المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

في بيئة مغايرة داخليًّا وخارجيًّا: الانتخابات الإيرانية في لحظة فارقة

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 01:17 م
بسام صلاح
يتوجه الشعب الإيراني إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس السابع لجمهورية الإيرانية الإسلامية، وتأتي الانتخابات في ظروف إقليمية دقيقة، ووسط تغيرات عنيفة تشهدها المنطقة، وبالطبع ينعكس ذلك الوضع المتوتر على مسار ونتائج الانتخابات، التي يطمع خامنئي في أن تمر بهدوء، وتأتي بأحد رجال التيار المحافظ..

ولكن على المستوى الخارجي والداخلي تواجه إيران تحديات واسعة في محيط إقليمي مضطرب، فعلى وقع الانتفاضات الثورية في دول عربية عدة، فقدت إيران حلفاءها التقليديين في المنطقة (سوريا وحزب الله)، وبعد أن كان ينظر لهذا المحور كمحور ممانعة ومقاومة ضد إسرائيل والقوى الغربية، جاء وقوف إيران، وحليفها حزب الله، في خندق واحد مع بشار الأسد، وتمسكها بدعمه ماديًّا وعسكريًّا على حساب دماء السوريين، ليُفقد إيران جزءًا كبيرًا من صورتها الذهنية لدى الشارع العربي عمومًا.

ترافق ذلك مع صعود قوى إسلامية سلفية لها أجندة طائفية، ترى الشيعة هم الخطر الأكبر على الإسلام، وتعززت هذه الرؤية المتشددة بعد دعم إيران وحزب الله لبشار الأسد “,”الشيعي العلوي“,” في معركته ضد الشعب السوري؛ وهو ما يصعب على إيران محاولتها خلق علاقات طبيعية مع دول الربيع العربي، أو تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الربيع، والذي حاولت إيران القفز عليه بعد ثورتي مصر وتونس ومع امتداد الاحتجاجات إلى البحرين.

وقتها أعلنت إيران تأييدها لحق الشعوب في اختيار مصيرها، وادعت أن ثورات الربيع العربي، خصوصًا في مصر وتونس، هي امتداد للثورة الإيرانية الإسلامية، وهي الادعاءات التي سقطت بالطبع بعد امتداد الثورة إلى سوريا ودعم إيران لبشار؛ ليتراجع الخطاب الإيراني الداعم للثورات أمام الخطاب الذي يحذر من المؤامرة الغربية على المقاومة ونظمها.

والآن، ومع تعقد الموقف في سوريا، وتصاعد تكلفة المواجهة العسكرية؛ يبدو أن سقوط بشار بات قريبًا، بعد إعلان أوباما موافقته على تقديم دعم عسكري أكبر للمعارضة السورية، وإعلان مسئول ألماني بارز أن قادة مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى سيضغطون على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين؛ لاستخدام نفوذه -كمورد للأسلحة إلى سوريا- من أجل تخفيف حدة القتال هناك.

وإذا حدث ذلك ستفقد إيران الحليف الإستراتيجي الأول لها في المنطقة، وسيتصاعد الشحن الطائفي أكثر وأكثر تجاه الشيعة، داخل سوريا وخارجها، وإذا وضعنا في الاعتبار الضغوط الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني، ندرك أن الموقف الإيراني في المنطقة يتأزم أكثر فأكثر.

· اقتصاد مأزوم

وداخليًّا تعاني إيران من أوضاع اقتصادية خانقة منذ يوليو 2012، بعد حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الإيراني وشراءه ونقله، وكانت الصادرات النفطية لأوروبا تشكل ما يقرب من 20 في المائة من صادرات إيران من النفط. وتسببت العقوبات في أن تصل صادرات إيران من النفط إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1986 أثناء حربها مع العراق.

إلا أن العقوبات ليست وحدها هي التي تلحق الضرر الاقتصادي بالشعب الإيراني؛ حيث تسببت خطة “,”إصلاح الدعم الحكومي“,”، التي قدمها نجاد في ديسمبر 2010، في التأثير على الاقتصاد الإيراني، وهي الإصلاحات التي كانت تهدف إلى تخفيف الضغط على أموال الدولة؛ باقتطاع عشرات المليارات من الدولارات من الدعم الحكومي للمواد الغذائية والوقود، وتقديم أموال شهرية للمواطنين الأكثر فقرًا في إيران بدلًا من الدعم العيني.

إلا أن تلك السياسة تسببت في زيادة أسعار الطاقة والغذاء في إيران، ونتيجة للارتفاع في أسعار الوقود ارتفعت تكاليف المعيشة في إيران، فمثلاً: بعد أن كان سعر رغيف الخبز الإيراني يعادل 6 بنسات عام 2007 وصل سعره الآن إلى 11 بنسًا.

ويمكن لمتوسط العائلة الإيرانية أن تستهلك ما يقرب من 42 رغيفًا في الشهر؛ لذا سيرتفع معدل إنفاقهم على الخبز من 2.52 جنيه إسترليني ليصل إلى 4.62 جنيه.

وفي الوقت نفسه، انخفض الحد الأدنى للأجور من حيث القيمة الحقيقية. ففي عام 2010 كان الحد الأدنى للأجور 300 مليون ريال في الشهر، أي ما يعادل 275 دولارًا أمريكيًّا، ولكن الآن ومع ومع مستويات التضخم العالية، أصبح الحد الأدنى للأجور يعادل 487 مليون ريال إيراني في الشهر، أي ما يعادل 134 دولارًا أمريكيًّا.

· انتخابات في اتجاه واحد

الأوضاع في إيران داخليًّا وخارجيًّا، بالإضافة إلى الاحتجاجات التي حدثت في آخر انتخابات رئاسية (2009)، جعلت المرشد خامنئي يرغب في انتخابات هادئة تنتهي بفوز مضمون لأحد المحسوبين على الجناح المحافظ؛ وهو ما جعل مجلس صيانة الدستور يقبل أوراق ثمانية مرشحين فقط من بين أكثر من 600 مرشح تقدم بأوراقه، وتم استبعاد كل الرموز الإصلاحية أو التي تنتهج خطًّا مغايرًا –ولو قليلاً- عن خط المرشد والجناح المحافظ، وكانت المفاجأة الأبرز في الاستبعادات هي استبعاد رافسنجاني، رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو الاستبعاد الذي دلل على أن النظام الإيراني بات غير قادر على احتمال أي أصوات مختلفة، ولو قليلًا، عن الصوت المحافظ التابع للمرشد الأعلى.

والمرشحون الثمانية الذين تم قبول أوراقهم، ينتمي خمسة منهم إلى المعسكر المحافظ، وهم: (سعيد جليلي، الخبير النووي الإستراتيجي - محمد باقر قاليباف، عمدة طهران - غلام علي حداد عادل، الرئيس السابق للبرلمان الإيراني - علي أكبر ولاياتي، مستشار المرشد الأعلى - محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري)، بينما ينتمي مرشحان إلى جناح الإصلاحيين، وهما: حسن روحاني، المفاوض النووي السابق، ومحمد رضا عارف، النائب السابق للرئيس إبَّان ولاية خاتمي. أما المرشح الأخير فهو محمد غرضي، وهو مستقل، ولا يمتلك فرصة للمنافسة.

· انسحابات اللحظة الأخيرة

وقبل ثلاثة أيام من الاقتراع أعلن غلام علي حداد عادل، رئيس البرلمان الأسبق، انسحابه من السباق الانتخابي لصالح التيار المحافظ، كما أفاد في بيان رسمي.

وفي اليوم التالي مباشرة أعلن محمد رضا عارف -في بيان رسمي- انسحابه من سباق الانتخابات؛ بعد تلقيه رسالة من الرئيس السابق خاتمي أبلغه فيها أن بقاءه في الانتخابات غير مرغوب ولا يخدم الحركة الإصلاحية، ولم يُسمِّ بيان عارف المرشح الذي انسحب لصالحه، ولكن من المؤكد أن هذا الانسحاب سيصب في صالح المرشح المعتدل حسن روحاني.

ولكن هذا الانسحاب وحده قد لا يكون كافيًا لترجيح كفة روحاني أو حتى وضعه في دائرة المنافسة؛ حيث تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات ستكون اختيارًا بين المتشددين والأكثر تشددًا، بدون فرصة حقيقية للأصوات الإصلاحية.

ومن المتوقع أن تمر الانتخابات الإيرانية بدون صخب في حالة وصول مرشحين محافظين لجولة الإعادة، وهو السيناريو الأقرب، ولكن في حالة وصول مرشح إصلاحي إلى جولة الإعادة، سيصبح من الصعب التكهن بنتائجها، وقد يتحرك الوضع لنرى مشاهد مماثلة لما حدث بعد انتخابات 2009، وهو ما يحاول خامنئي والتيار المحافظ تجنبه في الوقت الحالي على الأقل.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟