المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد عبد الجيد عبد الجيد
محمد عبد الجيد عبد الجيد

الحقيبة الدبلوماسية بين قواعد الحصانة والممارسات غير القانونية

السبت 02/أغسطس/2025 - 06:08 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

تتمتع البعثات الدبلوماسية في كل دولة بالحصانات والتسهيلات اللازمة لأداء مهامها، وتشمل هذه التسهيلات حرية التواصل مع الجهات التي تقتضي أعمالها التعامل معها. ويجوز للبعثة استخدام وسائل الاتصال المناسبة، بما في ذلك الرسل الدبلوماسيون والحقائب الدبلوماسية ذات الحصانات الكاملة، مما طرح إشكالية استخدام الحقيبة الدبلوماسية من قبل بعض الدول في  غير أغراضها الرسمية.  

أولًا- الحقيبة الدبلوماسية ومظاهر الحصانة الدبلوماسية

               تُمثل الحقيبة الدبلوماسية أحد أبرز مظاهر الحصانة الدبلوماسية، وقد نظم القانون الدولي شروط استخدامها وحماية حاملها لضمان أمن وسرية المراسلات الرسمية بين الدول.

1- تعريف الحقيبة الدبلوماسية

عرفت لجنة القانون الدولي الحقيبة الدبلوماسية من خلال مشروعها المتعلق بمركز حامل الحقيبة الدبلوماسية، ومركز الحقيبة الدبلوماسية التي لا يرافقها حامل عام 1989 والذي نص في المادة 3 منه علي "إن مصطلح الحقيبة الدبلوماسية يمتد للطرود التي تحتوي على مراسلات رسمية، سواء رافقها أو لم يرافقها حامل، وتستخدم من أجل الاتصالات الرسمية المشار إليها في المادة 1 وتحمل علامات خارجية واضحة تبين طابعها بوصفها حقيبة دبلوماسية بالمعنى المقصود في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961"

    ونصت الفقرة الرابعة من المادة 27 من معاهدة  فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 م على أنه "يجب أن تحمل الطرود التي تتألف منها الحقيبة الدبلوماسية علامات خارجية ظاهرة تثبت طبيعتها، ولا يجوز أن تحتوي الا الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة للاستعمال الرسمي".

وتُعرف أيضًا بأنها "الطرود التي تحتوي على المراسلات الرسمية، وكذلك الوثائق والاشياء المخصصة للاستعمال الرسمي، والتي تحمل العلامات الخارجية المُوضِحة لطبيعتها والتي تظهر أنها حقيبة دبلوماسية، وليس للحقيبة الدبلوماسية حجم أو وزن أو شكل معين، فقد تكون علي شكل مظروف أو طرد أو صندوق أو حاوية شحن".

2- الشروط الواجب توافرها في الحقيبة الدبلوماسية

   ليست كل حقيبة مستخدمة في المجال الدبلوماسي، تعد حقيبة دبلوماسية، اذ يجب أن يتوفر فيها شروط، وهذه الشروط ، وضعتها اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 وهي:

-     أن تحمل الحقيبة علامات خارجية تبين طبيعتها، فقد نصت الاتفاقية علي وضع علامات خارجية علي الحقيبة الدبلوماسية، لكنها لم تنص صراحةً عن ماهية تلك العلامات الخارجية،  لكن من المتعارف عليه دوليًا  أن هذه العلامات تتمثل في الكتابة علي السطح الخارجي للحقيبة انها حقيبة دبلوماسية، ومزودة بختم السفارة، وشعار الدولة المرسلة، وأختام من الشمع أو الرصاص لضمان المحافظة علي سرية المراسلات.

-     أن تحتوي الحقيبة علي الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة للاستعمال الرسمي، وبالتالي احتواء الحقيبة علي أشياء ووثائق غير رسمية ينفي عن الحقيبة صفة الدبلوماسية، كاحتوائها مثلًا علي أموال أو ذهب بغرض تهريبه.

3- حامل الحقيبة الدبلوماسية

        يُعرف حامل الحقيبة الدبلوماسية بأنه المبعوث أو الرسول الذي تكلفه دولته أو بعثتها الدبلوماسية، سواء كان هذا الرسول أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية في الدولة المعتمد لديها أو تم تعيينه خصيصًا لنقل و توصيل الحقيبة الدبلوماسية.

وبالتالي هو الشخص الموكل اليه حمل الحقيبة الدبلوماسية وتسليمها الي الجهة المرسل اليها، ويشرط في حامل الحقيبة الدبلوماسية أن يكون مزودا بوثيقة رسمية تبين مركزه وعدد الطرود التي تتألف منها الحقيبة الدبلوماسية، حيث  نصت الفقرة الخامسة من المادة 27  من معاهدة فينا للعلاقات الدبلوماسية علي أنه" تقوم الدولة المعتمد لديها بحماية الرسول الدبلوماسي أثناء قيامه بوظيفته علي أن يكون مزودا بوثيقة رسمية تبين مركزه وعدد الطرود التي تتألف منها الحقيبة الدبلوماسية ويتمتع شخصه بالحصانة، ولا يجوز إخضاعه لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال".

ولم يرد في القانون الدبلوماسي شرطًا بأن يكون حامل الحقيبة الدبلوماسية أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية، فمن الممكن أن يكون حامل الحقيبة الدبلوماسية ربان سفينة أو قائد طائرة، ولكنه في هذه الحالة لا يتمتع شخصه بالحصانة حيث تبقي الحصانة علي الحقيبة فقط،  فقد نصت الفقرة السابعة من المادة 27 في اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية على أنه: "يجوز أن يعهد بالحقيبة الدبلوماسية إلى ربان إحدى الطائرات التجارية المقررة هبوطها في أحد موانئ الدخول المباحة، ويجب تزويد هذا الربان بوثيقة رسمية تبين عدد الطرود التي تتألف منها الحقيبة الدبلوماسية ولكنه لا يعتبر رسول دبلوماسيا، و يجوز للبعثة إفادة أحد أفرادها لتسلم الحقيبة الدبلوماسية من ربان الطائرة بصورة حرة مباشرة".

ثانيًا- الحقيبة الدبلوماسية (بين الحصانة المطلقة وإساءة الاستخدام)

أعطي القانون الدولي الحصانة للحقيبة الدبلوماسية، من خلال نص الفقرة الثالثة من معاهدة فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 " لا يجوز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها" فقد وضع هذا النص  حرمة معينة على الحقيبة الدبلوماسية تحصنها من الفتح أو الحجز سواء لدى سلطات الدولة المستقبلة لها أو الدولة العابرة خلالها ، ويعتبر الغرض من عدم السماح بفتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها هو ضمان عدم الكشف عن محتوياتها ، لما يتضمنه ذلك من إخلال بحرية الاتصالات وانتهاك لسرية المراسلات. لكن هذه الحصانة المطلقة للحقيبة الدبلوماسية جعلتها سببًا في اختراق الأمن القومي للدول، وتوتر العلاقات بين البلدان وبعضها البعض،  بسبب استغلال تلك الحصانة في استخدام الحقيبة الدبلوماسية في غير أغراضها الرسمية ، كاستغلالها في أغراض تهريب الاموال أو الذهب أو المخدرات أو حتي أشخاص.  ففي إشارة إلى حجم حالات إساءة استعمال الحقائب الدبلوماسية ، ذكر السير إيان سنكلير عضو لجنة القانون الدولي أنه قد جاء في رد من وزارة الخارجية والكومنولث بالمملكة المتحدة على سؤال من لجنة الشئون الخارجية بمجلس العموم ، أنه في الفترة من عام 1974م إلى عام 1983م وقعت 546 حالة اشتبه فيها ارتكاب دبلوماسيون يتبعون بعثات في لندن لأفعال جرمية عقوبتها بمقتضى قوانين المملكة المتحدة هي الحكم لمدد تزيد عن ستة أشهر. والأمثلة علي إساءة استخدام الحقيبة الدبلوماسية كثيرة لعل أشهرها:

1-      واقعة اختطاف وزير النقل النيجيري أومارو ديكو عام 1984، حيث كان الوزير هاربًا الي بريطانيا بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس النيجيري سيجادي عام 1983، وكان ديكو من المطلوب القبض عليهم بسبب تبديده أموال الدولة، وفي 5 يونيو 1984 تم اختطافه من لندن لإعادته لنيجيريا و تخديره وضعه داخل صندوق خشبي كتب عليه أنه حقيبة دبلوماسية تابعة للسفارة النيجيرية، لكن السلطات البريطانية شكت في الصندوق لانبعاث رائحة الادوية منه فضلًا علي عدم احتوائه علي ختم السفارة، فقاموا بفتحه ليجدوا دوكو علي قيد الحياة، وأدت هذه الحادثة الي توتر العلاقات بين نيجيريا وبريطانيا.

2-     حادثة تهريب الكوكايين داخل حقائب دبلوماسية روسية تابعة للسفارة الروسية في الأرجنتين (2016-2018)؛ حيث قام السفير الروسي في الأرجنتين فيكتور كورونيللي بالإبلاغ عن 16 حقيبة دبلوماسية روسية موضوعة في مكان تابع للسفارة الروسية في الأرجنتين، وبعد فتح الحقائب بموافقة السفير نفسه، عثر بها علي 289 كيلو جرام من الكوكايين، وبالتعاون بين السلطات الروسية والأرجنتينية، تم استبدال الكوكايين بالطحين ووضع أجهزة تعقب داخل الحقائب لسهولة تتبعها، وعندما نقلت الحقائب الدبلوماسية( التي تحتوي علي الطحين الذي تم وضعه محل الكوكايين) من الأرجنتين لروسيا في 2018 تم القبض علي كل المتورطين في هذه العملية سواء في روسيا أو الأرجنتين.

 

أخيرًا،  فقواعد العمل الدبلوماسي لم تحدد أي استثناءات لفتح الحقيبة الدبلوماسية، وذلك على عكس القواعد القنصلية التي نصت على أنه يجوز فتح الحقيبة القنصلية اذا كان هناك أسباب جدية للاعتقاد بأن الحقيبة تحوي أشياء غير رسمية، حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة 35 من معاهدة فيينا للعلاقات القنصلية عام 1963 على أنه "لا يجوز فتح أو حجز الحقيبة القنصلية الا أنه ان كان لدى سلطات الدولة الموفد اليها أسباب جدية للاعتقاد بأن الحقيبة القنصلية تحوي أشياء أخرى غير المراسلات أو الوثائق أو الاشياء المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من هذه المادة فيجوز لتلك السلطات أن تطلب فتح الحقيبة في حضورها بمعرفة مندوب مفوض من الدولة الموفدة فاذا رفضت سلطات الدولة الموفدة ذلك تُعاد الحقيبة الى مصدرها."

وبالتالي، هناك قصور في النص الدبلوماسي القائل" لا يجوز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها".

وعليه، يجب أن تسمح القواعد الدبلوماسية بجواز تفتيش الحقيبة الدبلوماسية وذلك حفاظًا على أمن الدولة الموفد اليها وسيادتها على أرضها، وذلك من خلال تعديل الفقرة الثالثة من المادة 27 من معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية لتصبح تنص على أنه "لا يجوز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها الا في الحالات التي يوجد بها اسباب جدية لدى الدولة الموفد إليها لفتح الحقيبة وبحضور ممثل عن الدولة الموفدة" وذلك حفاظًا على أمن وسيادة الدولة الموفد اليها والتي من الممكن أن تستخدم الحقائب الدبلوماسية في تهريب معلومات أو وثائق أو أشياء أخرى تهدد أمن الدولة الموفد إليها.

المراجع

أولًا: الكتب

1-     محمد نور البصراتي، قراءات في النظم الدبلوماسية والقنصلية، كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف.

ثانيًا: الرسائل العلمية

1-     خيرة شيخ، امتيازات وحصانات حامل الحقيبة الدبلوماسية، دراسة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر،2012-2013.

2-     نورة العبيدلي، التنظيم القانوني للحقيبة الدبلوماسية في القانون الدولي والقانون القطري، دراسة ماجستير، كلية القانون،2020.

ثالثًا: الوثائق الرسمية

1-     معاهدة فينا للعلاقات الدبلوماسية1961، المادة 27.

2-     معاهدة فينا للعلاقات القنصلية 1963، المادة 35.

3-     مشروع لجنة القانون الدولي عام 1989الخاص بمركز حامل الحقيبة الدبلوماسية ومركز الحقيبة الدبلوماسية التي لم يرافقها حامل، المادة الثالثة 3.

ثالثًا: المواقع الالكترونية

1- خليفة الجهيمي، حصانة الحقيبة الدبلوماسية وحاملها، تاريخ النشر2012، تاريخ الدخول: 25يوليو 2025، الساعة 5 مساءً، متاح على: https://is.gd/PkYo5M

2-     عمر حسن، حوالي 390كيلوجرام من الكوكايين في سفارة روسيا بالأرجنتين، تاريخ النشر: 23فبراير2018، تاريخ الدخول 26 يوليو 2025، الساعة 10 صباحًا، متاح علي:

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟