المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ عبد المنعم المشاط
د‏.‏ عبد المنعم المشاط

إستراتيجيات تقسيم الوطن العربى

الإثنين 22/سبتمبر/2014 - 11:44 ص

فجرت الثورات العربية منذ عام 2011 تساؤلات رئيسية للمرة الثالثة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية حول الاستراتيچيات الدولية والإقليمية لتقسيم وتجزئة وتفكيك الوطن العربى إلى دويلات وكيانات على أسس عرقية ودينية ومذهبية

فالوطن العربى ككتلة اندماجية يبدو أنه يشكل خطرًا شديدًا على المصالح الغربية والأمريكية والإسرائيلية سواء تلك المتعلقة بالموارد الطبيعية أو التجارة الدولية أو فيما يتصل ببقاء إسرائيل، فعقب الحرب العالمية الأولي، تم وضع الوطن العربى تحت الانتداب الدولي، وعقب الحرب العالمية الثانية، تم وضعه تحت نظام الوصاية الدولية، وقامت أوروبا بتقسيم وتشكيل الدول العربية بالشكل الموجودة عليه الآن، بل ساعدت بريطانيا الدول العربية السبع المستقلة آنذاك على إنشاء جامعة الدول العربية للتنسيق بين سياساتها الخارجية، بيد أن هناك تطورين رئيسيين دفعا الولايات المتحدة وأوروبا، وفيما بعد إسرائيل، إلى وضع استراتيچيات لتفكيك الوطن العربي، تمثل الأول فى إنشاء إسرائيل عام 1948، والثانى فى اكتشاف النفط من ناحية، واتساع السوق التجارية العربية من ناحية أخرى.

فمن ناحية، تصل نسبة إنتاج الوطن العربى من النفط العالمى 25.8%، و50.3% من الاحتياطى العالمي، كما يسهم الوطن العربى بـ13.1% من الإنتاج العالمى للغاز، وحوالى تلت الاحتياطى العالمى للغاز، وتزيد أهمية هذه النسب فى ضوء عدم قدرة الدول المتقدمة حتى الآن على خلق بدائل للطاقة، وإن كان اكتشاف النفط والغاز الروسى قد ساهم إلى حد كبير فى تخفيف حدة الاعتماد على الوطن العربي، غير أن خطط روسيا لإعادة سيطرتها على جيرانها -المناطق السوڤيتية السابقةخلقت مشكلة حادة مع الولايات المتحدة وأوروبا فى هذا الشأن، كما أن الوطن العربى يشكل سوقًا استهلاكية رائجة ومضمونة للمنتجات الغربية، وعلى رأسها الأسلحة، إذ تبلغ وارداته سنويًا ما يناهز 104 مليارات دولار، وتمده الولايات المتحدة بحوالى ثلث قيمة الواردات، من ثم؛ فان هناك مقاومة عنيفة لأى احتمالات عربية أو وطنية لإنتاج الأسلحة أو حتى التصنيع خشية أن تنمو روح الاعتماد على الذات ويفقد الغرب منفذًا مهما لتوزيع منتجاته.

إلا أن العامل الأكثر خطورة فى السياسة الدولية والإقليمية هو ما يتعلق بوجود إسرائيل وبقائها فى المنطقة، وفى هذا الإطار؛ فقد صدرت عن إسرائيل مجموعة من الدراسات الاستراتيچية التى ترى بصراحة ووضوح أن بقاء إسرائيل داخل الوطن العربى لا يمكن أن يستمر إلا بتقسيم الوطن العربي، وبصورة خاصة الدول المحيطة بإسرائيل، إن هذه الاستراتيچيات لا تقع فى إطار ما يطلق عليه بالمؤامرة، ولكنها معلومات متاحة ومنشورة ومواد تدرس فى المؤسسات التعليمية العسكرية والأمنية فى إسرائيل، وهى تقوم على فكرة أن الحدود التى رسمتها بريطانيا وفرنسا والقوى الدولية المختلفة للدول العربية هى حدود مصطنعة، ولم تتم مراعاة الأصول الدينية والعرقية والمذهبية للسكان، ومن ثم؛ فإنه ينبغى إعادة رسم خريطة الوطن العربى بصورة تؤدى إلى تجزئة الدول المناوئة لإسرائيل والمساندة للفلسطينيين على تلك الأسس العرقية والدينية والمذهبية، بل أن هناك استراتيچيات إسرائيلية تدعو إلى إعادة احتلال سيناء باعتبارها مخزنًا استراتيجيًا لموارد طبيعية مهمة لإسرائيل، وعلى رأسها النفط والغاز الطبيعي، كما أشارت إلى ذلك دراسة أوديد يانون بشأن الخطط الصهيونية لتجزئة الوطن العربى وإعادة احتلال سيناء، وقامت إسرائيل بالترويج لهذه الاستراتيچيات فى الدوائر الأمنية ودوائر المخابرات الأمريكية، والتى اقتنعت بها وبلورتها فى دراسات أكثر تحديدًا بشأن كل دولة عربية على حدة، مثل العراق وسوريا وليبيا والسعودية واليمن والمغرب العربى والسودان وأخيرًا مصر.

وفى يونيو 2006، صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس فى تل أبيب بمبادرة الشرق الأوسط الجديد، ثم صدر الإعلان البريطانيالأمريكيالإسرائيلى المتعلق بـ«خارطة الطريق العسكرية«، والتى أعلنت من بيروت أعقاب المواجهة العسكرية مع حزب الله، والتى تقضى بضرورة تجزئة وتفكيك دول الوطن العربى إلى دويلات على أسس عرقية ودينية ومذهبية، وذلك بإيجاد حالة من الفوضى والعنف التى يترتب عليها إعادة التشكيل والبناء فيما أطلق عليه »الفوضى الخلاقة«، ولم تتوان مراكز البحث والدراسات الأمريكية عن المشاركة الفاعلة فى تلك الاستراتيچيات؛ حيث صدرت دراسة، عام 2006، عن المقدم رالف بيترز، والذى كان يعمل فى أكاديمية الحرب الوطنية الأمريكية، ونشرت فى مجلة القوات المسلحة حول إعادة رسم الحدود السياسية بين الدول العربية، وكان يرى أن الحدود الراهنة هى حدود غير عادلة لأنها لا تتوافق مع التوزيع العرقى أو الدينى أو المذهبى داخل كل دولة عربية، هكذا، دعا إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث دول؛ دولة علوية ودولة كردية ودولة سنية، كما دعا إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول أيضًا؛ دولة كردية ودولة سنية ودولة شيعية، وتقسيم ليبيا إلى ثلاث دول تعرف بعواصمها طرابلس وبنى غازى وسبها، وفوق ذلك دعا إلى تقسيم المملكة العربية السعودية إلى خمس دول، بما فى ذلك دولة دينية تضم مكة والمدينة، وقد توافق ذلك مع المفهوم الإسرائيلى المتعلق بتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية خالصة، وهو ما طالب به نتنياهو أثناء رئاسته الأولى للوزارة، وهو ما يدعو إليه الآن، ويبدو أن هذه الاستراتيچيات، والتى تجرى على قدم وساق، على وشك التحقق فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، بيد أن العقدة الرئيسية التى تواجه تلك الاستراتيچيات هى تلك المتعلقة بمصر؛ فإن فكرة يانون حول تقسيم مصر إلى دولة إسلامية تضم الدلتا والقاهرة والإسكندرية من ناحية، ودولة قبطية تمتد عبر الصعيد، غير قابلة للتنفيذ على الإطلاق نظرًا لدرجة التكامل والاندماج القومى النادرة التى تميز المجتمع المصري، ومن ثم؛ يرى الخبراء الإسرائيليون أن وضع مصر على حافة التجزئة لن يتم إلا بإشعال حرب اقتصادية ومالية طاحنة ضدها تؤدى إلى خنق أى احتمالات للتقدم الاقتصادى والتطور الاجتماعى المصرى الذى يؤدى إلى تحويلها فعليًا إلى دولة إقليمية مركزية تحمى الوطن العربى من التشرذم وتقوده بفاعلية لمواجهة تلك الاستراتيچيات، ولعل ذلك يفسر عزوف الدول الأوروبية والولايات المتحدة عن تقديم أى مساعدات أو مساهمات مالية لمصر فى الوقت الراهن، ولا شك فى أن مواجهة استراتيچيات تقسيم الوطن العربى تتطلب تنسيقًا وتكاملاً واندماجًا حقيقيًا بين الدول العربية.

نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟