المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

التفكيك و البناء: سيناريوهات إعادة الأمل في اليمن

الثلاثاء 28/أبريل/2015 - 10:46 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي
يوم الأربعاء 25 مارس الماضي، تقدمت مليشيات الحوثي مدعومة بقوات الرئيس السابق علي عبد اللـه صالح إلى جنوب اليمن لإسقاط محافظات الجنوب وعلى رأسها عدن، بعد أن سقطت في أيديهم جميع المحافظات الشمالية باستثناء مأرب، فانطلقت عملية عاصفة الحزم في الساعة الأولى من يوم الخميس 26مارس تقودها السعودية وتشارك فيها عدة دول عربية. وبعد أربعة أسابيع، تعلن قيادة العملية انتهاء عاصفة الحزم، والبدء في عملية استعادة الأمل. فهل تحققت أهداف العملية أم أن التسوية واستعادة الأمل في اليمن لا يزالان قيد التشكل يلفهما الغموض. في هذا المقال نحاول إعادة قراءة المشهد اليمني قراءة تفكيكية لعلنا نفهم كيف يمكن أن يستعيد اليمن الأمل المفقود.

أولا:  شرعية عبد ربه منصور هادي
 في نهاية نوفمبر 2011، وقّع علي عبد اللـه صالح على اتفاقية نقل الصلاحيات وترك السلطة، وبعد ثلاثة أشهر عقدت الانتخابات الرئاسية، في أجواء متفائلة بسبب: أولا، توافق غالبية القوى السياسية على مرشح واحد، في بادرة اعتبرها كل المحللين أنها مبشرة بيمن جديد. ثانيا، ارتفاع نسبة مشاركة اليمنيين في الانتخابات لتصل إلى أكثر من 65% من جملة الناخبين. ثالثا، تزكية المرشح الوحيد بنسبة 99,8% ما يدل على أن الشارع اليمني، يبارك ما توافقت عليه القوى السياسية. رابعا انتخاب شخصية  منحدرة من الجنوب، ولا تنتمي لقبائل حاشد المحتكرة للسلطة والثروة.
أن القوى السياسية القديمة والقوى البازغة (الحوثيين) جميعهم وجدوا في شخصية عبد ربه المهادنة غير التصادمية، فرصة للتوغل والهيمنة
ولم يعكر صفو هذه الانتخابات سوى دعاوى المقاطعة التي أطلقها الحوثيون، وبعض قادة الحراك الجنوبي، غير أن احتشاد الناخبين بالنسبة المذكورة، وثقتهم في المرشح التوافقي ثبط مؤقتا من أثر تلك الدعوات. وعليه فإن عبد ربه حاز السلطة عبر شرعية لا لبس فيها، في لحظة زخم ثورية، مرت على اليمن كسحابة صيف، بسبب حالة التربص، وتحين الفرص للانقلاب عليه.

ثانيا: أطماع السلطة، القوة الثلاثية
يبدو أن القوى السياسية القديمة (تيار علي عبد اللـه صالح، وتيار الإخوان) والقوى البازغة (الحوثيين) جميعهم وجدوا في شخصية عبد ربه المهادنة غير التصادمية، فرصة للتوغل والهيمنة. والحق أن المبادرة الخليجية، بحلها التقليدي، قد أسهمت في تكريس إقصاء المكونات اليمنية المهمشة، واستحالة أحلامهم الى أضغاث. فرغم أن المبادرة قد نجحت في نزع فتيل الأزمة اليمنية، فإنها لم تقض على مسببات اشتعالها مستقبلا. وكأنها نزعت فتيل الثورة، وأبقت على الهيمنة السياسية والاقتصادية  لقبائل حاشد، وخاصة  آل الأحمر، وفرضت على الثورة اليمنية، منح الحصانة للرئيس المخلوع وأسرته، وتصل المفارقات ذروتها ببقاء صالح رئيسًا لحزب المؤتمر الشعبي.
وهو ما حدث بالفعل، فلم تكد الأمور تستتب، وتبدأ مرحلة التحضير لعمليات التحول الديمقراطي، حتى ظهرت بشكل مفاجئ قوة ثلاثية، من الحوثيين وعلي عبد اللـه صالح، المدعومين من إيران.  تحاول هذه القوة الثلاثية، صناعة التوتر وعدم الاستقرار، لكي تستخدمه مبررًا للخروج على الشرعية ورفض الحوار، ثم الانقلاب التام على السلطة المنتخبة.ومثلت الطائفية نفقًا خفيًا لتحقيق مآرب هذه القوى: أولا، فالحوثيون من جهتهم على يقين بأن التحول الديمقراطي في اليمن لن يمكنهم من السلطة في مجتمع غالبيته من السنة. ثانيا، أما صالح فإنه يطمح في أن تستعيد أسرته السلطة مرة أخرى، لحماية ثرواتهم، وهو المتحكم فعليًا في  أقوى ألوية الجيش اليمني الذي بناه على عينيه طوال عقود سابقة، لكي يكون جيشا عائليا ولاءه لأسرة صالح. ثالثا، ويبدو أن توغل التمساح الإيراني في سوريا والعراق قد فتحت شهيته لابتلاع الجزيرة العربية، فقدم دعما غير محدود للحوثيين وقوات علي عبد اللـه صالح، ظنا منه أن اللحظة الذهبية قد حانت.

ثالثا: تأجيج الطائفية.. أحداث دماج عود على بدء
قبيل تشكيل التحالف الثلاثي المذكور، سعى الحوثيون إلى تأجيج الصراع الطائفي، باعتباره البيئة الحاضنة للصراع السياسي في الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين. مع أن اليمن لم يشهد أزمة طائفية ذات بال في تاريخه، فالعلاقة بين الزيدية والشافعية، تمثل نموذجًا للعلاقات الطيبة بين السنية والشيعية، حيث يحترم اليمنيون علماءهم من كلا الجانبين، كالإمام الشوكاني، وابن الأمير الصنعاني، والإمام عبد العظيم الحوثي، وغيرهم.
أن توغل التمساح الإيراني في سوريا والعراق قد فتحت شهيته لابتلاع الجزيرة العربية، فقدم دعما غير محدود للحوثيين وقوات علي عبد اللـه صالح، ظنا منه أن اللحظة الذهبية قد حانت.
على أية حال، فإن بداية خلق الأزمة الطائفية، ترتد إلى نقطة لها تاريخ في أقـلَمَة المشكلة الطائفية، وهي منطقة دماج في محافظة صعدة، التي شهدت في عام 1981، إنشاء دار الحديث، لتدريس العلوم الدينية بمنهج سلفي وهابي، وقد مُولت هذه الدار تمويلا خارجيا سخيا، فغدت قبلة الدارسين ليس من  داخل اليمن فقط، وإنما من مختلف أرجاء العالم. ومن الطبيعي أن يثير تأسيس دار الحديث في ذلك الوقت ردود أفعال غاضبة، باعتبار أنها تقع في منطقة زيدية، ومن هنا نشأت حركة الحوثيين في الشمال، التي دخلت في صراع طويل مع الدولة اليمنية، خاصة بعد مقتل حسين الحوثي في عام 2004، واستمر الصراع  حتى اندلاع الثورة. ومن هنا أيضًا ارتبطت المسألة الطائفية في اليمن، بإرادة   قوى إقليمية، وبالتحديد إيران والمملكة السعودية.
وبعد الثورة شهدت دماج مرحلتين من الصراع الطائفي، المرحلة الانتقامية بعد اندلاع الثورة بسبعة أشهر، جرى خلالها محاصرة دماج من قبل الحوثيين، حصارًا انتقاميًا، منع فيه الحوثين إمداد المدينة بالمواد الغذائية والطبية، كما منعوا الدخول إليها أو الخروج منها. وساعدهم على ذلك تواطؤ قوات الجيش الموالية لصالح، ولم تكن أبعاد المؤامرة بين صالح والحوثيين معروفة آنذاك.
ثم شهدت المدينة مرحلة الاستعراض والإرهاب الذي يمارسه الحوثيون لخلق الأزمة، مدعومين من ايران، حيث حوصرت دماج مرة أخرى في أكتوبر عام 2013، وقصفت بالأسلحة الثقيلة، قتل خلال هذه الاشتباكات أكثر من 200 فرد من سكان المدينة، ولم ينته الحصار إلا في يناير 2014، بعد أن رضخت الدولة لمطالب الحوثيين – بسبب تهديدهم المتكرر بمقاطعة الحوار الوطني، والامتناع عن  التوقيع على وثيقة مخرجات الحوار -  وأُرغم طلاب دار الحديث وأسرهم (نحو عشرة آلاف فرد) على مغادرة المدينة، ودخلها الحوثيون، رافعين شعاراتهم الطائفية.
لم تكن دماج سوى نقطة الانطلاق، استغلت فيها الطائفية، لتبرير عرقلة العملية السياسية الدائرة، وكسب الوقت لحين التمكن من السيطرة على العاصمة، وهو ما حدث بالفعل. فقد نجح الحوثيون في غضون شهور قليلة بعد عملية دماج في فرض إرادتهم على الدولة، بالقوة المدعومة من ايران، وتخلي القوات الموالية لصالح والمحسوبة على الجيش اليمني، وهكذا انطلق الحوثيون لإتمام السيطرة على صعدة، ثم محافظة عمران ثم العاصمة... إلخ.

رابعا: مارثون الحوار الوطني
انطلقت جلسات الحوار الوطني في مارس 2013، واستمر لمدة عشرة أشهر كاملة، برعاية الأمم المتحدة، وقد عانى الرئيس اليمني الأمرّين من كل القوى السياسية اليمنية تقريبًا، وكان عليه أن يتعامل بصبر وحكمة، مع التهديدات شبه اليومية بمقاطعة جلسات الحوار. وبذل كل جهد ممكن وبإخلاص من أجل أن ترسو سفينة الحوار إلى بر الأمان. ويتضح للقارئ أن الاستمرار في الحوار، في ظل هذا التربص والتآمر لعرقلته، يعتبر نجاحًا في حد ذاته. على أية حال فقد عقدت جلسته النهائية في 25 يناير 2014، ووقع الحوثيون - بعد مماطلات ومراوغات ومفاوضات ماراثونية-  مع بقية الأطراف على ما يسمى بـ"وثيقة مخرجات الحوار الوطني"، وهي في جوهرها تعد إحياءً لمبادئ الثورة اليمنية الأم 1962. تشمل الوثيقة، اتفاقا يضع حلولا وتأطيرًا لقضايا: الجنوب، الدستور، البرلمان القادم، ومشكلة الميليشيات المسلحة، نظام الأقاليم والدولة الاتحادية.
"وثيقة مخرجات الحوار الوطني"، تمثل إحياءً لمبادئ الثورة اليمنية الأم 1962وتشمل حلولا وتأطيرًا لقضايا: الجنوب، الدستور، ومشكلة الميليشيات المسلحة، نظام الأقاليم والدولة الاتحادية
غير أن أهم بنود الوثيقة، ذلك المتعلق باعتماد نظام الأقاليم أو الفيدرالية، كركيزة لنظام الحكم في اليمن الجديد، ما يعني: (1) توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في إدارة شئون الدولة على المستويين المحلي والفيدرالي. (2) سحب البساط من تحتقبائل حاشد المهيمنة سياسيا واقتصاديا على اليمن منذ الاستقلال. (3) يقضي نظام الأقاليم على أحلام الحوثيين في استعادة دولة الإمامة. (4) يؤدي كذلك إلى عرقلة التمدد الإيراني في اليمن. (5) بالإضافة إلى أن حاشد والحوثية يتركزون في إقليم واحد تقريبا، ما يعني أن خسارتهم مضاعفة، لذلك فقد رفضوا هذا التقسيم. (6) تحافظ الوثيقة على وحدة شطري اليمن، وتَحُول دون انفصال الجنوب.
 وجملة القول: إن وثيقة مخرجات الحوار الوطني، تؤسس لدولة كل اليمنيين، وتمثل انتصارا لإرادة المهمشين والبسطاء. وهي وثيقة تضع حدًا للمشكلات المزمنة التي تراكمت داخل المجتمع اليمني عبر السنين. لكن هل تقبل الأطراف الخاسرة بميلاد الحكم الرشيد في اليمن، وهل ترضى بالتقسيم العادل للسلطة والثروة؟
خامسا: خلق الأزمة .. نقض العهد .. والانقلاب على الشرعية
 لم يعدم التحالف الثلاثي الوسيلة لاختلاق الأزمة تلو الأزمة، لوقف مسيرة التحول السياسي في اليمن، فبعد أن سيطروا على مدينة دماج، منعوا القوات الحكومية من الانتشار في صعدة، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت سلسلة معارك لفرض الأمر الواقع على الجميع، والانقلاب الصريح على الشرعية، لمنع تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
بدأت هذه المعارك بالسيطرة السهلة على محافظة عمران، وهي المعقل الرئيس لأسرة الأحمر، التابعة للإخوان المسلمين، ونظرا لتكبر آل الأحمر، وفسادهم، واستئثارهم بالمناصب العليا، ونهبهم لثروات اليمن (الملياردير حميد بن عبد اللـه الأحمر، هو المحتكر لعقود بيع النفط اليمني)  فقد لزم غالبية سكان المحافظة الحياد نكاية فيهم لا حبًا في الحوثيين.
وبحلول يوليو 2014 كانت صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، في أكبر عملية خديعة تعرض لها الشعب اليمني، ففي غمضة عين، سلمت أجهزة الأمن العام والأمن القومي وديوان وزارة الدفاع مقراتهم للحوثيين دون مقاومة. وتوالى بعد ذلك سقوط المحافظات الشمالية الواحدة تلو الأخرى. في هذه اللحظة التاريخية، اكتشف الشعب اليمني أنه بلا جيش، وأن صالح حوّل الجيش إلى ميليشيات عائلية. كما اكتشف اليمنيون أن هذا الأخير قد وضع يده في يد الحوثيين وإيران، لاقتناص السلطة عنوة ومنع التحول السياسي والدستوري والإداري الذي بشرت به وثيقة مخرجات الحوار الوطني.
ومرة أخرى يلوذ الرئيس اليمني بأقصى درجات الحكمة، ربما لقلة الحيلة والصمت الإقليمي المحير، محاولا نزع فتيل الحرب الأهلية، ودفع الحوثيين وصالح إلى وقف العنف، ونجح في نهاية سبتمبر 2014،  وبمساعدة الأمم المتحدة في إبرام ما عرف باتفاق السلم والشراكة، الذي  يقضي بتشكيل حكومة كفاءات وطنية بقيادة خالد بحاح، وانسحاب الحوثيين من المقرات الحكومية في العاصمة، والمنشآت الحيوية، وتسليمها للدولة. وتشكلت الحكومة بعد عدة أسابيع من مماطلة حزب المؤتمر، والحوثيين، واعتراضهم على تقسيم الحقائب الوزارية، وفي النهاية تشكلت الحكومة وحصل تحالف صالح – الحوثي على أكثر من 50%  من الحقائب الوزارية. مع ذلك لم يلتزم صالح والحوثيون  بشيء مما جرى الاتفاق عليه، ولم يتوقفوا عن التمدد في كل المحافظات الشمالية، وجرى التضييق على الحكومة الجديدة بهدف منعها من تحقيق أية نجاحات، وبلغت المأساة ذروتها بمحاصرة القصر الرئاسي، ثم إحكام السيطرة عليه في 18 يناير 2015.
سادسا: فقدان الأمل واستقالة الحكومة والرئيس
في مثل هذه الظروف التي يفقد فيها رئيس دولة قوات حرسه الجمهوري، والقوات الخاصة، وبعض ألوية الجيش، ويتم التضييق على حكومته، ويفرض المتمردون سيطرتهم على الشارع، وعلى المقار الحكومية والمنشآت الحيوية حتى احتلال القصر الرئاسي، يصبح من المستحيل استمرار هذا الرئيس وحكومته في تحمل المسئولية. وهو ما حدث في 21 يناير حين تقدم خالد بحاح باستقالة حكومته للرئيس عبد ربه، وفي اليوم ذاته يقدم الرئيس استقالته للبرلمان، ذاكرا في أسباب استقالته، أنه لم يعد قادرا على تحقيق الهدف والخروج باليمن إلى بر الأمان.
 في اليوم التالي مباشرة، يجتمع البرلمان ويرفض استقالة هادي، وحتى لو قبلت الاستقالة  في ذلك اليوم، فيكفي عبد ربه أنه انتزع وثيقة مخرجات الحوار الوطني من بين انياب المجتمع التقليدي، ومن بين أنياب القوى المتربصة الطامعة في السلطة بفرض إرادتها بالقوة المتعسفة، وربما يعتب بعض المحللين على الرجل أنه، كان مهادنًا، ويصفه البعض الآخر بالضعف، غير أن المدقق في الظروف التي تحمل فيها المسئولية، وضخامة التحديات والمعوقات التي وضعت أمامه، لا بد أن ينصف الرجل، ويرى في حكمته وعدم سعيه للصدام، قوة ناعمة أثمرت في النهاية رغم كل الخسائر، وثيقة تنقل اليمن إلى مكانها المستحق بين الدول الديمقراطية الحديثة.
إن عملية عاصفة الحزم كانت تهدف إلى تغيير موازين القوة العسكرية في اليمن لصالح القوات الشعبية الموالية للشرعية
سابعا: التهور الحوثي.. وعاصفة الحزم
أراد الحوثيون وصالح بمؤازرة إيران، فرض حالة جديدة على المشهد السياسي اليمني، تتيح لهم التنصل من مخرجات الحوار الوطني، وفي لحظة تمكن مؤقتة، أبصر المتحالفان، وقد أمسكا بخيوط القوة، مؤسسات الدولة شبه منهارة، معظم ألوية الجيش بعتاده الثقيل في أيديهم والدعم اللوجستي قائم بين الحليف الإقليمي وبينهم، في هذه اللحظة - خاصة بعد استقالة هادي وحكومته- لم يكن هناك تكافؤ في القوة بين أطراف الصراع، ومن ثم فإن تمدد الحوثيين وقوات صالح في المدن اليمنية حدث بلا مقاومة تقريبا، فاليمنيون بخبرتهم يعلمون أن المواجهات الخاسرة لا ضرورة لها. وكأنهم بذلك يدفعون بالحوثي وصالح نحو المنحدر الشديد، ما أغرى المتحالفين بالاعتقاد أنهم قاب قوسين من حكم اليمن بطريقتهم. ولم يبق لهم سوى السيطرة على عدن العاصمة البديلة التي اتخذها هادي مقرًا للحكم بعد تمكنه من مغادرة القصر الرئاسي في صنعاء. السيطرة على عدن تعني عمليًا السيطرة على اليمن الجنوبي بأكمله. ويصبح على الجميع داخل اليمن وخارجه أن يتعامل مع القوة المغتصبة للسلطة.
وفي ذات السياق، يصرح مستشار الرئيس الإيراني، بأن الامبراطورية الساسانية تُبْعَثُ من جديد بعد السيطرة على خمس عواصم عربية، تصريحًا يثير حفيظة وانتباه الدول العربية بالكامل، لقد بدت الأمور وكأن إيران تحقق مكاسب يومية على جميع الجبهات في العراق والشام والجزيرة العربية.
 ويبدو أيضا أن تغيير المعادلة على الأرض في اليمن شبه مستحيلة بالطرق السياسية، لأن صالح والحوثيين يريدون إفساد اللعبة السياسية الجارية منذ الثورة بالقوة المتعسفة. كما يبدو أيضًا أن انتصار القوات الشعبية الموالية للرئيس هادي، هو انتصار مستحيل، ما لم تتدخل قوة خارجية في تدمير الآلة العسكرية للمتحالفين. دون الدخول في تفاصيل فإن عملية عاصفة الحزم كانت تهدف إلى تغيير موازين القوة العسكرية في اليمن لصالح القوات الشعبية الموالية للشرعية. وهو ما حدث بالفعل، فعقب التوقف شبه التام لعاصفة الحزم، ظهرت اللجان الشعبية في شوارع الجنوب، محدثة بعض النجاحات، حتى وإن كانت محدودة، ولكن ذلك أفضل من حالة انعدام القدرة على المواجهة الذي كان سببا في تمدد القوات المتمردة قبل عاصفة الحزم.

ثامنا: نتائج عاصفة الحزم
عاصفة الحزم، غيرت إلى حد كبير موازين القوة العسكرية، ومنعت عن القوات المتمردة الإمداد الخارجي، بحظر بحري وجوي محكم. ونجحت الدول المشاركة فيها في استصدار قرار مجلس الأمن 2216، كما نجحت في خلخلة الأرض من تحت أقدام صالح، بتغيير جزئي في موقف حزب المؤتمر الشعبي، ومن نتائجها كذلك إعلان حزب التجمع اليمني للإصلاح موقفه المؤيد لعاصفة الحزم. وصار واضحا بعد بدء العمليات العسكرية، أن خمسة من أقاليم اليمن الستة، تؤيد شرعية عبد ربه.
 لكن في المقابل لم يتمخض عن ذلك عودة الرئيس عبد ربه ليمارس مهامه من داخل اليمن، ولم يعلن التحالف المتمرد بشكل صريح قبوله الانخراط مرة أخرى في العملية السياسية، رغم الحركة النشطة لممثلين عن صالح، وعن حزب المؤتمر، في بعض العواصم العربية، ومنها الرياض. وشأن أي حرب فقد ساءت الأحوال المعيشية لليمنيين أكثر من أي وقت مضى، وزادت معاناة أهل اليمن وانخفضت الروح المعنوية للجميع.

تاسعا: سيناريوهات استعادة الأمل
 بناء على ما سبق يمكن توقع عدد من السيناريوهات:
(1) رفض التسوية السياسية، مع عدم تدخل قوات برية خارجية في اليمن، وفي هذه الحالة، فإن أمد الصراع سوف يطول ربما لعدة سنوات قادمة، ويتحكم في طول هذه المدة أو قصرها، العزلة التي تُفرض على تحالف صالح ـ الحوثي، من داخل المجتمع اليمني ذاته، بالإضافة إلى استمرار حظر إمدادها بالسلاح من الخارج، وانتظام القوات الشعبية الموالية للشرعية تحت قيادة موحدة مع استمرار تسليحها.
(2) انهيار الدولة والفوضى التامة: وهو سيناريو قائم في حال دخول القاعدة – أو داعش -  طرفا في الصراع، مع أن أكثر الباحثين اليمنيين، يقللون من أهمية هذا المتغير، ويذهبون إلى أن أعداد القاعدة في تقلص مستمر، بل إن البعض يذهب إلى أن قطاعًا كبيرًا من التنظيم يتبع علي عبد اللـه صالح. لكن استمرار القتال دون أن يحقق أي طرف انتصارًا حاسمًا، سوف يمثل فرصة سانحة لتثبيت أقدام القاعدة على الأرض. خاصة وأن التنظيم في حالة كمون شبه تام منذ احتدام الأزمة.
(3) نجاح جهود المصالحة في تحقيق تسوية سياسية، بسبب الضغوط الدولية المستمرة، وهذا السيناريو  يتطلب تغيرًا في الموقف الإيراني، ورضوخًا من تحالف صالح ـ الحوثي، وتمسكًا من قيادات تحالف دعم الشرعية في اليمن بالتسوية على أساس وثيقة مخرجات الحوار التي تحقق آمال الغالبية العظمى من اليمنيين. وربما ينجح المبعوث الأممي الجديد في إشاعة التفاؤل والثقة المفقودة في دور الأمم المتحدة.
 (4) التدخل البري لقوات التحالف العربي لدعم الشرعية، وهو السيناريو الأكثر تكلفة ماديا وبشريا على اليمن وعلى قوات التحالف، بسبب الطبيعة اليمنية العنيدة، والنجاح فيه مرهون بالتدمير التام للبنية العسكرية لتحالف صالح ـ الحوثي، واقصاءهما تماما من أي دور مستقبلي في اليمن، ما يبقي على مسببات الصراع دون حل.
خاتمة القول، نأمل أن يتحقق السيناريو الثالث، مع الأخذ في الاعتبار أن تطلعات الشعب اليمني، لن تتحقق إلا إذا تنبّهت جميع الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، إلى ضرورة تخليص اليمن من الآلة العسكرية التي تهدد وجود الدولة، وضمان حماية اليمن من الأطراف الإقليمية، التي لم تنفك تستثمر في العصبية وشراء الولاء القبلي والطائفي لتحقيق المصالح والمآرب. والبدء دون إبطاء في تقديم كل أشكال الدعم لإعادة إعمار اليمن، وتهيئة المجتمع اليمني للدخول إلى عالم الدول الآخذة في النمو. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟