من الاختراق إلى المواجهة .. كيف تعيد إيران رسم استراتيجياتها الأمنية بعد الانكشاف الاستخباراتي؟

أماطت الحرب بين طهران وتل أبيب، اللثام، عن ثغرات أمنية عميقة تعاني منها إيران، حيث
تمكنت إسرائيل من استقطاب بعض المواطنين الإيرانيين للتعاون معها بطرق مختلفة. وقد
تجلى ذلك بوضوح في الدقة العالية التي اتسمت بها الضربات الإسرائيلية ضد مواقع
حساسة داخل إيران، إضافة إلى تنفيذ عمليات اغتيال استهدفت قيادات الصف الأول في
القوات المسلحة الإيرانية. هذه التطورات سلطت الضوء على التحديات الأمنية
المتزايدة التي تواجهها الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية.
فبينما كانت إيران تتصدى للضربات الإسرائيلية، كانت
الأجهزة الأمنية تكثف جهودها في معالجة الثغرات الأمنية، فكانت طهران يوميًا منذ
بدء الحرب (13 يونيو) تعلن عن اعتقالات جديدة في هذا المضمار.
كشفت الإحصائيات الأخيرة التي نشرها الإعلام
الإيراني (25 يونيو) عن اعتقال الأجهزة الأمنية ما مجموعه 700 شخص
متعاون مع إسرائيل.
وقالت وكالة "فارس" الإيرانية:
"كانت هذه الشبكة تعمل لحساب الكيان الصهيوني منذ بدء الهجوم على إيران".
كما نشرت الوكالة أسماء المحافظات التي تصدرت الاعتقالات وكانت في الصدارة محافظة كرمانشاه.

ويُلاحظ تسجيل محافظة كرمانشاه المتاخمة حدوديًا مع
العراق، أعلى نسبة اعتقالات حسب البيانات التي نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية
وكالة "فارس" التابعة للحرس الثوري نموذجًا، وذلك لأسباب:
الموقع
الجغرافي الحساس: تقع كرمانشاه على الحدود الغربية لإيران مع
العراق، ما يجعلها معبرًا رئيسيًا للحركات الحدودية والتسلل، ويسهّل على شبكات
التجسس التواصل مع جهات خارجية أو التسلل إلى داخل إيران.
التنوع
العرقي والمذهبي: تحتضن كرمانشاه خليطًا من القوميات (92%
أكراد، % فرس، و4% عرب) والمذاهب، ما يوفر بيئة اجتماعية متنوعة قد تستغلها شبكات
التجسس لتجنيد بعض أفرادها.
وجود
منشآت عسكرية وأمنية مهمة تضم المحافظة قواعد عسكرية
ومراكز أمنية حساسة، ما يجعلها هدفًا رئيسيًا لجمع المعلومات الاستخباراتية من قبل
إسرائيل أو غيرها من الجهات المعادية.
النشاط التجاري والعبور الحدودي تشتهر
كرمانشاه بحركة تجارية نشطة ووجود معابر حدودية، ما يسهل تهريب المعدات أو نقل
المعلومات عبر الحدود.
الاضطرابات
الأمنية السابقة شهدت كرمانشاه في السنوات الأخيرة احتجاجات
واضطرابات أمنية، ما قد يوفر غطاءً أو بيئة خصبة لنشاط الجواسيس وتجنيد العملاء.
السناريوهات
المُحتملة لــ "سربازان گمنام امام زمان"
أطلق المرشد السابق "الخميني" على أعضاء
مجتمع الاستخبارات لقب "الجنود المجهولين لإمام الزمان" بالفارسية "سربازان
گمنام امام زمان".
مع تصاعد الحرب بين طهران وتل أبيب، تكشفت ثغرات
أمنية عميقة أظهرت هشاشة وضعف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إيران. فقد تمكنت
إسرائيل من تنفيذ اختراقات نوعية داخل العمق الإيراني، سواء عبر عمليات اغتيال
استهدفت قيادات بارزة أو ضربات دقيقة طالت منشآت استراتيجية، وهو ما أقر به
مسؤولون إيرانيون وإسرائيليون على حد سواء.
وتؤكد هذه التطورات أن التغلغل الاستخباراتي
الإسرائيلي جاء نتيجة مباشرة لضعف المنظومة الأمنية الإيرانية، واستمرار وجود
عناصر داخلية متعاونة مع الموساد، ما أدى إلى فشل الأجهزة الإيرانية في التصدي
للمخططات أو التنبؤ بالهجمات.
خلال
الأيام المقبلة يرجح اتخاذ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إيران إجراءات،
أبرزها:
تشديد القبضة الأمنية وتوسيع دائرة التحقيقات لتشمل
عائلات وأقارب وأصدقاء المعتقلين، إضافة إلى تشديد المراقبة على المناطق الحدودية
والمراكز الحساسة.
من المتوقع أن تراجع إيران أداء أجهزتها الأمنية
والاستخباراتية، وربما تجري تغييرات في القيادات أو تعيد هيكلة بعض الوحدات، خاصة
في المناطق التي شهدت أكبر عدد من الاختراقات والاعتقالات، بهدف سد الثغرات وتعزيز
الكفاءة.
ستعمل الأجهزة على تشديد الرقابة على الإنترنت
ووسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها أحد أهم أدوات التواصل والتجنيد بين الجواسيس
وجهات الاستخبارات الأجنبية، وربما تزيد القيود على بعض التطبيقات أو المواقع.
يتوقع الاستثمار في تحديث تقنيات المراقبة
الإلكترونية والتجسس المضاد، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة،
لرصد أي أنشطة مشبوهة بشكل أسرع وأكثر فعالية مستقبلاً.
ما تم التطرق إليه يمثل الإجراءات الأمنية التي يُتوقع
أن تطبقها الأجهزة بشكل تدريجي في المستقبل، لكن بالنسبة للحكومة الإيرانية، فمن
المرجح أن تتخذ إجراءات أخرى تتجاوز الجانب الأمني البحت. فقد تلجأ إلى استغلال
ملف الجواسيس كورقة ضغط سياسية ودبلوماسية في مواجهة المجتمع الدولي، إلى جانب
إطلاق حملات إعلامية موسعة لتشويه صورة المتعاونين مع إسرائيل وتعزيز خطاب الوحدة
الوطنية.
وعليه يُمكن القول إن التطورات الأخيرة في الحرب بين طهران وتل أبيب
أماطت اللثام عن حجم التحديات الأمنية العميقة التي تواجهها إيران، والتي انعكست
في قدرة إسرائيل على اختراق المنظومة الاستخباراتية الإيرانية واستقطاب عدد كبير
من المواطنين للتعاون معها، وتكرار عمليات الاغتيال والهجمات الدقيقة على مواقع
حساسة، إلى جانب العدد الكبير من الاعتقالات في محافظات حدودية مثل كرمانشاه، يسلط
الضوء على هشاشة البنية الأمنية الإيرانية وضرورة إعادة النظر في آليات الحماية
والتأمين الداخلي.
كما أن الإجراءات الأمنية المتوقعة، سواء على مستوى
التشديد الأمني أو إعادة هيكلة الأجهزة، تؤكد أن إيران مقبلة على مرحلة مراجعة
شاملة لاستراتيجياتها الأمنية والسياسية، في محاولة لسد الثغرات ومواجهة التهديدات
المتزايدة التي أصبحت أكثر وضوحًا.
ملوحظة
هذه السناريوهات مطروحة حال استمرار وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل.
روابط