المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

معضلة الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع أوروبا

السبت 21/نوفمبر/2020 - 07:01 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
روسيل بيرمان – ترجمة: مصطفى صلاح

تسببت نهاية الحرب الباردة منذ فتح جدار برلين وحتى انهيار الإمبراطورية السوفيتية في نجاح السياسة الأمريكية على مدى عقود في التعامل مع  الدول الأوروبية، ومع ذلك فإن العقود الثلاثة اللاحقة لهذه الأحداث فقد واجهت أمريكا معضلات متكررة سواء في علاقاتها مع روسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أو فيما يتعلق بعلاقاتها عبر الأطلسي مع حلفائها مم الدول الأوروبية، ومن ثم فهناك أولوية إلى إعادة النظر في كلا الجانبين الخاص بعلاقات الولايات المتحدة مع أعدائها وحلفائها، وهو الأمر الذي سوف يتسبب في معضلة كبيرة للاستراتيجية الخارجية الأمريكية.

خلافات متعددة

برزت روسيا في عهد بوتين كمنافس استراتيجي  للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وهو الأمر الذي أكدت عليه استراتيجية الأمن القومي الروسي لعام 2017 بشكل واضح، وعادت موسكو إلى موقف عدائي تجاه واشنطن مشابه للسياسات الروسية في الحقبة السوفيتية، كما أن مثل هذه المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة ليست جديدة ولها جذور تاريخية تمتد إلى القرن التاسع عشر.

وفي غضون ذلك تجد الولايات المتحدة نفسها مرارًا وتكرارًا على خلاف مع بعض الشركاء الأوروبيين، لا سيما فرنسا وألمانيا، وتعكس مثل هذه الاختلافات حقيقة جوهرية في فترة ما بعد الحرب الباردة على عكس أوروبا الغربية قبل عام 1989؛ حيث أصبحت أوروبا الموحدة اليوم أقل اعتمادًا على الضمانات الأمنية الأمريكية، وبالتالي تطمح بشكل متزايد إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية المستقلة بغض النظر عن مخاوف واشنطن التي قد تتعارض مع الأهداف الأوروبية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن تلك الدول التي تدرك الأسباب التاريخية لضعفها أمام روسيا ودول البلطيق ودول حلف وارسو السابقة، هي الآن الأكثر التزامًا بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، وبالتالي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية مشكلة مزدوجة على الرغم من الانتصار الكبير في عام 1989 والمتمثل في عودة ظهور روسيا خصم الحرب الباردة والتوترات المتصاعدة في العلاقات الأمريكية عبر الأطلسي؛ حيث تواجه أوروبا إغراءات تتعلق بالابتعاد عن الولايات المتحدة والتحول إلى تطوير علاقاتها مع أوراسيا.

معضلة مزدوجة

تسببت هذه التحديات المتزامنة في معضلة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبرز على ذلك تساؤل حول مدى إمكانية اتجاه  واشنطن نحو تبني مواقف أكثر صرامة تجاه موسكو التي توفر باستمرار أسبابًا كافية لردود حازمة؟ خاصة وأن هناك مجموعة مختلفة من القضايا الخلافية بينهما مثل ضم شبه جزيرة القرم ودونباس، وسوريا، وليبيا، وبيلاروسيا، فضلاً عن القمع الداخلي والاغتيالات خارج الحدود الإقليمية.

ومن جهة أخرى برز تساؤل آخر حول اتجاه الدبلوماسية الأمريكية نحو إصلاح العلاقات عبر الأطلسي، مما يعني العودة إلى علاقات تعاونية أكثر مع باريس وبرلين، لا سيما أن تلك التحالفات أصولًا مهمة للسياسة الخارجية الأمريكية لعقود من الزمن ، لذلك هناك الكثير للتوصية بهذا المسار. ومع ذلك فهاتان الرؤيتان على خلاف مع بعضهما البعض؛ حيث أن فرنسا وألمانيا أكثر مرونة تجاه التعامل مع روسيا من الولايات المتحدة  سواء أكانت الإدارة الأمريكية من الحزب الجمهوري أو الديمقراطية.

ومن هنا يجب الإشارة إلى أنه كلما زادت الولايات المتحدة من انتقاد بوتين واتباع سياسات المواجهة مع روسيا، يزداد الضغط على علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء التقليديين، ومن ثم فإن لكل اتجاه له محدداته ، ولكن من الوهم أن نتخيل أن أمريكا يمكن أن تتبع كليهما في نفس الوقت، على الأقل ليس بدون إعادة توجيه بعيدًا عن روسيا من جانب الأوروبيين.

تساؤلات أوروبية

يتساءل الأوروبيون بشكل مشروع عما إذا كانت اليد العليا للسياسة الأمريكية في قبضة جناح الصقور في واشنطن على الأقل منذ بداية هذا القرن؛ حيث أظهرت الإدارات الأمريكية تناقضات غير متوقعة في مواقفها تجاه روسيا؛ ففي بعض الأحيان انغمسوا في نوع من أنواع الرومانسية من التقارب، كما هو الحال عندما ادعى جورج دبليو بوش أنه يرى "روح" بوتين، وبالمقارنة مع سابقاتها، كانت إدارة ترامب صارمة تجاه روسيا مع سعيها المستمر لفرض عقوبات ما بعد شبه جزيرة القرم، وتطبيق قانون ماجنيتسكي ، ومعارضتها لخط أنابيب نورد ستريم 2.

ومن ناحية أخرى فإن الأوروبيون أكثر ترددًا في مواجهة موسكو حتى الآن، ولم تنسب برلين ولا باريس مسئولية محاولة اغتيال نافالني إلى الحكومة الروسية، ولم يتبن الاتحاد الأوروبي بعد أداة عقوبات مماثلة لقانون ماجنيتسكي. في غضون ذلك سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جهوده لتلميع أوراق اعتماده في السياسة الخارجية إلى إعادة الارتباط غير المشروط مع روسيا. ومع ذلك ليس من قبيل الصدفة بالتأكيد أن تتداخل المصالح الروسية والفرنسية في ليبيا وأرمينيا وفيما يتعلق بتركيا.

وفيما يتعلق بألمانيا، تستحق المستشارة أنجيلا ميركل الثناء لدفعها من خلال عقوبات شبه جزيرة القرم على الرغم من احتجاجات اللوبي المؤيد لروسيا الذي يسمى بوتينفيرستير. ومع ذلك، فإن الاغتيال المرتبط بموسكو في شوارع برلين أثار ردًا دبلوماسيًا فاترًا، وكانت الدعوات الواسعة النطاق في ألمانيا لتعليق نورد ستريم 2 ردًا على تسميم نافالني بطيئة من قبل الحكومة، وضمن السياق ذاته جاءت دعوة ميركل إلى "حل أوروبي" لمشروع نورد ستريم وهو ما يعني إرجاء غير محدود لتسوية هذه الأزمة؛ حيث سيكون من المستحيل تقريبًا التوصل إلى إجماع بين جميع الأعضاء الـ 27 على خط الأنابيب.

النقطة المهمة هنا هي أن كلاً من ألمانيا وفرنسا يفضلان تقليل الضرر الذي يلحق بعلاقاتهما مع روسيا وبالتالي فإن أي مقترحات أمريكية لمواجهة موسكو بقوة أكبر ستساهم في تدهور العلاقات مع  حلفاء الولايات المتحدة عبر الأطلسي، وقد تدفعهم الخطوات الخاطئة إلى خسارتهم، وبدلاً من ذلك، فإن السؤال المناسب الذي يجب أن تطرحه واشنطن هو ما إذا كانت هناك طرق لمواءمة استراتيجية الولايات المتحدة مع مصالح برلين وباريس من أجل إقامة تعاون أطلسي ضد نزعة بوتين الانتقامية؟ كما يجب طرح هذا السؤال أيضًا من أجل الدورة الانتخابية ليس فقط عام 2020 في الولايات المتحدة ولكن أيضًا في 2021 في ألمانيا و 2022 في فرنسا.

مستقبل رمادي

مهما كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية، فهناك أوقات عصيبة أمام العلاقات الأمريكية الألمانية على وجه التحديد وعلاقاتها مع الدول الأوروبية بشكل عام. خاصة أنه إذا تم الانتهاء من تنفيذ خط الغاز نورد ستريم 2 ، وهو أمر مرجح، فإن العقوبات التي تم تمريرها بدعم واسع من الحزبين في الكونجرس سيتم تنفيذها، وهو ما يمكن أن ينتج عنه مصدر دائم للغضب الثنائي. علاوة على ذلك ففي حال تضمنت الحكومة الائتلافية التالية في برلين بعد عام 2021 حزب الخضر فسيكون هناك ضغط على ألمانيا للتراجع رسميًا عن تعهد ويلز، و 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، وحظر الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة والناتو، وسيكون لهذا أيضًا تداعيات سلبية من الحزبين في الولايات المتحدة.

إن استراتيجية الولايات المتحدة المثمرة لألمانيا بحاجة ماسة إلى استراتيجية اتصال قوية موجهة إلى الطبقة السياسية والجمهور، كما تحتاج الدبلوماسية الأمريكية إلى استكشاف مجالات للتعاون المثمر مع ألمانيا، وفيما يتعلق بانتخابات عام 2022 في فرنسا، فإن الخبر السار هو أنه لا من المرجح أن يفوز أعداء الولايات المتحدة في أقصى اليسار أو أقصى اليمين. إما سيحصل ماكرون على فترة ولاية ثانية، أو سيحل محله مرشح من يمين الوسط. وقد تستلزم نتيجة السياسة الخارجية استمرار الدعوة الفرنسية المميزة لـ "الحكم الذاتي الاستراتيجي"، لكن باريس تدرك أن هناك حدودًا حقيقية لسلطتها نظرًا لعدم قدرتها على فرض إرادتها العسكرية حتى في مالي، كما لا تستطيع فرض نفسها في أي مكان آخر دون دعم كبير، ولهذا الدعم لا يوجد مرشح آخر غير الولايات المتحدة للقيام بهذا الدور، ومن ثم تكمن فرص التعاون الفرنسي الأمريكي في منطقة الساحل ضد الجماعات الإسلامية المسلحة.

وبالنسبة للولايات المتحدة فيمكنها إعادة بناء علاقاتها عبر الأطلسي مع ألمانيا وفرنسا من خلال محاذاة الأهداف الدبلوماسية والأمنية المشتركة، كما يمكن أن تعمل مثل هذه التحالفات على احتواء منافسي واشنطن من القوى العظمى الأخرى مثل روسيا والصين. لكن في المستقبل المنظور، تواجه القيادة الأوروبية قيودًا سياسية فيما يتعلق بمدى قدرتها على مواجهة روسيا بصورة مباشرة، وأن الاقتراحات المقدمة لأن تصبح إدارة ترامب أكثر إصرارًا مما كانت عليه بالفعل في إدانة بوتين قد تكون مبررة بالتأكيد بالنظر إلى الإجراءات الروسية ، لكن يجب أن نظل على دراية بالتأثير الضار الذي يمكن أن تحدثه هذه الاستراتيجية على علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء الأساسيين، وبدلا من ذلك فهناك طرق أكثر ذكاءً ودقة لمواجهة روسيا بالتوازي مع إعادة بناء تحالفاتنا الاستراتيجية الحيوية.


Russell A. Berman, The Dilemma Of America’s Strategy for Europe, October 11, 2020, at:

https://nationalinterest.org/blog/buzz/dilemma-america%E2%80%99s-strategy-europe-170516

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟