المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الدور المفقود: الإعلام ومواجهة العنف الدينى

الخميس 21/مايو/2015 - 10:01 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
نبيل عبدالفتاح
حديث الساعة هو مشاكل الإعلام المرئى والمسموع والمكتوب فى مصر، والأدوار الخطيرة التى يلعبها بعضهم فى إشاعة الاضطراب والفوضى والعنف اللفظى والخطابي، والتداخل بين الإعلام الخاص، وبعض رجال الأعمال، واستخدامه فى ممارسة الضغوط السياسية على السلطة الحاكمة، والأخطر فى تراجع مستويات المهنية والقواعد الأخلاقية والقيمية التى تؤطر الممارسة الإعلامية. وأخطر ما فى هذه الممارسة هو تنشيط بعض أشكال العنف اللفظي، والدينى والمذهبى سعيا وراء الرواج واستقطاب الإعلانات.
إن أهمية أى تصور وسياسة لمواجهة العنف يتمثل فى ضرورة الحد من مصادر إنتاجه وأسباب اندلاعه، عبر عمليات منظمة لاحتوائه، والحد من آثاره على الاندماج القومي
أولا- مقترحات تطوير السياسة الإعلامية
منذ أكثر من عشر سنوات حاولنا وضع مقترحات عملية لتطوير السياسة الإعلامية وأداءاتها فى مواجهة العنف، وذلك فى مؤلفنا سياسات الأديان ولا يزال بعضها صالحا لهذه اللحظة.
كيف يمكننا أن نصوغ رؤى إرشادية عملية، لصناعة سياسة إصلاحية عملية، فى المؤسسة الإعلامية، ترمى إلى المساهمة الوقائية فى تخفيف منابع العنف، واحتوائه، وتطويق آثاره، فى هذا الصدد أود أن أوضح ما يلي:
1- إن إمكانية منع العنف أو تصفية منابعه يبدو وهما، لأنه جزء من تركيبة الاجتماع الإنسانى أيا كانت مرحلة تطوره- لأنه ينتج عبر صراعات وتنافسات الثروة والسلطة والرموز والمعتقدات والأطراف واللغات.. الخ بين قوى وفئات اجتماعية مختلفة.
2- إن أهمية أى تصور وسياسة لمواجهة العنف ولاسيما ذا الوجوه الدينية والطائفية يتمثل فى ضرورة الحد من مصادر إنتاجه وأسباب اندلاعه، والقدرة على التعامل معه أثناء اشتغاله، عبر عمليات منظمة لاحتوائه، والحد من آثاره السلبية على الاندماج القومي، وأرواح المصريين وغيرهم داخل مصر، وأموالهم، ونفسياتهم ورموزهم.. الخ.
انطلاقا من الاعتبارات السابقة نطرح الأفكار التالية.

ثانيا- المؤسسة الإعلامية ومواجهة العنف
لا يخفى بداءة أن ثمة تداخلا وتكاملا بين السياسات الإصلاحية وإدارة المؤسسات المختلفة التعليمية والإعلامية والدينية والسياسية، إن تحفيز العقل الناقد، يعتمد أيضا على سياسة تعليمية تنتج هذا العقل فى مراحل التعليم المختلفة، ومن ثم يعد العقل المقموع والقمعى تعبيرا عن سياسات فى التنشئة الاجتماعية والسياسية تسيد هذا النمط القمعي. من هنا قصارى ما نطلبه ونرمى إليه هو تحفيز النزعة نحو تكوين العقل الناقد من قبل المؤسسة الإعلامية، إن هذا الهدف صعب المنال فى ظل الظروف السائدة منذ عقود عديدة حيث السلفية سنة فكرية، والولع بكل ما هو قديم لأنه ذاك، يبدو سمت تفكير وسلوك كثيرين فى مصر فى هذا الإطار نحن إزاء مهمة بالغة العسر والصعوبة معا فى إطار هذه الصعوبات كيف يمكن التعامل معها؟.
إن تدهور وعنف لغة الإعلام كانت عاملا من عوامل السجالات والهجاءات العنيفة التى حجبت أى حوارات جادة ورصينة فى مصر، مع تدنى مستويات الأداء والقيم المهنية
التعامل مع تعقيدات الوضع الإعلامى بمكوناته ومشكلاته يعتمد على النزعة التدرجية، وفى هذا الإطار لابد من أن يكون محور الحركة هو الإعلاميين والفنيين أساساً، وفى هذا المضمار نقترح ما يلي:
1- برنامج - يتضمن ندوات وورش عمل وتدريب- يرمى إلى تجفيف منابع إنتاج العنف فى أجهزة الإعلام، من خلال برامج لإعادة تأهيل الأجيال الجديدة من الصحفيين والإعلاميين حول القيم المهنية وأصول المهنة ومدارسها وتطورها عالميا.
2- تخطيط سياسات تحريرية جديدة تدور حول العقلانية والمواطنية، والنزعة النقدية، والسلام الاجتماعى ومواجهة الخرافات.
3- تفعيل ميثاق الشرف الصحفى وتطوير بعض مكوناته فى ضوء المتغيرات الجديدة. إن ذلك يبدو أمراً بالغ الأهمية، لأن الجوانب الخلقية والقيمية والمهنية أساسية فى تطوير أى أداء مهنى أو مؤسسي.
4- التدريب على برامج حول اللغة كنسق لإنتاج النزاعات الداخلية وعليها، وكأداة للوقاية. إن هذا الأمر من الأهمية بمكان خاصة فى ظل متابعة الكتابات والمعالجات اللغوية المولدة للعنف - ذى الطبيعة الدينية والطائفية - لأن اللغة كما يذهب هايدجر هى أخطر النعم، يسأل الفيلسوف المبرز كيف كانت اللغة «أخطر النعم»؟ يجيب إنها خطر الأخطار جميعا لأنها «هى» التى تبدأ بإيجاد «إمكانية» الخطر. والخطر هو الذى يحمله الموجود للموجود. واللغة كما يذهب بعضهم متفجرات. إن استخدام بعض الأوصاف العنيفة أو السلبية أو الحاطة بالكرامة، أو التى تميز مواطنا عن آخر لأى سبب دون سند موضوعي، يؤدى إلى توليد عنف رمزى ومعنوي. فى الإعلام المصرى يمكن القول إننا إزاء ممارسات لغوية شائعة تفتقر إلى المهنية والموضوعية، وتحتاج إلى وقفة حازمة فما بالنا بما هو أخطر ألا وهو التوظيف العنيف للغة فى التعبير الإعلامي. يمكن القول إن تدهور وعنف لغة الإعلام كانت عاملا من عوامل السجالات والهجاءات العنيفة التى حجبت أى حوارات وجدالات جادة ورصينة فى مصر على نحو ما شاهدنا لمدة أكثر من ثلاثة عقود ويزيد، وفى أعقاب الانتفاضة الثورية، وحتى اللحظة الراهنة، مع تدنى مستويات الأداء والقيم المهنية.
5- إعداد برامج تدريبية حول حالة الأديان ومؤسساتها وظواهرها وخطاباتها فى مصر، وخبراتنا فى التكامل والاندماج القومى ومساراتها وتحولاتها ومشكلاتها خلال العقود الأخيرة من خلال رؤية نقدية.
6- برامج حول دولة القانون والمواطنة وتطوراتها النظرية المعاصرة.
7- تفعيل الدور الوقائى لنقابة الصحفيين، فى رصد تجاوزات الصحف والصحفيين والكتاب فى مجال الحض على العنف أو تبريره أو تسويفه بين الجمهور أيا كان هذا العنف ذا وجه دينى أو طائفي، أو رمزى أو جنائى.
8- تشجيع مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، والمواطنين على تنظيم حملات للكتابة للصحف للرد على كتابات ومعالجات بعض الكتاب والصحفيين ومقدمى البرامج التى تمس أصول العقائد، أو تروج لأفكار دينية غير صحيحة. وأنا هنا أستمد هذه الفكرة من تجربة بعض الجمعيات الطوعية الماليزية ضد بعض الكتابات التى تروج لانتهاكات وصور للمرأة تخالف صحيح الإسلام وأصوله وهى حملات مكثفة ويمكن تعبئة متدرجة بالمئات والآلاف ثم مئات الآلاف، والمليون رسالة رد.
9- برامج لمحررى الحوادث والأقسام القضائية فى الصحف والتلفاز والإذاعة ومعدى ومقدمى البرامج- تدور حول التنظيم القضائى والخصومة القضائية المدنية والخصومة القضائية الجنائية وأصولها وقواعدها الأساسية، لتلافى الأخطاء المهنية الجسيمة، التى ترتكب فى التغطية الخبرية، والتحقيقات والحوارات، والمقابلات مع مصادر قضائية وأمنية، والتى ترتكب تزيينا للعنف السياسى أو الجنائي، أو تحقيراً من شأن أبرياء لم تثبت إدانتهم بعد، وفق القاعدة الدستورية الراسخة المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وقرينة البراءة إلى أن يثبت عكسها فى محاكمة قانونية عادلة وعادية. ويتضمن البرنامج أصولا وقواعد للنشر بخصوص الجرائم السياسية والتى يصاحبها عنف ذو وجه دينى أو طائفى حتى لا تؤدى التغطية الصحفية إلى إنتاج مزيد من الانقسامات المجتمعية وتغذيتها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟