المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
منة أحمد سيد
منة أحمد سيد

الجماعات المسلحة كفاعل غير رسمى في النظام الإقليمى العربى: تأثير حزب الله على العلاقات المصرية اللبنانية (2011 – 2018) نموذجاً

الجمعة 17/أبريل/2020 - 03:57 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

المقدمة

                 تتسم العلاقات المصرية اللبنانية بجذورها التاريخية وتتميز بالتوافق التام تجاه القضايا السياسية المطروحة علي الساحتين الإقليمية والدولية, بالإضافة إلي أن دور مصر مرحب به من جانب القيادات اللبنانية تجاه القضايا الراهنة بالمنطقة العربية, وتعتبر مصر من أولي الدول العربية التي اعترفت باستقلال لبنان في الأربعينيات من القرن الماضى, حيث شكلت القاهرة مركزا للتفاوض علي استقلال لبنان واستضافت اجتماعا حضره "بشارة الخوري" و"رياض الصلح" برعاية رئيس الوزراء المصري "مصطفي النحاس" ونتج عن هذا الاجتماع صياغة الميثاق الوطني الذي أسس نظام الحكم في لبنان في مرحلة ما بعد انتهاء الانتداب.

                وتطورت العلاقات المصرية اللبنانية في عهد الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" بسبب دعمه المستمر للبنان، خاصة بعد انشاء الجمهورية العربية المتحدة والتي رحبت بها لبنان, أما في عهد الرئيس السادات استمرت هذه العلاقات الوطيدة, دعمت لبنان والدول العربية مصر إثناء حرب السادس من اكتوبر 1973م، إلا أن قد شهدت العلاقات المصرية اللبنانية توترا بعد أن وقعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل (كامب ديفيد)، إلى أن عادت العلاقات على طبيعتها كما كانت بين البلدين بعد انعقاد القمة العربية في عام 1987م(1).

    ساندت مصر لبنان إثناء العدوان الاسرائيلي ضد لبنان في عام 2006م, حيث اكدت مصر أن سياسة "العصا الغليظة" لن توفر أمنا ولا سلاما ولا استقرارا لإسرائيل وعليها أن تعود للطريق الصحيح "طريق السلام والحوار" لتحقيق السلام والأمن المتكافئ للمجتمع، واصدرت مصر بيان مشترك تؤكد فيه وقوفها بجانب لبنان ضد العدوان الإسرائيلي  وتأييد حق لبنان في مقاومه الاحتلال , كما قرر الرئيس الأسبق "محمد حسنى مبارك" بإصلاح كافة محطات الكهرباء التي دمرها العدوان الاسرائيلي, كما واصلت مصر جهودها علي كافة المحاور مع جميع الأطراف من أجل ضمان سيادة واستقلال لبنان.

    ويوجد بين  مصر ولبنان العديد من العلاقات الاقتصادية والعديد من الاتفاقيات التي تؤكد علي ذلك، حيث استطاعت اللجنة المصرية-اللبنانية تعزيز ودعم حركة التجارة بين البلدين خاصة بعد تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي(2).

     وبالنظر إلى تأثير حزب الله على سياسة لبنان الخارجية، نجد أن العلاقات بين مصر وحزب الله تتسم بدرجة من التعقيد، ولكن قام حزب الله بإرسال وفد رفيع المستوي للقاهرة، لتقديم واجب العزاء في وفاة الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، وأثار ذلك العديد من  التساؤلات حول دلالة هذه الزيارة في ذلك الوقت، حيث تأجج فيه الغضب السعودي من ممارسات الموالين لإيران في المنطقة،  وتعد زيارة حزب الله إلى مصر، الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة المصرية 2011م، فيما تشير الدلائل إلى أن العلاقات بين القاهرة والحزب كانت عدائية في فترة الرئيس الأسبق "حسني مبارك" وما بعده، ووصلت إلى حد اعتقال وتفكيك شبكات مرتبطة بالحزب كانت تعمل في مصر في فترات ماضية بحسب مصادر رسمية مصرية. ومن هنا دور التساؤلات البحثية حول ماهية العلاقات بين مصر ولبنان؟ وما هي ملفات المصير المشترك بين مصر ولبنان؟ ومدى تأثير حزب الله اللبناني علي العلاقات بين مصر ولبنان؟  وما هي السيناريوهات المستقبلية المتوقعة مع تأثير حزب الله اللبناني علي العلاقات المصرية اللبنانية؟.

     من ناحية الإطار المكانى تشتمل الدراسة علي دولتين وهي مصر ولبنان, فأن مصر دولة عربية تقع في الركن الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا ولديها امتداد آسيوي, حيث تقع شبه جزيرة  سيناء داخل قارة آسيا فهي دولة عابرة للقارات, ونظامها السياسى جمهورى رئاسى، أما لبنان هي دولة عربية واقعة في الشرق الأوسط في غرب القارة الآسيوية, تحدها سوريا من جهة الشمال وفلسطين من الجنوب, وهي بلد جمهوري طائفي. بينما يتمثل الإطار الزماني للدراسة في الفترة من 2011 م وحتي 2018م, وتبدء الدراسة من هذة الفترة تحديدا كونها بداية تأثير الطائفية السياسية الموجودة في لبنان علي علاقتها مع مصر بعد ثورة 25 يناير 2011م, وتنتهي في عام 2018م لتكون قد رصدت وجسدت البعد المصلحي في العلاقات المصرية اللبنانية.

     ينطلق الإطار النظري للدراسة من النظرية الواقعية أو مناهج التحليل في إطار سياسات القوي, وتنظر إلي المجتمع الدولي والعلاقات الدولية علي أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو استراتيجيتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح الدول الأخري(4). وبتطبيق النظرية الواقعية علي طبيعة العلاقات المصرية اللبنانية نجد أن في جميع المواقف التي مرت بها الدولتان, سواء في فترات التدهور أو الاستقرار كان "عامل المصلحة القومية" هو الدافع لاستمرار العلاقات أو توقفها, فكلا البلدين كان ينظر الي الآخر بعين الإفادة في تحقيق أهدافه الوطنية، وبخصوص العنصر الثاني وهو عنصر" القوة" في العلاقات الدولية, فكانت مدى قوة  ومكانة البلدين في المنطقة دافع لاستمرار العلاقات في الكثير من الأحيان,  كما كانت سببا في القطيعة في أحيان أخري.

     تعتمد الدراسة على استخدام اقتراب تحليل النظم(5). وبالنسبة للدراسة الحالية تأخذ أبعاد تأثير حزب الله علي العلاقات المصرية اللبنانية شكل المدخلات التي تؤثر علي نمط العلاقات بين مصر ولبنان وتتمثل في (الطائفية السياسية الموجودة في لبنان والانقسام السياسي الموجود في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011م، والتحرك في 30 يونيو 2013م لمعالجة الارتباك في الموقف السياسي في مصر) وكيفية تأثيرها علي العلاقة بين البلدين، أما المخرجات فتشمل طبيعة العلاقات التي تحدث بين مصر ولبنان  نتيجة تأثير حزب الله اللبناني وتوضيح هذا التأثير وتوضيح انعكاس حجم هذا التأثير من حين لآخر، بينما تكون التغذية الاسترجاعية عبارة عن إعادة نظر الدولتان إلى نمط العلاقات القائمة بينهما نتيجة تطورات وتأثيرات حزب الله المؤثرة علي العلاقة بينهما  وكيفيه الانسجام مع مستجدات العوامل السياسية من مرحلة لأخري.

   تتناول الدراسة المحاور التالية:

أولا: حزب الله كفاعل غير رسمى فى النظام الإقليمى العربى.

ثانيا: محددات العلاقات المصرية اللبنانية من 2011م إلى 2018م.

ثالثا: تأثير حزب الله على العلاقات المصرية اللبنانية من 2011م إلى 2018م.

أولاً- حزب الله كفاعل غير رسمى فى النظام الإقليمى العربى

     في البدء نقوم بتعريف حزب الله ونشأته في لبنان, وعلاقاته مع الدول العربية خاصة مصر، كما يلى:

إن حزب الله هو جماعة شيعية إسلامية مسلحة، وحزب سياسي مقره في لبنان تأسس عام 1982 ولكنه دخل  المجال السياسى عام 1985م, واتخذ صورة التنظيم المقاوم الذي يحمل هم الدفاع عن "الأمة" الإسلامية وحماية مقدساتها، وقد ولد هذا الحزب من خلال حركة أمل الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران, التى تتولي نشر التشيع في لبنان والعالم العربى, وما لبث تكون حزب جديد وهو ما يعرف فى الوقت الراهن باسم "حزب الله"، وقد لعب دورا خطيرا في الأمة الإسلامية والعربية أعم وأشمل من دوره في "حركة أمل"، ويعد مجلس "الجهاد" هو الجناح العسكري لحزب الله, أما جناحه السياسي فهو كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني, وبعد وفاه عباس الموسوي في عام 1992م, جاء "حسن نصر الله " كأمينا عاما للحزب(6).

      يوجد توترات بين حزب الله اللبناني وعدد من الدول العربية منها مصر، لما يلعبه هذا الحزب فى أزمات المنطقة كفاعل غير رسمى وجماعة مسلحة مقاومة، حيث كانت العلاقة بين حزب الله ومصر تشهد تعثرا خاصة في فتره الرئيس الأسبق "محمد حسني مبارك", وفى عام 2008 م , كشفت أجهزة  الأمن المصرية عن تنظيم تابع لحزب الله كان يعمل علي الأراضي المصرية، وتم الإفصاح عن الدلالات التي تنطوي عليها نشاطات حزب الله فى مصر ولعب حزب الله أيضا دورا هاما فى إشعال الأحداث أثناء ثورة 25 يناير 2011م. لذا يعتبر هذا التنظيم في تفسير النظام المصري "مؤامرة إيرانية ترمي إلي زعزعة الأمن والاستقرار داخل الأراضي المصرية والعربية، فى إطار تطوير أهداف إيران الاستراتيجية نحو سعيها إلي تحقيق هيمنة إقليمية"(7).

ثانياً- محددات العلاقات المصرية اللبنانية من 2011م إلى 2018م

    تواجه كل من جمهورية مصر العربية وجمهورية لبنان تحديات أساسية  بالنسبة للطرفين بل تبني الكثير من سياستهم الخارجية عليها وكذلك العلاقات الثنائية بين البلدين سواء كانت قبل ثوره 25يناير 2011م أو بعدها, فيظلل هذه القضايا ما يعرف باسم ملفات المصير المشترك من أهمها ملف سوريا, الصراع العربي الاسرائيلي, تدهور الأوضاع الاقتصادية ومكافحة الإرهاب عقب ثوره  25 يناير 2011م في مصر، واندلاع موجات الربيع العربي في عدد من الدول العربية، وشكل العلاقة مع إيران ودول الخليج العربي.

1-     المحددات الداخلية للعلاقات المصرية اللبنانية منذ عام 2011م:

     منذ عام  2011م وقعت العديد من العوامل الداخلية فى مصر ولبنان, هذه العوامل بعضها يخص لبنان وحزب الله، ولكن أغلب هذه العوامل تخص تطور الأوضاع السياسية المصرية.

ثورة 25 يناير 2011م

    إن أول هذه العوامل وما جعل البعض يتفائل بشأن تطور إيجابي في العلاقات المصرية اللبنانية، هو حدوث ثوره 25 يناير 2011م التي اسقطت الرئيس محمد حسني مبارك ونظامه, وتصحيح أخطائه وتعديل مسارات السياسات التي كان ينتهجها, وبالتالي شهدت العلاقات المصرية الخارجية حراكا واسعا منذ اندلاع ثورة 25 يناير2011م, وقد كان موقف لبنان من الثورة المصرية واضح وصريح حيث رحبت بشكل كبير منذ البداية، وهذا الترحيب أمر منطقي, من خلال تطور العلاقات المصرية – اللبنانية في ظل وجود حزب الله وتأثيره علي تلك العلاقات قبل عام 2011م وما بعدها، ونجد أن حزب الله علي مدار سنوات سعي لتحسين العلاقات مع مصر, ولأن حزب الله لم يستطيع تحقيق ذلك في فترة حكم الرئيس "مبارك" فكان مرحبا بالثورة ومؤيدا اسقاط الرئيس "مبارك" ونظامه, علي أساس أن ذلك يعد مؤشرا علي فشل الجهود الأمريكية التي تتلقي دعما من بعض القوي الإقليمية خصوصا أن النظام المصري الذي سقط كان من أهم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط(8).

    فضلا عن ذلك رأي  حزب الله أن هذه التطورات الإقليمية وضعت خصومها الإقليميين أمام بدائل ضيقة علي غرار إسرائيل، وبالتالي تقليص قدرتها الإقليمية(9).

صعود تيار الإسلام السياسى في مصر

    في أول انتخابات برلمانية أو رئاسية في مصر عقب ثوره 25 يناير2011م فاز تيار الإسلام السياسى، وكان هناك ارتياحا من قبل حزب الله وإيران تجاه صعود التيار الإسلامي في مصر, فوصول الرئيس الراحل محمد مرسي إلي منصب الرئاسة في مصر وتأكيده علي إحداث تغيرات أساسية في السياسة الخارجية، جعل كلا من حزب الله وإيران يتوقعا إمكانية حدوث تعاونا إقليميا مع مصر ولعب دورا مؤثرا في المنطقة العربية والشرق الأوسط، كما أن الرئيس محمد مرسي كان ينظر إلي العلاقات المصرية اللبنانية في ظل وجود وتأثير حزب الله قد يؤدي إلي الوصول لحل الأزمة السورية وإنهاء العنف والإرهاب في سوريا(10).

2-     المحددات الخارجية للعلاقات المصرية اللبنانية منذ عام 2011م:

الصراع العربي الإسرائيلي

    خاض كل من مصر ولبنان حروبا أو منفردة ضد العدو الصهيوني، وترتبط كلا الدولتين بعلاقات جيوسياسية مع فلسطين المحتلة، كما يعتبر ملف القضية الفلسطينية ملف حيويا ومركزيا لدول الطوق عموما، سواء لجهة دعم المقاومة كخيار، وهو ما تقره الحكومات اللبنانية المتعاقبة أو الحث على المضي قًدما في طريق المفاوضات وصولا لسلام دائم وحل الدولتين، وهو الخيار الذي تعمل عليه مصر منذ معاهدة كامب ديفيد للسلام، مما أدي إلي قرارات قمم عربية بعزل مصر عن جامعة الدول العربية ونقل مقر جامعة الدول إلي تونس، وهي قرارات كان لبنان مشارك بها، إلى تم الوصول إلي انهاء قرار العزل في قمة المغرب عام 1989م، والجدير بالذكر أن القمة نفسها هي التي شكلت لجنة ثلاثية عربية لوقف الحرب الأهلية في لبنان والوصول إلي اتفاق الطائف بالمملكة العربية السعودية. وشعبيا يؤيد الشعبين المصرى واللبنانى كما شعوب المنطقة العربية خيار المقاومة وعدم التطبيع مع الاحتلال الصهيوني, وهو ما تراهن عليه جماعات المقاومة وتستمد منه قوتها.

    أما حديثا, تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية ما بعد ثوره 30 يونيو 2013م نوعا من الارتياح للجانب الإسرائيلي ولم تخف النخبة السياسية والعسكرية في إسرائيل ذلك, وتضمن إسرائيل احترام مصر لكامب ديفيد وتخفيف الضغوط، كما أن لبنان يشهد محاولات الهيمنة الإيرانية ممن خلال تعاظم قوة حزب الله، وتعالت التهديدات بين إسرائيل ولبنان بسبب أزمة الغاز  في حوض المتوسط(11).

    يتضح مما سبق أن كلا من مصر ولبنان يـأخذ اتجاه مختلف في إطار علاقته مع إسرائيل, فمصر في شراكه استراتيجية مع إسرائيل، بينما لبنان يضم فى مكوناته السياسية أكبر وأقوي حزب محارب لها "حزب الله". كما أن علاقة حزب الله مع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" ليست جيدة, وبالتالي ترتب مصر لنفسها حيزا من الليونة والقدرة في التعامل مع الملف اللبناني – الإسرائيلي.

الأزمة السورية

     انقسمت القوى الدولية والإقليمية بشأن موقفها من الأزمة السورية، بين دول داعمة لنظام الأسد ودول داعمة المعارضة السورية وأخري وسط مع حل سلمي لصالح الطرفان(12).

     تمثل الموقف المصري من الأزمة السورية فى عهد الرئيس محمد مرسي بقطع العلاقات مع نظام الأسد، واستدعي سفير مصر من "دمشق"،  لكن في عهد عبد الفتاح السيسي  اهتمت مصر بدعم بقاء نظام "بشار الأسد" علي اعتبار كونه محاربا لجماعات الإسلام السياسي، واكد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في نوفمبر 2016م بأن مصر تعتبر دعمها للجيوش الوطنية من أولوياتها لذا يدعم جيش النظام السوري، في المقابل أن الجانب المصري يعد أحد منصات المعارضة السلمية السورية وهي منصة القاهرة، بينما كان الموقف اللبناني يعكس للانقسام الداخلي حول سلاح حزب الله، حيث جاءت المواقف اللبنانية مذهبية، بين مناصرة المعارضة السورية, وتأييد النظام السوري ووجود مخاوف مما يطلق عليه التطرف الإسلامي(13).

     في المحصلة كانت رؤية الرئيس "السيسي" وحلفاء الأسد تصب في هدف واحد, وعليه ورغم  هيمنة حزب الله علي الحكم لم تتأثر العلاقات المصرية اللبنانية بسبب الثورة السورية، ومؤخرا قد رأينا موقف الرئيس "السيسي" من حزب الله، حيث عارض العقوبات التي أرادت المملكة السعودية فرضها علي حزب الله, لأن هناك ما يكفي من الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط(14).

مكافحة الإرهاب

    تصاعدت مخاطر الإرهاب في المنطقة العربية, واصبحت ظاهرة الإرهاب تتصدر قائمة مصادر التهديد غير العسكرية للسلم والأـمن القومي العربي التى لم تعد تقتصر علي الحروب والنزاعات المسلحة(15).

    عقب ثوره 30 يونيو 2013 شدد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" علي ضرورة مكافحة الإرهاب المتمثل في جماعة الأخوان المسلمين، وما تمثله من خطر علي الأمن القومي المصري، كما أن منذ اندلاع الصراع الداخلى السورى، كادت تطال الساحة السياسية والأمنية اللبنانية، وذلك بسبب انخراط حزب الله اللبناني في الحرب السورية إلي جانب النظام السوري، وبالتالي زادت حدة الخطط الأمنية المتبعة من قبل الدولتين في مجال محاربة الإرهاب، ومثلما  حدث تنسيق بين الدول العربية في مجال مكافحة الإرهاب، جاء أيضا التنسيق والتعاون بين مصر ولبنان، ولكن بمستوي ضعيف، وذلك لعدة أسباب ومنها: ضعف المؤسسة العسكرية اللبنانية عددا وعتادا مقارنة بالجيش المصري, ونفوذ حزب الله وقدراته العسكرية وسيطرته على الوضع الأمني(16).

     في كافه الأحوال تؤكد مصر علي الترويج للمقاربة المصرية الشاملة لمحاربة الإرهاب, وذلك من خلال مختلف المحافل الدولية, وتنخرط مصر في جهود محاربة تنظيم داعش عبر المشاركة في اجتماعات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، كما فازت مصر برئاسة لجنة مكافحة الإرهاب داخل مجلس الأمن عام 2016م, الأمر الذي فتح المجال واسعا لطرح الرؤية المصرية الشاملة في مكافحة الإرهاب، وساهم ذلك جعل مصر مؤهلة أن تكون منصة للتدريب في مجال مكافحة الإرهاب, وعقدت عده دورات تدريبية حضرها أمنيون لبنانيون في مصر, كان آخرها الحضور كمراقب في تدريبات قوات "درع العرب" المعنية بمواجهة المد الإيراني والإرهاب. كما اكدت مصر من خلال مؤتمر "روما" على دعم الجيش اللبناني، حيث دعت المجتمع الدولي إلي الاستمرار في تقديم كل العون الممكن للحكومة اللبنانية من أجل بناء قوات الجيش الوطني والأمن الداخلي لمواجهة تنظيم داعش علي الحدود الشرقية للبنان(17).

موقع لبنان فى الصراع الإيراني الخليجي

    تثور تخوفات خليجية عديدة من السياسية الإيرانية العدائية التي تمارسها عبر التأثير علي أمن الخليج، وبالنسبة لمصر فأن مسألة أمن الخليج أمر هام ومن أولويات السياسية الخارجية المصرية, وعلي الرغم من ذلك فلا تزال دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، قلقة من أى تقارب محتمل بين مصر وإيران، بسبب موقف مصر من نظام بشار الأسد, حيث أن إيران من أحدي المتحكمين رئيسيا في الأزمة السورية.

     وبقيت العلاقات المصرية اللبنانية بعيدا عن الأزمات الخليجية الإيرانية، رغم تأثير مصر علي الأوضاع الداخلية في لبنان, وقد ظهر الموقف المصري من خلال تصريحات الرئيس "السيسي": "أن مصر لا تفكر في اتخاذ أي إجراءات ضد حزب الله" علي الرغم من دعوة المملكة العربية السعودية إلي توجيه ضربة إلي حزب الله، وكان رد فعل الرئيس "السيسي" أنه لا يريد أن مصر تدخل في صراعات مع حزب الله(18).

   ولعبت مصر دورا واضحا بجانب فرنسا فى انهاء أزمة استقالة رئيس الوزراء السابق "الحريري" وإعادة العلاقات الوطيدة بين السعودية ولبنان، بسبب العلاقة الودية بين مصر والسعودية(19).

التحديات الاقتصادية

    إن كلا من مصر ولبنان علي اختلاف حجهمها الاقتصادي تعانيان من تحديات اقتصادية، وتسعي كلا منهما إلي محاولة تجاوز هذه الأزمات, وهو ما ينعكس سلبا علي بناء علاقات اقتصادية فعالة بين الطرفين، كما لايوجد سياسات واستراتيجيات تستهدف التعاون المشترك بينهما إلا في مجالات محدودة.

    تم انشاء شركة مصرية - لبنانية لتسويق الصادرات المصرية واللبنانية بالقارة الأفريقية, وتمثلت فى "مبادرة مصر لبنان إلي أفريقيا" التى تعد الخطوة الأولي في اتجاه مشروع التكامل الاقتصادي العربي الأفريقي عام 2016م، وتتيح الاستفادة من الوجود اللبناني المتميز في دول غرب أفريقيا لزيادة الصادرات المصرية إلي هذه المنطقة، وفي سياق متصل تم توقيع أربع اتفاقيات بهدف تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين علي المستوي الصناعى والتجاري في مجال المعارض والأسواق الدولية.

                أما الملف الاقتصادي الشائك فى منطقة جنوب وشرق حوض المتوسط، والمشترك بين دول المنطقة، منهما الطرفين المصرى واللبنانى، وهو الغاز الطبيعى في حوض المتوسط, فعند سلسلة من اكتشافات الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة يجري الحديث عن استثماره دوليا وتحديدا "تل ابيب" وهو ما يؤثر علي المشهد السياسي  المثقل بالنزاع في المنطقة العربية والشرق الأوسط. فقد شرع الكيان الصهيوني في استخراج الغاز من حقل "تامار" عام 2013م, وهو اليوم يغطي (60%) من الكهرباء المولد في إسرائيل, لكن إسرائيل سعت إلي التصدير نحو أوروبا ودول الجوار فتم الاتفاق لتصدير الغاز الاسرائيلي من حقل "تمار" والحقل النفطي إلي فلسطين والأردن ومصر، في حين أن التعاون المصري اللبناني في هذا المجال شبه معدوم, وسابقا وقعت  مصر ولبنان اتفاقية مبادئ لتصدير الغاز الطبيعي المصري للبنان سواء عن طريق فرع من خط أنابيب عن سوريا أو غاز مسال بطريقة مباشرة(20).

    خلاصة القول كان يمكن لصفقة الغاز الطبيعى الأخيرة بين مصر وإسرائيل أن تكون مثمرة للبنان, لكن التحديات السياسية والتقنية حالت دون ذلك. فلبنان حتي اليوم لم تستخرج الغاز من المربع (9) التابع لإسرائيل.

ثالثاً- تأثير حزب الله على العلاقات المصرية اللبنانية من 2011م إلى 2018م

1-     موقف حزب الله تجاه مصر:   

     كما أوضحنا آنفا، ان تنظيم حزب الله بالنسبة إلى مصر سعى إلى خدمة المصالح الاستراتيجية الإيرانية التي تهدف إلي المساهمة في تدعيم وإقامة سلطة حركة حماس في قطاع غزة، لما يمثله هذا القطاع من موقع جيوسياسى على الحدود الجنوبية مع الكيان الصهيونى، وأيضا التسلل من خلال الحدود مع مصر، وتدخلا إيرانيا لتهديد الأمن القومى المصرى، بالرغم أن حماس علي خلاف مع حزب الله وليست علي استعداد لإخضاع نفسها بشكل مطلق إلي الإملاءات الإيرانية(21).

     وفى عهد الرئيس "عبد الفتاح السيسي", نشر "حزب الله" عدة تقارير تشكيك بوعود الرئيس المصري بعد مرور عام علي توليه، وذلك فى إطار توجه إيراني رسمي ينفذه "حزب الله" وتفسير ذلك أن منهجية الرئيس "السيسي" فى إدارة الأمن القومي المصري وإعادة تفعيل العمل العربي المشترك، جعلته يتعامل مع إيران باعتبارها تدخلا في الشؤون العربية(22).

      برغم كل المناوشات التي يشنها "حزب الله" اللبناني على الرئيس المصرى, فأن العلاقات المصرية اللبنانية ما زالت وطيدة, هذا ما أكده رئيس الوزراء اللبناني السابق "سعد الحريري" خلال لقائه مع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" عقب انتهاء فعاليات القمة العربية الأوروبية بشرم الشيخ, مشيرا إلي أن هناك تعاونا بين مصر  ولبنان في عدة مجالات وهناك أيضا توافق بينهما، خاصة فى كون دعم الاقتصاد يبنى على قاعدة الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب، كما فى سبيل تعميق العلاقات المصرية اللبنانية، وتأكيدا لموقف مصر الثابت في دعم العلاقات بين البلدين, عقد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" جلسة مباحثات ثنائية مع نظيره اللبناني خلال زيارته الرسمية لمصر في عام 2017م,  وأعرب في رؤيته عن اهتمام مصر بالحفاظ علي أمن واستقرار لبنان ورفض مساعي التدخل في شؤونها الداخلية ووقوفها بجانبه ودعمه في مواجهة الأزمات، وأكد علي أهمية تجنب أشكال التطرف المذهبي والديني، خاصة "حزب الله"(23).

2-     مستقبل وسيناريوهات العلاقات المصرية اللبنانية فى ظل وجود حزب الله:

     انطلاقا من سياق الأحداث وأهداف السياسات القائمة حتى العام 2018 خلال الفترة الزمنية محل الدراسة، ومن خلال تحليل عدة عوامل ومتغيرات ترتبط بواقع العلاقات الأمريكية والخليجية مع إيران، والتى فى توتر مستمر, ومن المعلوم مدي تأثير وتداعيات الصراع الإيراني علي وضع "حزب الله" فى لبنان، ناهيك عن محاولات تمرير الرؤية الأمريكية للسلام النهائى وما يعرف "صفقة القرن"، والدور الإسرائيلي فى ذلك، إلا أن انتشار فيروس كورونا العالمى (كوفيد 19) يؤجل أى خطط أمريكية وإسرائيلية فى هذا الصدد، فضلا عن اندلاع احتجاجات وتفاقم الأزمات فى الداخل اللبنانى. مما كل ما سبق يبدو أن مستقبل العلاقات المصرية اللبنانية أمام ثلاث سيناريوهات علي المدي القريب أو البعيد، كما يلى:

السيناريو الأول: التقدم المحدود علي المستوي الاقتصادي تحديدا في القطاع الخاص نظرا للدور المحدود الذى تلعبه لبنان في السوق المصرية الكبيرة.

السيناريو الثاني: استمرار الأوضاع علي ماهي عليه، وهذا هو السيناريو الراجح  علي المستوي السياسي.

السيناريو الثالث: التغير المفاجئ للعلاقات المصرية اللبنانية في ظل الهيمنة المتصاعدة لحزب الله, فى لبنان.

الخلاصة والتوصيات

     إن نجاح وتأثير مصر في الساحة اللبنانية, يقوم علي أساس تراكم معنوي وتاريخى وسياسي وثقافي ودبلوماسي، إلا أن هذا الدور قد يتراجع أو يتقدم بحسب الظروف الداخلية المصرية أو الإقليمية, وقد انخفضت  قدرة حزب الله كفاعل إقليمى غير رسمى على التأثير فى مسار هذه العلاقات، وعلي الرغم ما يجمع النظم السياسية فى الدولتين من ملفات مصير مشتركة، أهمها: مكافحة الإرهاب, القضية الفلسطينية, الصراع العربي الإسرائيلي, موقع لبنان من الصراع الإيراني الخليجي، والعامل الجغرافي والتحديات الاقتصادية, إلا أن العلاقات المصرية اللبنانية لا تصب فيما يحقق المنفعة الأكبر التي يجب أن يحصل عليها الشعبين المصرى واللبنانى، بقدر ما تحقق منافع سياسية لنظمها  الحاكمة ومكاسب اقتصادية محددة القطاع الخاص فى البلدين، لذا يراد إبقاء العلاقات المتبادلة بين الدولتين بعيدا عن تأثير "حزب الله".

1-     الاستنتاجات:

     يوجد مجموعة من الاستنتاجات التي يمكن الوقوف عليها من خلال استقراء العلاقات المصرية اللبنانية، على النحو التالى:

·       يجمع لبنان ومصر تشابه فى النظام جمهوري والتعددية حزبية،

·       إن لبنان الذي يفتقر إلي مقومات الدول الفاعلة, يمتلك قدرات بشرية ممتازة ومتقدمة وموقع جغرافي متميز اقتصاديا, مما يجعل الرهان علي العلاقات معه مجديا, خاصة الاقتصادية،

·       تتسم العلاقات المصرية اللبنانية الراهنة بالضعف بشكل عام، وذلك  لعده أسباب منها: ضعف المكانة الإقليمية للدولة اللبنانية, وإهمال الطرف المصري لتعزيز فرص التعاون والتنسيق المتاحة مع الجانب اللبناني رغم أن الدولتين من الممكن أن يمثلا مجالا حيويا للتعاون والإنتاجية.

2-     التوصيات:

          أ‌-          معالجة أسلوب التطور الديمقراطى البطئ فى كلا من مصر ولبنان، وتفعيل وبناء نظام ديمقراطى حقيقى بما يصب فى مصلحة العلاقات بين الدولتين، والنظام الإقليمى العربى،  

        ب‌-        نزع اللبنانيين فكرة الطائفية الدينية أو السياسية حتي يتم التمكن من اكتمال بناء مؤسسي ديمقراطى فى لبنان، على نحو مطالب الاحتجاجات الشعبية اللبنانية فى 2019م،

        ت‌-        تقوية العلاقات المصرية اللبنانية في النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية وعقد الاتفاقيات التي تحقق ذلك.

        ث‌-        دعم مصر للبنان ومساعدتها فى اكتساب مقومات التي تجعلها دوله فاعلة في النظام الإقليمى العربى، بالنظر إلى موقع لبنان الجغرافي المتميز.

        ج‌-        وضع حد للعمليات الإرهابية وتحريم أى عمل إرهابي، وتحييد تام لتنظيم "حزب الله" اللبناني فى التأثير علي العلاقات اللبنانية المصرية.

هوامش الدراسة

1.       راغب السرجاني, "تاريخ العلاقات المصرية اللبنانية, دار النهضة العربية, ط 2, 2002، ص 33.

2.       محمد سعيد غنيم , "العلاقات الاقتصادية العربية ", المركز الديموقراطي العربي, 2014.

3.       حسن نافعة، زيارة وفد من حزب الله لمصر تثير الجدل حول علاقة الطرفين، إرم نيوز، فى: https://www.eremnews.com/news/arab-world/egypt/441267.

4.       نورهان الشيخ , "نظرية العلاقات الدولية" , المكتب العربي للمعارف, ط1, 2018.

5.       هشام بشير, "المناهج وطرق البحث في علم السياسة", القاهرة: دار الدليل للدراسات والتدريب,2014, ص 35.

6.       المرجع السابق، ص 43.

7.       علي بن عبد القادر السقاف, "نشأة حزب الله في لبنان", موسوعة الفرق, الدار السنية, د.ت، فى: https://dorar.net.

8.       المرجع السابق.

9.       تفسه.

10.   إيمان رجب, حزب الله: وظيفته مقاومة إسرائيل لتعظيم نصيبه من السلطة اللبنانية, كليه الاقتصاد والعلوم السياسية, جامعه القاهرة، د.ت.

11.   محمد عبد الرحمن عريفي, "العلاقات الثقافية بين مصر ولبنان", المجلس الأعلى للثقافة,2011.

12.   بدرية الراوي, العلاقات المصرية اللبنانية بعد ثورة 25 يناير 2011, المعهد المصري للدراسات, 17/ 12/  2017، في: https://eipss-eg.org.

13.   محمد نور البصراتي, "النظم السياسية في الوطن العربي", جامعة بني سويف: كلية السياسة والاقتصاد، د.ت, ص 33.

14.   أشرقت أحمد عرفات محمد, العلاقات المصرية الإيرانية في الفترة من 2011 إلى 2016, المركز الديموقراطي العربي, 3/ 8/ 2016, فى: https://democraticac.de

15.  محمد مجاهد الزيات, العلاقات العربية بعد ثورات الربيع العربي, المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط, 2013.

16.   رضوي أشرف، (وآخرين), السياسة الخارجية المصرية تجاه الصراعات الإقليمية، كلية السياسة والاقتصاد, جامعة بني سويف، د.ت.

17.   إيمان رجب، كرجع سبق ذكره.

18.   عبد المنعم سعيد, ماذا تريد إيران من الخليج, 19/ 6/ 2019, في:   .https://alkhaleejonline.net

19.   نعمان أحمد الخطيب, العلاقات المصرية الإيرانية من 2011 حتي 2016, المركز الديموقراطي العربي, 2017.

20.   محمد بدر الدين, إيران والربيع العربي: اعتبارات متداخلة واستحقاقات مؤجلة, بيروت: مركز لبنان للدراسات, العدد 22 ، 2017.

21.   بسام فتوح, خيارات لبنان لتصدير الغاز: التوقيت عامل أساسي, بيروت: المركز اللبناني للدراسات, 2016, العدد 33.

22.   راجح حسن السيد, حزب الله وتأثيره في سياسه لبنان الخارجية, دراسات استراتيجية، مركز الأمارات للدراسات السياسية, العدد 133، 2018.

23.   مصطفي عصام, مستقبل العلاقات المصرية اللبنانية, 3/ 5/ 2019 ، فى:  https://www.elmwatin.com.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟