراء شعار "الخلافة الإسلامية" التي يشيدونها بحرق الأحياء وقطع الرؤوس. فقد برر أحد قادة "داعش" وهو أبو خطاب اليماني جريمة حرق الطيار الأردني حيًا بأنه، أي هذا الطيار، "كان يحرق أطفال المسلمين ونساءهم ورجالهم بنيران قاذفات طائراته" من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى "دخول الكساسبة تحت راية الصليب، (أي مشاركته في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة) وإعانته على قتل المسلمين وهو فعل يخرج صاحبه من الإسلام ويبرر تحريقه".

هذا التبرير المزيف حرص هذا القيادي "الداعشي" على إلباسه ثوب الفقه الإسلامي، مستدلاً بآراء بعض الفقهاء التي تذهب إلى أنه "لا يجوز ابتداء العقوبة بالنار لا في حالات المعاملة بالمثل والقصاص، وأن هذا هو ما حدث مع معاذ الكساسبة"، على حد تعبيره.

أما جريمة ذبح العمال المصريين الأقباط في ليبيا على أيدي أحد التنظيمات الفرعية لـ "داعش" ويحمل اسم "جند الخلافة- ولاية طرابلس" أي جند "دولة الخلافة الإسلامية" فقد برروها بـ "الثأر" مما أسموه "اضطهاد الأقباط في مصر للمسلمات" في إشارة إلى بعض نساء قبطيات تردد قبل سنوات أنه قد تم احتجازهن داخل أديرة بعدما أعلن إسلامهن.

 

الجريمة إذن جريمة ثأر وليست لها أية علاقة بأية تخريجات فقهية مزيفة، لكن ارتكاب هذه الجرائم الذي يحدث بدافع من الترويع والترهيب لكل من يتصدى لهؤلاء الإرهابيين يجد ما يحفزه على التمادي في جرائمه بسبب سوء إدارة الحرب على هذه التنظيمات الإرهابية، فالحرب ضد الإرهاب، أو بالأحرى، الحرب المزعومة ضد الإرهاب التي يقودها الأمريكيون جرى التعامل معها بآفاق مفتوحة، فالأمريكيون يتحدثون عن عامين أو ثلاثة، والرئيس الأمريكي تحدث لصحيفة "نيويورك تايمز" عن "شرق أوسط بديل لنظام سايكس- بيكو" على ضوء متغير "داعش" ومشروعها لـ "الخلافة الإسلامية"، والبريطانيون يتحدثون الآن عن مجرد "احتواء" لـ "داعش" وليس عن الانتصار عليه باعتبار أن "الاحتواء هدف عملي وأكثر عقلانية على ضوء الواقع وحقائقه" .

 لكن الأهم من ذلك أن من يتحدثون عن هدف هزيمة "داعش" لا يتحدثون عن كيفية تحقيق هذه الهزيمة، ولا يعرفون إجابة لسؤال: وماذا بعد هزيمة "داعش"، ولا يعرفون إجابة عن سؤال: ما هو الهدف من هزيمة "داعش" ولا يتطرقون إلى معضلة أن "داعش" كتنظيم إرهابي ليس هو كل الإرهاب. فالحديث عن هزيمة "داعش" اختزال مُخِّل لحقيقة الإرهاب الذي تخوضه أيضًا "القاعدة" عبر منظماتها وفروعها الإرهابية في سوريا "جبهة النصرة" وفي مصر "أنصار بيت المقدس" وفي ليبيا واليمن "أنصار الشريعة" وغيرها العشرات من المنظمات الإرهابية وبالذات في سوريا، الذي لن تتم هزيمة الإرهاب دون هزيمتها جميعًا.

كما أن هذه الحرب، ومنذ أن بدأت، هي حرب منقوصة وغير جادة في السعي للانتصار ضد الإرهاب لأسباب متعددة.

أن من يتحدثون عن هدف هزيمة "داعش" لا يتحدثون عن كيفية تحقيق هذه الهزيمة

أولا: أن القيادة الأمريكية لهذه الحرب هي شريك في دعم الإرهاب، ملابسات إسقاط طائرة معاذ الكساسبة وإفشال التفاوض لإطلاق سرحه تكشف ذلك، والدعم  الأمريكي للإخوان ومساندة الاتحاد الأوربي لهم وإصرار الطرفين الأمريكي والأوربي على فرض الإخوان، الذين هم أصل كل تنظيمات الإرهاب، كطرف مشارك في العملية السياسية بمصر وغيرها من الدول العربية يؤكد ذلك .

ثانيا: أن التحالف يكتفي بالهجمات الجوية ولا يطبق إستراتيجية عسكرية تقوم على عناصر متنوعة مثل الاشتباك على الأرض.

ثالثا: أن التركيز في الحرب على "داعش" في العراق دون سوريا يعطي لـ "داعش" فرص التمدد الجغرافي والتأسيس لأمر واقع من الانتصارات في سوريا.

رابعا: تجاهل التحالفات المتنامية بين "داعش" والقبائل المحلية في العراق وسوريا، وغياب السياسة في التعامل مع هذه القبائل.

 

خامسا: غياب الإستراتيجية الشاملة للتصدي للإرهاب بتعمد تجاهل الجبهة السورية والجبهات الأخرى للإرهاب في مصر وليبيا واليمن ولبنان .

سادسا: تجاهل المشروع السياسي والعقائدي للإرهاب التكفيري والقوى الرسمية والشعبية الداعمة له وهو أصل الحرب ضد الإرهاب.

هذه هي الأسباب التي تفاقم الفشل في الحرب على الإرهاب، وقد تأكدت على مدى الأشهر الماضية لكن جريمة إحراق الكساسبة وقطع رؤوس العمال المصريين الأبرياء فضحت كل هذا القصور.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟