المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التدخل: فرنسا وجهود تسوية التوتر اللبناني – الإسرائيلي

الإثنين 06/مايو/2024 - 11:30 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

شهدت المساعي الدبلوماسية الفرنسية حركة كبيرة بشأن الملف اللبناني خلال الفترة الماضية. ففي 18 أبريل 2024، تبنى قادة الاتحاد الأوروبي موقفًا مشتركًا بشأن لبنان بعد الضغوط القوية التي مارستها باريس. وفي اليوم التالي، استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، وقائد الجيش اللبناني، جوزف عون. وكانت الحكومة الفرنسية قد اقترحت في وقت سابق ترتيبًا أمنيًا جديدًا بين لبنان وإسرائيل في شهر مارس لتتلقى بالنتيجة رسالة رسمية غامضة بل إيجابية من بيروت، بموافقة من حزب الله على الأرجح، وتنسجم هذه الأنشطة مع الدعم الشامل الذي تقدمه فرنسا للبنان ونهجها الدبلوماسي منذ بدء الجولة الحالية من الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر 2023.

وضمن هذا السياق، بدأ وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه من لبنان جولة إلى الشرق الأوسط تشمل المملكة العربية السعودية وإسرائيل والأراضي الفلسطينية. وهذه الزيارة الثانية لسيجورنيه إلى لبنان، منذ تعيينه في منصبه في يناير 2024، وهي تأتي في إطار جولة في الشرق الأوسط لحضور اجتماعات حول الوضع في غزة.

ويمكن الإشارة هنا، إلى أن هذه المبادرة ليست الأولى من نوعها وقد أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية في مارس الماضي إن بيروت تعتقد أن المبادرة الفرنسية ستكون خطوة مهمة نحو السلام والأمن في لبنان والمنطقة الأوسع. في حين ذكرت وسائل إعلام لبنانية محلية أن الحكومة قدمت تعليقات للفرنسيين بشأن الاقتراح. إلا أن هناك مسؤولون فرنسيون أعلنوا إن الردود حتى الآن كانت عامة وتفتقر إلى الإجماع بين اللبنانيين.

محددات عديدة

كشف وزير الخارجية الفرنسي أنه يحمل مبادرة فرنسية لخفض التصعيد بين لبنان وإسرائيل، وهي الثانية من نوعها منذ أشهر والتي من المقرر أن تتبلور في تفاصيلها بعد الرد الإسرائيلي عليها؛ حيث تتركز معالم الخطة الفرنسية العريضة في التأكيد على احترام طرفي النزاع للقرار 1701 بالإضافة إلى دعم الجيش اللبناني ليضطلع بمهمة حفظ السلام والحيلولة دون اندلاع حرب شاملة. ويعيد الاقتراح إلى الأذهان وقف إطلاق النار الذي أنهى حربًا بين حزب الله وإسرائيل في عام 1996، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006.

وترتبط فرنسا بعلاقات تاريخية مع لبنان، وفي وقت سابق هذا العام قدم سيجورنيه مبادرة تقترح انسحاب وحدة النخبة التابعة لحزب الله مسافة عشرة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية بينما توقف إسرائيل ضرباتها في جنوب لبنان. إلا أن الضربات العسكرية بينهما تصاعدت في الفترة الأخيرة بعدما تفاقمت الأوضاع الإقليمية بين إيران وإسرائيل؛ حيث أطلقت إيران وابلا من الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل ردًا على هجوم قامت به إسرائيل على السفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق وأدى إلى مقتل أعضاء في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

كما دعا وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه من بيروت بعدما أجرى مباحثات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، إلى وضع حد للتصعيد بين حزب الله وإسرائيل، تجنبًا للسيناريو الأسوأ، على حد تعبيره، معربًا عن رفض بلاده للقصف المتبادل بين الجانبين. كما نقل وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه خلال لقائه نظيره الإسرائيلي رسالة مباشرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن فرنسا سيكون لها دور مركزي في أي حل سياسي مستقبلي في لبنان بالتعاون من بعثة اليونيفيل التي يوجد بها أكثر من 700 جندي فرنسي ضمن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوامها 10 آلاف جندي، وتتمركز بعثة اليونيفيل بالإضافة إلى المراقبين الفنيين غير المسلحين المعروفين باسم هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في جنوب لبنان لمراقبة الأعمال القتالية على امتداد خط ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل المعروف باسم الخط الأزرق.

صعوبات محتملة

تواجه هذه المبادرة صعوبات عديدة بعدما أكد حزب الله أنه لن يدخل في أي نقاش ملموس حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، حيث دخلت الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في شهرها الثامن. في حين أشارت إسرائيل إلى احتمال قيامها بعملية عسكرية على امتداد جبهتها الشمالية؛ حيث أعلنت إنها تريد ضمان استعادة الهدوء على حدودها الشمالية حتى يتمكن آلاف النازحين الإسرائيليين من العودة إلى المنطقة دون خوف من الهجمات الصاروخية التي يقوم بها حزب الله.

وتسعى فرنسا، ضمن خطة قدمتها للبنان، إلى تسوية بشأن الحدود المتنازع عليها مع إسرائيل وضمان نزع فتيل العنف عبر انسحاب محدود لقوات حزب الله. بيد أن الحزب يرفض مناقشة الخطة قبل انسحاب إسرائيل من غزة، وأن إن الهدف هو منع نشوب صراع يهدد بالخروج عن نطاق السيطرة وفرض وقف محتمل لإطلاق النار، عندما تكون الظروف ملائمة، ويتصور في نهاية المطاف إجراء مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. وتسعى الخطة المكونة من ثلاث خطوات إلى عملية تهدئة مدتها 10 أيام تنتهي بمفاوضات بشأن الحدود. ويقضي المقترح أيضًا بأن يتم نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي من الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية بجنوب لبنان، وهي معقل سياسي لحزب الله حيث يندمج مقاتلو الجماعة منذ فترة طويلة في المجتمع في أوقات الهدوء.

كما سيخوضان مفاوضات حول خارطة طريق لضمان إنشاء منطقة خالية من أي جماعات مسلحة غير تابعة للدولة بين الحدود ونهر الليطاني. ويدعو الاقتراح إلى بذل جهد دولي لدعم انتشار الجيش اللبناني بالتمويل والعتاد والتدريب. كما يدعو إلى التنمية الاجتماعية الاقتصادية لجنوب لبنان. وتقترح الخطة أن توقف الجماعات المسلحة اللبنانية وإسرائيل العمليات العسكرية ضد بعضهم البعض، بما يشمل الغارات الجوية الإسرائيلية في لبنان. والجدير بالذكر، أن أي اتفاق من هذا القبيل يجعل مقاتلي حزب الله أقرب بكثير إلى الحدود مقارنة مع الانسحاب لمسافة 30 كيلومترًا إلى نهر الليطاني في لبنان وهو ما نص عليه قرار الأمم المتحدة الذي أنهى الحرب مع إسرائيل في عام 2006، وهو ما تعارضه إسرائيل.

ولكن لم يحرز الاقتراح الفرنسي، الذي تمت مناقشته مع الشركاء خاصة الولايات المتحدة، تقدمًا. ومع ذلك تريد باريس الحفاظ على زخم المحادثات والتأكيد للمسؤولين اللبنانيين على أن التهديدات الإسرائيلية بشن عملية عسكرية في جنوب لبنان يتعين أن تؤخذ على محمل الجد. ويقول مسؤولون فرنسيون أنهم يعتبرون أنه من السابق لأوانه التوصل إلى أي شكل من أشكال الاتفاق، فإنهم يعتقدون أنه من الضروري المشاركة الآن حتى يكون الطرفان جاهزين عندما تأتي اللحظة المناسبة. من ناحية أخرى، تؤكد باريس أيضًا على الضرورة الملحة لكسر الجمود السياسي في البلاد. إذ يفتقد لبنان لرئيس دولة ولا حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة منذ انتهاء ولاية ميشال عون كرئيس في أكتوبر 2022.

 

في الختام: لا يزال من غير الواضح الأثر الذي سيخلفه تبادل إطلاق النار المباشر الأخير بين إيران وإسرائيل على المشهد اللبناني دبلوماسيًا أو عسكريًا خاصة بعدما تجاوزت الاشتباكات الإسرائيلية وحزب الله عتبات جديدة منذ الأسبوع الماضي ويتصاعد إطلاق النار عبر الحدود بشكل مستمر. وفي الواقع، تبدو إسرائيل عازمة على مواصلة عملياتها ضد الحزب حتى تغيير الوضع الراهن، وهو الهدف الذي ربما تسعى إلى تحقيقه حتى لو استمر وقف التصعيد مع إيران وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار البعيد المنال في غزة.

على الجانب الآخر، لا يريد حزب الله حربًا شاملة في الوقت الراهن، إلا أن الهجوم الإيراني على إسرائيل أظهر أن الاستمرار في خسارة قادة بارزين يمكن أن يدفع محور المقاومة إلى تغيير حساباته. ويعني ذلك أن الجهود الدبلوماسية الفرنسية أو الأمريكية محفوفة بالمخاطر وقد تفشل في أي لحظة إذا تصاعدت الأعمال العدائية، وحتى إذا أدت إلى اتفاق، فقد يستخدم الطرفان ببساطة الهدوء الناجم عن ذلك للاستعداد بشكل أفضل للصراع المستقبلي الذي يعتبرانه حتميًا. ولكن على الرغم من هذه المخاوف، ليس هناك بديل عن السعي بجدية لإيجاد ترتيب آخر يؤدي إلى تأخير وقوع حرب مدمرة ومنع الانهيار الكامل للمؤسسات اللبنانية وتعزيز العناصر الإصلاحية على أمل إعدادها لتولي المسؤولية عندما تسمح المتغيرات الإقليمية بذلك.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟