المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

انهيار الدولة: اليمن .. من صراع الدولة القبيلة إلى صراع الدولة المليشيا

الأربعاء 28/يناير/2015 - 12:44 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
أحمد عليبة *

 

يمثل الاجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 المتغير الرئيسي في المشهد السياسي اليمني الراهن، بما ألقى به من تداعيات على مجمل الساحة اليمنية، فالحركة الحوثية أصبحت تمثل ثقلا سياسيا لا نظير له محليا، وذلك عقب سيطرتها وبسط نفوذها على العاصمة ومحيطها في ذلك التاريخ، فيما أصبح للحوثيين معقل سياسي في منطقة "الجراف" في قلب العاصمة الذي يشكل مركزا رئيسا في صناعة القرار في اليمن، فضلا عن معقلها الديني في "صعدة" في الشمال اليمني.

 

أولاً: البيئة السياسية للمشهد اليمني

 أقل ما يوصف به المشهد اليمني بأنه دراماتيكي سريع تتراجع فيه الدولة ككيان، وتهدد الجمهورية كنظام، كما أن الوحدة الجغرافية التي عرفها اليمن بين شطريه الشمالي والجنوبي في مايو عام 1990 أضحت على المحك. وتحولت الصراع على فكرة الدولة نفسها من صراع الدولة القبلية، خلال ما يقترب من نصف قرن تقريبا، حيث كانت القبلية هي عضد الحكم وأداة رئيسية لتمكنيه من أداء وظيفته، أصبح الصراع بعد 21 سبتمبر 2014 بين الدولة والمليشيا التي انقضت على الدولة وتعمل على إداراتها وتفكيك، وإعادة تركيبها في المرحلة الراهنة دون أفق سياسي، مكتفية بواجهة سياسية تختفي وراءها العصبة الدينية والمليشيا المسلحة.

وبداية القول، توصف اللحظة السياسية الراهنة من قبل الفاعلين في المشهد السياسي اليمني في أربعة اتجاهات، الأول يراها لحظة ثأرية، والثاني يراها لحطة سقوط الجمهورية، والثالث يراها لحظة الإجهاز على ما بقي من الجمهورية، والرابع يراها لحظة ثورية، وهو ما سنتناوله بالتفصيل فيما يلي.

 1- "لحظة 21 سبتمبر": يصف الحزب الاشتراكي أحد مكونات اللقاء المشترك هذه اللحظة بأنها لا يمكن عزلها عن مقدمات حدثت سواءً كانت خلال الثلاث سنوات الماضية أو ما قبلها وتحديدا منذ العام 1994 أو حتى من عام 1990 عندما تحققت الوحدة اليمنية، ثم جاءت حرب 1994 وخلفت وراءها واقعا سياسيا ونفسيا وثقافيا جديدا. وجاء نظام 1994 الذي يدعي أنه انتصر في الحرب بتوليفة حقيقية لم تستطع أن تنتج نظاما سياسيا واجتماعيا يمكّن اليمن من الاستقرار فظلت الأوضاع من 1994 حتى 2011 تقاد من قبل نظام فشل فعليا في الاستقرار، وفي ظل هذا النظام بدأت مشاكل تفكيك اليمن تحت عناوين مختلفة.

 وبالتالي فإن "لحظة 21 سبتمبر" وإن كانت جزءا أصيلا من هذا المشهد الثأري، إلا أن ما ولدها هو صراع الإرادات السياسية التي ظهرت خلال الحوار الوطني، وأن النظام الذي تكون بعد عام 1994 هو نظام خليط، من القوي المهيمنة ذات الطابع القبلي السياسي العسكري الانتهازي وكل هذه الأشكال، لكنه لم يملك المشروع الوطني الحقيقي القادر على بناء الدولة، وظلت فكرة الدولة فكرة مؤجلة، بل جرى إضعافها ودائما الطابع المستبد لأي نظام سياسي هو ما يصطدم مع الدولة ومع مؤسسات الدولة، لأن مؤسسات الدولة الدستورية والقانونية تقيد الحاكم وهو يتخلص من هذا بإضعاف مؤسسات الدولة، وبالتالي المنظومة السياسية بشكل عام بشقيها الحاكم والمحكوم عاشت حالة تشوه عام (1).

2- لحظة سقوط الجمهورية: وهو ما يراه اتجاه نخبوي يقر أنه على الرغم من وجود صراع تاريخي بين الدولة والقبلية، فإن الدولة كانت قائمة على المستوى الهيكلي رغم الاختلالات الوظيفية، ويعتبر أنه في لحظة 21 سبتمبر  2014 " سقطت الجمهورية في اليمن، وصعد نظام جديد خليط من الميليشياتية والملكية والجمهورية بمرجعية ثيوقراطية متوحّشة" (2).

- توصف اللحظة السياسية الراهنة في أربعة اتجاهات، الأول يراها لحظة ثأرية، والثاني يراها لحطة سقوط الجمهورية، والثالث يراها لحظة الإجهاز على ما بقي من الجمهورية والرابع يراها ثورية

3- لحظة الانهيار والإجهاز على ما بقي من الجمهورية: وهو ما يراه النظام السابق والرئيس علي عبد اللـه صالح، أنه بعد الثورة علي نظامه في فبراير ومارس 2011، كان هناك تصور أن اليمن في طريق إلى الاستقرار نوعا ما، وظلت المسيرة على هذا النحو حتى 21 سبتمبر،  ثم غلب الجمود نسبيا في المرحلة الحالية، فكل الناس كانوا يطمحون في حقيقية الأمر إلى الأفضل، وأن التغيير في 2011 سيأتي بشيء أفضل مما هو كائن، لكن الآن يتمنون الحفاظ على ما تم إنجازه في الماضي ما قبل 2011. فالناس يشعرون الآن بأن الوطن يتشظى، والمؤسسات تنهار، ويتم تدمير كل ما أنجز في الماضي، في حين أنه كان المطلوب الحفاظ على إيجابيات الماضي، وأن يكون هناك عمل على ما كان سلبيا لتقديم شيء أفضل مما كان عليه، لكن ما يجري كارثة " (3).

4- اللحظة انتصار: وهو الاتجاه الحوثي القائل بأنها لحظة لن تعيد جماعة "أنصار اللـه" إلى الوراء، حيث كانت مستهدفة من النظام السابق ثم بعد ثورة فبراير، فعلى الرغم من مشاركتهم فيها فإنهم أصبحوا مستهدفين من القوى التي صعدت على أكتاف تلك الثورة وتحديدا (الإصلاح – الإخوان المسلمين) والجناح العسكري في النظام السابق – علي محسن الأحمر – الذي انشق عن نظام صالح خلال فترة الثورة، ورغم ذلك فهم عملوا على إبقاء الرئيس الحالي "عبد ربه منصور هادي" كشوكة ميزان لضمان عدم انهيار كل مؤسسات الدولة، وتجاوبوا مع الحكومة ومع باقي الكيانات السياسية رغم الإحساس في بعض الأحيان أنهم طرف غير مرغوب فيه، في الوقت الذي تمكنهم قوتهم من أن يكون لهم نصيب أكثر مما هو قائم بالفعل بعد ثورة 21 سبتمبر.

  ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنه من الضروري أن يتم استيعاب أبناء هذه المناطق التي عانت من الحروب في ظل مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش والأمن، حيث أصبحوا موجودين بقوة في صنعاء وفي غيرها من المحافظات، وهم يريدون أن يكونوا شركاء في المؤسسات الأمنية. كما تم استيعاب أبناء المناطق الوسطى بعد ثورة 26 سبتمبر وبعد أحداث الجنوب وبعد أحداث صيف 94 وبعد ثورة 2011 تم استيعاب أكثر من 150 ألف مجند من حزب الإصلاح، أما هؤلاء فيمكن الاستفادة منهم ومن خبرتهم الأمنية والعسكرية التي مارسوها خلال الحروب السابقة (4)

 

اللافت للنظر أن الحركة الحوثية عملت على تقييد السلطة من الحركة في ممارسة وظائفها الطبيعية دون أن تطيح بها بل أبقت عليها في إطار شكلي، لكن فرضت وصايتها على السلطة وعلى المؤسسات وفي مقدمتها المؤسسات السيادية والسياسية والاقتصادية، ثم تحكمت في إداراتها .

 وأصبحت الدولة الصغرى، إن جاز التعبير في "صعدة" المعقل الديني للحركة بمثابة الدولة "الفعلية" التي تدير الدولة المركزية عبر ذراعها السياسية في "الجراف"، فقد فرضت الحركة مظاهر القوة الأمنية عبر نشر نقاط السيطرة لعناصرها في أغلب أرجاء العاصمة سواء في الشوارع أو في المؤسسات بما فيها السيادية والأمنية والعسكرية التي استولت على بعضها، وأبرزها رئاسة الأركان ومقر الفرقة الأولى مدرع، التي كانت محسوبة على علي محسن الأحمر والإصلاح، ولاحقا قطاع الأمن المركزي الذي كان محسوبا على شقيق الرئيس السابق ونجله وذلك بدعوى ضبط إيقاع الفوضى في الشارع والمؤسسات.

 

ثانياً- مؤشرات قوة الحوثيين

 وعلى المستوى السياسي ترجمت مظاهر القوة للحركة الصاعدة، في العديد من الأمور وأبرزها:

1- توقيع اتفاق السلم والشراكة في لحظة نجاح الاجتياح، وتم توقيع الاتفاقية مع السلطة التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي وقوى اللقاء المشترك وعلي رأسها (الإصلاح – الإخوان المسلمين)  الذين جرى تقليص نفوذهم العسكري في طريق معركة الاجتياح، من صعدة إلى صنعاء، فيما عرف بالحرب السابعة، خلال عام 2014، ووقعت الحركة الحوثية الاتفاق من موقع المنتصر، فالإصلاح اعترف بأن الاتفاق وقع تحت "قعقعة السلاح" (5).

 2- صعود الحركة إلى قمة المشهد السياسي في 21 سبتمبر، ثم إلغاؤها للمبادرة الخليجية وتوقيع اتفاقية السلم والشراكة، وبغض النظر عن تفاصيلها وما ترتبه من تداعيات وجدول أعمال سياسي، إلا أنه بالنظر إلى دائرة تشابك السياسية المحلية والإقليمية، فهي تعتبر انقضاضا على النفوذ السعودي التاريخي، في مقابل التمكين للنفوذ الإيراني في ظل الحرب الإقليمية الباردة بين الطرفين، وكان من أبرز تداعيات هذا الموقف على السعودية هو سحب دعمها للرئيس السابق علي عبد اللـه صالح الذي لا يزال فاعلا في المشهد السياسي حتى اللحظة بما يمتلكه من جناح قبلي فضلا عن الجناح العسكري الذي كرست له المبادرة الخليجية فهو لديه نحو 10 آلاف من الضباط والجنود، فضلا عن عدد من المعسكرات التي يهيمن عليها نجله أحمد علي عبد اللـه صالح الذي ينسب إليه تأسيس هذه القوة والإشراف عليها، حيث اقتنعت السعودية أن صالح ضالع في دعم الحوثيين في عملية الاجتياح لرغبته في إثارة الفوضى على قاعدة "أنا أو الفوضى" من جهة، وتقويض صلاحيات الرئيس هادي الذي ينظر إليه على أنه كان نائبه وأمين حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه ويترأسه صالح بنفسه، حيث اعتبر أن هادي يريد أن يكون رئيسيا بصلاحيات حقيقية، وأنه تجاوز الخط الأحمر كونه يرغب في إعادة هيكلة الجيش وفي مقدمتها قوات الحرس الجمهوري.

إن الحركة الحوثية عملت على تقييد السلطة المركزية من الحركة في ممارسة وظائفها الطبيعية دون أن تطيح بها بل أبقت عليها في إطار شكلي

 

 3- وقع النفوذ السياسي للحركة الحوثية، جرى تغيير حكومة "الوفاق الوطني" برئاسة محمد سالم باسندوة، ليتم تشكيل حكومة "الشراكة الوطنية" برئاسة خالد بحاح، وحصلت خلالها الحركة على 6 حقائب وزارية في الظاهر لكنها قيدت سلطة الحكومة واقعيا، بل لم يثبت للحكومة أي دور في الواقع، فلم يبرز لتلك الحكومة أي دور منذ ولادتها المتعثرة حتى ثلاثة أشهر من الإعلان عنها، كما عينت مستشارا للرئيس يعد الأبرز من بين المستشارين للرئيس هو صالح الصماد الذي يمثل الواجهة السياسية للحركة في السلطة.

وفي دلالات إضافية على الهيمنة السياسية للحركة بعث الرئيس هادي مستشارين إلى محافظة "صعدة" للتفاوض مع زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، حول "القضايا الشائكة في اتفاقية السلم والشراكة" التي توصلت إليها السلطات مع الحوثيين في سبتمبر 2014، وملف مستقبل الأقاليم، ومن ثم ملف الجنوب المتفاقم على وقْع ما يشبه الثورة ضد الشمال والإبقاء على الوحدة التي فرضت بين عامي 1990 و1994 باجتياح عسكري، وتولِي الحركة الحوثية هذا الملف أولوية، حيث تقر بالظلم الذي كرست له سياسيات نظام علي صالح خلال حقبة الوحدة، لكنها في الوقت نفسه ترى أن أي تعامل معه يجب أن يتم تحت مظلة الوحدة وليس الانفصال، في حين أن هناك حساسية شديدة لدى قوى الحراك من التعاطي مع الملف من الجانب الحوثي، ومن ثم يمثل هذا الملف أزمة مؤجلة بين الطرفين .

 4-على المستوى الأمني والعسكري، كان لوقع الاجتياح الحوثي للعاصمة والسيطرة تداعياته أيضا، فالحركة تعاملت مع النفوذ الأمني والعسكري لخصومها بمنطق الثأرية، فالحركة لم تنسَ ضلوع الإصلاح في الحروب الست التي كان يشنها نظام علي عبد اللـه صالح عليها في معقلها الديني في "صعدة"، فقد اجتاحت الفرقة الأولى مدرع التي يهيمن عليها الرجل الثاني في النظام السابق علي محسن الأحمر، والتي كان عبارة عن جناح عسكري يهيمن عليه الإخوان المسلمين في الغالب، وجرى تحويله إلى مقر للحركة الحوثية، في حين أنها لم تتعرض للقوات الموالية لصالح، وهو أيضا يعد إضافة إلى دلالات وجود علاقة بين صالح وبين عملية الاجتياح.

 لكن الرئيس صالح ينفي الأمر، ويعتبر نفسه رقما غير مهم في المرحلة الحالية حتى لا يكون في دائرة الاتهام في كل شيء. وأن هناك من يتباكون على ما كانت عليه تلك المؤسسات وما كانت توفره من حالة استقرار حتى جاءت أزمة فبراير 2014 على حد قوله (6). كما يؤكد بالقول: وفي حين أن الإصلاح يعتبر أن ما جرى كان بمثابة مؤامرة سياسية لإعادة ترتيب المشهد السياسي، نحن كنا جزءًا من الاصطفاف الوطني وكانت السلطة قد طلبت من الاصطفاف الوطني أن يتهيأ للدفاع عن صنعاء، وكان وجودنا في هذا الإطار، لكن في اللحظة الأخيرة رأينا الجيش لم يواجه ووزارة الدفاع كذلك، وبالتالي نحن أصلا كنا جاهزين للوقوف إلى جوار السلطة في المقاومة، أما الفرقة الأولى لم يكن موجودا منها عمليا وقت الاجتياح سوى المقر لأنها حلت، ولم يتبق إلا في حدود كتيبتين مشاه، وذلك عندما دمج الجيش وخرج علي محسن ليكون مستشارا للرئيس، وأصبح مقر المنطقة السادسة ويرأسها الآن واحد من مجموعة علي عبد اللـه صالح أو المحسوبين عليه" (7).

 ومن الأهمية الإشارة أنه على المستوى الرئاسي أيضا هناك استدعاء لنظرية المؤامرة في لحظة السقوط، كما يؤكد مستشار الرئيس للشئون السياسية والإستراتيجية "إن ما جرى كان مؤامرة، يسر لها النجاح ذلك الميراث الأمني الذي خلفته تركة حكم علي عبد اللـه صالح، وهو الذي لعب دورا رئيسيا في تلك المعركة، من حيث التكوين علي أساس الولاء القبلي وليس المؤسسي إلى الولاء العائلي، أي لعلي عبد اللـه صالح ونجله أحمد، ويحيى محمد علي صالح نجل شقيقه قائد قوات الأمن المركزي، وأن الرئيس الحالي يقوم على عملية المأسسة مهما كانت العقبات" (8).

 بينما الحوثيون يعتبرون أن نصرهم تحقق على تلك القوى التي عملت على إقصائهم دوما من المشهد رغم أنهم شاركوا في ثورة فبراير وأن "ما جرى في 21 سبتمبر لم يكن مرتبا بصفقة مع الرئيس السابق ولا غيره وإنما جاء لتصحيح مسار الثورة التي اندلعت في 11 فبراير 2011، فمن يتأمل التركيبة السكانية لليمن والتركيبة الجغرافية والعاصمة صنعاء يدرك أن أغلب سكانها بالأساس من (أنصار اللـه) هم قواعد للفكر وللتوجه الذي أتى به (أنصار اللـه)، الأغلبية منهم، لم يأتوا من الخارج فكلهم سواء من داخل أو محيط صنعاء، فهذا السقوط المدوي لهم هو نتيجة لحالة من الاحتقان من الظلم والاستبداد والإقصاء والتهميش لطائفة أو لشريحة كبيرة في اليمن وبالذات في العاصمة فهم وجدوا قوة يستندون إليها، وقد تحركت هذه القوة وإلا لو كانت هناك أي قوة لن تستطيع أن تدخل صنعاء بهذه السهولة لو لم تكن القاعدة الشعبية من أبناء أمانة العاصمة ومن محيط صنعاء (9).


- اقتنعت السعودية أن صالح ضالع في دعم الحوثيين في عملية اجتياح صنعاء لرغبته في إثارة الفوضى على قاعدة "أنا أو الفوضى"

  وتعمل الحركة في الوقت الراهن على إدماج الآلاف من مليشيا الحركة في قوات الجيش وفي مؤسساته وخاصة الأمن السياسي، ولا يوجد تقدير حقيقي لتلك الأرقام المطلوب إدماجها، لكن أقصى التقديرات وصلت إلى نحو 15 ألف عنصر، في حين أنها طلبت مبدئيا إدماج ألفي عنصر كباكورة لتلك العناصر التي ترغب في إدماجها، وتنظر الحركة إلى هذه الخطوة على إنها بمثابة "حق" لا يمكن التنازل عنه، كون الإصلاح أدمج نحو 60 ألفا من عناصره من قبل إبان ثورة فبراير 2011 (10). 

 ومن المتوقع أن تلقي هذه العملية بظلها على تركيبة "الجيش" الذي لا يمثل مؤسسة بالنظر إلى توزيع الولاءات في داخله خاصة الولاء السياسي، بل وتركيبة الجيش نفسه من قبائل معينة في محيط صنعاء. بالإضافة إلى أن المملكة العربية السعودية هي التي توفر الموارد المالية لتلك القوات، حيث كانت تمنح السلطة اليمنية رواتب نحو 47 ألف ضابط وجندي نظامي خلال رئاسة علي عبد اللـه صالح. ومن المعتقد أن السعودية بصدد إعادة النظر في تلك العملية (11).

 في هذا المجال من المعتقد أن السياقات العسكرية التي تفرضها الحركة الحوثية أقرب شكلا إلى نموذج حزب اللـه اللبناني، بفوارق خصوصية الحالة، فالحركة في البداية لدى نشر عناصرها في نقاط السيطرات وحول المؤسسات، كان ينظر إليهم نظرة دونية من قبل الجماهير التي انتقدت الحالة دون الاصطدام معها، حيث كان الزي الرسمي لتلك العناصر والأعمار المتفاوتة واضحة في المشهد، فمن الواضح من المشاهدات الحية أن الأعمار تتفاوت من العشرين إلى الخمسين، ومعظمهم من الواضح أنه ليس متدربا على السلاح بالقدر الكافي، لكن تبدو هذه النظرة سطحية للغاية، من عدة وجوه، فالحركة التي استولت على آليات ومعدات الجيش في "الحرب السابعة" التي توّجت بعملية الاجتياح، ويذكر بشكل غير رسمي أنها وصلت إلى نحو 110 دبابات ومدرعات، في حين أن السلاح التقليدي متوافر للحركة بحكم البيئة اليمنية المسلحة دون قيود أو ضوابط، وبها نحو 60 مليون قطعة سلاح في أيدي الأفراد بخلاف الجيش، ما يعني أن كل مواطن يحوز على الأقل 3 قطع من السلاح ( عدد السكان يقدر بنحو 25 مليون مواطن، وفقا لآخر إحصاء (12).

 لكن في الواقع هناك تقارير تشير إلى أن هناك تطورًا نوعيًا نظرا للفوضى الأمنية التي عمت أرجاء اليمن بعد ثورة فبراير 2011 سمحت للحركة الحوثية بالحصول على الدعم العسكري الإيراني بشكل غير مسبوق، كما أن هناك شهادات موثقة تؤكد أن إيران قامت بتدريب نحو ألفي عنصر في معسكرات خاصة، وفي المقاطعة الجنوبية في لبنان لدى حزب اللـه، وفي جزر في القرن الأفريقي مستأجرة لحساب إيران، وهي القوى التي قادت عملية الاجتياح دون أدنى مواجهة من أي طرف آخر سواء قوات الجيش أو حتى قوات الإصلاح التي جرى حشدها في محيط العاصمة ثم سحبها منه، على الرغم من أن الإصلاح يصدر مقولة: إن سحب قواته جرى على قاعدة وأد حرب أهلية دامية ورداء لفتنة وفخ نصبه لها أطراف في السلطة والنظام السابق(13). لكن من الواضح أن حركة الإصلاح تراجعت بعد معركة الحصبة الدامية في صنعاء والتي هزمت فيها العناصر الموالية لآل الأحمر، فالحوثيون حينما اجتاحوا عمران ومران، معقل الشيخ عبد اللـه بن حسين الأحمر وأولاده، اقتلعوهم اقتلاعا وهي منطقتهم ومعقلهم، وذلك جرى بتحالف من القبائل وقادة الجيش (14).

5- التداعيات على المستوى الاقتصادي، يمر اليمن بظروف اقتصادية شديدة الصعوبة، فجاءت تلك التطورات لتلقي بتداعياتها على هذا الواقع الاقتصادي المتأزم، حيث عجز الدولة عن إدارة مؤسساتها الاقتصادية التي وقعت تحت الهيمنة الحوثية بدعوى مراجعتها والقضاء على الفساد فيها، وكان من أبرز وأهم تلك المؤسسات البنك المركزي، الذي سيطرت عليه الحركة وصادرت كل ملفاته لصالحها، كما سيطرت على العديد من الشركات الخاصة بآل الأحمر بعد مصادرتها، وهي في غالبها شركات تعمل في مجال التجارة والاتصالات والتعدين.

 وهناك سؤال يبدو ملحًا في سياق التطورات الراهنة في الوضع اليمني يفتقر إلى إجابة دقيقة وموضوعية، فمن الذي يقوم بتمويل الحركة ماديًا فضلا عن دعمها العسكري المؤكد؟ هناك إشارات إلى الدعم الإيراني، فعلى الرغم من نفي الحركة لهذا الدعم بل وادعاء أن إيران كانت تنسق من قبل مع نظام صالح، فإن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي قال في تصريح رسمي إنَّ "المنطقة، اليوم، تشهد تغييرات كبيرة في موازين القوى"، معتبرًا أن كل هذا التغيير يصب في مصلحة إيران، وفي مصلحة ثورتها، التي قامت قبل أكثر من ثلاثة عقود. مضيفا " أن " أنصار اللـه في اليمن، يشبهون "حزب اللـه" في لبنان، فهؤلاء يتحركون على أسس ومبادئ الثورة الإيرانية أيضًا"(15).

 6-التداعيات الاجتماعية، في ضوء النفوذ القبلي الذي كان يعتد به كوزن سياسي للقوي السياسية التقليدية في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبد اللـه صالح، يبدو أن هذا النفوذ لم يعد يحتل المرتبة الرئيسية كقوة رئيسية ومركزية في السلطة والحكم والنفوذ السياسي، ومن ثم يجري إعادة ترتيب هذا الواقع بحكم التطورات الراهنة.

ففي الفضاء الاجتماعي اليمني هناك متغير وافد على المستوى الديني بشكل غير مسبوق، يتجلى في الاحتفالات الدينية ذات المظاهر المبالغ فيها، والتي بدأت تكتسي بالملمح الشيعي الاثنى عشري الأقرب إلى النمط الإيراني وليس الملمح الزيدي – نسبة إلى الأمام زيد بن يحيى الهادي – حيث غالبا ما كان يجري تقييم المذهب في اليمن على أرضية ثقافية وليس دينيه، كما هي الحال بالنسبة للشافعية، فالاحتفالات غير المسبوقة بالمولد النبوي الشريف التي دشنتها جماعة (أنصار اللـه) الحركة الحوثية في العاصمة صنعاء حيث مقرها السياسي وصعدة، حيث موطن المرجعية الدينية، وخلالها أقيمت استعراضات عسكرية للمرة الأولى لعناصرها بزي عسكري، واستعراضات أقرب إلى نمط "حزب اللـه" تحت مسمى احتفالات ذكرى مولد "الرسول الأعظم" وهي مفردة أيضًا مستعارة من الأدبيات الشيعية، وسط حضور لافت للنظر لممثلين دبلوماسيين روس وأوربيين وسفراء غربيين في سياق حديث ممتد في اليمن وخارجها حول  التحولات المذهبية الجديدة، خاصة مع تكرر تلك المظاهر في المناسبات مثل الاحتفال بليلة "عاشوراء" ومولد الإمام "زيد" وغيرها، ولكن يبدو أن هناك إشكالية في هذا الأمر، فهناك رؤية تعتبر في الغلو الحوثي الاستعراضي في المناسبات الدينية منذ سبتمبر 2014 هو مظهر طائفي اثني عشري أقرب إلى حوزة قم في إيران وليس حتى الحوزة العربية المناظرة في العراق في النجف، ورؤية أخرى ترى فيهم حالة غلوًا في المذهب الزيدي نفسه يطلق عليها "الجارودية".
- تعمل الحركة الحوثية في الوقت الراهن على إدماج الآلاف من مليشيا الحركة في قوات الجيش وفي مؤسساته وخاصة الأمن السياسي

ثالثاً- الظروف الأمنية في ظل اتفاق الفرقاء (الإصلاح والحوثيون)

على الرغم من تفاوض طرفي الأزمة في شمال اليمن الحوثيين والإصلاح في ديسمبر 2014، خلال جلسة بدت مفاجأة عندما توجه الإصلاح إلى صعده المعقل الديني للحوثيين، وجرى الاتفاق على ثلاث قضايا رئيسية هي: أولا، التأكيد على بناء الدولة  القائمة على العدل والمساواة والحرية. ثانيا، التعهد بمحاربة الفساد أينما وجد في مؤسسات الدولة. ثالثا، تنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشركة. وقد تعهد الطرفان على إنهاء كل أسباب التوتر ومعالجة تداعيات الفترة السابقة . لكن جميع القوة السياسية التي تفاجأت بالواقعة شككت في عملية ثبات الاتفاق وإمكانية تحققه على أرض الواقع، فالخلافات الميدانية بين الطرفين من الصعب أن يتم تداركها عبر اتفاق شفاهي بين الطرفيين، في حين أن العديد من الملفات الأمنية المفتوحة مثل قيام الحوثيين بتفجير العديد من المواقع التي كانت تمثل مرتكزات أمنية للإصلاح في محافظة عمران، وأيضا الصراع الأيديولوجي بين الطرفين في ظل حالة تصاعد نمط الطائفية على الجانبين، فعلى الرغم من أن جامعة الإيمان التي كانت بمثابة المؤسسة الفكرية للإصلاح فإنه جرى إغلاقها في ظل أحداث 21 سبتمبر، في المقابل صعد الحوثيون من المظاهر الدينية والنبرة الطائفية، ومن ثم يبقى الصراع ممتدا على هذا النحو لتجنيد مزيد من القواعد على مستوى كل من الطرفين، من جهة، كما أن صمود الاتفاق في ظل الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، يجعل من الاتفاق هشا حتى ولو كانت هناك تسريبات تقول بأن اللقاء بين الطرفين كان مدعوما من الجانبين، وعليه تبقي نظرية الحرب بالوكالة بين الطرفيين قائمة على الساحة اليمنية.

وإضافة لما سبق يشكك الحوثيون في علاقة بين الإصلاح بالقاعدة وداعش، ويجري تسويق هذه العلاقة على مستوى القواعد الحوثية، وخلال الشهر اللاحق للقاء بين الجانبين ظلت الاتهامات متبادلة بل والحرب مفتوحة لدى الجانبين خارج العاصمة، وتتضح ملامحها أكثر في أبين ومأرب، وفي ظل عدم وجود ضمانات للمؤسسة العسكرية بأن تكون هي الضابط للإيقاع الأمني وحاكما بين كل الأطراف، تبقى الأزمة مفتوحة على مصراعيها، وفي حين أن العاصمة نفسها باتت مسرحا للانفلات الأمني، حيث استهداف الأكمنة الحوثية في نقاط السيطرة المنتشرة فيها يؤكد عدم صمود الاتفاق، وتطال هذه التفجيرات المؤسسات الأمنية مثل كلية الشرطة في مطلع يناير 2015، أو منازل القيادات الحوثية في العاصمة، والتي تلحق بالقاعدة والإصلاح معًا. 

 

رابعاً- إشكاليات مخرجات الحوار الوطني

  شكلت وثيقة الحوار الوطني التي عكفت القوي السياسية اليمنية عليها خلال ما يقرب من العام عليها عنوانا لخريطة طريق سياسي كوّنها الاجتماع السياسي الشامل الذي ضم مظلة جامعة لغالبية القوى السياسية والمكونات اليمنية شمالا وجنوبا بهدف معالجة المشكلات السياسية التي يمر بها اليمن، واستمر هذا الحوار على مدار ما يقرب من العام وتحديدا منذ مارس 2013 حتى يناير 2014، وعلى الرغم من أن هذا الحوار استحوذ على المجال السياسي العام، حيث اشتملت الوثيقة على ملفات مهمة مثل القضية الجنوبية، وقضية صعده حيث الملف الحوثي والقضايا ذات البعد الوطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وبناء الدولة، والحكم الرشيد وأسس بناء الجيش والأمن ودورهما واستقلالية الهيئات ذات الخصوصية والحقوق والحريات والتنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة وملف الدستور، فإن العديد من الإشكاليات طالت أولًا عمل الوثيقة، فعلى سبيل المثال في ملف الجنوب لم تحسم الوثيقة الملف هل سيعالج ضمن ملف الأقاليم الستة أو سيعالج في إطار ملف الاستقلال، وبدا هناك خلاف كبير في ساحة الحراك الجنوبي على هذا الملف بين أقطابه، وبدت هناك عملية تشكيك في نيات الرئاسة التي أشرفت على الحوار كون أن اللجنة المعنية بملف الجنوب لم تكمل مشوارها، فيما شكلت الرئاسة لجنة أخرى في نهاية الحوار حتى يتم الانتهاء من هذا الملف.

الإشكالية الأخرى أن لجنة الحوار التي انتهت من صياغته في 25 يناير 2014 أعلنت في الوقت الذي لم يكن هناك حضور للحركة الحوثية على الساحة مثلما هي الحال لدى ظهورها على الساحة كما هي الحال في أعقاب 21 سبتمبر 2014، ولم تبد هناك مؤشرات واضحة على قناعة الحركة الحوثية بمخرجات الحوار الوطني لدى إرسال الرئيس لوفد ممثل له لوضع مسودة الدستور بين أيدي الحوثيين في صعده، فعلى سبيل المثال الحوار كرس لإعادة هيكلة الجيش، في حين أن الحركة طلبت لاحقا دمج عناصرها فيه . بقدر ما تسرب عن الوفد الرئاسي إلى صعدة السعي لتمديد فترة الرئاسة المؤقتة للرئيس عبد ربه منصور هادي على أرضية تصدير فكرة الحوار المشترك بين الرئاسة والحركة التي أصبح لها ثقلها في المجال السياسي العام.

- القوى المقابلة للحركة الحوثية لا تزال تشكك في قوة الحركة ووزنها الجماهيري، ومن ثم تبحث عن الوصول إلى مشهد يمكن أن تتضح فيه الأوزان السياسية لتلك القوى

وقد رفعت الحركة في شوارع صنعاء لافتات تحمل شعارات مخرجات الحوار الوطني، ووضعت لافتات خاصة بتكريم طلاب الحركة. ووسط العديد من الإشكاليات الظاهرة التي يحفل بها المجال السياسي اليمني هل تبدو الحركة بصدد إعادة النظر في مخرجات الحوار الوطني، أم أنه سيمرر على قاعدة الاستفتاءات على الدستور والعملية الانتخابية، خاصة وأن الحكومة التي يقودها خالد بحاح ألقِيَ على عاتقها تنفيذ مخرجات هذا الحوار في الوقت التي لم تضطلع فيه تلك الحكومة بمهامها الفعلية في ظل حالة السيولة السياسية في اليمن.

 

خامساً- سيناريوهات المستقبل

تبدو سيناريوهات المستقبل السياسي لليمن بعد صعود الحركة الحوثية  في مشهد الهيمنة على المجال السياسي وتداعياته علي مجمل المجال اليمني العام مفتوحة في ظل حالة التطورات السريعة في المشهد ذاته، لكن وفقا لما جرى عرضه من مواقع وتداعيات، فإن هناك عدة سيناريوهات يمكن تصورها على النحو التالي:

السيناريو الأول: البحث عن اختراق في ضوء المشهد السياسي الراهن

يبدو أن معظم القوى السياسية وصلت إلى مداها من حيث قوتها ومقدراتها، بحيث تساوت غالبية المكونات السياسية لكنها في لحظة جمود أمام حالة الذهول في مقابل الصعود الحوثي الذي لم يكن مرتقبا، في الوقت الذي تواصل فيه الحركة نهمها في حصد مزيد من التمدد على الخريطة السياسية لما بعد العاصمة ومنطقة الشمال وشمال الشمال، إذ إنها بدأت في عملية الاحتكاك الفعلي مع مناطق ما بعد "القبلية" حيث المدن الحضارية أو شبه الحضارية، كما هي الحال في "تعز" وهناك بدأت في عملية تغير شكلاني، حيث عملت على تشكيل مجلس إدارة عسكري في المحافظة، وهو ما لقي ردود أفعال واسعة تنتقد هذا الحضور، وعلى مستوى آخر في نفس المناطق جنوبي العاصمة بدأت نقاط التماس مع "القاعدة" في "مآرب" وأبين "في الجنوب" وأيضا مع الإصلاح، في ظل فشل التسوية السياسية، فرغم أن الإصلاح توجه إلى المعقل الديني للحركة في ديسمبر 2014 في محاولة للتوصل إلي تسوية سياسية وطي صفحة الماضي، لكن لم يقابل هذا الأمر برد فعل مواز، وتوضح المعارك في مناطق محيط العاصمة وجنوبها هذا الأمر، لكن القوى المقابلة للحركة الحوثية لا تزال تشكك في قوة الحركة الحوثية ووزنها الجماهيري، ومن ثم تبحث عن الوصول إلى مشهد يمكن أن تتضح فيه الأوزان السياسية لتلك القوى، وهي محطة الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية. ووفقا لهذا السيناريو فإن حالة الجمود السياسي التي تعاني منها القوى السياسية باستثناء الحركة الحوثية ستبقى على حالها في مقابل التمدد الحوثي لحين حدوث اختراق سياسي يرتب الأوضاع السياسية في ظل استمرار المعارك الحربية في نقاط التماس.

السيناريو الثاني: إعادة تريب الأوزان السياسية

خروج الرئيس عبد ربه منصور هادي من المشهد السياسي بحسم معركة الأقاليم، وعدم القدرة على التمديد له، واللجوء لطرح شخصية رئاسية توافقية يمكن الاحتكام إليها، ومن ثم إعادة ترتيب المشهد في ضوء تقاسم نفوذ السلطة بين القوى السياسية الرئيسية وهي الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام والحوثيين، وذلك في ضوء رغبة الرئيس في عملية التمديد وفشل الحكومة في ممارسة وظائفها وبسط سلطتها، وفي ظل تدهور المنظومة الأمنية، بالإضافة إلى رد الفعل من القوي المناوئة التي تستهدف العناصر الحوثية من خلال مسلسل التفجيرات في العاصمة ومحيطها الجغرافي.

السيناريو الثالث: الحرب الأهلية والوصاية الدولية

من المتصور أيضا في ظل التمدد الحوثي وبسط هيمنة الحركة علي الشمال أن تقع حرب مع الجنوب لدى محاولة الحركة بسط نفوذها عليه، فالحركة وإن كانت تعترف بأن الجنوب لديه مظلمة تاريخية على طول سنوات الوحدة التي لم تتحقق إلا أنها ليست راغبة في الانفصال، ولا توجد تسوية سياسية مع قوى الحراك الجنوبي الذي يطالب في معظم مكوناته بالاستقلال عن الشمال أو تحت مظلة كونفدرالية مؤقتة لمدة خمس سنوات لحسم هذا الأمر، لكن الاتجاه السياسي الراهن يقرر أن إيران راغبة في وصول الحركة الحوثية إلى بحر العرب والسيطرة على منفذ باب المندب، ورغم أن الحركة الحوثية تنفي مطامعها في هذا القطاع لكنها لا تنفي في المقابل أنها تحتك ببعض قطاعات قوى الحراك، نظرا لظهور بعض عناصرها في الجنوب، لكن عودة ظهور حزب اليمن العربي في مقابل قوى الحراك التقليدية، وهو قطاع مدعوم من السعودية يري في إمكانية استقلال الجنوب على أرضية مملكة أو إمارة عربية مناظرة لإمارات الخليج، وأن العودة إلى الجمهورية اليمنية الاشتراكية كما كانت عليه الأمور قبل الوحدة عام 1990، هي فكرة لم تعد لها وجاهة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، هو أمر يقول بأن هناك معركة مؤجلة بين الشمال والجنوب تستعر تحت جبل الجليد الطافي على المحيط السياسي اليمني، لكن في المقابل لا يمكن تجاهل قوة المتقاعدين العسكريين والذين يبلغ عددهم بنحو 80 ألفا (16). وفي ضوء هذا السيناريو يتوقع أن يكون هناك تدخل دولي في نطاق الفصل السابع الذي أصبح له منفذا في الشأن اليمني بعد فرض عقوبات على الرئيس السابق علي عبد اللـه صالح، فلا يمكن استبعاد فرص الوصاية الدولية على اليمن.

 السيناريو الرابع: العودة إلى الثورة

يمكن أيضا في ضوء التطورات المتلاحقة والقفزات السريعة في المشهد السياسي اليمني بين الشمال والجنوب توقع موجة ثورية جديدة تعيد ترتيب المشهد السياسي بين الشمال والجنوب، فلا يمكن تجاهل وجود قوى تمرد متناثرة في المجال السياسي اليمني موزعة بين العديد من القوى غير راغبة في مآلات الوضع الراهن، وترى أن الصراع بين الدولة والقبلية لم يحسم بقدر ما تحول إلى الصراع بين الدولة والمليشيا، فهناك الحراك الطلابي في جامعة صنعاء، وحراك قوى الشباب "مد" في تعز، وغيرها من كل تلك القوى الشبابية التي تري أن هناك مؤامرة جرت على ثورة فبراير، وأن الثورة لم تفرز ما كانت ترغب فيه وعجزت عن رسم خريطة طريق ثورية، ولكن هذه القوى بعضها يبحث عن مؤسسات معنية حاضنة له كما هي الحال في ثورة 30 يونيو في مصر وخاصة المؤسسة العسكرية، ومن ثم برز اسم وزير الدفاع محمود الصبيحي كشخصية لقيادة المشهد، لكن هناك حالة من الإحباط تعم هذه القوى، بالنظر إلى تركيبة المؤسسة العسكرية التي يجب إعادة النظر في تركيبتها التي تغوّلت عليها القبيلية والمليشيا.

 

المراجع:

1.    ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي، الأهرام 5 نوفمبر 2014.

2.    مقال مروان العفوري، ليلة سقوط الجمهورية، يمن جورنال بتاريخ 31-10-2014.

3.    الرئيس علي عبد اللـه صالح،  أهرام ويكلي عدد 1223 بتاريخ 27-11- 2014.

4.    صالح الصماد، عضو المكتب السياسي للحركة الحوثية، حوار منشور، الأهرام ويكلي عدد 1222 بتاريخ 20-11- 2014.

5.    محمد قحطان، القيادي بحزب التجمع اليمني للإصلاح، جريدة أهرام ويكلي عدد 1223 بتاريخ 27-11- 2014.

6.    الرئيس علي عبد اللـه صالح، مرجع سابق.

7.    محمد قحطان، القيادي بحزب التجمع اليمني للإصلاح، مرجع سابق.

8.    فارس الثقاف، مستشار الرئيس اليمني، الأهرام ويكلي، 27 نوفمبر 2014

9.    صالح الصماد، عضو المكتب السياسي للحركة الحوثية، مرجع سابق ذكره.

10.                       المرجع السابق ذكره.

11.                       محمد علي أحمد، وزير الداخلية اليمني الأسبق، نوفمبر 2014.

12.                       فارس الثقاف، مرجع سابق ذكره.

13.                       محمد قحطان، مرجع سبق ذكره.

14.                       فارس الثقاف، مرجع سبق ذكره.

15.                       الجنرال حسين سلامي، وكالة أنباء فارس، 31 ديسمبر 2014.

16.                       العقيد ناصر الطويل، الأهرام إبدو 26-11- 2014 .

 

 

* باحث بمؤسسة الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟