المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بين التهدئة والتصعيد: الاتفاق الأمريكي – الروسي بشأن سوريا

الإثنين 15/فبراير/2016 - 12:07 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم نوار
الاتفاق الأمريكي – الروسي الذي أعلنه جون كيري وسيرجى لافروف وزيرا خارجية البلدين على هامش اجتماعات مؤتمر ميونيح للأمن واجتماعات المجموعة الدولية لمساندة سوريا (ISSG) هو مجرد "كلام على الورق" حسب تعبير جون كيري نفسه، يتوقف اختبار نجاحه على الأفعال التي تقوم بها الأطراف المختلفة على الأرض من حيث تنفيذ التزاماتها. وقد بدا واضحا لمن يقرأ الاتفاق أن القوى الكبرى (major powers) تختلف مع بعضها البعض بشأن الموقف في سوريا. ويبدو الخلاف كبيرا بين الموقف الفرنسي الذي يدعو إلى وقف الضربات الجوية الروسية على سوريا أولا، وبين الموقف الأمريكي الذي لا يعارض هذه الضربات من حيث المبدأ وإنما يدعو إلى الحذر من استهداف المدنيين. ويميل الخطاب السياسي الأوربي عموما إلى تحميل الروس مسئولية هجرة عشرات الآلاف من سوريا إلى الحدود التركية وإلى مياه البحر المتوسط ومنهما إلى أوربا. بينما تتجه الولايات المتحدة في المقابل إلى ضرورة التقليل من أخطار عودة الحرب الباردة مرة أخرى.
ومن الضروري أن نبدأ هذا المقال بالتفرقة بين نص الإتفاق الذي دعا إلى وقف الأعمال العدائية (cessation of hostilities) وبين ما رددته بعض وكالات الأنباء بشأن "وقف إطلاق النار" (cease fire). الإتفاق كما توصلت إليه القوى الكبرى يدعو إلى ترتيبات لوقف الأعمال العدائية فقط ولا يتضمن الدعوة إلى وقف إطلاق النار. ومن هذه الزاوية فإن المعارضة السورية لنظام بشار الأسد أبدت تحفظاتها على الإتفاق وأعربت عن شكوكها بشأنه، طالما  إنه يسمح لقوات الأسد والموالين له بالاستمرار في العمليات العسكرية في حلب وغيرها، وطالما إنه لم يلزم الروس بوقف غاراتهم الجوية. وفي الاتجاه نفسه تبلور موقف بعض القوى الدولية مثل فرنسا التي قللت من شأن الاتفاق.

إن العمل على محور الإغاثة الإنسانية لن يكون سهلا في ظل تشابك وتعقيد الأوضاع في ساحات القتال
أولا: الإغاثة والمفاوضات
ويبدو أن الاجتماعات التي شارك فيها مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا (وهو مسئول سابق  للإغاثة الإنسانية في العراق) كانت مهمومة بتحقيق تقدم على مستوى عمليات الإغاثة وتقديم المعونات الإنسانية العاجلة إلى اللاجئين السوريين، وإلى السوريين المعزولين في الأماكن المحاصرة في شمال وشرق وجنوب سوريا. وأعتقد أن تحقيق نجاح في موضوع الإغاثة ربما سيكون النجاح البارز للاتفاق الأمريكي- الروسي في حال حدوثه. وسوف تركز الأمم المتحدة كل جهودها خلال الأسابيع المقبلة على محورين:
المحور الأول: هو تقديم المزيد من مؤن الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى السوريين المعزولين في المناطق المحاصرة. وسوف ينجح هذا المجهود في حال تعاون الأطراف المختلفة، ومنها الروس، مع الأمم المتحدة لضمان فتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية وتوزيع هذه المساعدات على المحاصرين. وقد تم الاتفاق على إنه في حالات معينة سيتم إسقاط المساعدات الإنسانية بواسطة الطائرات. وفي حالات مثل تلك تثور المخاوف بشأن إسقاط أسلحة لمساعدة المحاربين وسط شحنات الأغذية والمؤن التي يتم إسقاطها للمدنيين. وفي حالات أخرى قد تحاول بعض الفصائل المسلحة استغلال التهدئة لأغراض إنسانية في تحقيق تحركات على الأرض  من شأنها أن تغير التوازنات التكتيكية على خطوط المواجهة. وقد رأينا ذلك يحدث أكثر من مرة في عمليات الإغاثة في سوريا وفي اليمن وفي العراق. ومن ثم فإن العمل على محور الإغاثة الإنسانية لن يكون سهلا في ظل تشابك وتعقيد الأوضاع في ساحات القتال.
المحور الثاني: العمل لإقناع قيادات المعارضة السورية بالعودة إلى مائدة المفاوضات في جنيف على أساس قرارات الأمم المتحدة الصادرة بشأن الأزمة السورية، خصوصا القرار رقم 2254 الذي يتناول بصفة رئيسية موضوع الحل السياسي. وتعاني المفاوضات السورية من حالة من "الطفولة السياسية" لقوى المعارضة، كما تعاني من عدم إدراك القوى المساندة لها لطبيعة الأوضاع في سوريا وعلى الساحة العالمية. وبصرف النظر عن تفكك المعارضة السورية وانقسامها بين تيارات متناقضة ووجود قوى في داخلها متهمة بالمشاركة في الإرهاب على المستوى العالمي مثل "جبهة النصرة" التي تمثل ذراعا من أذرع القاعدة في سوريا، فإن كل قوى المعارضة السورية تقريبا تتمسك بممبدأ "وقف إطلاق النار أولا"، بمعنى أن المفاوضات لا يمكن أن تبدأ بينما القصف الروسي من الجو مستمر وبينما قوات الأسد وحلفاؤه تواصل عملياتها.
وعلى الرغم من أن هذا الموقف نفسه يعتبر تنازلا أو تراجعا عن الموقف السابق الذي كانت تنادي به السعودية وحلفاؤها ألا وهو "رحيل الأسد أولا"، فإن القوى الدولية لا تتفق مع المعارضة السورية ولا مع الخارجية السعودية التي لا يزال بعض أركانها يعتقدون أن شرعية التفاوض تتوقف على رحيل الأسد أولا، وأن على الرئيس السوري أن يرحل بالضغوط السياسية، فإن لم يتيسر ذلك فإن رحيله يكون بالقوة العسكرية. وهذا الموقف السعودي الذي تسترشد به المعارضة السورية تسبب في انهيار المفاوضات في جنيف، وإذا استمر بدون تغيير فإنه سؤدي إلى شلل العملية السياسية في سوريا.
هناك قناعة قوية في واشنطن بأن السعودية والمعارضة السورية هما السبب في انهيار مفاوضات جنيف الأخيرة وليس الروس أو الأسد
ثانيا: الدور السعودي كما تراه واشنطن
إن هناك قناعة قوية في واشنطن بأن السعودية والمعارضة السورية هما السبب في انهيار مفاوضات جنيف الأخيرة وليس الروس أو الأسد. وهذا القناعة بشأن الدور السلبي للسعودية في الأزمة السورية تمتد إلى الدعوة السعودية للتدخل البري في سوريا، وهي الدعوة التي أثارت قدرا كبيرا من الشكوك لدى عدد كبير من أعضاء الكونجرس والقيادات السياسية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السواء.
وبسبب هذه الشكوك حول الدعوة السعودية الغامضة عن التدخل البري في سوريا، فإن اللقاءات التي عقدها وزير الدفاع الأمريكي  أشتون كارتر مع نائب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتلك التي جمعت بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وبين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ميونيخ وبروكسيل خلال الإسبوع الثاني  من فبراير 2016 ركزت على ضرورة بلورة الاقتراح السعودي في الإتجاه الصحيح. وفي هذا السياق تم الاتفاق على ما يلي:
1-    أن تزيد السعودية مساهمتها المالية في التحالف الدولي للحرب على داعش
2-    أن تشارك السعودية بقوة جوية أكبر في الغارات التي يقوم بها التحالف ضد قوات الدولة الإسلامية في داخل الحدود السورية. وقد استقبلت قاعدة إنجرليك التركية فعلا (السبت 13 فبراير) عددا جديدا من الطائرات السعودية (والإماراتية) للمشاركة في الطلعات الجوية على تنظيم داعش في سوريا. ومن شأن هذا التمدد الجوي السعودي أن يقلل من فاعلية الطيران السعودي في اليمن، خصوصا وأن كلا من السعودية والإمارات كانتا منذ عدة أشهر قد سحبتا أعدادا من طائراتها المشاركة في التحالف بغرض تعزيز القوة الجوية الضاربة في حرب اليمن.
3-    أن ترسل السعودية إلى سوريا خبراء عسكريين لتدريب قوى المعارضة السورية (قوات جيش الفتح) بتنظيماتها المختلفة، إلى جانب عدد من الخبراء في إدارة العمليات اللوجيستية والتنسيق العملياتي الميداني.
4-    أن ترسل السعودية قوات خاصة، إذا لزم الأمر لمساندة قوى المعارضة السورية التي تحارب قوات بشار الأسد والقوى المتحالفة معها، على أن تعمل هذه القوات تحت قيادة الولايات المتحدة في إطار التحالف  الدولي للحرب على داعش
5-    في كل الأحوال تكون أعداد القوات السعودية المرسلة إلى سوريا في حدود عشرات أو مئات وليس بالآلاف أو عشرات الآلاف كما كانت تتحدث دوائر الخارجية والدفاع والمؤسسة الوهابية في المملكة العربية السعودية التي كانت تقدر الأعداد التي ستتوجه إلى سوريا بما يقرب من 150 ألف مقاتل.
6-    تعزيز دور السعودية في المركز المشترك لتنسيق العمليات بين دول التحالف الدولي الذي يقوم بمهمات معلوماتية وتحليلية وإدارية ولوجيستية
وإضافة إلى ذلك فإن هذه الخطوط التي تم تناولها في المحادثات الأمريكية- السعودية في ميونيخ وبروكسيل ستخضع لإعادة التقدير من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. وقد أدى الموقف الأمريكي البارد نسبيا ممن اقتراح التدخل البري السعودي إلى برود النبرة السعودية بخصوص التدخل البري في سوريا والعودة من جديد إلى الحديث عن إقامة "تحالف عسكري إسلامي"، وكأن عقارب الزمن تعود للوراء إلى حقبة مشروع إنشاء ما كان يسمى "الحلف المركزي" بين باكستان وإيران وتركيا ليكون ذراعا لحلف شمال الأطلنطي في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق فإن ما يمكن أن نطلق عليه "التحالف العسكري التركي- السعودي" ينمو بسرعة بالغة في الأيام الأخيرة.
وعلى الرغم من ذلك فإنني أعتقد أن القيادة العسكرية السعودية يتوجب عليها الآن أن تعيد حساباتها بشأن الدعوة إلى "التدخل البري في سوريا" خصوصا بعد الرد الأمريكي البارد  والإستقبال الروسي الصارم الذي اعتبرها على حد وصف رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف في حديثة إلى صحيفة هندلزبلات الألمانية (11 فبراير 2016) مقدمة لحرب عالمية، وحذر من أي انزلاق لإرسال قوات برية إلى سوريا.
وقد ردت روسيا بسرعة بالغة على وصول طائرات سعودية مقاتلة إلى قاعدة إنجرليك التركية بإرسال عدة قطع بحرية روسية للمرة الأولى إلى البحر الأبيض المتوسط (13 فبراير 2016) ومنها قاذفة صواريخ تحمل صورايخ (كاليبر) المزودة برؤوس تقليدية (زنة الرأس المتفجر التقليدي تبلغ 450 كجم ويصل مداه إلى 1700 كم)، وهذه الصواريخ قادرة أيضا على حمل رؤوس نووية ويصل مداها في هذا الحال إلى 2600كم.  كما ضمت القوة البحرية الروسية الإضافية التي تمر إلى البحر المتوسط عبورا بمضيق البوسفور الواقع داخل الأراضي التركية كاسحة ألغام متطورة، مما يعني أن القيادة السياسية والعسكرية الروسية تضع في اعتبارها احتمال توسع المعارك الدائرة في سوريا حاليا مع تزايد احتمالات التدخل البري خصوصا من جانب كل من تركيا والسعودية.
وعلى السعودية أن تدرك أن هناك عددا من الحقائق الجديدة في السياسة الخارجية الأمريكية والألمانية، تقود إلى ضرورة إقامة "تنسيق عن قرب" بين واشنطن وموسكو بشأن الأزمة السورية. روسيا والولايات المتحدة لهما مصالح مشتركة في سوريا، وليستا بالضرورة على طرفي نقيض. وقد أشار إلى ذلك ميدفيديف أيضا مرة ثانية في تصريحات أدلى بها في ميونيخ (13 فبراير 2016) عندما دعا إلى إقامة "تعاون منتظم" بين روسيا والولايات المتحدة بشأن سوريا . وأوضح قائلا "التعاون المنتظم يعني التعاون اليومي". كما أنه يتعين أيضا على السعودية أن تدرك أن كل قرارات مجلس الأمن تقريبا التي تعاملت مع الوضع السوري حتى الآن تعتبر "جبهة النصرة" تنظيما إرهابيا، وهي التنظيم الرئيسي الذي تدعمه السعودية في سوريا (تمثل الجبهة أكبر وأقوى تنظيمات جيش الفتح الذي ترعاه السعودية في سوريا)، وتشير دائما قرارات مجلس الأمن إلى "جبهة النصرة" بالترافق مع الإشارة إلى تنظيم "داعش" على اعتبار أن الجبهة هي أحد  تنظيمات "القاعدة". ويعتمد الروس على نصوص هذه القرارات في تبرير ضربهم لمعسكرات "النصرة" ومراكزها. وقد ثار في الأيام الأخيرة جدل طريف حول وصف جماعات المعارضة في سوريا، السعودية قالت إنها "تنظيمات معتدلة وليست إرهابية"، الروس أعادوا التأكيد على ضرورة تسمية الأشياء بأسمائها استنادا على قرارات مجلس الأمن وأعادوا التأكيد على أن جبهة النصرة وحلفاءها المسلحين هم "تنظيمات إرهابية" أما الولايات المتحدة التي تعرف جيدا نصوص قرارات مجلس الأمن فإنها صنفت جماعات المعارضة السورية المسلحة على أنها "تنظيمات معارضة مشروعة"! وإلى هذا الحد فإن الفصل في طبيعة العمليات العسكرية الجارية في سوريا يحتاج إعداد قائمة متفق عليها لهذه التصنيفات الثلاثة "الإرهابية" و "المعتدلة" و "المشروعة".

الحرب ضد داعش تمثل العامل المشترك الأعظم الذي يوحد بين المصالح الروسية والأمريكية ويضعهما معا على صفحة واحدة وليس في صفحتين متقابلتين أو موقفين متعارضين
ثالثا: التصعيد على الأرض
منذ إعلان الاتفاق الأمريكي- الروسي بشأن سوريا في 12 فبراير 2016 لم تتوقف المعارضة السورية المدعومة من السعودية عن الشكوى من نقص الأسلحة والتمويل وتراجع القدرات النيرانية في مواجهة قوات بشار الأسد والقوات الإيرانية (فيلق القدس) وقوات حزب الله اللبناني، إضافة إلى جماعات مؤيدة من العراق. وبينما حصلت الجماعات المدعومة من السعودية في الأيام الأخيرة على إمدادات غنية بالمقاتلين والمعدات والذخائر والأموال بغرض تعزيز صمودها وقدرتها على المقاومة والتوسع،  فإن جيش الأسد استطاع تحقيق تقدم في حصار حلب والسيطرة على مناطق عديدة في ريف حلب الشمالي استعدادا لاجتياح المدينة المحاصرة.
لكن قوات الأسد تحركت في الأيام الأخيرة على وجه الخصوص لتفتح، أو لتختبر جبهة مباشرة في الحرب على داعش. وتقدمت القوات السورية إلى الجنوب الشرقية من مواقعها في حلب لتقترب من خط الحدود ادارية بين محافظتي الرقة (عاصمة داعش في سوريا) وبين محافظة حماة. وبصرف النظر عن التقديرات العسكرية الإستراتيجية لمثل هذا التحرك وجدواه في الوقت الحاضر، بينما قوى المعارضة المسلحة تسيطر على مساحات كبيرة من  سوريا، فإن الأسد يريد بذلك أن يغلق ثغرة يمكن أن تتسلل منها القوات السعودية وأن توسع وجودها في سورية. وقد تتعرض قوات الأسد وحلفاؤه لصعوبات جمة في الوقت الحاضر إذا حاولت القتال على جبهتين في آن واحد، جبهة الحرب على المعارضين المدعومين من السعودية وتركيا وجبهة الحرب على داعش.

وكانت الحكومة السورية قد فقدت السيطرة على محافظة الرقة في أغسطس عام 2014 عندما تقدمت قوات داعش واحتلتها وأقامت فيها عاصمتها المؤقتة. ومنذ ذلك الوقت لم تستطع قوات الأسد والقوات الموالية لها أن تخترق الرقة وأن تحرر أجزاء منها إلا في الأيام التالية لإعلان الإتفاق الأمريكي- الروسي، حيث استطاعت أخيرا تحرير عدد من المواقع والقرى التي كانت تخضع لسيطرة داعش في منطقة التماس بين محافظتي الرقة وحماة.
وربما كان هذا التحرك من جانب قوات الأسد المدعومة من روسيا وإيران تذكيرا للقيادة الأمريكية العسكرية والسياسية بوحدة الهدف في سوريا الذي يتمثل في القضاء على الدولة الإسلامية التي أقامتها داعش في سوريا. فالحرب ضد داعش تمثل العامل المشترك الأعظم الذي يوحد بين  المصالح الروسية والأمريكية ويضعهما معا على صفحة واحدة وليس في صفحتين متقابلتين أو موقفين متعارضين.
وعلى الرغم من تقدم قوات الأسد من حلب في اتجاه الرقة ونجاحها في السيطرة على مواقع كانت قد فقدتها منذ عام 2013 فإن هذه القوات من المرجح أن تواجه صعوبات في الرقة. وفي هذه الحال فإن هذه القوات ربما  تتحرك جنوبا في اتجاه التركيز على تحرير ريف دمشق والمحافظات الجنوبية القريبة من الأردن والحدود اللبنانية. وهو ما يعني أن نطاق المعارك الجارية على الأرض سيتوسع إلى حد كبير ليشمل في آن واحد محافظات وأرياف دمشق وحمص واللاذقية وحماة ودير الزور وحلب وإدلب. وسيؤدي أي خطأ في الحسابات الإستراتيجية أو أي قذيفة يتم إطلاقها بالخطأ أو عمدا على مواقع تعتبرها الخصوم "خطا أحمر" إلى كارثة عسكرية تشعل المنطقة كلها من جنوب شرق تركيا إلى سوريا والعراق والأردن والسعودية واليمن.
وفي إطار مخطط تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية، فإن الولايات المتحدة لن تعارض توسع قوات الأسد في هذه المناطق، على اعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى موقف جديد، يخلق توازنا جديدا للقوى داخل سوريا، بين عدة دويلات أهمها واحدة للعلويين الشيعة وأخرى للسنة في الداخل تعتمد على التقاء القوى القبلية في كل  من سوريا والعراق برعاية أردنية، وثالثة للأكراد في الشمال، وربما تتم مقايضة الدولة الكردية السورية بتنازلات لتركيا في أراضي سوريا أخرى وربما أيضا في العراق. ولذلك فإن القوات التركية شددت ضرباتها ضد "قوات حماية الشعب الكردية" التي تحتل مواقع لها في الأراضي السورية والتركية. وقام الجيش التركي بعمليات قصف مدفعي وقصف بالطائرات على قواعد للقوات الكردية مما أثار حفيظة الولايات المتحدة، فطالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما القيادة التركية بضبط النفس والكف عن مهاجمة القوات الكردية.
ومن الضرووي هنا التنبيه إلى خطورة الدور الذي تقوم به القبائل في المناطق الحدودية. وقد برز استخدام القوات القبلية في العراق منذ عام 2005 في مقاومة تنظيم القاعدة، ثم تراجع هذا الدور لينتعش أخيرا في محاولات واضحة من التحالف الإيراني- الروسي- السوري لبناء قواعد تحالف محلية قوية. وقد برز دور القبائل المسلحة أخيرا في عمليات عسكرية شهدتها منطقة البوكمال في سوريا على الحدود مع العراق. وفي الإتجاه نفسه ترغب السعودية في استخدام الورقة القبلية عن طريق جذب القبائل السنية في غرب العراق المنتشرة في الأردن وشرق سوريا وتسليحها، وربما في حال نجاحها في ذلك أن تستخدمها في التغلغل لشن عمليات عسكرية في إطار "التدخل البري".
وقد ردت قوات الحشد الشعبي العراقي ، وهي قوات قبلية تأسست على غرار قوات (الباسيج) الإيرانية، ببيان شديد اللهجة ضد المملكة العربية السعودية (13 فبراير 2016) يحمل تهديدا قويا باجتياح الحدود السعودية إذا ما أقدمت القوات السعودية على تهديد العراق. وقد حمل هذا البيان تحذيرا إلى السعودية من محاولة اقتراب مناورات "رعد الشمال" من الحدود العراقية. وجدير بالذكر هنا أن هذه المناورات التي ستجري على نطاق واسع بكل الأسلحة في منطقة حفر الباطن القريبة من الحدود العراقية قد تأجلت أكثر من مرة ومن المقرر أن تشارك فيها قوات من جيوش من 8 دول عربية وإسلامية من بينها مصر وتركيا وباكستان والسعودية.
إن الصراع المسلح في سوريا يمضي من سيئ إلى أسوأ. ويبدو المستقبل غائما في الوقت الذي تتراجع فيه العقلانية والرشادة في إدارة الصراعات، لتحل محلهما الرعونة والغطرسة وغرور القوة. الأطراف المختلفة لا ترى بنفس النظرة، فالأتراك يعتبرون الأكراد خصوما لهم، وهم في الوقت نفسه يريدون إزاحة الأسد، فيتحالفون مع السعودية. وهذا التحالف سيجر تركيا إلى صراع مع إيران قد يشتعل في أي لحظة على الحدود بينهما التي ظلت هادئة لقرون من الزمان. وهذا الاشتعال سيكون اللحظة المناسبة لوضع أسس الدولة الكردية الموحدة الممتدة من جبال شمال غربي إيران إلى جنوب شرقي تركيا إلى شمال العراق وسوريا، بحماية مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية.
والسعودية التي ترى في إيران خصمها الرئيسي في المنطقة تريد أن تذهب لمقابلتها في سوريا، طالما إن الإيرانيين ذهبوا لمقابلة السعوديين بطريقة مختلفة في اليمن! وستواجه السعودية في حال تحول فكرة "التدخل البري" إلى واقع، صعوبات جمة إستراتيجية وتكتيكية واقتصادية ولوجيستية، ومن المحتمل أن يتم اجتياح حدودها الشمالية من ناحية العراق، وبذلك تكون المنطقة قد نضجت لحرب أوسع هدفها النهائي تعديل حدود سايكس- بيكو (1916) وتوسع ملك الهاشميين على حساب السعوديين.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟