المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

سيناريوهات عاصفة الحزم: تحديات الأمن القومي السعودي ومسارات حل الأزمة اليمنية

الإثنين 30/مارس/2015 - 11:00 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد محمد حامد

على غرار ما حدث في 8 آيار/ مايو من 2008 عندما اقتحم حزب اللـه بيروت، وأخضع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي فرضت سلطة الدولة من خلال من قطع شبكات الاتصالات التابعة لحزب اللـه، اتبعت جماعة أنصار اللـه في اليمن نفس النهج عندما احتلت العاصمة صنعاء في21 سبتمبر 2014، وقوّضت سلطة الدولة اليمنية من أجل فرض رؤيتها وفكرها على القوى السياسية اليمنية والقبائل اليمنية التي تعد العمود الفقري للمجتمع اليمني.

 أولا: فشل الحل السلمي للأزمة اليمنية

(أ‌)                 انهيار الحل السلمي للازمة

سعى الرئيس هادي منذ التمرّد الحوثي اتباع سياسة مرنة من أجل تجنيب البلاد شبح الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي، ووقع الرئيس هادي على اتفاق السلم والشراكة  بعد احتلال صنعاء عدا قصر الرئاسة اليمني من أجل إنهاء الأزمة السياسية وإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة، وكان  المجتمع الدولي يدعم الرئيس هادي بما فيه دول الخليج  على الرغم من رحيل أغلب الدبلوماسيين من العرب وأوربا وأمريكا منذ التمرد الحوثي.

(ب‌)              التصعيد السياسي قبل عاصفة الحزم

1- في 7 فبراير من هذا العام اضطر الرئيس هادي وحكومته إلى الاستقالة في ظل استمرار المظاهر المسلحة في العاصمة اليمنية، وتهديد السلم الأهلي داخل الدولة ومحاصرة المؤسسات الشرعية، ثم بدأت أولى خطوات الغباء السياسي  لدى المتمردين الحوثيين، وهي احتجاز الرئيس الشرعي للدولة وحكومته لخلق واقع في النظام السياسي اليمني، وذلك بدعم من حزب المؤتمر بقيادة عبد اللـه صالح الذي يسعي لعزل حزب الإصلاح اليمني (إخوان اليمن).

بدأت أولى خطوات الغباء السياسي لدى المتمردين الحوثيين، باحتجاز الرئيس الشرعي للدولة وحكومته لخلق واقع في النظام السياسي اليمني

2- وفي 21 فبراير استطاع الرئيس هادي الهروب من الحصار الحوثي الذي فرض عليه، والاتجاه نحو العاصمة الاقتصادية في عدن وبدأ في إدارة الدولة من هناك، وازداد الدعم الدولي للرئيس الشرعي وفي نفس الوقت تزداد العزلة الدولية للانقلاب الحوثي الذي يسيطر على العاصمة.

3- محاولة كسر العزلة الدولية التي يعاني منها الانقلاب الحوثي، حيث حاولوا فتح قنوات اتصال مع القاهرة، الأمر الذي رفضته مصر تماما مؤكدة على شرعية الرئيس هادي وأرسلت له دعوة لحضور القمة.

كما سعت جماعة أنصار اللـه إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك بين اليمن وإيران، وفتح المجال الجوي اليمني للرحلات من طهران.

4- وقبل بدأ عملية عاصفة الحزم، صعّد الحوثيون من خطواتهم الانقلابية بقصف قصر الرئاسة في عدن واستهداف الرئيس الشرعي بالتوازي مع عملية برية لاقتحام عدن والسيطرة على اليمن بالكامل من أجل خلق واقع جديد وفرضه على اجتماع القمة العربية المنعقد في شرم الشيخ.

 ثانيا : الخيار العسكري السعودي

(أ‌)                 حرب  المواجهة الدفاع عن النفس

1-  ما فعلته السعودية يتسق مع مبادئ الأمن القومي السعودي على مر التاريخ، ولكن نادرًا ما كانت  تلجأ السعودية للخيارات العسكرية طالما عرفت القيادة السعودية بالحكمة والعقلانية، ولكن اليمن هو الحديقة الخلفية للمملكة، ويمثل أمنها القومي المباشر، وطالما كان مصير البلدين مرتبطا عبر التاريخ، فقد دعمت السعودية إبان الرئيس عبد الناصر الإمام بدر ضد الثورة اليمنية التي كانت تدعمها القاهرة، الأمر الذي أدى لاستنزاف مصر في حرب ضروس أُنهك فيها الجيش المصري.

أما هذه المرة فتخوض الرياض حربًا ضد تمرد سياسي حوثي ضد الدولة اليمنية، والتي انزلقت لما يشبه الحرب الأهلية وبتفويض من رئيس الدولة وتحت ميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية، هذه ليست أول حرب تخوضها الرياض ضد المتمردين الحوثيين، بل هي الحرب الثانية بعد حرب 2009 عندما اعتدت ميلشيات الحوثي على حدود المملكة، وكان رد الرياض قويًا، وما حدث في الأيام الماضية هي محاولة تكرار السيناريو الأمر الذي استوجب ردًا سعوديًا حاسمًا.

2- امتلاك السعودية للشرعية الدولية والإقليمية، حيث تم الإعلان عن بداية الحملة العسكرية ضد الانقلابيين في اليمن من خلال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير،  والذي أكد  أن المملكة تحركت مع 10 دول أخرى وهي ( دول الخليج عدا سلطنة عمان ومصر والمغرب والأردن وباكستان والسودان) بجانب دول أخرى تقدم دعما لوجستيا واستخباراتيا، من أجل حماية الشرعية في اليمن استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية، ويتجلى الإعلان عن حرب عاصفة الحزم من واشنطن عن مدى الضوء الأخضر التي حصلت عليه الرياض من الإدارة الأمريكية من أجل مواجهة الحوثيين، وتصادف وجود رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية اللواء محمود حجازي في واشنطن لحضور مؤتمر حفظ السلام، كل هذا يدلل على الشرعية الدولية للحرب التي حصلت عليها الرياض لقيادة حلف من 10 دول  بتأييد من القوى العسكرية الأقوى في العالم وهي واشنطن، هذا بجانب التأييد الفرنسي والبريطاني.

جسدت عملية عاصفة الحزم نوعا من الإجماع العربي لمواجهة النفوذ غير العربي في المنطقة، والتصدي لظاهرة الميلشيات المسلحة التي تقيد سلطة الدولة

3- الاحتشاد في الخندق الواحد وتجنب نقط الخلاف، حيث جسدت عملية عاصفة الحزم نوعا من الوحدة السياسية والعسكرية والإجماع العربي لمواجهة النفوذ غير العربي في المنطقة، والتصدي لظاهرة الميلشيات المسلحة التي تقيد سلطة الدولة وذلك في عودة مصر وقطر على خط واحد من أجل تلك المواجهة، وعلى الرغم من أن مسقط لديها حدود مع اليمن فإنها خرجت من الصورة النهائية للتحالف لكي تلعب دور الوسيط المحايد مستقبلا بين أطراف الأزمة اليمنية، لأنها تملك علاقات قوية مع طهران حليف جماعة أنصار اللـه في اليمن.

(ب) حرب تكسير العظام والنفوذ

1- منذ احتلال العراق في 2003، وإيران تبسط إرادتها ونفوذها على المنطقة، وكونت هلالًا شيعيا من العراق إلى لبنان وتريد أن تستكمله في اليمن، وهذا ما تتفاخر به الإدارة الإيرانية الحاكمة في طهران وتبشر بعودة الإمبراطورية الفارسية وستكون عاصمتها بغداد.

وظلت السعودية تتصدى لهذا النفوذ غير العربي الذي يطل برأسه على المنطقة منذ أكثر من 10 سنوات، وطالما واجهت المملكة السعودية النفوذ الإيراني منذ انتشاره وتمركزه في الدول العربية من خلال  الدعم غير المباشر، وتجلى في دعم القوى السنية والعشائرية في العراق ضد حكومة  نور المالكي السابقة والتي وصفت بالطائفية، كما دعمت قوى 14 عشر من آذار/مارس ضد ميلشيات حزب اللـه اللبنانية، وأيضا الائتلاف السوري المعارض لنظام الرئيس بشار الأسد، إلى أن جاء تمرد جماعة أنصار اللـه والتي استولت على العاصمة اليمنية والمدعومة من طهران وهي بمثابة مخلب قط إيراني من أجل محاصرة دول الخليج عموما والسعودية خصوصا، الأمر الذي استدعى التدخل السعودي من أجل حماية أمنها القومي والحديقة الخلفية والإستراتيجية لدول الخليج المتمثلة في صنعاء، وحتى لا تصبح السعودية بين شقي الرحى أو الأنياب الإيرانية من الحدود الشمالية الشرقية العراق والجنوبية في اليمن.

وتواجه السعودية هذه المرة إيران مع مجموعة من الحلفاء العرب والإقليميين وأبرزهم مصر التي أعلنت أكثر من مرة أمن الخليج خطر أحمر، وأيضا من تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي "أن أمن الخليج مسافة السكة".

2- يعد توقيت عملية الحزم توقيتًا جيدًا  لمواجهة النفوذ الإيراني، وذلك لأن الحكومة الإيرانية منهمكة ومشغولة في الحصول على اتفاق مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، وهو ما تعارضه الرياض، وتجلى ذلك في تصريحات وزير الخارجية سعود الفيصل الذي رفض منح إيران فرصا غير مستحقة، وأن طهران لديها سياسة عدائية ضد دول المنطقة، وتسعى طهران من خلال هذا الاتفاق إلى كسر العزلة الدولية المفروضة عليها سياسيًا واقتصاديًا، وتلك المكاسب أكبر بكثير من أن يصبح لديها نفوذ في اليمن غرار بغداد ودمشق وبيروت.

يعد توقيت عملية الحزم توقيتًا جيدًا لمواجهة النفوذ الإيراني، وذلك لأن الحكومة الإيرانية منهمكة ومشغولة في الحصول على اتفاق مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي

 (ج) حرب اللحظات الأخيرة

1- يرى الكثير من المحللين أن المملكة السعودية تأخرت في ردع الانقلاب الحوثي، حيث انتظرت أكثر من 5 أشهر حتى توجه ضربة عسكرية ضد هذا الانقلاب، ورغم أن هذا الرأي له وجاهته فإن الرياض أعطت الكثير من الفرص للحل السياسي والسلمي للأزمة، ولكن مع انسداد الأفق السياسي في اليمن لم تتأخر السعودية في تلبية النداء.

2- مرور المملكة السعودية بظروف عصيبة مع بداية العام الحالي بتغيرات واسعة في البلاط الملكي السعودي بعد وفاة الملك عبد اللـه بن عبد العزيز وتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وتبعت هذا تغيرات كبيرة في الهيكل التنفيذي للإدارة السعودية ومنها وزارة الدفاع السعودية التي تولاها الأمير محمد بن سلمان.

 ثالثا: سيناريوهات المحتملة لعاصفة الحزم

(أ) السيناريو الأول: نجاح عملية عاصفة الحزم وعودة الشرعية المتمثلة في الرئيس منصور هادي وإجبار القوي الانقلابية العودة للمسار السياسي والحل السلمي بعد أن لجأت للحل العسكري من خلال طاولة الحوار الأممي بقيادة جمال بن عمر المبعوث الدولي لليمن، وأن يتم تشجيع كل الأطراف على الحوار السياسي العاقل بما فيهم جماعة أنصار اللـه المدعومة من إيران.

 (ب) السيناريو الثاني: استمرار الحرب نتيجة لتعنت القوى الانقلابية المدعومة من إيران  وسيؤدي إلى تأجيج الصراع في اليمن سيدفع التحالف العربي بقيادة السعودية لعملية إنزال لقوات برية يتم فيها استنزاف تلك القوى، ودخولها في حرب شوارع مع الميلشيات المسلحة على غرار ما حدث في  جنوب لبنان بين حزب اللـه وإسرائيل وهذا ما تسعى له إيران.

 (ج) السيناريو الثالث:  هزيمة قوى التمرد الحوثي وانحسار التمدد العسكري لها وعودتها إلى معقلها الرئيسي في مدينة صعدة، وانسحاب القوات الموالية الرئيس السابق علي عبد اللـه صالح من المشهد العسكري في اليمن، وعودة حزب المؤتمر للحوار الوطني من أجل إخراج اليمن أزمته السياسية المستمرة منذ 2011.

 باحث في العلوم السياسية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟