المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

دلائل ومؤشرات: الانتخابات ومستقبل الديمقراطية الكويتية (2-2)

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:26 ص
د.يسري العزباوي
العملية الانتخابية مؤشرات ونتائج

نتناول هنا العملية الانتخابية من حيث من لهم حق المشاركة، وأبرز القوى التى قاطعت العملية الانتخابية والتى شاركت، والنتائج التى أسفرت عنها الانتخابات.

1- على مستوى المشاركة، تعتبر انتخابات التى جرت مؤخرًا، هى الخامسة في تاريخ الكويت البرلماني التي تشارك فيها المرأة الكويتية ترشحًا وانتخابًا، إذ بلغ عدد المرشحات في هذه الانتخابات 14 مرشحة. ووفقًا لآخر إحصائية صادرة من وزارة الداخلية يحق لـ 422569 ألف ناخب وناخبة التصويت في هذه الانتخابات، وبذلك يرتفع إجمالي عدد الناخبين في الدوائر الخمس بمقدار 22273 ناخبًا وناخبة بنسبة 5.27% عن إجمالي الناخبين في انتخابات مجلس فبراير 2012 المبطل بحكم المحكة الدستورية بواقع 11758 من الذكور و10515 من الآناث. فيما سيختار كل ناخب وناخبة مرشحًا واحدًا فقط من بين 307 مرشحين ومرشحات يتنافسون في الدوائر الانتخابية الخمس بواقع 51 مرشحًا في الدائرة الأولى و50 في الثانية و60 في الثالثة و66 في الرابعة و80 في الخامسة .

يذكر أن إجمالي الناخبين الذكور يبلغ 196754 بنسبة 46.56 % من مجموع إعداد الناخبين في الدوائر الخمس في حين يبلغ إجمالي الناخبات 225815 بنسبة 53.43% فيما تم تقسيم لجان الانتخاب بواقع 666 لجنة ما بين أصلية وفرعية موزعة على 100 مدرسة للدوائر الخمس . وقد حظيت الدائرة الخامسة بأكبر عدد من الناخبين والناخبات بواقع 118461 (57941 من الذكور و60520 من الآناث) بنسبـــــة 28.03% من إجمالي عـــــدد الناخبيـــــن والناخبات فــــي الكويـــــت. وتأتي بعدها الدائرة الرابعة بـ 108395 ناخبًا وناخبة (48525 من الذكور و59870 من الآناث) بنسبة 25.65% من إجمالي الناخبين والناخبات في الكويت ثم الدائرة الأولى بـ 74876 ناخبا وناخبة (34783 من الذكور و40093 من الآناث) بنسبة 17.71 %.

وبعد ذلك تأتي الدائرة الثالثة بـ 73065 ناخبا وناخبة (33002 من الذكور و40063 من الانــــــاث) بنسبة 17.29% تبعتها الدائـــــرة الثانية بواقع 47772 ناخبا وناخبة (22503 من الذكور و25269 من الاناث) بنسبة 11.30 % .

وقد بلغت نسبة المشاركة فى هذه الانتخابات 38.8%، وهى نسبة أقل عن نظيرتها التى جرت فى فبراير من نفس العام.

2- على مستوى المقاطعة، فإن أبرز الحركات السياسية التي أعلنت مقاطعة الانتخابات هي الحركة الدستورية الإسلامية، وهي مجموعة منبثقة عن الإخوان المسلمين، والتى تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية وبتعزيز الضوابط الاجتماعية، والتجمع السلفي الإسلامي، وهو مرتبط بجمعية إحياء التراث، المجموعة السنية ذات المواقف المتشددة في المواضيع الأخلاقية .

كما يقاطع حزب الأمة الإسلامي الانتخابات، وهو الحزب الوحيد في الكويت، الذي لم يحصل علي ترخيص من قبل السلطة، وهو ويطالب بحكومة منتخبة وإصلاحات جذرية، وسبق أن قاطع الحزب الانتخابات السابقة . كما أعلنت كتلة العمل الشعبي، التي تضم نوابا سابقين بقيادة رئيس مجلس الأمة السابق والزعيم المعارض المخضرم أحمد السعدون، مقاطعة الانتخابات. وتركز الكتلة مطالبها علي مواضيع شعبوية مثل السكن وتحسين الرواتب إضافة إلى دعم الإصلاحات عموما .

وهناك مجموعتان ليبراليتان هما كتلة العمل الوطني والمنبر الديمقراطي في الكويت أعلنتا مقاطعة هذه الانتخابات، ويدافع المنبر عن أفكار تقدمية تتعلق بحقوق المرأة والدولة المدنية وأولوية التنمية. وقررت الغالبية الساحقة من القبائل مقاطعة الانتخابات، وطلب شيخا قبيلتي العوازم والعجمان الكبريين علنا من أبناء قبيلتيهما مقاطعة الانتخابات.

ومن الأهمية الإشارة إلى أولاً تفاوت وجهات النظر بشأن تداعيات هذه المقاطعة علي مستقبل العمل البرلماني في الكويت فثمة من يري أنها لا تخلو من “,”الكذب والنفاق“,” لدي بعض التيارات التي تجاهر بذلك علي المنابر الإعلامية وتمارس النقيض في عملها السياسي, بينما قدمت الدعم لبعض المرشحين في الخفاء . ثانيًا، أن الغالبية العظمى من المجموعات السياسية الكويتية التى قاطعت الانتخابات التشريعية، تنضوي تحت لواء المعارضة، وهي مروحة واسعة تتراوح من الإسلاميين المؤيدين لتطبيق الشرعية الإسلامية وصولاً إلى الليبراليين . ثالثًا، ومن الناحية العلمية البحتة، فى الوقت الذى يمنع فيه انشاء الأحزاب السياسية في الكويت، إلا أن المجموعات السياسية هي بمثابة أحزاب بحكم الأمر الواقع، حيث فازت المعارضة بـ36 مقعدًا من أصل 50 في آخر انتخابات شهدتها الكويت في فبراير 2012. رابعًا، ليس للبرلمان دور في تشكيل الحكومة التي يرأسها تقليديًا عضو في أسرة الصباح الحاكمة التي تتولى أيضًا الحقائب الوزراية الرئيسية مثل الداخلية والدفاع والنفط. وليس على الحكومة أن تحصل على ثقة البرلمان كما أن غالبية الوزراء في الحكومة ليسوا نوابًا منتخبين، إلا أنهم يحظون شأنهم شأن النواب بمقعد في البرلمان وبحق التصويت . ويمكن للنواب أن يستجوبوا الوزراء بشكل فردي، وأن يحجبوا الثقة عنهم إلا أن البرلمان لا يمكن أن يحجب الثقة عن الحكومة ككل .

3- على مستوى النتائج، شهدت النتائج عدة مفاجأت من العيار الثقيل، تمثلت المفاجأة الأولى فى فوز 3 سيدات، من بينهم 14 امرأة مرشحة. وفى الواقع مثل فوز السيدات الثلاث نتيجة طبيعية لنضال لمرأة الكويتية، والتى خاضت معركة شرسة وضارية وطويلة لنيل حقوقها السياسية، لتشارك في صنع القرار وتطوير الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت . وقد بدأت المرأة في الكويت معركتها ضد التهميش والسعي لتفعيل مبدأ الديمقراطية منذ أربعة عقود، حيث طالبت بممارسة حقها السياسي، وواجهت عدة اتجاهات مختلفة أولها اتجاه إسلامي مناوئ لحق المرأة في الانتخابات والتشريع، واتجاه وسط يدعو إلى تلافي الصدامات وتأجيل مناقشة المسألة، واتجاه متردد تراوح بين التأييد والرفض والشرعية وعدم الشرعية، واتجاه مؤيد مضاد للاتجاه الإسلامي . أما عن المعوقات لمشاركتها في الحياة السياسية، فكان أمامها معوقات تتصل بنقص الوعي لدى المرأة الكويتية والحركة النسائية هناك، ومعوقات اجتماعية تتصل بطبيعة المجتمع الكويتي التي تغلب عليها القبلية والتقليدية والتدين، ومعوقات قانونية حيث لا يجيز القانون الكويتي للمرأة حق الانتخاب والتشريع . وبدون الدخول فى تفاصيل أكثر من ذلك، فإن فوز كل من معصومة المبارك وصفاء الهاشم وذكرى الرشيدي، يمثل إنجازًا جديدًا للمرأة الكويتية، خاصة بعد غياب النساء عن المجلس السابق. وقد كشفت النتائج أيضًا عن غياب، لأول مرة، ممثلين لقبيلتي العوازم والمطران.

أما المفاجئة الثانية، فقد تمثلت فى فوز 8 نائباً سابقًا، وأظهرت النتائج تغييرا شمل الوجوه النيابية في الدوائر الانتخابية بنسبة أربعة وستين بالمئة باستثناء الدائرة الأولى التي عاد أغلب نوابها السابقين إلى مقاعدهم. فى حين جاءت المفاجئة الرابعة بفوز 17 شيعيًا، وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ الحياة البرلمانية التي يحصل الشيعة فيها على هذا العدد. فطبقا للنتائج في الدوائر الانتخابية حصل الشيعة على ثمانية مقاعد في الدائرة الأولى من أصل 10، وفاز ثلاثة منهم في كل من الدائرتين الثانية والخامسة، وواحد في الرابعة، في حين فاز اثنان في الدائرة الثالثة التي لم تعلن نتائجها النهائية حتى الآن.

وتمثلت المفاجئة الخامسة، فى عدم وجود أي تمثيل نيابي لأكبر قبيلتين في الكويت، وهما قبيلة مطير وقبيلة العوازم حيث تمثل نسبتهما 18% من الشعب الكويتي، وذلك لمقاطعتهما للانتخابات. غير أن نتائج الانتخابات أفرزت قبائل لأول مرة تصل إلى البرلمان

ويوضح الجدول المرفق أسماء الفائزين وعدد الأصوات التى حصل عليها كل عضو.

ولم تشهد الانتخابات حدوث اضطرابات أو محاولات من أنصار المقاطعة لتعطيل عملية التصويت التى يشرف عليها القضاء. كما تشكل لانتخابات محطة أساسية للتحول الديمقراطى فى الكويت، ويبقى الصراع السياسى الداخلى بين من يريد إيقاف عملية التحول عند “,”المنتصف“,” ومن يحاول استكمال هذا التحول. ويبقى الاحتقان وانسداد الأفق ودوامات الاستقطاب والاصطفاف والشد والجذب وحل مجلس الأمة واستقالة الحكومة ويتكرر سيناريو المواجهات والاستجوابات ويعاد إنتاج الأزمات وتكرارها، وفق وتيرة متقاربة، دون أن تتمكن أى من السلطتين التنفيذية والتشريعية من التوصل إلى صيغة توافقية تجنب الكويت بعد حوالى خمسين عامًا من المشاركة السياسية والتجربة البرلمانية العقدة المستحكمة التى تخصم من رصيد الديمقراطية الكويتية؟ .

ومجمل القول، أن الكويت تضم أقوى برلمان في منطقة الخليج، وكان يسيطر عليه الإسلاميون وحلفاؤهم في وقت سابق هذا العام، قبل أن تقضي المحكمة بحله، على خلفية دعوى قضائية من قبل المؤسسة الحاكمة بشأن الدوائر الانتخابية. ويبقى السؤال الجوهرى والمحورى هنا، هل ستنهى هذه الانتخابات حالة الصراع والاستقطاب الذى شهدها المجتمع الكويتى خلال الأشهر القليلة الماضية، ام إنها سوف تزيد من الأزمة وتؤججها خاصة بعد فوز الشيعة بحوالى ثلث مقاعد البرلمان؟ !

سيناريوهات مستقبل العلاقة بين المعارضة والحكومة

لقد أخذت الاحتجاجات الشعبية فى الكويت شكلاً جديدًا فى الأزمة الأخيرة. فبعدما كانت مجرد اعتصامات تجتمع وتنتهى فى ساحة الإرادة (المكان المسموح بالاعتصام فيه)، أصبحت تأخذ شكل مسيرات لها تخطيط دقيق ونقطة للتجمع من خلال خرائط تنشر فى وسائل الاتصال الاجتماعى. وعلى الرغم من تهديد الحكومة باستخدام القوة تجاه أي مسيرات غير قانونية، فم يثن ذلك القوى الاحتجاجية عن تنظيم المسيرة التى أسموها “,”كرامة وطن“,” ولحقتها مسيرات أخرى . ومن ثم فإن هناك ثلاث سيناريوهات لشكل العلاقة بين الحكومة والمعارضة:

السيناريو الأول: استمرار التصعيد بين الجانبين، فمن الواضح أن اختيار الجبهة الوطنية لحماية الدستور شخص الأمير كهدف مركزى لانتقاداتها قد دشن عهدًا جديدًا فى التعامل مع المعارضة وأسلوبًا جديدًا لظهور الأمير بطريقة مباشرة فى هذه الأزمة يختلف عن أسلوب التعاطى القديم مع الأزمات من خلال الحكومة ورئيسها. ففى نفس الوقت الذى خرجت فيه الجبهة فى المسيرة الأولى، دعا الأمير لاجتماع طارئ لأقطاب الأسرة ومن بينهم ولى العهد خرجوا بعده مجددين الولاء والثقة بالأمير. وشهد اليوم التالى للمسيرة اجتماع الأمير مع شيوخ القبائل وأصحاب الدواوين وألقى بعدها خطابًا تضمن عدة رسائل مهمة. وكانت أول تلك الرسائل كان اعترافه الشخصى بخروج صراعات أبناء الأسرة عن الحد الطبيعى وبأنه سيطبق القانون عليهم دون هوادة. أما الثانى، فكان تصريحه بأنه قد رأى نهاية الدولة وهيبتها فى هذا اليوم، وبأنها أوشكت على الضياع. وأكد ما تلى ذلك من أحداث هذا النهج الجديد فى تعامل السلطة مع المعارضة. فقد تم سجن نواب بتهمة التطاول على الذات الأميرية، وتم التعامل بحزم مع المدونين والمغردين فى توتير. أما الأمر الذى لا يبدو أنه قد تأكد فهو عزل لبعض أقطاب الأسرة عن المجال السياسى والتعاطى معه .

السيناريو الثانى: التهدئة من جانب الأسرة الحاكمة، وفى هذه السيناريو ستقوم السلطة بإعداد مشروع جديد لإصلاح بيت الحكم من الداخل، وذلك من خلال إعادة ترتيب مناصب أبناء الأسرة مع من يمكن الوصول لمقايضات معهم واستبعاد من لا يمكن التعامل معهم. إلا أن المتابع الجيد لأحوال الأسرة وتحالفاتها وانشقاقاتها، يعلم جيدًا أن الكعكة أصغر بكثير من أن تطعم كل فم . وعليه، فإن كل ترتيب لبيت الحكم ليس فى نهاية المطاف سوى حل مؤقت ينتظر إعلان جديد للفوضى. هذا الأمر يتطلب إدخال قطيعة سياسية- دستورية تحدد الحكم فى فرع واحد من ذرية مبارك. ولأن هذا الوضع الجديد بحاجة لتعديل دستورى، فيبدو أن الأمير بحاجة لبرلمان مهادن يسمح بتمرير هذا الانتقال، ويبدو أن المجلس الجديد، والذى قاطعته معظم القوى السياسية، هو المجلس الذى بإمكانه تمرير أمر كهذا .

السيناريو الثالث، المواجهة مع المعارضة، ويبدو أ ن خيار تفكيك المعارضة يمثل تحدى حقيقى أمام السلطة فى الكويت. ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب دراسة واعية وعميقة بماهية هذه المعارضة. ليس هناك من شك لدى السلطة الكويتية اليوم بأن المحرض الحقيقى والمنظم لجميع تحركات المعارضة هم الإخوان المسلمين وكوادرهم الشبابية وأبرزها (نهج)، وهى الذراع الشبابي الذى يقوم بحشد الشباب عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعى بالإضافة لأبناء القبائل. ولايبدو أن الرد الأمنى سيفلح فى محاولة صد هذا النوع من الحراك المنظم، ولايبدو كذلك أن السلطة قد أفلحت فى مشروعها الموجه للشباب، والذى كان يسعى فى جوهره لاحتواء أكبر عدد من الشباب الكويتى. وباختصار، لا يمكن للسلطة أن تحصر نفسها فى ردة الفعل على المعارضة دون وجود مشروع صلب قوى يستند إليه الحكم .

والخلاصة، إن لم تمتلك السلطة أدوات التغيير بيدها اليوم وتحاول التغيير من نفسها طواعية ستجد نفسها مرغمة على الاستجابة للتغيير الذي يفرض عليها من قبل الآخر. ولكن السلطة لا زالت تراهن على بعض نقاط الضعف فى معارضة اليوم وأهمها إبهام هذا المشروع الإصلاحى الذى تنادى به وعدم قدرته على إقناع الناس بجدواه. ناهيك عن عدم قدرة هذا المشروع المبهم على اختراق باقى فئات المجتمع كالحضر والشيعة وبعض الإسلاميين كالسلف والجانب الصامت من أبناء القبائل، وهم الذين قد كونوا شبكة من العلاقات والمصالح التى أسستها الدولة الريعية على مدى عقود مضت .



أهم المراجع:

- جريدة الوطن أيام 1 و 2 و 3 ديسمبر 2012.

- جريدة القبسأيام 1و 2 و 3 ديسمبر 2012.

- د. محمد الوهيب، الكويت: الأزمة ومستقبلها، أوراق المتابعة السياسية، مبادرة الإصلاح العربى، نوفمبر 2012 .

- موقع وزارة الإعلام الكويتى http://www.media.gov.kw

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟