المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

محددات التدخل: الضـوابط المصرية للتدخـل فى اليمــن

الثلاثاء 07/أبريل/2015 - 10:52 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد السعيد إدريس
استطاعت الأزمة اليمنية، بحق، أن تختطف القمة العربية الدورية السادسة والعشرين التى عقدت يومى 28- 29 مارس الفائت بشرم الشيخ، وأن تستأثر بالاهتمام على حساب باقى الملفات الأخرى
شديدة الأهمية بما فيها تأسيس قوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة التحديات التى تتهدد الأمن القومى العربى وأمن ومصالح الدول العربية.
واليوم مصر مدعوة للدفع بقوات برية للمشاركة فى "حرب اليمن الثانية"، فكيف سيكون الرد المصري؟ وما هى الرؤية الاستراتيجية المصرية والعربية لهذه الحرب؟ وكيف يمكن لمصر أن تستخدم دورها فى هذه الحرب كرافعة للعمل العربى المشترك وإعادة التأسيس لنظام أمن جماعى عربي، وما هى الضوابط والمحددات التى يجب أن تحكم هذه الحرب والتى يجب أن تحول دون تحول اليمن إلى "أفغانستان جديدة" للعرب، أو إلى مستنقع نغرق فيه جميعاً فى وقت يحتدم فيه التنافس الإقليمى على السيطرة والهيمنة بين القوى الإقليمية الشرق أوسطية الثلاث: إسرائيل وإيران وتركيا، وهو بالمناسبة تنافس على كسب النفوذ على الأرض العربية وعلى حساب المصالح العربية؟

بعد التعويل على الحليف الأمريكى وكل الإنفاق العسكرى الهائل لم يتحقق الأمن للخليج بل بات أكثر تهديداً واختراقاً، وتداعت معه كل أسس الأمن القومى العربي
أسئلة من هذا النوع فى حاجة إلى «عقل استراتيجي» للإجابة عليها يكون فى مقدوره رسم وتخطيط الاستراتيجيات العليا اللازمة للدفاع عن المصالح الوطنية والقومية ضد كل مصادر التهديد بأنواعها المختلفة. ولكن، وبكل أسف، هذا العقل الاستراتيجى مازال غائباً أو مفتقداً.

أولا- الالتزام المصري بحماية أمن الخليج
وبداية، يجب أن نؤكد أن مصر فى ظل الظروف العربية والإقليمية الراهنة شديدة التعقيد، والتى ازدادت خطورة بنجاح إيران فى الفوز ببرنامجها النووى وأصبحت قوة نووية معترفاً بها من جانب القوى الدولية الكبري، وفى ظل تشابك وتداخل الصراعات فى الأزمة اليمنية، لا تملك ترف التردد عن التدخل العسكرى.
فمصر، فى هذا الوقت بالذات، وفى هذه الأزمة بالتحديد، مطالبة بإثبات جدية التزاماتها بالذود عن الأمن القومى العربى وأمن الدول العربية الخليجية الشقيقة، وجدية مسعاها لتأسيس شراكة استراتيجية مع هذه الدول، وربط الأمن الخليجى بأمن مصر وبالأمن القومى العربى كله، خصوصاً أن هذه الدول الخليجية وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية بدأت تتشكك فى جدوى تعويلها على الحليف الدولى والأمريكى بالذات، فى ظل التطورات الجديدة التى بدأت تدفع الولايات المتحدة نحو إعطاء الأولوية لإقليم جنوب شرق آسيا على حساب التزاماتها فى إقليم الشرق الأوسط،
فعلى مدى ما يقرب من ربع قرن وبالتحديد عقب حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقى عام 1991) تفردت الولايات المتحدة بالهيمنة على أمن الخليج العربى الذى جرت عسكرته بدرجة غير مسبوقة، وأصبح «أمناً أمريكياً»، فقد فرضت تداعيات كثيرة نفسها فى عقب الأمريكى على جعل أمن الخليج مسئولية أمريكية مطلقة على حساب عروبة هذا الأمن من خلال تفعيل ما كان قد تم التوصل إليه عقب انتهاء هذه الحرب وحمل اسم "إعلان دمشق"، وكان يرمى إلى ربط أمن الخليج بالأمن القومى العربى عن طريق الإبقاء على القوات المصرية والسورية التى شاركت فى حرب تحرير الكويت كنواة لهذا الأمن الخليجي- العربى المشترك. رفض الأمريكيون إعلان دمشق ورفضه الإيرانيون أيضاً ومن ثم رفضه الخليجيون، الذين قبلوا أن تتفرد الولايات المتحدة بالدفاع عن أمنهم وبالشروط الأمريكية المجحفة وأبرزها أن تكون الاتفاقيات الدفاعية منفردة بين الولايات المتحدة وكل دولة من دول المجلس الست على حدة، الأمر الذى حال دون بلورة منظومة أمن جماعى خليجى مشترك، فضلاً عن عزل هذا الأمن عن الأمن القومى العربى وتحفيز الدول الخليجية على انتهاج سياسة تقارب مع إسرائيل على حساب التزاماتها بالقضية الفلسطينية.
المطلوب أن يكون التدخل ضمن التأسيس لشراكة استراتيجية شاملة بين مصر ودول الخليج وأن يقود إلى بناء نظام أمن جماعى عربى قادر على مواجهة كل ما يهدد الأمن القومى العربى
بعد كل هذه السنوات، وبعد كل هذا التعويل على الحليف الأمريكى وكل الإنفاق العسكرى الهائل لم يتحقق الأمن للخليج بل بات أكثر تهديداً واختراقاً، وتداعت معه كل أسس الأمن القومى العربي، وتفاقمت مصادر التهديد الداخلية واحتدمت الصراعات الإقليمية على الأرض العربية، بعد أن أصبحت القوى الإقليمية المتنافسة أكثر انغماساً وتأثيراً فى أزماتنا، فى غيبة من قوة عربية مشتركة قادرة على التصدى وفى غيبة من مشروع عربى قادر على المنافسة.
ثانيا- ضوابط ومحددات التدخل المصري
مصر تدرك هذا كله، وتدرك أن الدول العربية الخليجية أضحت أكثر اقتناعاً بضرورة التعويل على القوة العربية والحليف العربى وبالذات على القوة المصرية والدور المصري، ولا يمكن لمصر أبداً إلا أن تكون على مستوى تلك الثقة وأن تبادر بالاستجابة لطلب التدخل العسكرى فى الأزمة اليمنية ولكن بشروط وضوابط ومحددات لابد منها.
1- أن يكون التدخل العسكرى المصرى فى الحرب اليمنية ضمن عملية تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة، وضمن مسعى التأسيس لقيادة عسكرية عربية مشتركة. بمعنى ألا يكون التدخل أشبه بعملية "مقاولة من الباطن" أى المشاركة فى عملية عسكرية وانتهى الأمر، ولكن المطلوب أن يكون التدخل ضمن التأسيس لشراكة استراتيجية شاملة بين مصر ودول الخليج (عسكرية- سياسية- اقتصادية) وأن تقود هذه الشراكة إلى بناء نظام أمن جماعى عربى قادر على مواجهة كل ما يهدد الأمن القومى العربى ومصالح الدول العربية. ضمن هذا الفهم فإن دول الخليج تواجه اختباراً مزدوجاً لمدى جدية التزاماتها بالشراكة الاستراتيجية مع مصر، الاختبار الأول الموقف الخليجى من دعوة الرئيس الأمريكى لقادة الخليج للقاء يعقد قريباً فى كامب ديفيد للبحث فى القضايا الساخنة بالمنطقة على ضوء توقيع الاتفاق الإطارى لأزمة برنامج إيران النووي، أما الاختبار الثانى فهو مدى التجاوب الخليجى للبحث مع مصر فى مواجهة خطر "داعش" فى ليبيا والتوافق على حل سياسى للأزمة السورية، ودور مشترك لاسترداد العراق من النفوذ الإيراني.
أن يكون ضمن أولويات التدخل فرض توازن قوى جديد فى اليمن لصالح القوى الوطنية والديمقراطية وعلى حساب كل قوى الإرهاب والتطرف
2- أن يكون تدخلاً عسكرياً بأفق سياسى واضح ومحدد المعالم من خلال وضع أهداف سياسية للتدخل لا نحيد عنها، وأن يكون الحل السياسى حلاً يمنياً بدعم عربى وفق مخرجات الحوار الوطنى اليمني.
3- أن يكون ضمن أولويات التدخل فرض توازن قوى جديد فى اليمن لصالح القوى الوطنية والديمقراطية وعلى حساب كل قوى الإرهاب والتطرف دون استثناء سواء كان إرهاب "الحوثيين" أو "القاعدة" أو "داعش". فخطر "القاعدة" و"داعش" لا يقل أبداً عن خطر "الحوثيين".
4- أن يكون هذا التدخل تحت "الراية العربية" وحدها، وضمن محددات المشروع العربى وأن يكون هدفه هو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وإرساء قاعدة ومبدأ "المواطنة المتساوية" لكل اليمنيين على حساب كل الهويات الطائفية أو المناطقية البغيضة التى تفتت الأوطان وتزعزع وحدتها.
ضوابط تحفظ لمصر مكانتها وكبرياءها، فضلاً عن أنها تؤمن مسارا مستقبليا لتأسيس شراكة عربية فعَّالة ونظام عربى أكثر اقتداراً.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟