المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تفريغ الأرض: شرعنة المشروع الاستيطاني على أنقاض التعايش المشترك

الخميس 28/يناير/2016 - 11:37 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد السعيد إدريس
يومًا بعد يوم يؤكد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية والأحزاب اليمينية المتشددة المتحالفة معه ومع حزبه "الليكود" عزمهم على تهويد الضفة الغربية من خلال التوسع الاستيطاني غير المحدود ليشمل كامل الضفة والقدس الشرقية، توطئة لفرض مشروع الدولة اليهودية أحادية القومية والإجهاز نهائيًا على "خيار الدولتين" الذي يتبناه المجتمع الدولي.
ففي الوقت الذي تتفاقم فيه العمليات الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني في القدس الشرقية والضفة الغربية من جانب منظمات يهودية متطرفة مدعومة من الحكومة تنشط الحكومة في توسيع مخطط الاستيطان، وتعد العدة لـ "شرعنة المشروع الاستيطاني" عبر وثيقة قانونية تشرف عليها نائبة وزير الخارجية المستشار القضائي للوزارة "تسيبي حوطوبلي" متحدية القانون الدولي والمواثيق الدولية. كل هذا يحدث في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى دفع العرب الفلسطينيين سكان إسرائيل إلى مغادرة البلاد من خلال مخطط التيئيس، وتصفية ما كان يُعرف بـ "سياسة العيش المشترك" أي تعايش عرب فلسطين المحتلة عام 1948 مع واقع الدولة الإسرائيلية على وطنهم الفلسطيني.
أولاً: وثيقة شرعنة ضم الضفة الغربية
عكفت وزارة الخارجية الإسرائيلية على إعداد وتصميم وثيقة قانونية تهدف إلى "شرعنة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية" من خلال اللجنة التي ترأستها تسيبي حوطوبلي نائبة وزير الخارجية المستشارة القضائية للوزارة، وعضوية نخبة من رجال القانون واللجان القضائية، وبعد الانتهاء من صياغة المسودة التي جرى اعتمادها بدأت الوزارة مدعومة من ديوان عام رئيس الحكومة بتوزيع هذه الوثيقة على السفارات الأجنبية في جميع أنحاء العالم بمختلف اللغات.
وتستند هذه الوثيقة إلى تقرير "إدموند ليفي" الذي سبق إعداده بتكليف أيضًا من نتنياهو، وهو التقرير الذي أكد "حق إسرائيل في ضم أراضي الضفة الغربية لسيادتها" حيث تمت إعادة صياغة المصطلحات المتعلقة بالاستيطان، وبالذات شطب مصطلح "الضفة الغربية" واستبداله بالمصطلح الإسرائيلي التاريخي وهو "يهودا والسامرة"، كما حرصت هذه الوثيقة على وضع أساس آخر لتبرير قرار فك الارتباط والانسحاب من قطاع غزة عام 2006، هو أساس "حسن النوايا الإسرائيلية" أولًا، واعتباره ثانيًا قرارًا سياسيًا أحادي الجانب من حكومة تل أبيب، وليس ممارسة أو تطبيق لأي قانون كي لا يطالب أحد بأن يسري على الضفة الغربية ما سبق أن سرى على قطاع غزة من ناحية فك الارتباط والانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب، والتأكيد على أن قرار ضم الضفة الغربية يعتبر من قرارات السيادة الوطنية الإسرائيلية حسب ما أوضحت الوثيقة على لسان تسيبي حوطوبلي.
فقد أكدت حوطوبلي في بيان لوسائل الإعلام أنه "توجد لإسرائيل دعوى ملكية على أراضي (يهودا والسامرة) على اعتبار أن هذه المنطقة لم تكن تحت سيادة شرعية لأي دولة، وتم استرجاعها في "حرب الدفاع" كون هناك ارتباط واتصال لليهود، منذ آلاف السنين، بهذه الأرض".
ويشكل الإدعاء بأن أراضي الضفة الغربية لم تكن تحت سيادة عربية شرعية حجر الأساس للوثيقة الإسرائيلية الجديدة، التي حرصت أيضًا على شرعنة سياسة الاستيطان في الضفة الغربية حيث أدعت أن إقامة المستوطنات تمت بموافقة قانونية وتحت رقابة قضائية للمحكمة العليا.
بهذا المعنى يرى الإسرائيليون شرعية احتلالهم لأراضي 1948 باعتبارها ثمرة من ثمار ما سمُّوه بـ "حرب التحرير" أو "حرب الاستقلال" على أساس أن أرض فلسطين أو "أرض إسرائيل" كانت محتلة من العرب منذ الفتح الإسلامي، وأن الوجود العربي الفلسطيني فيها كان وجود احتلال، وأن حرب 1948 كانت حرب التحرير للوطن اليهودي. ومن ثم يعتبرون سيطرتهم على الأرض التي احتلوها عام 1948 استعادة للوطن المحتل، وبعد أن كانوا يبررون إقامة المستوطنات في الضفة الغربية بدواعي الأمن الإسرائيلي ومتطلباته تأتي هذه الوثيقة لتقول أنها غنيمة لـ "حرب الدفاع" أي حرب 1967 التي يعتبرونها حربًا عدوانية من جانب الدول العربية (مصر وسوريا)، وأن فرض سيطرتهم عليها يرجع أيضًا إلى أنها أرض لم تكن تقع تحت سيادة أي دولة عربية هي كانت تحت حماية المملكة الأردنية منذ حرب 1948. أما احتلالهم للقدس وسعيهم إلى تهويدها فيرجع إلى اعتبارهم أن القدس الموحدة (الغربية والشرقية) هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل.
تستند الوثيقة إلى تقرير "إدموند ليفي" الذي سبق إعداده بتكليف أيضًاً من نتنياهو، والذي أكد "حق إسرائيل في ضم أراضي الضفة الغربية لسيادتها"

وإمعانًا في التوسع في سياسة الاستيطان التي تعد العمود الفقري لفرض خيار "الدولة أحادية القومية" أي خيار "الدولة اليهودية" على كل أرض فلسطين، كشف تقرير إسرائيلي أن 78% من المناطق العسكرية المغلقة، التي أعلنها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ عام 1967 بهدف إجراء مناورات، لا تستخدم لهذا الغرض، وإنما تستغل لتوسيع المستوطنات المحيطة بها. وقدر هذا التقرير حجم المناطق التي يحرّم على الفلسطينيين دخولها بنحو مليون و765 دونم، أي ما يعادل ثلث مساحة الضفة الغربية، وأكثر من نصف مساحة المناطق المصنفة "ج" الخاضعة أمنيًا ومدنيًا بالكامل لسلطة الاحتلال. كما أشار التقرير إلى أن الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات، والتي تقدر بأكثر من نصف مليون دونم، تعد، أيضًا مناطق عسكرية مغلقة في وجه الفلسطينيين.

ثانياً: تفريغ الأرض وإنهاء "العيش المشترك"

هذه السياسة الاستيطانية التي بدأت بعد عدوان يونيو 1967 مباشرة بعد احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ازدادت كثافة مع وصول الأحزاب اليمينية إلى سدة الحكم عقب حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973، وكانت المحصلة هي بناء 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو مائة بؤرة استيطانية عشوائية يسكن فيها أكثر من نصف مليون مستوطن، ويمتد البناء في المستوطنات على مساحة تقدر بـ 196 كيلو مترا، بينما تقدر مناطق نفوذ المستوطنات بـ 45 كيلو مترا.

المعنى المباشر لهذه السياسة: الاستيطان والضم والتهويد هو السيطرة على أراضي الضفة الغربية والقدس لكن المخطط لا يكتمل دون أن تمتد سياسة التفريغ هذه إلى الأراضي المحتلة عام 1948 أي العرب المستوطنين الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية ويعيشون داخل الكيان، كي تبقى الأرض لشعب واحد هو "الشعب اليهودي".

هذه السياسة بدأ تنفيذها منذ سنوات ممتدة استعدادًا لفرض عملية لجوء جديدة للشعب الفلسطيني والتصفية الكاملة للقضية الفلسطينية، والتخلص نهائيًا من السياسة السابقة التي كانت تحمل اسم "الاستيعاب" أو "العيش المشترك" للفلسطينيين العرب المقيمين في إسرائيل تحت وهم سياسة الدولة الوطنية الديمقراطية، وتكشف مجموعة الإجراءات الإسرائيلية التعسفية الأخيرة ضد هؤلاء الفلسطينيين الغرض الحقيقي لمخطط تفريغ فلسطين من شعبها.

فعلى الرغم من غلبة هاجس سؤال: متى تستطيع «إسرائيل» أن تفرغ من إدارة صراعاتها الداخلية حول مستقبل «الدولة اليهودية» كي تركز اهتماماتها على إدارة صراعاتها الإقليمية؟ فإن تداعيات ما أخذ يُعرف ب «انتفاضة السكاكين» أعاد مجددًا أولوية التفكير في الشأن الداخلي، وزادت الهموم عندما ظهرت امتدادات ل «انتفاضة السكاكين» إلى ما وراء «الخط الأخضر»، أي «إسرائيل» نفسها وليس القدس الشرقية والضفة الغربية.. وفي ««تل أبيب» بالتحديد، عندما نجح الشاب العربي الذي يحمل الجنسية «الإسرائيلية» نشأت ملحم في تنفيذ عملية جريئة فجّرت موجة غضب ««إسرائيلية» عارمة»، وتراجعًا في أوهام النجاح الأمني في احتواء تلك الانتفاضة، لسببين؛ أولهما، أنه عربي من الداخل، والثاني أنه استخدم سلاحًا ناريًا وليس السكين كما يفعل زملاؤه وأبناء وطنه من شباب الضفة الغربية والقدس، ونجح في قتل ثلاثة «إسرائيليين» وإصابة سبعة آخرين.

قبل هذا الحادث كان قادة الكيان يشعرون بالراحة من تراجع ملحوظ أخذ يحدث في عدد العمليات التي يسمونها «إرهابية» من شباب انتفاضة السكاكين، التي اكتفى العقل العسكري في إيجاد تسمية لها دون مستوى «الانتفاضة» فلم يجدوا غير اسم «انتفاضة محدودة». كان تفسيرهم لتراجع حدة هذه الانتفاضة، ثلاثة أسباب: أنها ليست لها قيادة، وأنها ليس لها مطلب سياسي موحد، وأنها ليست شعبية، فهي في نظرهم مجرد ردات فعل لحالة يأس معيشية عند الشباب الفلسطيني لعجز السلطة والمنظمات الفلسطينية معًا، وللغلاء المعيشي، وبؤس الأوضاع الاجتماعية، وغياب المستقبل، أو غياب الأمل في المستقبل، ناهيك عن الانصراف العربي الكامل عن القضية الفلسطينية.

يرى الإسرائيليون شرعية احتلالهم لأراضي 1948 باعتبارها ثمرة من ثمار ما أسموه بـ "حرب التحرير" على أساس أن "أرض إسرائيل" كانت محتلة من العرب منذ الفتح الإسلامي

عملية الشاب نشأت ملحم أجبرتهم على إعادة التفكير في مستقبل الدولة، فالدولة، في نظرهم، ما زالت تفتقد إلى اليقين في المستقبل، ورهاناتهم على أن عمليات دمج عرب ال 48، أو ما زالت في حاجة إلى مراجعة، وأن الاطمئنان إلى الإحصائيات التي تؤكد تدني نسبة المؤيدين لداعش من مسلمي الكيان حسب استطلاعات أخيرة لمعهد البحوث الأمريكي «Pew» الذي كشف عن نسبة رفض ل «داعش» بلغت 97% ونسبة تأييد 1%، في حين ارتفعت نسبة التأييد ل «داعش» في الضفة الغربية وغزة لتصل إلى 6%، الأمر الذي دفع المسؤولين «الإسرائيليين» للخروج باستنتاج مفاده أنه «يوجد مستقبل أفضل لعلاقات اليهود والعرب في («إسرائيل» ) لكن يوجد مستقبل سيئ جدًا لهذه العلاقة في ««إسرائيل» الكاملة». وتعبير بلاد «إسرائيل» الكاملة» هذا، هو مصطلح يعكس الرؤية «الإسرائيلية» للامتداد الجغرافي للدولة «الإسرائيلية» التي تشمل كل حدود فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، ويعتبرونها ««إسرائيل» الكاملة».

هذا التفاؤل تراجع ودفع قادة الكيان إلى إعادة مراجعة مفاهيمهم حول نظرية «الدولة ثنائية القومية» أي دولة واحدة للشعبين اليهودي والفلسطيني كبديل لخيار «حل الدولتين» وكذلك كبديل لخيار «حل الدولة الواحدة اليهودية» الذي أخذ يطغى على التفكير «الإسرائيلي» عند تيار اليهود اليمينيين المتشددين.

فالسؤال الذي فرض نفسه بعد عملية الشاب «نشأت ملحم» هو: كم عدد من هم على غرار نشأت ملحم في «إسرائيل» ؟ وهل يمكن أن تمتد الانتفاضة من الضفة والقدس إلى ما وراء الخط الأخضر إلى «إسرائيل» نفسها؟ وهل يمكن أن يسقط خيار الدمج الذي تحاوله الحكومات «الإسرائيلية» مع عرب 48 وبأي نسبة؟

الذعر الذي أصاب الحكومة «الإسرائيلية» من عملية نشأت ملحم أجبر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على أن يخرج ما بداخله من تطرف وتعصب يهودي تجاه عرب 48، وأن يكشف انحيازه إلى خيار «الدولة الواحدة اليهودية» لدرجة أنه أعاد، سواء كان يدري أو لا يدري تجربة الأمين العام للحزب الشيوعي البولندي بعد العدوان «الإسرائيلي» على مصر وسوريا في الخامس من يونيو/حزيران 1967. فقد بادر فلدسلاف غومولكا الأمين العام للحزب الشيوعي البولندي بتوجيه إنذار تحذير ليهود بولندا الذين أبدوا تعاطفًا وفرحة لانتصار العدوان «الإسرائيلي» على العرب، عكس موقف الحكم البولندي وأغلبية الشعب البولندي الذي كان شديد التعاطف مع مصر والعرب. وقتها قال غومولكا مخاطبًا هؤلاء اليهود إنه لا يقبل بولاءين «إما الولاء لبولندا وإما الولاء لإسرائيل»، وقال إن «موقفنا هو أن لكل مواطن بولندي وطن واحد فقط.. معظم اليهود من مواطني بولندا يخدمون بولاء دولتنا، ولكن هناك دوائر قومية يهودية صفقت للعدوان «الإسرائيلي» على الدول العربية، لا يمكن أن نبقى غير مبالين بالنسبة إليهم.. كل مواطن في بولندا الشعبية يتمتع بحقوق متساوية، ولكن عليه أيضًا أن يتحمل أيضًا كل الواجبات تجاه الدولة، وعليه فلن نجعل الأمر صعبًا عليهم ولن نقف في وجه أبناء القومية اليهودية في بولندا فمن يريدون الهجرة إلى «إسرائيل».. نحن غير مستعدين لأن يكون في دولتنا طابور خامس».

لقد استغل نتنياهو عملية الشهيد نشأت ملحم فرصة لتوجيه رسالة رادعة لأبناء الشعب الفلسطيني في الداخل ووضعهم أمام معادلة ابتزاز واضحة المعالم، تحسين واقعهم الاجتماعي والاقتصادي مقابل انسلاخهم عن قضايا الشعب الفلسطيني الذين هم جزء لا يتجزأ منه.

تسود مفاهيم سيطرة وهيمنة «الدولة اليهودية الأصولية» التي يقودها اليهود المتطرفون الذين يريدون إقامة «مملكة داوود»، وإعادة بناء «الهيكل المزعوم» في ظهر الجبل

فقد أكد نتنياهو بعد عملية «تل أبيب» أنه «لن يقبل بوجود دولتين في «إسرائيل».. دولة القانون لأغلبية المواطنين (اليهود) ودولة أخرى داخل الدولة (الجيب العربي أو الدويلة العربية) خارجة عن القانون وتخضع لتحريض إسلامي ويمتلك أسلحة». مشيرًا إلى «من يريد أن يكون «إسرائيليًا» ينبغي أن يكون «إسرائيليًا حتى النهاية».

حاول نتنياهو إغراء عرب فلسطين بإصلاحات اجتماعية حرموا منها على مدار عقود كاملة مقابل التخلي نهائيًا عن الولاء الوطني، وإلا فإن الطرد هو الحل البديل وهو الحل الذي ينسجم مع دعوة «الإخلاء» وبناء الدولة الواحدة ذات الشعب الواحد، وهو الخيار الذي باتت له الغلبة في ظل تحولات المجتمع والدولة في الكيان الصهيوني، حيث تسود مفاهيم سيطرة وهيمنة «الدولة اليهودية الأصولية» التي يقودها الزعماء اليهود المتطرفون الذين يدعون إلى نبذ الدولة العلمانية «الإسرائيلية» وإقامة دولة أخرى على أساس الشريعة اليهودية ابتداء من جماعة كانت تسمى ب «شارة الثمن» أو«شباب التلال» إلى منظمة «لهفاه»، الذين يريدون ويخططون لإسقاط الدولة وإقامة «مملكة داود» مجددًا، وإعادة بناء «الهيكل المزعوم» في ظهر الجبل.

في هذه الدولة البديلة لا مكان لعرب فلسطين المحتلة عام 1948، وهذه هي فلسفة نتنياهو وتحذيراته لمواطني ««إسرائيل» من هؤلاء العرب» إما أن يبيعوا ولاءهم الوطني لصالح «إسرائيل» وإما أن يخرجوا منها«لأنه لن يسمح بوجود دولة داخل الدولة» .

تحذيرات معناها فشل كل ما كان يروج له من سياسات الاستيعاب والعيش المشترك، ولم يشفع للشاب أنه بات رهن الاعتقال لكنهم لم يقبلوا بل تعمدوا قتله لا لشيء إلا لأنه فلسطيني مثله مثل كل أقرانه من شباب الضفة وغزة الذين ليس أمامهم إلا قبول مذلة العيش في دولة عنصرية تجهز لطردهم وإما القتل عند أول بارقة اعتراض، وهي السياسة التي تتكامل مع مخطط التوسع والاستيطان والضم للقدس الشرقية والضفة الغربية بالقهر والإرهاب والسياسات والقوانين العنصرية التي تتعارض مع كل الوثائق والقوانين الدولية، والتي لا يتورع رئيس الحكومة الإسرائيلية وأركان حكومته والقوى والأحزاب الدينية المتحالفة معه عن الدفاع عنها بأعنف الردود غير الأخلاقية في أي بادرة انتقاد أو تفنيد لعدم شرعيتها حتى ولو كانت على لسان الأمين العام للأمم المتحدة.

فعندما أبدى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تعاطفه مع الفلسطينيين يوم الثلاثاء (26 يناير 2016) الجاري في جلسة لمجلس الأمن الدولي رد عليه بنيامين نتنياهو بكل عنف متحديًا إرادة المجتمع الدولي كله. فخلال جلسة لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط، اعتبر بان كي مون أنه من الطبيعي "الرد على الاحتلال"، وأن "الاستيطان يمثل استخفافًا بالفلسطينيين والمجتمع الدولي" وأن التدابير الأمنية لن توقف وحدها أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة "لأنها تعجز عن معالجة الشعور العميق بالاغتراب واليأس لدى بعض الفلسطينيين خاصة الشباب"، رد عليه نتنياهو سريعًا بالقول أن هذه التصريحات "تشجع الإرهاب"، وزعم نتنياهو أن الفلسطينيين أنفسهم لم يبذلوا جهدًا لإنجاح حل الدولتين، وأضاف أن "القتلة الفلسطينيين لا يريدون بناء دولة. وأنهم يريدون تدمير دولة، ويقولون ذلك بصوت عال"، كما اتهم نتنياهو الفلسطينيين بأنهم "يريدون قتل اليهود أينما كانوا، وأنهم لا يقتلون من أجل السلام، ولا من أجل حقوق الإنسان".

هذه هي سياسة إسرائيل .. تحميل الشعب الفلسطيني مسئولية مشروعات التوسع الإسرائيلية ومشروعات التهويد، متجاهلًا تقرير حكومته الذي يفضح ذلك ويؤكد أن ضم الضفة الغربية هو ثمرة من ثمار "حرب الدفاع" التي يزعمونها، كما يحاول تحميل الفلسطينيين مسؤولية إفشال "حل الدولتين" وكأن سياسة الضم والتهويد ووثيقة لجنة "تسيبي حوطوبلي التي تتحايل لـ "شرعنة المشروع الاستيطاني" كلها جهود إسرائيلية إيجابية لإنجاح حل الدولتين، وليس وأد هذا الحل نهائيًا وإقامة الدولة اليهودية على أنقاضه رغم كل أنف العالم وقوانينه ومواثيقه، ورغم أنف كل العرب أو برضاهم  الغارقين حتى آذانهم في صراعاتهم البينية والداخلية والمنقسمين على هويتهم في صراعات طائفية دامية تُسعد كثيرًا الإسرائيليين وتحفزهم على طي صفحة القضية الفلسطينية نهائيًا تحت أعين العرب وصراعاتهم.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟