المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بعد أن استردت الثورة: "تمرد"عند مفترق الطرق

الأربعاء 15/يناير/2014 - 02:56 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمود أحمد عبدالله*
كانت ثورة يناير نقلة نوعية نحو ما اصطلحت عليه الأدبيات بمرحلة "ما بعد الإسلاموية". رهاناً على إمكانية المصالحة بين الحداثة والتيارات الإسلاموية، على غرار ما حصل في تركيا، وفي غيرها. لكن يبدو أن جملة من العوامل حالت دون قدرة جماعة الإخوان على الاستجابة للتحولات الاجتماعية والسياسية، لأسباب تعود إلى تكوينها الاجتماعي والثقافي بالأساس. كانت الثورة نقلة نوعية، ومحاولة لتجربة هذا التيار الذي استطاع أن يتكيف مع التحولات الاقتصادية، لكنه، لطبيعة تركيبته الأيدولوجية الخاصة، حاد عن مسار الثورة. 
كانت الفكرة من وراء "ما بعد الإسلاموية" هو إمكان المصالحة بين "النزعة الإسلامية" والديمقراطية. فكان الظن نظرياً أنه إذا جرى تخليص الديمقراطية من طابعها العلماني ونزعتها الغربية، انطلاقاً من الإيمان بالخصوصية والتعددية الثقافية، يمكن للإسلاميين أن ينصاعوا لمثاليات الديمقراطية. وعملياً، كانت المعادلة تترجم في إنهاء عداء الإسلاميين للعالم الغربي، والتكيف مع نموذج اقتصاد السوق الحر.( )، لكن هذا المسار الجديد لم يستمر كثيراً. فقد حدث ما تنبأت به نوريه ميرت في مقال لها في الديلي نيوز حين قالت إن النموذجين المناسبين لترجمة الصلح بين الديمقراطية والإسلام، وهما النموذج التركي ونموذج بلاد الربيع العربي؛ في سبيلهما للانهيار، حيث مثّل حزب التنمية والعدالة حكومة محافظة عجوز، بينما لم تستطع الحكومات الإسلامية الجديدة في العالم العربي التعامل مع التحديات وإحداث التوافق.( ) 
وهكذا حققت حركة تمرد ما يمكن تسميته بإسقاط سياسات ما بعد الإسلاموية، حيث مهما يكن التصور عن أن ضم حزب إسلامي أو آخر في لجنة الدستور، سوف يعني أن الثورة هنا هي ثورة على عدم الالتزام بالقيم العليا لها، وليس "الصلح المزيف بين النزعة الإسلاموية والديمقراطية".
وبعدما كان التمرد، ومفرداته، ومعانيه، ترد فقط على ألسنة الشعراء والكتاب والمسرحيين، أو على ألسنة السياسيين، على سبيل الوجاهة الإعلامية، بعيداً عن الحياة الحية للجماهير العادية، بعدما كان التمرد "على الورق، وفي القصائد والمنظومات"( )، كأنه معلق في الهواء ويحتاج لمن ينقله إلى الشارع مرة أخرى، جاءت الحركة الشبابية "تمرد"، لتختاره اسماً لها، وترده إلى أصحابه، لتنقلهم إلى الواقع المأمول، المغشي عليه.  
كارت أحمر للرئيس:
كانوا مجموعة من الأصدقاء؛ محمود بدر ومحمد عبد العزيز وحسن شاهين ومحب دوس وشيرين الجيزاوي وياسمين الجيوشي، اعتادوا الالتقاء يومياً في أحد مقاهي منطقة "وسط البلد"، الشهيرة بمقاهيها الشعبية التي يرتادها المثقفون والناشطون السياسيون. يتناقشون في أمور السياسة ومستجداتها حتى ساعات الصباح الأولى. كانت المرارة تملأ قلوبهم حين يتحدثون عمّا آل إليه البلد في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، وعن الثورة التي شعروا بأنها سُرقت منهم، وفي الوقت نفسه لا يوفرون المعارضة السياسية التقليدية، ممثلة في جبهة الإنقاذ الوطني، من نقدهم اللاذع، وهي التي عجزت، من وجهة نظرهم، عن اتخاذ الخطوات السياسية التي تعبّر عمّا يلمسونه لدى أغلبية الشعب المصري من ضيق وغضب من سياسات محمد مرسي وجماعته. لقد شعروا بأن في إمكانهم فعل ما هو أكثر من مجرد النقاش النظري، وهم الذين اعتادوا أخذ المبادرة والفعل والعمل على الأرض، منذ نشاط حركة "كفاية" في عز جبروت نظام مبارك، مرورا بثورة الخامس والعشرين من يناير وجميع المحطات المهمة التي حدثت بعدها. ظاهرياً كان الطريق إلى إسقاط مرسي في غاية السهولة واليسر، حملة توقيعات على ورقة تطالب بعزل الرئيس.
لقد اختارت الحملة لنفسها اسم "كارت أحمر للرئيس" تيمنا بعنوان كتاب الكاتب القومي عبد الحليم قنديل، وكان هذا الكتاب قد أثار ضجة كبيرة، وتم استبعاد الاسم لطوله ثم انتهى الأمر بها لاختيار اسم "تمرد" استرشاداً بموقع لشاب سوري يحمل الاسم نفسه، وحظى الاقتراح بقبول الجميع.( )
إن اختيار الاسم يوحي لنا بالميول الأيديولوجية للمؤسسين، فقد وقع الاختيار أولاً على كتاب لصحفي قومي ناصري، ثم جاء الاختيار من سياق عربي، وهو سوريا، الحاضن الرئيسي للقومية العربية، وتتضح الانحيازات الفكرية أكثر في اختيار أول أيام النزول للشارع، تقول ياسمين الجيوشي "وقررنا ... أن يكون أول يوم نزول لنا إلى الشارع لجمع توقيعات الناس هو الأول من أيار/مايو، يوم عيد العمال، للتأكيد على انحيازنا للطبقة العاملة ولمبادئ العدالة الاجتماعية التي وعدت بها ثورة يناير وتخلى عنها مرسي"( ). هذا معناه أن المكون الأساسي للحركة هو من اليسار القومي، منحازاً للتيار الناصري، فهم منتمون للتيار الشعبي. ولكن التكوين استوعب داخله عناصر أخرى من اليسار الماركسي ومن التوجه الإسلامي المعتدل.

الخصوصية:
الدارس للحركة قد تصيبه الحيرة في فهمها. فهل هي حركة أم حملة؟، وهل هي حركة افتراضية، أي مستفيدة من الشبكات الاجتماعية، أم هي حركة واقعية، بعيدة عن واقع الإنترنت، هل هي وليد الطبقة الوسطى الجديدة، أم هي ابنة شرائح أخرى منها؟.
إن الحركة لا تمتلك من الأهداف، طويلة الأمد، التي تمكنها من وصفها بحركة اجتماعية، فهي، من وجهة نظر البعض، حملة وقتية، تلبي مطالب القوى الثورية بشكل ما. فقد حددت هدفاً أساسياً، وهو إسقاط حكم الإخوان، وإجراء تعديلات على الدستور، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ثم إجراء الانتخابات البرلمانية. لكن الحركة، على مستوى الممارسة، تقدم معطيات تثبت كونها حركة اجتماعية، تحولت من حملة إلى حركة. فالمطالب التي يرفعها أعضاؤها تقر ذلك، بالتنديد بالقوانين القمعية، كما حصل مع قانون التظاهر، عبر إقامة تظاهرات في بعض المحافظات تنديداً بالقانون، وإن كانت ضعيفة، وفي غيرها من الممارسات، كالعمل على دعم الدستور الجديد، والدعوة لتغيير الحكومة. لكنها، منذ تحقيقها لهدفها الرئيسي، لم تثبت بعد قدرتها على الحشد وامتلاك الشارع، وهو ما جعل تنديداتها بلا صدى حقيقي، فتأثيرها على الحكومة ضعيف.
ومن جهة أخرى هي ليست حركة افتراضية، وليست حركة واقعية، تنطلق من الانتشار في الواقع. ذلك لأنها تجمع بين الخيارين معاً. فقد استخدمت فكرة "جمع التوقيعات" التي استخدمت في ثورة 1919، وفي السعي لإسقاط مبارك بتجميع توقيعات لتدشين البرادعي رئيساً؛ في محاولة لتأكيد جذورها التاريخية، باتصالها بأول ثورة شعبية سلمية في التاريخ الحديث، وارتباطها بثورة يناير، حال محاكاتها لأول حملة توقيعات في عصر مبارك. مما جعل فعلها هذا شكلاً من التواصل المباشر مع الناس، في الوقت الذي استنفدت فيه مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك وتويتر" دورها في مسيرة التغيير السياسي عربياً لسببين رئيسين: الأول سيطرة التيار الإسلامي الذي يحتمي بقاعدة شعبية واجتماعية واسعة والثاني انفتاح مجالات النقد في الأدوات الإعلامية التقليدية وخاصة عبر شاشات الفضائيات والصحف المستقلة، نظرًا لتراجع قدرتها على الحشد للاحتجاجات الجماهيرية المناهضة لحكم "الإخوان" في المليونيات الاحتجاجية التي خرجت خلال فترة الرئيس محمد مرسي ودعت لها قوي معارضة له.( ) وفي الآن نفسه، نجد أن حركة "تمرد" استغلت صفحتها على شبكة "فيس بوك" في خلق نوع من الشبكات الضامنة لاستمرار نشاطها، حيث استغلت تسليط الإعلام على إعلانها للحصول على 2 مليون توقيع خلال عشرة أيام في مايو 2013، بنشر عشرات الصور للإعلاميين والشخصيات العامة التي وقعت على البيان مثل محمود سعد، وعلاء الأسواني وآثار الحكيم ويوسف زيدان وجمال فهمي. بالإضافة إلى نشر صور لعشرات التوقيعات لمصريين ينتمون لطبقات اجتماعية مختلفة مثل ربات المنازل وعمال المقاهي وموظفي الإدارات الحكومية للتأكيد منهم على أن الحملة تستوعب جميع المصريين على اختلاف فئاتهم وانتماءاتهم( ).  
علاوة على هذا، فقد تردد أن القوى الشبابية بدأت في استيعاب تكوينات اجتماعية جديدة، فلم يعد التكوين الأساسي لحركات القوى الشبابية من الطبقة الاجتماعية المستخدمة للإنترنت، والمستفيدة من خدماته، والواعية بدوره. بل اتسع الأمر، ليشمل قوى جديدة متصلة بمساحة واسعة من الجماهير الفاعلة غير المستخدمة للشبكات الاجتماعية، رغم اتساع نطاق استخدامها بعد الثورة. ولعل استخدام التوقيع في هذا الصدد، لم يكن على سبيل المواجهة القانونية مع جماعة الإخوان، بل هي محاولة لتدشين إمكانية التغيير، وقطع المسار الطويل الذي استغرقته الحركات الاجتماعية من قبل لإسقاط مبارك. فطريقة التوقيع كسرت المسافة المفترضة بين الناشطين وقطاعات عريضة لم يسبق لها ممارسة التظاهر أو العمل السياسي المباشر سوى النزول للانتخابات. فعملية إسقاط سلطة مرسي، قد بدأت منذ بداية جمع التوقيعات، وهي مدة طويلة مقارنة بفترة إسقاط مبارك.

الأثر: 
وبفضل قدرة الحركة على تحقيق هدفها، بتجميع صفوف الجماعة الوطنية المفككة بمختلف تضاريسها، ودفعها نحو التعبير عن رفضها لاستمرار النظام بتقاليده السياسية التقليدية؛ عبر جماعة الإخوان، أصبح اسم الحركة منتشرًا في نسيج السياق العام، فظهرت حركات مطلبية تحمل الاسم.
هذا على مستوى الداخل، أما على مستوى الخارج، فقد كان تأثيرها أقوى، مثلها مثل الثورة المصرية ذاتها التي جعلت بعض الحكومات الأخرى تهتم بالرقابة على الشبكات الاجتماعية. مثال ذلك قيام الحكومة الصينية بمنع البحث عن كلمة "مصر" على مواقع الإنترنت في الصين. فلقد شعرت الحكومة بالخوف بأن الاحتجاجات المصرية ستلهم غيرها في الصين.( ) بل امتد الحال إلى أن كانت طموحاً مأمولاً لدى بعض المفكرين، كما نجد لدى الفرنسي آلان بوديو في كتابه "إعادة مولد التاريخ: أزمان الشغب والانتفاضات"( )، الذي أمل فيه أن يكون للثورة المصرية امتداد غربي، فتكون ثورة على الرأسمالية.
فقد ظهرت حركات عربية عديدة تواجه النظم السياسية، وهو ما حدث في نظم جمهورية وملكية على السواء مثل تونس، وليبيا، وفلسطين، واليمن، والسودان، والبحرين، والمغرب. ورغم أن تلك الحركات التي ظهرت في مختلف أرجاء الإقليم تتسم بعدد من الخصائص المشتركة، فإن أهدافها متباينة، وتتراوح بين سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وحل المجالس التشريعية، وإسقاط السلطات التنفيذية، ومواجهة هيمنة بعض الفصائل السياسية، وإجراء حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
تشترك غالبية حركات "تمرد" المنتشرة في بعض الدول العربية في عدد من الخصائص، منها( ):
- أنها حركات شبابية مستقلة، إذ إن مؤسسي معظم تلك الحركات من الشباب غير المنتمي لأحزاب سياسية، وهو ما حرصت كوادر تلك الحركات على تأكيده، ففي تونس شدد المتحدث باسم الحركة محمد بن نور، في 5 يوليو، على أن الحركة مدنية وسلمية وشعبية ومستقلة عن كافة الأحزاب السياسية. وفي اليمن، أكد مؤسسو الحركة على أنهم مستقلون تمامًا عن التعصبات الحزبية والمناطقية والمذهبية وليس لهم هدف سوى مصلحة بلدهم، وهو ما تم استنساخه من حركة "تمرد" المصرية، والتي أسسها محمود بدر، غير المنتمي لحزب سياسي. ولعل ذلك يرجع إلى أن المواطن العادي غير المسيس فقد الثقة في مختلف الأحزاب السياسية والحركات الاحتجاجية، لاسيما في ظل عجزها عن إعادة تنظيم ذاتها لمواجهة السلطات الحاكمة. وتمثل حالة حركة "تمرد" في السودان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، حيث دعا إلى تأسيسها الصادق المهدي زعيم حزب الأمة.
- دعم حزبي لاحق، لاسيما في مرحلة ما بعد التأسيس والعمل. ففي تونس، سارعت بعض الأحزاب إلى إعلان دعمها للحركة، مثل "الجبهة الشعبية اليسارية" التي تضم إثنى عشر حزبًا وحركة، و"الاتحاد من أجل تونس" الذي يشمل خمسة أحزاب، وهو ما تكرر في مصر، حيث دعمتها "جبهة الإنقاذ" التي تضم عددًا من الأحزاب، وفي البحرين، حيث أعلن الشيخ علي سلمان أمين عام "جمعية الوفاق" عن دعم الجمعية لأية تحركات سلمية، في إطار تعليقه على ظهور حملة "تمرد" في البحرين.
- أهداف واضحة، وذلك خلافًا للموجة الأولى من الحركات الثورية التي انطلقت منذ ما يقرب من عامين ونصف في المنطقة، والتي كانت تتسم بالعشوائية وعدم التحديد؛ إذ حرصت حركات "تمرد" على تبني أهداف محددة. ففي المغرب، على سبيل المثال، تمحورت أهداف الحركة حول إسقاط الحكومة، وفي ليبيا تمثل الهدف الأساسي في مواجهة أخطار الأحزاب والميليشيات المسلحة.
رغم ذلك، فإن أهداف حركات "تمرد" تتباين من دولة إلى أخرى، وذلك حسب الظروف السائدة داخل بنية النظم السياسية والاجتماعية في هذه الدول، حيث تتنوع أولويات هذه الحركات على النحو التالي( ):
- سحب الثقة من رئيس الدولة، وذلك على غرار ما حدث في الحالة المصرية، فقد دشنت حركة "تمرد" في السودان، حملة لجمع التوقيعات بهدف إسقاط نظام الرئيس عمر البشير, تحت اسم "مذكرة التحرير"، وذلك لمواجهة استيلائه على السلطة، ووقف المنهج الإقصائي الذي يتبناه في التعامل مع القوى المعارضة.
- حل المجالس التشريعية، وهو الهدف الأساسي الذي تأسست من أجله حركة "تمرد" التونسية، حيث أكد الناطق باسم الحركة محمد بن نور على أن الحركة تسعى إلى سحب الثقة من المجلس التأسيسي المنوط بصياغة الدستور، والذي يتولى مهام السلطة التشريعية في البلاد لحين إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة، وذلك لكونه قد أنتج دستورًا مفخخًا يؤسس لدولة ثيوقراطية وليست مدنية، ويقضي على الحقوق والحريات.
- إسقاط السلطات التنفيذية، وهو ما تحاول تحقيقه حركتا "تمرد" في كل من اليمن والمملكة المغربية. ففي اليمن، أطلق عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حركة "تمرد"، وذلك تمهيدًا لبدء عملها الميداني لجمع توقيعات بهدف إسقاط حكومة الوفاق الوطني بقيادة محمد سالم باسندوة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية قادرة على قدر كبير من الاستقلال، بحيث تكون قادرة على محاربة نهج المحاصصة الحزبية والفساد ونهب المال العام، وتأسيس دعائم الدولة الديمقراطية العادلة دون تمييز، إذ يقتصر هدفها على إسقاط الحكومة دون التعرض لشرعية الرئيس عبد ربه منصور والمبادرة الخليجية. كما تشهد المغرب حالة مشابهة، لاسيما مع احتقان أزمة الائتلاف الحكومي بين حزبي العدالة والتنمية والاستقلال.
- مواجهة الهيمنة السياسية والمراقبة الأمنية، فقد قام مجموعة من النشطاء في قطاع غزة بتأسيس حملة "تمرد: اقترب فجر الحرية"، وذلك بهدف إسقاط هيمنة حركة "حماس" في غزة على غرار إسقاط هيمنة الإخوان في مصر، حيث حددوا يوم 11 نوفمبر الماضي للتظاهر بهدف إنهاء هيمنة الحركة على القطاع، إلا أن الإقبال عليها لم يكن كبيرًا بشكل كافٍ، نظرًا لتخوف قاطني القطاع من قيام القوى الأمنية التابعة لحماس بتعقبهم واستهدافهم، وهو ما يجعل مصير الحملة إلى الآن على قدر كبير من الغموض.
- حل الأحزاب السياسية والميليشيات المسلحة، إذ استغلت القوى السياسية الليبية حالة الحراك التي فرضتها "تمرد" في الدول العربية، لتبحث لنفسها عن صيغة "تمردية" خاصة تناسب وضعها السياسي والاجتماعي، وقد تم بالفعل إطلاق حملة "تمرد" التي تسعى إلى جمع توقيعات لحل ومواجهة كافة الأحزاب والميليشيات المسلحة باعتبارها الخطر الرئيسي الذي يواجه الدولة الليبية بعد الثورة.
- إجراء حزمة من الإصلاحات الشاملة، وتعتبر حركة "تمرد" البحرينية النموذج الأمثل لها، إذ لم تحدد هدفًا محددًا على غرار الحالات الأخرى، بل طورت رؤيتها لتشمل ضرورة إعادة الحراك الشعبي للشارع البحريني بهدف إنهاء حكم الفرد، وكسر الانفراد بالسلطة، وقد دعت الحركة، في بيانها الثالث، إلى الحشد لتظاهرات ضخمة في 14 أغسطس، لتكون "لحظة انفجار" كما حدث في 14 فبراير عام 2011، وهو ما دفع البعض إلى اتهام جمعية الوفاق المعارضة بالوقوف وراءها.

انشقاقات:
بطبيعة الحال إن أي حركة وليدة قد تقع في أخطاء كبيرة، نتيجة لسوء التخطيط، وفوضى الإدارة، وغياب القدرة على التفاهم الجاد، وعدم الانحياز للمؤسسية على حساب الهوى الفردي. 
لقد أرادت" تمرد" أن تصحح، بقدر الإمكان، من أخطاء واقع يناير، عبر إسقاط جماعة سطت على الثورة، وأرادت الحفاظ على النظام القديم، لتتمكن من الحكم وتفرض سيطرتها على المجتمع. فكان أن جعلت تكوينها صارماً على المستوى الأيديولوجي، وليس تكوينا أيدولوجيا سيّالا، فتكوينها طليعي شاب، قادر على صنع التوافق، لا يفضل الحديث عن تعدد التيارات الثورية، فكان يسعى للملمة تبعثر القوى السياسية المتنوعة، وهذا نتاج طبيعي لإدراك النخبة السياسية لانسحاب البساط من تحت قدميها، وميلها للتجمع معاً تحت مظلة قيادة واحدة، وهي جبهة الإنقاذ التي مثلت صداعاً في رأس السلطة وقتها. ولكن الجبهة لم تكن قادرة على تقديم حلول حقيقية قادرة على تغيير مسار الثورة بالاتجاه الصحيح، الذي يتيح قدراً أكبر من التوافق الوطني.
كذلك كان من بين الأخطاء التي وقعت فيها الحركات الشبابية، هو قناعتها بالوقوف كمراقب دون التحول للعمل السياسي. وهو ما أتاح الفرصة لقوى أقوى من الناحية التنظيمية والمالية في حصد الأصوات والشعبية في الممارسة السياسية، فبدا الأمر وكأن هذه الحركات تمهد الطريق أمام التيار الإسلامي، ليهيمن على الساحة.
مع ذلك فقد حدثت انشقاقات كبيرة أثرت كثيراً على مسار الحركة رغم محاولات مواجهتها. انشقاقات جاءت من الأطراف، رغم الخلاف الأساسي الذي يضرب الحركة بقوة. فالحركة تعاني انقساماً في وعيها الأيديولوجي بين تصورين سياسيين: الأول: تيار ينحاز للجيش، والثاني تيار ينحاز للمدنيين.
ينطلق التيار الأول في انحيازه لترشيح أحد قيادات الجيش من الانتماء لعبد الناصر ليس فقط لتوجهاته الفكرية المنحازة للطبقات الاجتماعية الدنيا، بل ولانتمائه للجيش صاحب التاريخ الوطني الطويل، مستنداً أيديولوجياً لعدد من المبررات الوجيهة: غياب القيادة الثورية الواضحة مع رفض القوى الثورية الاتفاق على مرشح واحد للدفع به في الانتخابات الرئاسية، مواجهة القوى الإسلامية المتطرفة، امتلاك المرشح العسكري خيار الحياد والاستقلالية في التعامل مع القوى السياسية، كونه قادماً من مؤسسسة حداثية متقدمة تمتلك القدرة على وضع الحلول الناجزة وإمكانية الحسم في أوقات الأزمات. 
أما التيار الثاني، فيمتلك خيارات أيديولوجية مختلفة، لها هي الأخرى وجاهتها، وهي: أن التحقق الأصيل لقيم العدالة الاجتماعية على الأرض يتطلب ترسيخ الديمقراطية السياسية المدنية، وهو ما يعني النضال ضد الهيمنة، فلا انفصال بين الحرية والعدالة، ليس الجيش سوى مؤسسة قومية حداثية، لا يجب أن تستغل كرأس مال في العمل السياسي، وانهيار دور الرئيس الزعيم الأوحد، والحاجة أكبر  لقيادة من قلب النضال والشارع. 
وهو ما يدفع في النهاية لخلاف حول اختيار المرشح، هل تختار الحركة مرشحاً عسكرياً، يحافظ على مبادئ الثورة، ويحمل نفس رؤيتها الفكرية وذات التحيزات، ويعيد إلى التاريخ صورة الناصري العادل، أم تختار مرشحاً مدنياً، يواصل نضال الثورة، ويحقق أهدافها الأساسية.
على أية حال كان إلى جوار هذا الخلاف الرئيسي صور من الانشقاقات. منها ما قام به أعضاء المكتب التنفيذي للحركة بالإسكندرية من توقيع على بيان حل الحركة بسبب ما سموه "التنازلات السياسية لقياداتها"، وتبادلوا الاتهامات مع قياداتهم في اللجنة المركزية بالقاهرة. فقال أعضاء المكتب التنفيذي بالإسكندرية، في بيان، إنهم قرروا حل الحركة بالمحافظة، بشكل نهائي، والرجوع لصفوف الشعب والثوار، لاستكمال أهداف الثورة، وتحويل صفحة "تمرد إسكندرية" على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، لصفحة ثورية فقط تعمل على تحقيق مطالب 25 يناير وموجاتها وصولاً إلى 30 يونيو. وأضافوا: "شاركنا منذ اليوم الأول في حملة تمرد لإسقاط الرئيس المعزول محمد مرسى ونظام الإخوان، إيماناً منا بخطورة استمرار هذه الجماعة في الحكم، وإصراراً على استكمال أهداف ثورة 25 يناير، ورغم إيماننا أنه انتهى دورنا فى 3 يوليو، بإعلان خارطة الطريق، فإننا فضلنا الاستمرار لمتابعة خط سير الحكومة في تنفيذها بما يتوافق مع مبادئ وأهداف الثورة. وقال أحمد تولدو، المتحدث الإعلامي باسم الحملة، وأحد الموقعين على بيان حل الحملة، إن تمرير قانون منع التظاهر، واعتقال متظاهري مجلس الشورى، وإلقاء الفتيات على الطريق الصحراوي بطريقة تنتهك كل الحقوق والحدود الآدمية، وقبلها بأيام القبول بنص المحاكمات العسكرية، كان القشة التي قصمت ظهر البعير، وتأكدنا بعدها أنه لم يتغير شىء بعد، وأنه لا نية للتغيير. وكشف عن وجود مشكلات كثيرة في الحملة ظهرت من بعد 3 يوليو، منها ظهور الشللية، والإقصاء، وتحويل القيادات الحملة إلى حركة، بعدما سطوا على صفحتها الرسمية، واستغلال الحملة في أجندات سياسية معينة.
وفي أسيوط قام نحو ثلاثة عشرة قيادة أساسية وعشرات الأعضاء بتقديم استقالاتهم من حركة تمرد، وإن عدداً كبيراً من الأعضاء والقيادات بمحافظة سوهاج بصدد تقديم استقالات جماعية، بحسب تصريحات أحمد عبد الظاهر، عضو المكتب التنفيذي في حركة "تمرد مصري وبس" المنشقة عن الحركة الرئيسية بالقاهرة. وأضاف عبد الظاهر بأن الحركة الرئيسية بالقاهرة تعمدت تهميش القيادات والأعضاء بالصعيد خاصة أسيوط وسوهاج والمنيا، موضحاً أن الحزب المصرى الديمقراطي كان قد فرغ مقاره قبل 30 يونيو لحملة "تمرد" بجميع المحافظات لاستقبال استمارات "تمرد"، متهماً الحزب بأنه بدأ يفرض سيطرته على الحركة، وأن الحركة الرئيسية في القاهرة ترد الجميل للحزب. وكشف أن القيادات والأعضاء المنشقين دشنوا حملة جديدة باسم "تمرد مصرى وبس"، أي لا تنتمي لأي أحزاب، للحفاظ على شعبية الحركة واستكمالاً لثورتي 25 يناير و30 يونيو. وفي نفس المسار قدم علاء حكيم، منسق حملة تمرد بأسيوط، استقالته مؤكداً أن شعبية الحركة بدأت تتراجع وأن دورها انتهى، وهى الآن تقوم بدور السلطة فيما كنا قد رفضناه من قبل. وأكد أن الحركة الآن تبيع مبادئها للقادمين إلى مجلس الشعب.
وفي بني سويف، أعلن حسام غيتة، المتحدث الإعلامي باسم حركة تمرد بني سويف، تجميد عضويته بالحركة والمكتب التنفيذي بالمحافظة، وأرجع ذلك إلى استغلال رئيس المكتب التنفيذي لتمرد بني سويف للحركة في أعماله من خلال شركة الدعاية الخاصة به، بحسب كلام غيتة، وقال إنه فوجئ بتكليف بعض الأعضاء بالمركز بعمل دعاية للمكتب، وكأن أعضاء الحركة مكلفون بالعمل من أجل المكتب. وقال غيتة، إن الحركة خسرت كثيرًا بعد ارتماء أعضائها في حضن الحزب المصري الديمقراطي، فبعد أن كانت حركة شعبية، أحس الناس في الشارع أن المستفيد الوحيد من الحركة في بني سويف هو الحزب المصري الديمقراطي، الذي جمع بعض أعضاء الحركة بين عضوية الحركة وعضويته.

سيناريو محتمل:
من الصعوبة بمكان الوقوف على تحديد دقيق لاحتمالات المستقبل بالنسبة لحركة وواقع يتسم بالسيولة الشديدة والمرونة. فرغم ما يردده البعض من حديث عن نهاية دور الحركة، لانتهاء الهدف الذي نشأت من خلاله ولأجله، وعن غياب المضمون الأيديولوجي الذي يجعل من إمكانية الحديث عن هذه الحركة كحركة قادرة على التجديد والتغيير أمراً ممكناً. ومع ذلك، فإن الأفق لا يخلو من محاولات إثبات الحضور من قبيل شجب قانون التظاهر، والخروج ضده، ورفض سياسات الحكومة القائمة، وإطلاق حملات تتلازم مع مجريات الأمور، كحملة "اكتب دستورك"، ثم حملة التعريف بالدستور. وهو ما يعني أن الحركة قادرة على الاستمرار، وأن ارتباطها مرهون بلحظة بعينها، وهي "استعادة المسار"، أي المسار الديمقراطي الثوري. ونظراً لما تمتاز به الحركة من سعي دؤوب للتصويب والمراجعة، كحركة لا تصوب أخطاء الواقع السياسي، بل تصوب مسار الفاعلية السياسية للجيل الجديد من الشباب. الأمر الذي قد يدفع الحركة باتجاه سبيل واحد توليفي، طريق توفيقي، يحافظ على الحركة كقوة ضغط على الجماعة السياسية، ويصون رغبتها في تلبية احتياجات الجيل الجديد المحروم من حقوق عديدة، يأتي على رأسها الانخراط في تسلم القيادة السياسية. فمن جهة ستسعى الحركة نحو التوحد خلف مرشح واحد يكون ممثلاً للثورة، ستكون كفة التيار المدني فيها هي الأرجح، والنزول بأعضائها، متنوعي التوجهات الفكرية والسياسية، على قائمة جبهة الإنقاذ. إذ بقدر ما مثل ضعف الجبهة عاملاً لظهور الحركة، فإن قوة الجبهة بفضل ما لديها من أحزاب وكوادر على مستوى الجمهورية، ستكون هي الوسيلة التي تمكن الحركة من تمكين أفرادها في الوجود داخل البرلمان.  
ربما يكون هذا الخيار هو أفضل الخيارات، بدلاً من الخيارات الأخرى المتاحة، من قبيل السعي لبناء حزب سياسي، يضم أعضاء الحركة، وهو الأمر الذي يجعلها في مهب النسيان، لافتقادها لبنيان أيديولوجي موحد، ولعدم كفاية ما لديها من دعم مالي وتمويل، أو اللجوء لمساندة القوى الثورية، وهو أمر يجعل حضورها في المشهد السياسي لحظياً، ومرتبطاً بالعودة للمسار الديمقراطي فقط، بينما المأمول منها أن تكون الصوت القادر على تدشين الثورة على الأرض، لا أن تكون صوتا صارخا في مهب الريح.
*مترجم وخبير بالمركز القومى للعلوم الجنائية، والكتاب صادر عن دار نشر  versيوليو 2012 .

المراجع

 [1] ) Nuray Mert, Toward The end of Post-Islamism, Dailynews, 23 july, 2012.

 [1] ) Ibid.

( [1] ) بول شاوول، حركة تمرد المصرية أو الثورة على الثورة، المستقبل، العدد 4752، 20 تموز، 2013.

( [1] ) حسن شاهين، حملة "تمرد": كارت أحمر للرئيس"!، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد (96)، خريف 2013، ص 239.

( [1] ) المرجع السابق، ص 239.

( [1] ) أحمد ناجي، مرد" تحطم الفضاء الإلكتروني وتنتقل إلى الواقع لتعيد روح الثورة من جديد، المشهد، العدد الرابع والعشرون، السنة الثانية، 22 يوليو 2013، ص 56.

( [1] ) أحمد ناجي، المرجع السابق، ص 56.

( [1] ) Ashraf M. Attia et al, Commentary: The impact of social networking tools on political change in Egypt’s ‘‘Revolution 2.0’’, Electronic Commerce Research and Applications 10 (2011), p. 369.

( [1] ) Alain Badiou, The rebirth of History, Translated by Gregory Elliott, London, Verso Press, 2012.

( [1] ) أحمد زكريا الباسوسي، لماذا انتشرت حركات "تمرد" في الدول العربية؟، تقرير على موقع المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية:

http://rcssmideast.org

( [1] ) المرجع السابق.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟