المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

طردية العلاقة: النظام الانتخابي والنظام الحزبي في مصر

الأربعاء 25/مارس/2015 - 10:44 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد صفى الدين خربوش

ينظر البعض بغير ارتياح لتزايد عدد الأحزاب السياسية المصرية بعد العام 2011 ليصل عددها إلى قرابة مائة حزب سياسي، ناهيك عن الاتحادات والائتلافات التى قد يتحول بعضها إلى أحزاب سياسية فى المستقبل. ويظن البعض أن كثرة عدد الأحزاب يعتبر ظاهرة سلبية بالضرورة، ويرى أنه من الأفضل أن تتجمع هذه الأحزاب فى عدد محدود من خلال اندماج الأحزاب المتشابهة فى كيانات حزبية موحدة.

      ولا شك أن وجهة النظر السابقة تخلط بين نوعين من الأحزاب السياسية القائمة فى جميع النظم التى تتبنى التعددية الحزبية وهما الأحزاب السياسية الفاعلة أو الرئيسية والأحزاب السياسية غير الفاعلة والهامشية. ويقصد بالمجموعة الأولى تلك الأحزاب السياسية ذات التأثير القوى فى النظام السياسي والتى عادة ما تقدم مرشحين أقوياء لمنصب الرئاسة (إذا كان النظام رئاسياً أو شبه رئاسى) وللمجالس النيابية (فى جميع النظم). وعادة ما يأتى رئيس الجمهورية فى النظم الرئاسية (مثل النظام الأمريكى) وشبه الرئاسية (مثل النظامين الفرنسى والروسى) من هذه الأحزاب الفاعلة أو الرئيسية. ومن ناحية أخرى، يشكل أعضاء هذه الأحزاب الفاعلة معظم أعضاء المجالس النيابية أو البرلمانات فى جميع النظم سواء أكانت رئاسية أو شبه رئاسية أو برلمانية. ويترتب على ذلك أن تكون هذه الأحزاب الرئيسية طرفاً رئيسياً فى الحكم أو فى المعارضة، وفقاً لما تحصل عليه من مقاعد فى البرلمان، وذلك فى جميع النظم ماعدا النظم الرئاسية.

 أولا- العلاقة بين النظم الانتخابي والحزبي

      وعادة ما يدور التنافس الحزبى فى النظم التعددية بين حزبين رئيسيين كما هو الحال فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أو بين عدد من الأحزاب السياسية الفاعلة والتى يتراوح عددها بين ثلاثة إلى خمسة أحزاب، كما هو الحال فى فرنسا وإيطاليا وألمانيا. ومن ثم، يميز دارسو الأحزاب السياسية بين نظم الحزبين والتى يدور التنافس الرئيسى فيها بين حزبين يتناوبان الأغلبية فى البرلمان أو فى رئاسة الجمهورية أو فى كليهما. ويعتبر النظام الأمريكى والبريطانى أوضح الأمثلة على هذا النمط من أنماط النظم الحزبية ويتمثل النوع الآخر من أنماط النظم الحزبية فى نظام التعدد الحزبى الذى يدور التنافس الرئيسى فى إطاره بين ثلاثة أحزاب سياسية أو أكثر، حيث تتناوب هذه الأحزاب فى الحصول على الأغلبية فى البرلمان وتشكيل الحكومة أو الفوز بمنصب الرئاسة. وتعتبر النظم الحزبية فى كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا أمثلة لهذا النوع من النظم الحزبية.

أن طبيعة النظام الانتخابى تحدد شكل النظام الحزبى. فإذا كان قائماً على قاعدة الانتخاب الفردى من جولة واحدة اتسم النظام الحزبى بالثنائية، كما هو الحال فى النظامين البريطانى والأمريكي

       وثمة وجهة نظر تربط بين كل من النظام الانتخابى والنظام الحزبى، أى أن طبيعة النظام الانتخابى تحدد شكل النظام الحزبى. فإذا كان النظام الانتخابى قائماً على قاعدة الانتخاب الفردى من جولة واحدة اتسم النظام الحزبى بالثنائية، كما هو الحال فى النظامين البريطانى والامريكي. وعلى العكس، إذا كان النظام الانتخابى قائماً على قاعدة الانتخاب الفردى على جولتين أو قائماً على أساس القائمة الحزبية النسبية، جاء النظام الحزبى تعددياً.

     ويعد السبب وراء ذلك إلى أن نظام الانتخاب الفردى من جولة واحدة والذى يفوز فيه المرشح بالمقعد مادام حاصلاً على أعلى نسبة من الأصوات، بغض النظر عن نسبة هذه الأصوات إلى إجمالى أصوات الدائرة، يدفع الناخبين إلى اختيار مرشح أحد الحزبين الكبيرين، خشية ألا يتمكن مرشحو الأحزاب الأصغر من الحصول على المركز الأول. ففى كل من النظام البريطانى والأمريكى، يفوز المرشح الحاصل على المركز الأول بالمقعد المخصص للدائرة حتى لو حصل على ثلث أو ربع أصوات الناخبين، فيما يعرف بنظام الأغلبية النسبية. ويؤدى هذا إلى تكريس نظام الحزبين، حيث يفوز عادة مرشح أحد الحزبين – العمال والمحافظين فى بريطانيا والديمقراطى والجمهورى فى الولايات المتحدة الأمريكية – بالمركز الأول بين المرشحين أى بمقعد الدائرة. وقد يفوز بعض مرشحى الأحزاب الأصغر ببعض المقاعد المحدودة العدد، والتى لا تخل باستقرار الحزبين الكبيرين، حيث يكون أحدهما فى الحكم والآخر فى المعارضة –كما فى النظام البريطانى- ويحظى أحدهما بالأغلبية فى البرلمان ويمثل الأخر الأقلية، كما فى النظام الأمريكي.

      وفى النظم السياسية التى تتبنى نظام الانتخاب الفردى بالأغلبية المطلقة أو على جولتين، حيث يشترط حصول المرشح الفائز بالمقعد النيابى على الأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين، تُتاح الفرص لوجود عدد من الأحزاب المتنافسة على الحصول على مقاعد البرلمان، مثلما هو الحال فى فرنسا وإيطاليا واليونان. وحيث يتعدد المرشحون على المقاعد النيابية فى فرنسا على سبيل المثال، عادة مالا يحصل أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة من الجولة الأولى. ومن ثم، تجرى جولة إعادة أو جولة ثانية بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات أى الأول والثانى. وتتاح الفرصة للناخبين فى الجولة الأولى لاختيار المرشح المفضل لديهم –حتى لو كان منتمياً لأحد الأحزاب الصغيرة، انتظاراً لجولة الإعادة. وفى جولة الإعادة، إما أن يعيد الناخب الفرنسى اختيار مرشحه المفضل- لو أتيحت له فرصة الإعادة –أو انتخاب مرشح آخر من بين المرشحين اللذين أُتيحت لهما فرصة الإعادة. ويؤدى ذلك إلى تعدد حزبى داخل البرلمان، حيث تتاح لعدد من الأحزاب فرصة الحصول على مقاعد فى البرلمان، مع تفاوت الأعداد بين هذه الأحزاب.

      وفى النظم الانتخابية التى تتبنى نظام الانتخاب بالقائمة أو تجمع بين نظامى القائمة والفردى، ينتج نظام حزبى قائم على التعددية، حيث يتيح نظام الانتخاب بالقائمة النسبية للأحزاب الصغيرة فرصة الحصول على عدد من المقاعد يتناسب مع نسبة ما حصلت عليه من أصوات. ويتزايد هذا الاحتمال إذا كان البرلمان بالكامل منتخباً على أساس القائمة الحزبية النسبية، كما هو الحال فى إسرائيل. وحيث تعتبر إسرائيل دائرة انتخابية واحدة، تتنافس القوائم الحزبية على أصوات الناخبين، ويحصل عدد من من القوائم على نسب تتيح لها التمثيل فى الكنسيت. وقد تتكون بعض القوائم من عدد من الأحزاب المؤتلفة فى قائمة واحدة. ومن ثم، يضم الكنسيت الإسرائيلى- بالرغم من محدودية عدد مقاعده- عدداً من الأحزاب. ولا يتمكن أحد الأحزاب- ولا إحدى القوائم التى تضم عدداً من الأحزاب- من الحصول على الأغلبية البرلمانية التى تتيح له تشكيل الحكومة منفرداً، الأمر الذى يحتم وجود حكومة ائتلافية تضم عدداً من الأحزاب السياسية التى تحظى مجتمعة بأغلبية مقاعد الكنسيت.

أن ثمة علاقة بين كل من النظام الانتخابى والنظام الحزبى. فإذا كان النظام الانتخابى فردياً من جولة واحدة، وُجد حزبان كبيران واختفت أو كادت الأحزاب الصغيرة

        ومن ثم، يتضح مما سبق أن ثمة علاقة بين كل من النظام الانتخابى والنظام الحزبى. فإذا كان النظام الانتخابى فردياً من جولة واحدة، وُجد حزبان كبيران واختفت أو كادت الأحزاب الصغيرة. وإذا كان النظام فردياً على جولتين، جاء النظام الحزبى تعددياً، حيث يدور التنافس بين أربعة أو خمسة أحزاب كبيرة، مع وجود بعض الأحزاب الصغيرة. وإذا كان النظام الانتخابى بالقائمة لا سيما النسبية،ـ جاء النظام الحزبى تعددياً يدور التنافس فى إطاره بين عدد من الأحزاب التى تتمكن من الحصول على نسبة يعتد بها من مقاعد البرلمان.

 ثانيًا- شكل البرلمان الجديد

     وقد جاء النظام الانتخابى الحالى فى مصر ليجمع بين الانتخاب الفردى على جولتين والانتخاب بالقائمة المطلقة على جولتين، حيث خصص للقاعدة الفردية قرابة أربعة أخماس مجلس النواب، فيما خصص لمقاعد القائمة خمس مقاعد تقريباً. وفى المتوقع خلال الانتخابات القادمة أن نشهد برلماناً على النحو التالى:

أولاً: فيما يتعلق بالمقاعد الفردية: يتوقع أن توزع المقاعد الفردية بين المرشحين المستقلين ومرشحى عدد من الأحزاب السياسية. ومن المرجح أن يحصل المستقلون على مالا يقل عن نصف عدد المقاعد الفردية، حيث سيفضل المرشحون الأقوياء ذوو الشعبية الترشح كمستقلين لاسيما مع تزايد عدد الأحزاب السياسية وتشابه برامجها، وإلزام المرشحين بعدم تغيير انتمائهم الحزبى بعد الفوز بمقاعد النواب.

ومن ناحية أخرى، يتوقع أن تتوزع باقى المقاعد الفردية على عدد محدود من الأحزاب الفاعلة ( يتراوح عددها من خمسة إلى عشرة أحزاب) وهى التى ستفوز بعدد من المقاعد لا يقل عن عشرة نواب، وعدد آخر من الأحزاب السياسية ستفوز كل منها بعدد محدود من المقاعد ( ربما أقل من عشرة وربما أقل من خمسة مقاعد) فى مجلس النواب القادم.

ثانياً: فيما يتعلق بالمقاعد المخصصة للقوائم: يتوقع أن ينجح عدد محدود من الأحزاب السياسية فى الفوز بمقاعد يعتد بها على القوائم الأربع، لاسيما مع السماح بترشيح المستقلين على القوائم، بالإضافة إلى تكوين قوائم تضم مرشحين من عدد من الأحزاب، وليس من حزب بمفرده. ومن ثم قد يفوز مرشحو الأحزاب السياسية بنصف المقاعد المخصصة للقوائم أو بعدد يفوق النصف بقليل.

يتوقع أن يتراوح عدد النواب المنتمين إلى الأحزاب السياسية بين مائتي وسبعين إلى ثلاثمائة وعشرين مقعداً في البرلمان المقبل

     وفى حالة تحقيق هذا التوقع فيما يتعلق بمقاعد كل من الفردى والقائمة، من المحتمل أن تتوزع مقاعد مجلس النواب القادم ( الفردى والقائمة) على النحو التالى:

أولاً: يتراوح عدد المستقلين من النواب بين مائتى إلى مائتى وخمسين نائباً.

ثانياً: يتراوح عدد النواب المنتمين إلى الأحزاب السياسية بين مائتي وسبعين إلى ثلاثمائة وعشرين مقعداً، وفقاً لنسبة المنتمين إلى الأحزاب السياسية الفائزين على مقاعد القائمة.

ثالثاً: يحظى عدد من الأحزاب السياسية (من ثلاثة إلى خمسة أحزاب) بأدوار فاعلة نتيجة حصول كل منها على عدد من المقاعد يتراوح بين عشرين وأربعين مقعداً.

رابعاً: يحظى عدد من الأحزاب السياسية ( من خمسة إلى عشرة أحزاب) بـأدوار أقل فاعلية نتيجة حصول كل منها على عدد من المقاعد يتراوح من عشرة إلى عشرين مقعداً.

خامساً: يحظى عدد أكبر من الأحزاب (قد يتجاوز عشرة أحزاب) بأدوار محدودة نتيجة حصول كل منها على عدد من المقاعد يتراوح من مقعد وحيد وحتى خمسة مقاعد.

ويعنى هذا الاحتمال وجود نظام حزبى تعددى مفتت، يضم ثلاثة إلى خمسة أحزاب فاعلة، وخمسة إلى عشرة أحزاب أقل فاعلية، وعشرة أحزاب أو أكثر صغيرة ومحدودة التأثير.

  ومن المتوقع -خلال السنوات الخمسة القادمة- أن تتقارب الأحزاب ذات التوجهات المتشابهة، وقد يصل هذا التقارب إلى درجة الاندماج، بحيث تقل أعداد الأحزاب السياسية. كما يتوقع اختفاء الأحزاب التى لن تستطيع الحصول على أى مقاعد فى مجلس النواب القادم. ومع ذلك، سيظل النظام الحزبى تعددياً مفتتاً يضم الاتجاهات الرئيسية الآتية:

أولاً: الأحزاب ذات التوجهات الوسطية وهى تضم أكبر عدد من الأحزاب السياسية نظراً لاتساع هذه التوجهات من يسار الوسط إلى يمين الوسط، ولغلبة التوجهات المعتدلة على معظم الأحزاب فى مصر. ومن المنتظر أن تحظى هذه الأحزاب بالنصيب الأكبر من المقاعد فى مجلس النواب القادم.

ثانياً: الأحزاب ذات التوجهات الليبرالية، وتضم أعداداً أقل من الأحزاب السياسية المصرية نظراً لارتباط هذه التوجهات برؤى تصطدم مع المزاج العام للمصريين، ولاتهامها من قبل خصومها بالارتباط بالغرب والنزوع للأفكار العلمانية. ومن المتوقع أن تحظى هذه الأحزاب بتمثيل محدود فى المجلس القادم.

ثالثاً: الأحزاب ذات التوجهات اليسارية و/ أو القومية، وتضم عدداً من الأحزاب ذات التوجهات الاشتراكية والناصرية. ومن المنتظر ألا تحظى هذه الأحزاب إلا بعدد محدود من مقاعد مجلس النواب القادم نظرا لتبنى بعض هذه الأحزاب لرؤى متشددة تتصادم مع مزاج أغلبية المصريين.

رابعاً: الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، وتضم الأحزاب ذات التوجهات السلفية والإخوانية، ومن المنتظر أن تحظى بتمثيل لا بأس به فى مجلس النواب القادم.

      وفى حالة استمرار النظام الانتخابى الحالى فى المستقبل، فمن المتوقع استمرار ظاهرة اختفاء الأحزاب الكبيرة، ووجود عدد من الأحزاب السياسية ذات التمثيل المتوسط، وعدد أكبر من الأحزاب الصغيرة ، وعدد كبير من النواب المستقلين، الأمر الذى يعوق الوصول إلى نظام حزبى مستقر يسمح بتنافس قوى بين توجهات سياسية متباينة وسطية وليبرالية ويسارية وإسلامية.

*رئيس قسم العلوم السياسية – جامعة القاهرة



إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟