المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

من الجفاء إلى التهدئة سيناريوهات متقلبة للعلاقات الخليجية الإيرانية

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 01:44 م
د. يسري العزباوي
جاء فوز الإصلاحي حسن روحاني بمثابة ماء الثلج الذي أثلج ليس فقط صدور الإيرانيين، ولكن غالبية الشعوب العربية والإسلامية، وفي القلب منها الخليجية.

ويأتي اعتلاء روحاني سدة الحكم في طهران ليعبر عن طموح الشعب الإيراني في حدوث انفراجة في سياسات طهران الداخلية والخارجية، بعد مرور عقد من الزمن ذاق فيه الشعب الإيراني الأمرَّين من الحصار الاقتصادي؛ حيث اتسمت سياسات طهران في فترة حكم نجاد بالتشدد والصلف؛ مما أدخل طهران في حلقة مفرغة من الصراعات الخارجية، خاصة مع دول الخليج العربي.

اتسم تاريخ العلاقات الإيرانية –الخليجية بالشد والجذب تارة، ومحاولة الحوار والمهادنة تارة أخرى. وفي فترة حكم الرئيس أحمدي نجاد لم تشهد العلاقات الخليجية الإيرانية أية تطورات، بل على العكس كانت ذروة التصادم والمواجهة.

وتأتي الانتخابات الإيرانية في لحظة تاريخية فارقة في تاريخ الثورة الإيرانية والمنطقة ككل؛ حيث تمر المنطقة ليس فقط بأكبر حركة ديناميكية في تغيير أنظمة سياسية قائمة استمرت لعقود زمنية طويلة، ولكن في اتجاهات وتوجهات صنع القرار الداخلي والخارجي معًا في الكثير من بلدان المنطقة.

إن الانتخابات الإيرانية تختلف كلية عن سابقتها من النواحي السياسية الدولية والإقليمية والداخلية.

فعلى الساحة الدولية ما زال التنافس الاقتصادي الصيني الأمريكي محتدمًا، كما دخل الدب الروسي حلبة المنافسة الدولية مرة أخرى مع عودة بوتين إلى سدة الحكم في روسيا.

وإقليميًّا، تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرًا جذريًّا في الأنظمة القائمة بشتى الطرق –السلمية والعنيفة- في حركة انسيابية شعبوية ممتدة بين القارتين الإفريقية والآسيوية. واللافت للنظر أن إيران ليست بمنأى عن حركة “,”التغيير الشعبوية“,” التي تمر بها المنطقة، بل بالعكس بدأت في بعض الدول بدعم ومباركة إيرانية حتى وصلت إلى حدودها المختلفة (تركيا والعراق ومنطقة الخليج).

وقد عمت فرحة عارمة بين الشعب الإيراني والخليجي بعد فوز حسن روحاني، بعدما كانت هناك توقعات بفوز المرشح سعيد جليلي، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، والمقرب من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والذي أشار إلى أن الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران “,”جزء لا يتجزء من سيادتنا... والشعب الإيراني لا يمزح مع أحد في الدفاع عن سيادته“,”. وتحدث عن انتصارات لدى التيارات التي استلهمت خطاب الثورة الإيرانية مثل حزب الله في لبنان.. وأضاف: “,”نقول للمستكبرين في العالم، كما قال أخونا حسن نصر الله: ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات“,”. ومما لا شك فيه أن مثل هذه التصريحات تزيد العلاقات بين جميع الأطراف اضطرابًا وتعقيدًا وتوترًا.

عوامل الصراع الإيراني الخليجي

وخلال العقود الأخيرة الماضية، برز على السطح عدة عوامل أدت إلى التوتر في العلاقات، على الرغم من أن أغلبها يمكن حله بسهولة ويسر إذا كانت هناك رغبة سياسية في ذلك. ومن عوامل الصراع بين الطرفين ما يلي:

1- الصراع السني الشيعي:

لقد قام نظام الرئيس نجاد خلال فترة السنوات الثماني السابقة باستغلال ورقة الاختلاف المذهبي السني الشيعي؛ للضغط على ملوك وأمراء الخليج، وفي بعض الأحيان تأليب الأقلية الشيعية ومساندتها ماديًّا ومعنويًّا، كما حدث في البحرين واليمن وبعض الأحيان المملكة العربية السعودية، وكان ذلك في إطار صراعه مع القوى الكبرى التي كانت، وما زالت، تضغط على طهران من أجل إيقاف برنامجها النووي.

واللافت أن الملف المذهبي بات واضحًا في الظهير الخلفي والامتداد الطبيعي للخليج العربي، سواء كان العراق أو لبنان، بعدما كنا لا نسمع عن مسألة الفتنة المذهبية في هذه الدول.

2- التهديد بغلق مضيق هرمز:

وقد حدث ذلك من قبل في إطار الصراع مع الولايات المتحدة؛ حيث هددت إيران أكثر من مرة بإغلاق مضيق هرمز لوقف الإمدادات النفطية الخليجية إليها للولايات المتحدة.

وإذا كان يصعب تصور أي سيناريو يبدأ بمحاولة إيران غلق مضيق هرمز ولا ينتهي بانتكاسة إستراتيجية خطيرة للنظام الإيراني، فإن هذه التهديدات كانت مثار قلق لدى كثيرين في دول الخليج العربي؛ وذلك لأنها كانت تستدعي المزيد من التوترات الأمريكية الإيرانية، واحتمالية توجيه ضربات عسكرية أمريكية – إسرائيلية؛ مما يزيد المنطقة برمتها اضطرابًا، والمزيد من عدم الاستقرار.

3- دعم إيران للإرهاب في الخليج:

إن العلاقة مع إيران مثلت أحد أهم الأسئلة الإشكالية في سجل تنظيم القاعدة؛ حيث تجنب قادة التنظيم، منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر، توجيه انتقادات مباشرة لإيران، بل على العكس كان هناك شكل من أشكال المطالبة بعدم التعرض لها مباشرة، وهو ما بدا جليًّا في مؤشرين: أولهما، التصريحات الإيجابية التي جاءت على لسان أسامة بن لادن، زعيم التنظيم، تجاه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الإمام الخميني، وتجاه حزب الله بعد حرب يوليو 2006.

وثانيهما، رسالة الرجل الثاني آنذاك في التنظيم، الدكتور أيمن الظواهري، للقائد السابق لـ“,”تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين“,”، أبو مصعب الزرقاوي، في أكتوبر 2005، والتي أفرد قسمًا منها للحديث عن الموقف من الشيعة وإيران، وفيه بدا واضحًا ميله إلى تأييد الزرقاوي في الموقف منهم من الزاوية الاعتقادية، وحتى من زاوية مواقفهم السياسية التقليدية.

وفي الوقت الذي لم يمضِ فيه شهر على كشف الخلية الإرهابية الإيرانية بقتل السفير السعودي في أمريكا، حتى تكرر نفس السيناريو من خلال خلية أخرى اكتشفت في قطر من عناصر بحرينية، لكن الوجود الإيراني كان ظاهرًا، ولا يمكن تعريف الأمر بالواقعة السهلة عندما صارت أصابعها واضحة، والغريب أن يأتي الكشف عن الإرهابيين في دولتين متباعدتين، لكن استهدف السفارتين السعوديتين وجسر الملك فهد ومواقع حساسة في البحرين.

المهم في الأمر أن المملكة العربية السعودية، كطرف، جاءت في عمق العملية الإرهابية، ومن خلال كشوفات الفعل الإيراني، من دول أكدت بالقرائن، وضالعة في الإرهاب، ونحن هنا لا نقول إن كلّ الإخوة الشيعة في حلف مفتوح مع إيران، أو أن لهم نوايا سيئة يتم استخدامهم بها، بل نعرف من هم الذين يتعرضون للسجن والإقصاء حتى داخل إيران نفسها، لكن ما جرى يتفق والعقلية الحاكمة هناك.

4- التناحر الطائفي في العراق والأزمة السورية: فقد تفاعلت إيران مع الأزمة الأمريكية – العراقية، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق، من منطلق حرص شديد على رفض هذا المصير ومحاولة تجنبه بشتى الوسائل، مع استثمار نفوذها في العراق لضمان المشاركة في صنع القرار السياسي العراقي، وخدمة الملفات الأخرى العالقة مع الولايات المتحدة وفي مقدمتها الملف النووي، بالإضافة إلى استغلال الملف الشيعي في العراق، وهو ما حدث بالفعل.

وقد ساندت إيران أيضًا سلسلة واسعة من الجماعات الأخرى. ففي العراق عملت إيران مع سلسلة واسعة من الفصائل الشيعية. كذلك امتلكت إيران روابط مع جماعات سنية، منها منظمات كردية عراقية، ومنظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وحماس. وربما الأكثر لفتًا للنظر هو أن إيران بالأحرى تحالفت خلال فترات مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان، رغم أن هاتين الجماعتين تعاديان بشكل عنيف الشيعة وتنظران إلى قادة إيران على أنهم مرتدون.

لقد استخدمت إيران، من خلال نظرية تقويض ونزف الخصوم، بانتظام، الجماعات الإرهابية لإضعاف الحكومات التي تعارضها، وكان من بين هؤلاء أعداء ألداء، مثل العراق في عهد صدام حسين، وكذلك أعداء أقل وطأة، مثل حكام الكويت والسعودية. كذلك ساندت إيران سلسلة واسعة من الجماعات المتمردة التي تستخدم الإرهاب في أماكن مثل العراق وأفغانستان. وقد تعزز هذه الجماعات مصالح إيران.

كما ساندت –وما زالت- طهرن النظام السوري الذي يقوم بعملية قتل وتطهير جماعي لشعبه، ليس فقط بالمال، ولكن بالسلاح أيضًا، بالإضافة إلى محاولات طهران الدائمة للضغط على الصين وروسيا للتصويت ضد أي قرار يدين نظام الأسد في مجلس الأمن.

وقامت طهران ببطء شديد دفع نظام بشار الأسد إلى الجدار، فلإيران حلفاء قليلين في العالم العربي، وفي الواقع في العالم عمومًا، لكن سوريا هي صديق حقيقي لإيران. وخسارة سوريا ستكون ضربة قوية لإيران، حيث ستقلص قدرتها على التوسط في لبنان وفي الساحتين الإسرائيلية –العربية والإسرائيلية – الفلسطينية. ومن وجهة نظر إيران، فإن الحملة ضد سوريا هي جزء أيضًا من الحملة الأوسع لإضعاف إيران. وقد أدلى مسئولون إيرانيون، ومن حزب الله، بتصريحات متكررة تحمّل الولايات المتحدة وإسرائيل مسئولية الاضطرابات في سوريا، وإن كان من غير الواضح إلى أي مدى هم أنفسهم يصدقون خطابهم البلاغي ذاته.

العلاقات الإيرانية الأمريكية تتسم بالتوتر منذ قيام الثورة الإيرانية، والتي تنعكس على العلاقات الخليجية الإيرانية. وقد سعت الولايات المتحدة مع حلفائها للقيام بحملة استخبارية نشطة من أجل إحباط إيران والمنظمات الإرهابية التابعة لها.

وكانت الولايات المتحدة، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قد انخرطت في حملة شاملة ضد القاعدة، وهناك حاجة لتبني نهج عالمي مماثل لمكافحة الإرهاب الذي تسانده إيران. لكن في الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة بالفعل ضغطًا على طهران عن طريق العقوبات والعزلة الدبلوماسية بسبب برنامج إيران النووي، لا يوجد سوى أسهم قليلة في جعبة أمريكا، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستجد من الصعب فرض ضغط إضافي على إيران بسبب الإرهاب.

كذلك ترى طهران أن إسرائيل والولايات المتحدة في وضع هجومي، حيث إن قتل علماء نوويين إيرانيين، وتفجيرات دمرت منشآت صورايخ إيرانية، والهجوم الإلكتروني الذي أخر البرنامج النووي الإيراني، وإجراءات عدوانية أخرى لكنها سرية؛ تعتبر جزءًا من حرب منخفضة المستوى، لكنها حقيقية، تشنها الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي حرب تصاعدت في السنوات الأخيرة. ومن وجهة النظر الإيرانية، فإن ما تمارسه من عنف هو رد على الحرب التي يجري شنها بالفعل ضد نظام الملالي في إيران.

سيناريوهات مستقبلية متقلبة

بناء على العوامل سالفة الذكر، هناك ثلاث سيناريوهات مستقبلية للعلاقات الخليجية الإيرانية تتراوح من الصراع إلى التهدئة، ولكنها في حقيقيتها متداخلة ومتشابكة إلى حد بعيد، تقع على طرفي نقيض، وتتمثل فيما يلي:

- السيناريو الأول ، هو سيناريو صراعي بالأساس، في حالة استمرار روحاني على نهج أحمدي نجاد. وفي ظل هذا السيناريو ستدخل إيران في مواجهة مع الدول العربية وليس الخليجية فقط.

- السيناريو الثاني: تعاوني وتوافقي، ومن خلاله سيكون هناك علاقات جيدة بين الطرفين عن طريق إيجاد حلول واقعية لكل المشاكل العالقة بينهما، كما حدث في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي. وفي ظل هذا السيناريو ستوقف طهران مساعداتها لكل الخلايا الإرهابية في الخليج، وتهدئة الأقلية الشيعية في البلدان الخليجية، مع محاولة الوصول إلى حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث عبر التحكيم الدولي أو أي حل آخر يرضي الطرفين، وإنهاء الأزمة السورية عبر وقف طهران دعمها لنظام الأسد.

وفي ظل هذا السيناريو سيحدث تبادل تجاري واقتصادي واستثماري بين بلدان الخليج وطهران؛ مما سيؤدي إلى معالجة المشكلة الاقتصادية الإيرانية، وربما ستقوم دول الخليج بمحاولة رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران إذا استطاعت أن تقدم المزيد من التنازلات في برنامجها النووي.

- أما السيناريو الثالث ، فهو وسطي يقع بين السيناريوهين السابقين، فقد يكون تعاونيًّا تارة وصراعيًّا تارة أخرى. وفي ظل هذا السيناريو ستكون العلاقة بينهما قائمة على الشك والريبة، وتميل إلى التهدئة في أغلب الأحيان.



والخلاصة، أن السيناريوهات الثلاثة تقع على خط مستقيم واحد، ويتوقف تحقيق أي منها على الرئيس الإيراني الجديد ومدى انفتاحه على العالم الخارجي، خاصة الدول العربية، وفي القلب منها الخليجية؛ عن طريق تبديد كل التخوفات لدى الكثير من الدول الخليجية والعربية تجاه ما عرف مؤخرًا “,”بمحاولة نشر التشيع“,” في الكثير من الدول الخليجية وبلدان الربيع العربي، وهنا سيكون هناك دور كبير للمؤسسات الدينية (الأزهر وقم) في تقريب وجهات النظر وفتح باب الاجتهاد بين كل علماء المسلمين.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟