المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

حراك شمال المغرب: هل من مسألة ريفية؟

الخميس 05/يوليو/2018 - 01:45 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

أسدل القضاء المغربي الستار على ما شهده شمال المغرب من حراكٍ اجتماعي بإصدار محكمة مغربية يوم الثلاثاء 2 يونيو/حزيران 2018 حكمًا بالسجن 20 عامًا على قائد "الحراك الريفي" في منطقة الريف ومدينة الحسيمة "ناصر الزفزافي"، وأصدرت أحكامًا تتراوح بين 3 إلى 15 عامًا على آخرين. يُذكر أن منطقة الريف قد شهدت احتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، وذلك بعد وفاة بائع السمك "محسن فكري" داخل سيارة القمامة التابعة للبلدية وهو يحاول استعادة تجارته التي صادرتها شرطة المرافق، وبذلك تصدرت المطالب الاقتصادية واجهة الحراك. ويشهد الشارع المغربي الآن سخطًا كبيرًا خاصة بعد الحكم على "الزفزافي" ورفاقه من المشاركين في الحراك.

نحاول فيما يلي فهم ظاهرة الحراك الريفي في المغرب، وموقف الأطراف السياسية من تطوراته، وأسباب تجدد مظلوميّات الريف الذي شهد حملة قمع شرسة في عهد الملك "الحسن الثاني"، ومحاولة فهم أسباب فشل الدولة المغربية باختلاف حكوماتها من احتواء الريف، أو حتى تحقيق تنمية حقيقية لأهله، وهل استفاد الريف من أعمال "هيئة الانصاف والمصالحة"؟

الحراك: بداياته وأسبابه

بدأت شرارة الحراك بعد مقتل بائع السمك "محسن فكري" بمدينة الحسيمة، عبر طحنه في شاحنة القمامة أمام مرأى ومسمع من رجال الشرطة. أثار الحدث نفسه بركان غضب لدى الناس العاديين غير المؤدلجين، وانتقل الدعم من الجماهير العادية إلى تبني قوى حزبية وسياسية ومنظمات مجتمع مدني وحقوقي للحراك. وتم تنظيم الاحتجاجات التي لقت انتشارًا ورواجًا كبيرًا لدى الناس، الذين رفعوا شعارات لرفض الفساد والاستبداد وعمليات التعذيب فضلًا عن مطالب التنمية. ورغم تمكن الدولة باحتواء عائلة "محسن فكري" بترك الأمر للقضاء، استكمل الريفيون احتجاجاتهم بقيادة "الزفزافي". وأثارت أحكام القضاء في اليومين الماضيين الأحداث خاصة بعد الأحكام القاسية التي حُكم بها(1).

 تقف وراء الحراك العديد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والنفسية، فلم يكن مقتل "محسن فكري" إلا شرارة اللهب التي قادت الريفيين إلى الاحتجاج. ويمكن تأطير هذه العوامل وتصنيفها وفق أربعة أقسام رئيسة وهي الأسباب الاجتماعية، والسياسية، والتاريخية، والنفسية، وسنتناولها فيما يلي:

1-     الأسباب التاريخية

اتسمت علاقة منطقة الريف المغربي مع السلطة المركزية في الرباط بالارتباك على مدى سنوات. فقد سعى الريفيون في عام 1921 إلى تأسيس جمهورية مستقلة في الريف، ثم شهدت منطقة الريف انتفاضات عدة ضد الحكم المركزي المغربي، نهاية الخمسينات من القرن الماضي، لكنها تعرضت للقمع الشديد من قبل الملك "الحسن الثاني"، ومنذ ذلك الوقت تعاني مناطق الريف من التهميش السياسي والاقتصادي. وبذلك تعد مسألة الحراك الريفي انعكاسًا لأزمة تاريخية اتصلت مباشرة بتفاوض "عبد الكريم الخطابي" مع السلطات في الرباط لإعلان استقلال الدولة. وكنتيجة لهذا التاريخ النضالي الممتد، اكتسب الريفيون جينات المقاومة من مسار تاريخهم المشرف لمقاومة الاحتلال الفرنسي والإسباني في مراحل التحرر الوطني، وهو ما مثل رصيدًا معنويًا لأبناء هذه المناطق.

2-     الأسباب السياسية وتبعاتها

يربط كثير من المحللين تطورات الأوضاع في الريف إلى الاحباط من تراجع الإصلاحات التي أقرَّها الدستور بعد حراك 2011. ويعزى تطور الأحداث إلى ضعف النخبة الريفية التي تقوم بدور الوساطة بين المحتجين والسلطات. من ناحية أخرى، أثرت الأحداث السياسية التي شهدتها منطقة الريف منذ الاستقلال كثيرًا على العلاقة بين الريف والسلطة؛ حيث وصف الملك الراحل "الحسن الثاني"  أبناء المنطقة "بالأوباش" بعد أحداث انتفاضة الريف. وعليه فقد شعر الريفيون بالإقصاء والتهميش والعنف الرمزي ضدهم.

3-     الأسباب الاقتصادية

تعيش مناطق شمال المغرب وضعًا اقتصاديًا صعبًا خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر وارتفاع الأسعار، والبطالة التي يعاني منها الشباب. يصطدم ذلك مع واقع الثروات التي تزخر بها المغرب؛ حيث تحتل المرتبة الأولى عربيًا والثامنة عشر عالميًا من إنتاج الأسماك بفضل موقعها المتميز المطل على البحر المتوسط، والمحيط الأطلسي(2). بالإضافة إلى ذلك، تزخر الرباط باحتياطات عالمية من الذهب، والفضة. ومنذ اليوم الأول للاحتجاجات، أعلن المنظمون أن مطالب حركتهم تتعلق بقضايا التهميش الذي يعاني منه الريف منذ سنوات، وطالبت الاحتجاجات السلطات بالتخلي عن سياسة الحصار الاقتصادي التي تتعامل بها الدولة المغربية مع المنطقة.

 فضلاً عن المطالبة بالربط بشبكات الطرق العامة، وبناء الجامعات والمعاهد لأبناء المنطقة. ويعتبر الريف مناطق عسكرية بالأساس وهو ما يسبب آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية على سكان المنطقة وحرمان تلك المنطقة من الاستثمارات الداخلية والأجنبية نتيجة خوف المستثمرين، إضافة إلى ضعف البنية التحتية وافتقار المنطقة للمرافق العمومية مثل شبكات الطرق والمدارس والجامعات. كما نلاحظ أن التناقض الطبقي الذي تشهده مناطق المغرب دائمًا ما يمكن أن ينذر بانفجار مفاجئ؛ حيث تتسع الفجوة بين الطبقات، وترتفع "مظلومية التهميش".

موقف الإخوان من الحراك

عمدت جماعة الإخوان في الرباط على استغلال الظرف السياسي، كما يفعل الإخوان دائمًا في تلك الظروف. وصرَّح "عبد العزيز أفتاتي"، القيادي بحزب العدالة و التنمية بدعمه للحراك، واصفًا المطالب بالمشروعة، ودعا السلطات المغربية بتقديم الدعم للمنطقة. كما أدانت "الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان" الأحكام الصادرة بحق قادة "الحراك الريفي"، ودعت السلطات إلى تحقيق مطالب الريف المشروعة، التي اقتصرت على مكافحة الفساد وتجاوز سياسات التهميش، وتقوية شبكات البنية التحتية من طرق ومدارس وجامعات.

 وأشار بينان الهيئة إلى رفض الاحكام استنادًا على اعتراف الحكومة والمخزن رسميًا بمشروعية الاحتجاجات، وبداية الشروع في إنجاز بعض المشاريع(3). فيما رفض "حزب العدالة والتنمية" الأحكام الصادرة بحق النشطاء معتبرها قاسية وظالمة، ودعا الحزب في بيانه إلى الإفراج عن كافة قادة الاحتجاج. ورغم انتقاد الإخوان للأداء الحكومي في التعاطي مع أزمات "الحسينة" إلا انهم ما زالوا متمسكين بالمشاركة في الحكومة(4).

تعاطي السلطات مع الحراك

اتسم تعامل السلطات المركزية مع الحراك بضبابية وتناقض، فعلى الرغم من اعتراف الحكومة بمشروعية الاحتجاج إلا أن المحتجين تلقوا اتهامات تتعلق بتلقي تمويلات خارجية، واتهمتهم وزارة الداخلية بالسعي للانفصال والإضرار بالوحدة الوطنية وذلك لتسويغ تفعيل التعامل الأمني. ونشطت الحكومة على المستويين السياسي والحقوقي؛ إذ قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان بدور التقصي في اتهامات التعذيب، وتكفل القضاء بالبت فيها.

وسياسيًا، أقرَّت الحكومة بمشروعية المطالب وضرورة تفعيل ملف التنمية في المنطقة، وبدأت بتسريع مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" الذي كانت قد اعلنت عنه في عام 2015. وعلى الرغم من الاعتراف الحكومي بمشروعية المطالب، حكم القضاء مؤخرًا بأحكام قضائية قاسية على المشاركين في الحراك(5). وعليه فقد أدانت "منظمة العفو الدولية" الأحكام الصادرة بحق قيادات حراك الريف.

وعلى صعيدٍ آخر، أكدت الاحتجاجات تراجع الثقة في دور المؤسسات الوسيطة، وخاصة الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني. وينسب المغاربة تراجع دور المؤسسة الحزبية إلى السياسات التي يتبعها المخزن لتقزيم دور الأحزاب وتهميشها لصالح السلطات المركزية. ستؤثر الأحكام القضائية الأخيرة على سير عملية الحوار السياسي التي فتحتها الحكومة مع أهالي الريف، وحتمًا ستنعكس على درجة الثقة بين أهالي الريف والسلطات المركزية في مراكش. تجدر الإشارة إلى أن قادة الحراك المؤثرين من ضمن من حُكم عليهم، ولم يتبقى في الخارج إلا القيادات الوسيطة التي لا تستطيع تقديم مبادرات لاحتواء الأزمة.

ختامًا؛ لطالما كان حراك الريف في المغرب صداعًا يؤرق الحكومات والملوك، وذلك منذ الاستقلال. وجاءت احتجاجات 2016 لتكشف عن حالة الغضب المدفونة لمطالب الريف المتأخرة، التي عبرت عن واقع مأزوم مفرخ للطاقات السلبية للشباب الذي يعاني الفقر والبطالة. وما زاد الأمر صعوبة التعامل الامني مع المشاركين في الاحتجاج؛ حيث لم يطالبوا إلا بالحد الأدنى للحياة الكريمة وهي إنشاء مدارس وجامعات ومشاريع للتوظيف والعمل وهو ما قوبل بحالة من القمع والتخوين.

الهوامش

1-      حراك الريف... أحكام تذكر المغاربة بـ"سنوات الرصاص" (27/6/2018)، فرانس24، الرابط

2-      المغرب الأول عربياً في صيد الأسماك (24/5/2014)، الحياة، الرابط

3-      الجماعة تدين الأحكام الصادرة في حق الزفزافي ورفاقه (27/6/2018)، الرابط

4- العدالة والتنمية يصف احكام القضاء على نشطاء الريف بالظالمة  والقاسية (28/6/2018)، الرابط

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟