المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

دلائل ومؤشرات: الانتخابات ومستقبل الديمقراطية الكويتية (1-2)

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:26 ص
د.يسري العزباوي
فى ظل حالة استقطاب حادة بين الحكومة وقوى المعارضة، شهدت الكويت فى الأول من ديسمبر إجراء انتخابات مجلس الأمة الخامسة عشر منذ بدء التجربة البرلمانية فى عام 1963، فى ظل هدوء شاب عملية الاقتراع، وفى ظل حالة انتظار وترقب من المعارضة حول نتائجها أو نسبة المشاركة فيها. وللافت للنظر أن هذه الانتخابات تأتى فى ظل أزمة سياسية حادة، تمثلت أطرافها الأساسية فى حكومة الشيخ جابر المبارك وكتلة الأغلبية المعارضة فى مجلس الأمة المنحل 2012، على خلفية عدد من الملفات والقضايا التى تخص أداء الحكومة فى التعامل معها ثم توجه الحكومة لإعادة النظر فى الدوائر الانتخابية الحالية. وبمرور الوقت، تصاعدت مسارات الأزمة دون وجود ملامح محددة لوضع نهاية لها، ليصبح النظام السياسى الكويتى مشلولاً وعاجزًا، بما يعطى انطباعًا أن الأزمة السياسية فى الكويت تتكرر بشكل أقرب إلى “,”النسخة الكربونية“,”.

ويتوقع البعض أنه مع إجراء الانتخابات البرلمانية بات من المؤكد أن الكويت ستدخل مرحلة مغايرة في مسارها السياسي النشط والمتميز كونها واحدة من أهم التجارب الديمقراطية ليس في منطقة الخليج فحسب، وإنما في المنطقة العربية فضلا عن مداها الزمني الطويل نسبيًا قياسًا لتجارب المنطقة فهي بدأت في ستينيات القرن الماضى . وتتمثل السمة الرئيسية في هذه انتخابات، فى مقاطعة قوي وتيارات معارضة، لها لأول مرة منذ بدء المسار الديمقراطي، وهو ما يلقي بظلال من الغموض علي فعالية مجلس الأمة القادم نظرًا لغياب هذه القوي، وربما هيمنة تيارات محافظة أقرب للسلطة مما يعني أن يفتقر المجلس لحيويته التي كان يتسم بها علي مدي العقود الست الأخيرة، وإن كان ثمة من يري أن حالة من الاستقرار قد تسود العلاقة بين الحكومة والبرلمان خاصة أن هناك قوي أخري لاتتسم بطابع أيديولوجي ومستقلين قرروا المشاركة بشكل واسع في هذه الانتخابات .

البيئة الدستورية والتشريعية

جرت الانتخابات وسط جدل قانونى ودستورى واسع، فتحسبًا أن تسفر الانتخابات عن مجلس معارض كمجلس فبراير 2012، حاولت الحكومة أن تعيد ترتيب الدوائر الانتخابية، وذلك بأن طعنت فى دستورية هذه الدوائر أمام المحكمة الدستورية, وكان ذلك كافيًا لأن تتحرك الأغلبية النيابية فى مجلس فبراير بقواعدها الانتخابية رافضة أي تغيير فى الدوائر الانتخابية يأتى من خارج مجلس الأمة. وقد جاء حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم اختصاصها بالنظر فى عدالة توزيع الدوائر الانتخابية، وهو القرار الذى أثلج صدور الأغلبية المعارضة. ولكن هذه الفرحة لم تتم، إذ تم إصدار مرسوم أميرى فى 21 أكتوبر 2012 يقضى بتعديل آلية الانتخاب بجعل صوت واحد لكل ناخب بدلاً من أربع أصوات، وهو الأمر الذى قاد لحراك شعبى غاضب غير مسبوق أنتج ما سمى بمسيرات “,”كرامة الوطن“,”، وهى المسيرات التى قادت للأزمة الأخيرة فى الكويت .

وتعد الكويت إمارة دستورية، وهي أقدم دول الخليج العربي في التجربة الديمقراطية البرلمانية، حيث بدأت بالانتخاب المباشر لأعضاء البرلمان. ويعود تاريخ الديمقراطية في الكويت إلى العام 1921، عندما بدأ التجار المطالبة بالمشاركة في الحكم عن طريق مجلس الشورى، غير أن هذه التحركات لم تفلح، وفي العام 1938، طالب مجموعة من المثقفين والناشطين سياسيًا في ذلك التاريخ بمجلس تشريعي، حيث تم وضع دستور متقدم في ذلك الحين، غير أن المجلس لم يصمد سوى عام واحد . وكان أمير الكويت الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح، الذي تولى الحكم عام 1950، أول من دعا إلى تنظيم الحياة السياسية في الكويت ووضع دستور لها، وبالفعل، فقد صدر أول دستور كويتي في 11 نوفمبر 1962، ومن هنا جاءت تسميته بـ“,”أبي الدستور“,”، وصار من الآباء المؤسسين للديمقراطية في الكويت .

ومن الأهمية الإشارة هنا إلى أن أول قانون للانتخاب فى الكويت قد أقر عام 1962 تمهيدًا لأول انتخابات برلمانية. وأدخل على القانون عدد من التعديلات في الأعوام 1963 و1970 و1972 و1980 و1983 و1986 و1995 و2005، 2012. ويعطى قانون الانتخاب حق التصويت لكل كويتي بالغ من العمر 21 سنة، ويستثنى من لم يمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية. ويحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جنائية أو في جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره، كما يحرم منتسبي الشرطة والجيش من التصويت أو الترشيح، وتكون عملية الانتخاب سرية تحت أشراف السلطة القضائية. ويتألف مجلس الأمة من خمسين عضوًا موزعون في خمسة دوائر انتخابية، ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا لقانون الانتخاب. ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم ولا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة.

ووفقًا لنص المادة 31 من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 فإن عملية الانتخاب تدوم من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الثامنة مساء فيما يعلن رئيس اللجنة حسب المادة 35 ختام عملية الانتخاب في تمام الساعة الثامنة مساء وإذا حضر جميع الناخبين قبل هذا الموعد أعلن رئيس اللجنة ختام العملية بعد إبداء رأي الناخب الأخير. وتستمر عملية الانتخاب بعد الساعة الثامنة، إذ تبين وجود ناخبين في مكان الانتخاب لم يدلوا بأصواتهم ويقتصر التصويت في هذه الحالة على هؤلاء الناخبين دون غيرهم وبعد إعلان ختام عملية الانتخاب تأخذ اللجنة في فرز الأصوات تمهيدًا لإعلان النتائج الرسمية . وفي سبيل تسهيل سير العملية الانتخابية أجازت المادة 48 من قانون الانتخاب لرئيس لجنة الانتخاب أن يحرر محضرًا بالجرائم التي تقع داخل قاعة الانتخاب أو يشرع في ارتكابها أو الجرائم التي نمى إلى علمه وقوعها خارج القاعة ويأمر بالقبض على المتهم وتسليمه إلى رجال الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية، كما يحيل رئيس اللجنة المحضر المشار إليه إلى النائب العام فور انتهاء عمل اللجنة .

وكانت اللجنة الوطنية العليا للانتخابات أصدرت قرارًا في 31 أكتوبر 2012 حددت فيه تقسيم لجان انتخاب أعضاء مجلس الأمة وضمت 666 لجنة ما بين أصلية وفرعية موزعة على 100 مدرسة للدوائر الخمس. وجاء في القرار أن مجموع اللجان في الدائرة الانتخابية الأولى 112 لجنة مقسمة إلى 55 للرجال و57 للنساء موزعة على 16 مدرسة و78 لجنــــة في الدائرة الانتخابية الثانيـــــة 41 لجنة للنساء و37 للرجال موزعة على 16 مدرسة . وتضم الدائرة الانتخابية الثالثة 118 لجنة بواقع 64 لجنة للنساء و54 للرجال موزعة على 20 مدرسة إضافة إلى 171 لجنة في الدائرة الانتخابية الرابعة موزعة على 22 مدرسة بواقع 90 لجنة للنساء و81 للرجال في حين تضم الدائرة الانتخابية الخامسة 187 لجنة موزعة على 26 مدرسة بواقع 89 لجنة للرجال و98 للإناث .

البيئة السياسية للعملية الانتخابية

لا شك فى أن الكويت بإجراء هذه الانتخابات تقف على مفترق أزمة سياسية عميقة تشكل خطورة على البلاد منذ تحريرها في اعقاب حرب الخليج عام 1991. ونظرًا لحالة الجمود التي شهدتها الحكومات الكويتية منذ عام 2006 حتى الآن بات الانقسام السياسي يدور في فلك الصراع من أجل السلطة بين المجلس الوطني والحكومة التي عينها أمير البلاد. وفي الوقت الذي تتسم فيه المصاعب التي تواجه الكويت اختلافًا عن تلك الاضطرابات التي تجتاح المنطقة على نطاق أوسع، فقد أذكى الربيع العربي احتجاجات شعبية وسياسية وكذا تخطى الخطوط الحمراء التي باتت حصينة داخل المجتمع الكويتي. وكانت النتيجة تصفية حسابات بين أسرة الصباح الحاكمة وشرائح متزايدة من الكويتيين .

وقد بدأ المأزق الراهن في صيف عام 2011 عندما بدأت مجموعات من الشباب الدعوة إلى استقالة الشيخ ناصر المحمد الصباح، رئيس الوزراء وابن شقيق الأمير. وتزايدت حدة العنف في نوفمبر بعد أن احبطت المحكمة الدستورية مساعي البرلمان لاستجواب رئيس الوزراء على خلفية فضيحة، وعليه اقتحم نحو مائة محتج بما في ذلك نواب في البرلمان واحتلوا لفترة وجيزة مبنى مجلس الأمة. وعلى الرغم من كون الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح قد أعلن صراحة عدم الاستسلام لضغوط الشارع، كان رد فعل عشرات الآلاف من الكويتيين المشاركة في مسيرات تدعو إلى إقالة رئيس الوزراء .

ودفع تزايد حدة التوترات السياسية أمير الكويت إلى تعليق أعمال المجلس لمدة شهر، وكان ذلك قبل يومين من قرار اصدرته المحكمة الدستورية يقضي ببطلان الانتخابات التي جرت في فبراير وإعادة البرلمان الذي سبق وحل في ديسمبر 2011 . وأدى هذا القرار المفاجئ إلى دفع الكويت إلى هوة صيف اتسم بالغموض وتبادل الاتهامات، حيث اتهم اعضاء بارزون في المعارضة المحكمة بالخضوع لضغوط الحكومة.

وخلال شهري يوليو و أغسطس 2012 سعى البرلمان الذي اعيد تنصيبه مرتين إلى عقد اجتماعات، لكنه اخفق في كل مرة في الوصول إلى النصاب القانوني اللازم نظرا لمقاطعة أغلبية نواب البرلمان الجلسات. وبعد إعلان “,”الموت السريري“,” للبرلمان المعاد تنصيبه في منتصف أغسطس، استفزت الحكومة مرة أخرى المعارضة بعد الطلب من المحكمة الدستورية إصدار قرار بشرعية قانون الانتخابات .

من الأهمية القول، أنه لا يختلف اثنان على ضعف المستوى العام للانتخابات الحالية، لمقاطعة بعض المرشحين المهمين لها من جهة، ولضعف الإقبال والاهتمام من جهة أخرى، ولصعود أسماء جديدة للمنصة الانتخابية من جهة ثالثة وأسباب أخرى كثيرة. طالب البعض بمقاطعة الانتخابات لأسبابهم التي فندوها واعتنقوها اقتناعًا واسبغوا عليها المصداقية بتحقيقهم للمقاطعة، وبالتالي تبعهم الموالون لهم.

وقد انتقلت سخونة الانتخابات إلى “,”الديوانيات“,”، والتى تعد محركًا وشبه صانع للقرار من خلال توجيه الجماهير أثناء العملية الانتخابية، وقد ظهرت الديوانية السياسية في الكويت عام 1921 أثناء تأسيس المجلس التشريعي الأول فكان يجتمع فيها المرشحون لطرح ما عندهم من أفكار وتطورات . وقد وصفها بعض الباحثين بأنها، ومنذ نشأت، تعد برلمانًا ولكن دون التمتع بشرعية البرلمانات الرسمية بالطبع . وتوجد في الكويت اليوم أكثر من 7 آلاف ديوانية يلتقي فيها الرجال لمناقشة قضايا الساعة، ومن أهمها على الإطلاق رسم مسار الحياة السياسية في الدولة . ويرى باحثون أن الديوانية هي أحد أشكال مؤسسات المجتمع المدني، بل هي من الآليات المهمة التي تسهم في تسريع الحراك الديمقراطي خليجياً، بسبب تأثيرها في رفع مستوى الوعي. ويلحظ المتابع للشأن الكويتي مدى تأثير هذا الظاهرة في الشارع من خلال التأثير على الدوائر الانتخابية وحركة الاحتجاجات ومسيرة الشارع . ولا يمكن إنكار هذا التأثير على الرأي العام ودرجة الوعي السياسي، خاصة في أوقات الانتخابات البرلمانية، إذ تشير بعض الأبحاث إلى أن حوالي 64 % من مرتادي الديوانيات تأثر توجههم الانتخابي عن طريق العلاقات الشخصية داخل الديوانية . ويركز المرشحون وأعضاء مجلس الأمة على الانطلاق من الديوانيات لإبداء وجهات نظرهم وتبرير مواقفهم .

يتبع

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟