المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ عبد المنعم المشاط
د‏.‏ عبد المنعم المشاط

إسهام المصريين فى نظرية الثورة

الإثنين 03/مارس/2014 - 10:33 ص
لا شك أن قيام المصريين بثورة 25 يناير وتصحيح مسارها فى 30 يونيو يؤكد الحس التاريخى المتميز والفريد للشعب المصري؛ فحينما تتعرض الدولة المصرية أو الهوية المصرية كما ألفها وشب عليها المصريون أو المصالح القومية المصرية للتهديد، يهبون لحمايتها والدفاع عنها مهما تكن التحديات والتضحيات
 وعلى الرغم من أنهم أذهلوا العالم مرتين خلال ثلاث سنوات بتلك العبقرية التاريخية، فإن العديد من المحللين والباحثين الأجانب يضنون على الشعب المصري، والشعوب العربية الأخرى التى شهدت ثورات تاريخية كالشعب التونسى والسورى واليمنى والليبي، بمفهوم الثورة، والعجيب أن يتعاطف مع هؤلاء بعض المصريين الذين لم يدرسوا أو يفهموا أو يدركوا المعنى الحقيقى للثورة، وكل هؤلاء لايزالون أسرى المفهوم التقليدى للثورة، والذى أتى به علماء الاجتماع السياسى والأنثروبولوچى فى ستينيات القرن العشرين، وطبقًا للمفهوم التقليدى للثورة، والذى استقاه العلماء من الثورة الفرنسيةوالثورة البولشفية؛ فإن هناك أربعة محددات، أولها- الجماهير وتعبئتها وتحركها، وثانيها- القيادة التى تحرك وتوجه الجماهير، وثالثها- الأيديولوجية أو القيم السياسية والاجتماعية التى يؤمن بها ويعتقد فيها هؤلاء جميعًا، ورابعها- التغيير والانتقال من الوضع الراهن إلى المستقبل المرغوب، إن هذه الأبعاد الأربعة وتكاملها هى أبعاد منطقية وضرورية فى إطار الأوضاع التقنية والبيئية والتكنولوجية المرتبطة بها.
بيد أن أهم الثورات العربية وعلى رأسها ثورتا يناير ويونيو تكمن فى تغيير هذه الأبعاد التقليدية تمامًا وتوظيف تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وديناميات وسائل التواصل الاجتماعي، ولقد حذر عدد من الخبراء قبل 2011 من تأثير كل من التهميش السياسى والاستبعاد والإقصاء من ناحية والحرمان الاقتصادى النسبى من ناحية أخرى على تحفيز المصريين ودفعهم إلى الثورة ضد نظام مبارك لتغيير سياساته وارتباطاته وسوء إدارته؛ فالخبرة الدولية تشير إلى أن المحرومين اقتصاديًا، إذا تم تهميشهم سياسيًا وسلبهم حق المشاركة فى ضوء فساد الحياة السياسية والاقتصادية، يثورون على الوضع القائم بقصد تغييره والإتيان بنظام جديد يحقق مطالبهم ويعيد إليهم جزءًا من حقوقهم، ولقد توافر ذلك تمامًا قبل يناير 2011 فى كل دول الثورات العربية.
لقد قامت الثورة المصرية على أكتاف أبناء الطبقة المتوسطة من المتعلمين والمدربين على وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة، وعن طريقهم تمت تعبئة الجماهير المصرية فى جميع بقاع مصر بشكل تلقائى نظرًا للتعاطف مع ضحايا التعذيب من ناحية، وللتخلص ممن قاموا وباركوا التعذيب من ناحية أخري، وللتخلص من النظام ذاته من ناحية ثالثة، دون أن تجمعهم أية أيديولوجية أو توجههم أية برامج واضحة ومحددة، وهكذا، لعبت وسائل التواصل الاجتماعى دور التعبئة والتحفيز وحلت محل القيادة بالمعنى التقليدي، ورفع الثوار بدلاً من البرنامج واجب التنفيذ شعارات محددة لا تزال تشكل حتى اليوم الأهداف الكبرى للثورة المصرية؛ خبز وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.
لقد حدثت ردة للثورة المصرية حينما قفز عليها الإخوان الذين استخدموا قدراتهم التنظيمية التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعى فى التعبئة لصالحهم، ورفعوا ذات الشعارات التى رفعها ثوار يناير وبدأوا فى تحويل النظام السياسى إلى نظام دينى شمولى واستبعادى وإقصائي، وانقضوا على الهوية المصرية بقصد صبغها بصبغة دينية .
كما بادر الإخوان، وبسرعة غير متوقعة، فى تنفيذ مخططات هدم الحدود السياسية المصرية فى الشرق والجنوب والدفع بالمنظمات والجماعات الدينية إلى سيناء، ولم يجد المصريون، بحكم حسهم التاريخى العبقرى والفريد، بدا من الثورة عليهم والتخلص من حكمهم ومحاولة إقامة نظام جديد يحقق أهدافهم. إن ثورة 30 يونيو، والتى اكتملت بالزحف الجماهيرى إلى ميادين مصر كلها ووجود شباب تمرد الذى فجر فى الجماهير الرغبة فى حماية الدولة من السلطة الثيولوجية الشمولية، ومساندة القوات المسلحة المصرية التى لم تجد بدًا من الوقوف للمرة الثانية بعد ثورة 25 يناير إلى جانب المطالب الشعبية، وفى هذه الحالة، كان هناك برنامج أولى تمثل فى خارطة المستقبل لتحقيق نفس أهداف الثورة فى الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
ويمكن إجمال إسهام المصريين فى نظرية الثورة فى الدفع بالدور الرائد لوسائل التواصل الاجتماعى من ناحية والتكامل الاجتماعى بين كافة الآملين فى التغيير، مع وجود أهداف عامة يمكن تحويلها لاحقًا إلى برامج تنفيذية، ومن خلال عمليات التطور السياسى والاجتماعى فى السنوات الثلاث المنصرمة برزت قيادات ارتبطت مصيريًا ومعنويًا بأهداف الجماهير، وهكذا، يتعين على الرئيس القادم أن يحول تلك الأهداف إلى مهام وخطط وبرامج يمكن تحقيقها فى توقيتات محددة ومتتالية بهدف جنى ثمار الثورة.
نقلا عن الأهرام



إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟